|
اللاتملُّك٭
إنجيل اللاتملك تعتمد حضارتنا وثقافتنا وجنَّتنا، على هذه الأرض، ليس على مضاعفة احتياجاتنا الخاصة، بمعنى التساهل مع الذات، وإنما على الحدِّ من هذه الاحتياجات، بمعنى نكران الذات. (الهند الفتاة، 23-2-1921، ص 59) *** وهكذا نصل إلى مبدأ نكران الذات الكامل، ونتعلم استخدام الجسد، ما دام حيًا، من أجل الخدمة، بحيث تصبح هذه الخدمة – وليس الخبز – قوت يومنا؛ فيصبح طعامنا وشرابنا ونومنا ويقظتنا من أجل هذه الخدمة فقط. مثل هذه الحالة الذهنية تؤمِّن لنا، طوال الوقت، السعادة الحقيقية وروح الابتهاج. فلنحاسب أنفسنا من هذا المنظور. وهنا، لسنا بحاجة لذكر أنَّ هذه ليست دعوة للعطالة، لأنَّ علينا أن نملأ كل لحظة من حياتنا بنشاط عقلي وجسدي، لكن هذا النشاط يجب أن يكون من أجل الحقيقة (ساتفيكا). كما أنَّ من يكرِّس حياته من أجل الخدمة يتعلم التمييز بين النشاط الجيد والنشاط الشرير. وهذا يتم بشكل طبيعي بالنسبة لعقل مكرَّس للخدمة. (يرفدا مندير، ص ص 6-23) *** لماذا علينا جميعًا اقتناء الممتلكات؟ لماذا لا يجب علينا، جميعنا، وبعد فترة من الزمن، تجريد أنفسنا من كل الممتلكات؟ التُّجار عديمو الأخلاق يفعلون ذلك لغايات غير نزيهة، لكن لماذا ليس بوسعنا أن نفعله لغايات نزيهة؟ لقد كان هذا الأمر شيئًا اعتياديًا بالنسبة للهندوسي في مرحلة معينة، حيث كان يُتوقَّع من كلِّ هندوسي، وبعد أن عاش حياةً منزلية لفترة معينة، أن يدخل مرحلة حياتية أساسها اللاتملُّك. لماذا لا يكون بمقدورنا إعادة إحياء هذا المنقول الجميل؟ السبب في هذا يعود على الأغلب إلى أننا بقيامنا بذلك نضع أنفسنا تحت رحمة من ننقل إليهم ملكيتنا. لكن هذه الفكرة تبدو جذابة جدًا بالنسبة لي. لأنَّ من بين عدد لا يحصى من حالات تؤكد هذه الثقة المشرِّفة نادرة جدًا هي الحالات التي تتمُّ فيها خيانتها. ... أما كيف يمكن أن نطبق هكذا ممارسة من دون أن نُمكِّن أشخاصًا غير جديرين بالثقة من استغلالها؟ فحُكمٌ يمكن أن نكتسبه بعد ممارسة طويلة. مما يعني أنْ لا شيء يجب أن يمنعنا عن القيام بهذه التجربة لمجرد خوفنا من أننا قد نُستغل. حيث لا شيء منع المؤلف الإلهي للغيتا عن تقديم الرسالة المتضمنة في "أنشودة السماء"، وهو كان يعرف أنه بسببها سيتعرض للعذاب من أجل تبرير كل نوع من أنواع الرذيلة بما فيها القتل. (الهند الفتاة، 3-7-1924، ص 221) *** لا يمكن للحب والتملك الحصري أن يتطابقا لأنه، نظريًا على الأقل، حيث يوجد حب كامل يفترض أن يوجد لا تملك كامل. والجسد هو آخر الأشياء التي نملكها، لذا ليس بوسع المرء أن يطبِّق الحب المثالي، وأن يتجرَّد كليًا من ملكيته، ما لم يكن مستعدًا لأن يقبل الموت، وأن يتنكر لجسده من أجل الخدمة الإنسانية. لكن هذا صحيح فقط من الناحية النظرية. ففي الحياة العملية ليس بمقدورنا تطبيق الحب المثالي بسهولة، لأن الجسد كملكية سيبقى غير كامل، وسيبقى من واجبه دائمًا السعي نحو الكمال. وهذا يعني أنَّ الكمال في الحب سيبقى مثالاً بعيد المنال طالما نحن أحياء، وإن كان من واجبنا أن نسعى إليه باستمرار. (المجلة الجديدة، تشرين الأول 1935، ص 412) *** تخلَّ عن كل شيء وكرِّسه لله، ثمَّ عش حياتك. هذا يعني أنَّ الحق في الحياة مشتقٌّ من إنكار الذات. حيث لا يقال: "عندما يفعل الجميع ما عليهم، سأفعل ما عليَّ"، بل يُقال: "لا تهتم بما يفعله الآخرون، بل افعل أنت ما عليك ودع له الباقي". (هاريجان، 6-3-1937، ص 27) *** الفقر والغنى كم كان رائعًا وحكيمًا لو افتتح المانحون مؤسسات يُقدِّمون فيها وجبات طعام صحية، وفي بيئة نظيفة، إلى رجال ونساء يعملون لديهم. من ناحيتي أعتقد أن المغزل أو أي وسيلة تتعامل مع القطن هي العمل الأمثل. أمَّا إن لم يكن لديهم هذا فبوسعهم اختيار أي عمل آخر. القاعدة الوحيدة يجب أن تكون "لا طعام بلا عمل"... لأني أعرف أنَّ من الأسهل بكثير إلقاء الوجبات في وجوه العاطلين عن العمل، بينما أصعب بما لا يقاس تنظيم مؤسسة يقدم العمل النزيه فيها قبل تقديم الوجبات. من منظور مادي، وفي المراحل التأسيسية علي أي حال، فإن تقديم الوجبات للناس بعد جعلهم يعملون هو أكثر كلفة من ترك المطبخ حرًا كما هي عليه الحال الآن. لكني أعتقد أنه سيكون أقل كلفة على المدى الطويل إن لم نشأ أن نزيد، كالمتوالية الهندسية، عدد المتسكعين الذي يتزايد بشكل مفرط على هذه الأرض. (الهند الفتاة، 13-8-1925، ص 282) *** إله الفقراء لا أتجرَّأ أن أنقل لهم رسالة الله. كما ليس بوسعي أن أضع أمام الكلب هناك، وأمام ملايين الجائعين الذين لا بريق في أعينهم، والذين إلههم الوحيد هو الخبز، رسالة الله. فقط بوسعي أن أنقل إليهم رسالة الله من خلال رسالة العمل المقدس. إذ يمكن التحدث عن الله ونحن جالسين هنا أمام وجبة إفطار جيدة، وننتظر وجبة الغداء، لكن كيف بوسعي التحدُّث عن الله للملايين الذين ليس بوسعهم تناول وجبتين في اليوم؟ فبالنسبة لهؤلاء لا يمكن للألوهة أن تكون إلا خبزًا وزبدة. وقد قدَّمت لهم المغزل آملاً أن يغدو بوسعهم الحصول على الزبدة. وإن كنت أبدو اليوم مرتديًا مئزري، فلأني أصبحت الممثل الوحيد لهؤلاء الملايين من أنصاف الجائعين وأنصاف العراة العاجزين عن الكلام. (الهند الفتاة، 15-10-1931، ص 310) *** *** *** ٭ الفصل السابع من كتاب: كتابات وأقوال للمهاتما م. ك. غاندي، ترجمة أكرم أنطاكي، معابر للنشر، دمشق، 2009. |
|
|