قطوف من شجرة الحياة
20
د.
اسكندر لوقـا
تكبر
الأمنيات لدى الإنسان مع
المعطيات التي تبشِّر بالمزيد من قدرته على الفعل لصالح الوطن والمواطنين. ومع
تنامي هذه الحالة، يتراءى للإنسان ما هو ممكن التحقيق وما يجب أن يتحقق. وعندما
يعود إلى نفسه يحاورها ويتحدث إليها بصدق وبموضوعية، يكون قادرًا على تفهم الأسباب
التي تفصله أو تقرِّبه من أمنيته المنشودة. وبمعنى ما تضعه أمام معادلة محاسبة
الذات أين أخطأ وأين أصاب، وبالتالي يتجنب السقوط في التجارب التي تكبل يديه ويصعب
عليه الخروج من شباكها بعد فوات الأوان.
***
حالة الدفاع عن النفس مبدأ إنساني مشروع ومبرَّر من مختلف الزوايا وفي مختلف
الظروف. وعندما يكون تطبيق هذا المبدأ سليمًا فإنه يكتسب أهمية خاصة أو بعدًا
إضافيًا، وبذلك يزداد اقترابًا من الحقيقة ومن العدل. وبالتالي لا يملك أحد حجة
للقول بأن هذا المنطق يقارب التلاعب بأمور الحياة بشكل أو بآخر. وما ينطبق على
الأفراد هنا ينطبق على المجتمعات عندما يتطلب الأمر دفاع هذا المجتمع أو ذاك عن
نفسه وهو إلى ذلك يبقى دفاعًا مشروعًا ومبرَّرًا، وإن يكن ذلك يتطلب تقديم ضحايا
بلا حساب.
***
يعتقد البعض منا أن الحياة هي المسافة الزمنية التي تفصل بين لحظة ولادته وبين لحظة
رحيله عن دنياه. وعلى ضوء هذه المعادلة، يمكن للمرء أن يتفهم حضوره في الزمن كما هو
دوره الفاعل ماديًا على الأرض. وفي السياق المتصل هو يدرك أيضًا، وبكامل وعيه
وإرادته، يدرك بأنه جزء من الماضي والمستقبل مثلما هو جزء من الحاضر. هذه المعادلة
يجب ألا يسقطها المرء من حساباته وإلا صار مجرَّد ظاهرة طارئة في الحياة ظهرت في
زمن ما وفي مكان ما على وجه الأرض ومن ثم ما لبثت أن اختفت وغادرت إلى حيث مكانها
في رحاب السماء دون أن يشعر به أحد.
***
كثيرون من الناس يتطرقون إلى المسألة الأهم في حياة الإنسان، ربما في كل الأزمنة لا
في الزمن الراهن فحسب، وأعني بها الحرية. الحرية، تعني أن يكون للمرء حق ممارسة ما
يراه من وجهة نظره صوابًا، وهذا حقه ولا يُرد عليه. هذه المسألة هي من المسائل التي
شغلت وتشغل بال الإنسان لعلاقتها العضوية مع مفهوم الهوية. هوية الإنسان لا يمكن أن
تتضح من دون أن يتمكن صاحبها من قول كلمة حق وتأخذ سبيلها إلى عقول الآخرين ولا
تحدث خللاً في صلب المكان الذي يجمعهم طوعًا لا كرهًا، وذلك على نحو ما قيل بأن
حريتك تنتهي عند تبدأ حرية الآخرين.
***
في سياق الحياة، يكتشف المرء الذي يعي وجود بداية، يكتشف أن ثمة إمكانية لتحقيق
المزيد والمزيد من النجاحات في مجال عمله. ومن هنا ضرورة بل وأهمية تنبيه الشباب
تحديدًا بعدم الاستكانة أو الاسترخاء أو حتى الاعتماد على الحظ فيما سيكون عليه
حالهم في المستقبل القريب أو البعيد نسبيًا. ودائمًا كما في ألعاب كرة القدم ما
يسمى بالجولة القادمة يستكين البعض من أبنائنا ترقبًا لمثل هذه الجولة. على المستوى
العملي قد يصح هذا الترقب ولكنه يُستبعد بنسبة عالية وعالية جدًا في عالم التوقع أو
الاعتماد على الحظ بأمل وجود فرصة أخرى قادمة.
***
حين تتفجَّر ثورة ما وتكون استجابة لنداء الأرض والتاريخ فإنها، تلقائيًا، ترسخ في
العمق أرضًا وتاريخًا وإنسانًا. وتغدو الثورة على هذا النحو، تغدو جزءًا من حضور
الفرد والوطن في الأيام الراهنة وكذلك في الأيام الآتية لأنها تصبح جزءًا من غده،
لا بل تصبح حتى جزءًا من مصيره. وكما النسغ يغذي جذوع الأشجار وأغصانها، كذلك هي
الثورة، عندما تكون مرتبطة بعمق أرض الوطن ونابعة من صلب هموم أبنائه اليومية
وهواجسهم الصادقة، ويكون لها بذلك حضورها المستدام في كل مجالات الحياة ومرافقها.
***
يستطيع المرء، وخصوصًا إذا كان قادرًا على وضع الأقنعة على وجهه، يستطيع أن يظهر
أمام الغير بأكثر من مشهد. المسألة هنا تقارب "الدور" الذي يؤديه الممثل على المسرح
أمام جمهوره وذلك طبقًا لمتطلبات النص المكتوب. في هذه الحالة فإن الدور المؤدَّى
على المسرح قد لا يجسِّد حقيقة الشخصية التي تؤديه حتى إذا كان الأداء يقنع المشاهد
بأنه لا يجانب الحقيقة التي ترى على أرض الواقع.
*** *** ***