|
تـسـعـون
اليوم إذا قرأتم هذه السطور تجدون كاتبًا أوصله ربه إلى باب التسعين ليشكر ويتعظ ويحاول ألا ينأى عن وجه الله الذي يريد أن يكوِّن له وجه بشر متقبل للحب الإلهي وغير مصالح لخطاياه. لماذا أكثر الخالق العطاء والمخلص انعطافه، هذا سر لا يكشفه لأحد. هذا متعلق بأبوته التي تنزل علينا نعمة تضعنا في يد الرب التي تحملنا بحنان عظيم وتحمينا هذه القبضة من كل شر، من كل عطب. رافقتكم بضعة عقود من السنين في هذه الزاوية أكتب من حب في فرح وأبسط لكم تفكيرًا نزل عليَّ وأريد ألا يختلط في أذهانكم بما هو من ضعفي. أمنيتي الصادقة أن تنسكب النعمة نفسها في قلوبكم لا لتقرأوني ولكن لتقرأوها حتى لا أنتصب بسبب من بشريتي حاجزًا بينكم وبينها. "عبدك أنا يا رب، عبدك أنا وابن أمتك". ولئن شئت كلماتي ممسوحة بيسوع الناصري بلغني من أوساط كثيرة أن معظمها حرَّك قلوبكم أكنتم، على صعيد المذهب، له أم لم تكونوا. كنت أحس أني معكم معية مؤلهة واحدة تجمعنا كلمة كانت تصدر أحيانًا عن بكاء ولكن دائمًا عن صدق أحببت أن يسهم في شفائكم وفي شفائي. نحن إذًا في صباح كل سبت كنا نتقاسم فطور حب وإخلاص واحد لهذا الذي حاولت أن أبلغكم رسالته أاخذت معقولي من كتابه أم من شوقي إليكم ولعل هذا واحد. سأبقى معكم ما دام هذا القلم وما دام هذا الجسد وما دمتم ترغبون في أن نلتقي صباح كل سبت وقلوبنا مطهرة. هذه الرسائل لم تكن، لو لم يرد غسان تويني أن تكون. في الكثير منها كنا نجيء معًا من ينبوع واحد. كان يطيب لي أن أسكن في "النهار" حتى اطل عليكم وإنْ صعب عليَّ أحيانًا إنتاج هذه الأسطر. لعلي لم أكن دائمًا على زخم روحها ولكني سعيت بتواضع أن أقول لكم الحق كما الترائيات التي أكرمني بها رسولاً منه إليكم. *** لم تكن كلماتي كلها حديثًا في الله مباشرًا. لكني أعرف أن لله انتشارًا في هذه الصياغة أو تلك إذا قضى أن يلمس لساني لينطق به. فالله وحده المبدئ والمنهي وأردت أن أتلقاه هكذا وأرجو ألا يكون خذلني. لما كنت أكتب إليكم أردت في الحقيقة أن أخاطبه لكي أتمكن في نهاية كل أسبوع أن آتي إليكم بما أوحى وإن نطقت بغير ذلك أكون قد خنته عن غير عمد. "عبدك أنا يا رب، عبدك أنا وابن أمتك". إلى حديثنا أنا وأنتم عنه كانت بعض الكلمات عن الوطن وعن المشرق. وما قصدت أن أكتب في السياسة مباشرة إذ بقيت مشيئتي أن أكتب عن الفكر الإلهي في السياسة علَّ المستغرقين فيها ينظرون من خلالها إلى وجه الله لأن "كل حديث بغير الله لغو". رجائي ألا أكون قد خلطت بين الدنيا والآخرة. "وللآخرة خير لك من الأولى". كنت أحيانًا اسمع منه همسات يقول فيها إن السياسة ليست ميدانك. هي موضع من مواضع سيادتي إذا أراد أهلها سيادتي. أي شيء غير هذا باطل الأباطيل. ولكني لم أستطع إلا أشاهد من جرحتهم أمور دنياهم والكلمة على قدر نفعها كانت تضمد لهم جراحهم. كان غسان تويني المؤمن يعرف أن هذه المساهمات فيها شهادة للرب الذي كان يجمعني به. لكن غسانًا يقرأ الآن ما هو أفصح وأبهى في ملكوت المحبة. *** ماذا يبقى بعد هذا العمر الطويل؟ لا يحق لإنسان أن يطرح عن نفسه هذا السؤال. السؤال الوحيد الذي يسوغ لكاتب يرى نفسه خادمًا أن يطرحه ليس سؤالاً بالحقيقة ولكنه دعاء. ربي اعطني أن أطيعك بطاعة أكبر من تلك التي عشتها وبإخلاص لك ليس فيه شرك. فلا يضاف إلى وجودك وجود ولا إلى فكرك فكر وأدعو لكي تسكن وحدك القلب وأن يكون هذا القلب مثل كنيسة كل جدارها الشرقي مزين بالأيقونات أي بحضرة قديسيك. بعد هذا لا يهم أن أكون قادرًا على إطلالة عليكم. متى ينكسر القلم؟ المهم أن تبقى فيكم صورة المخلص الذي رغب إليَّ أن أنقلها إليكم. ما يريده ربكم هو أن تتقبلوا دائمًا الكلمات التي صدرت عنه قديمًا وتصدر إلى قلوب الكثيرين منكم. هكذا تطمئن روحي إليكم وهكذا تساكنون روح الرب إلى أن يطل علينا جميعًا فجر الحياة الملكوتية. هذه السطور ليست وداعًا ولا خوف فيها. إنها التماس أدعيتكم لي حتى نبقى في هذه المعية المقدسة التي أرادتها جريدة "النهار" بيني وبينكم وأعرف أن الرب لن يترك أمة بلا شاهد له. لا تتمسكوا في أية قراءة لكم وجدانية روحية كانت أم غير ذلك إلا بما يريده الله لكم ولبلدنا حتى نظل دائمًا نستضيء بنور القيامة. 14-07-2012 |
|
|