آدب اللجوء ومآسيه

 

سناء الجاك

 

البحث في شؤون اللاجئين وشجونهم يدفع إلى التوقف عند لغة أدبية من طراز خاص تستحق بابًا من أبواب الفنون الخلاَّقة. لغة تجمع بين الرسم بالكلمات والسرد والمشهدية وحشد الانفعالات والمشاعر. ومن دون أن يدري صاحبها أنه صاحبها، يروح يجود ويتفوق على الأقلام المتخصصة القادرة على إبراز الواقع.

المقارنة تفرض نفسها عندما تتقاطع المواقف الرسمية لمسؤولي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أو عندما نقرأ في كتيِّب حول اتفاق الأمم المتحدة الخاص بهم، ما يشير إلى أن "لجميع البشر من دون تمييز حق التمتع بالحقوق والحريات الأساسية". ثم نقرأ في موسوعة التهجير واللجوء، ونرى ونسمع بعض التجارب الحية، ما يجعل النصوص الرسمية الأممية لغة خشبية ازاء ما يحصل على أرض الواقع.

هذه المقارنة تقود إلى إعلان "أدب اللجوء" فنًا قائمًا يستوجب تجميع شظاياه وشرذماته على امتداد القهر الإنساني الذي يؤدي إلى تغييرات في الديموغرافيا وتبديل الهوية الجغرافية لكثير من الجماعات التي تضطرها الحروب المترافقة مع القمع والعنف والتطرف إلى البحث عن أوطان بديلة.

في دارفور

الواضح أن هذا الأدب إلى ازدهار، لأن الاستقرار لا يزال نعمة مفقودة في عالمنا مع موجات العنف المتلاحقة التي تجتاح أكثر من مكان يصنَّف ناميًا أو فقيرًا، ويقرر اللاعبون الكبار استخدامه ورقة في صراعاتهم.

الحاجة إلى الأدب ونموذج آنشتاين

المفوضية العليا للاجئين تقف في المنتصف بين اللاعبين الكبار، أي الممولين، واللاعبين الصغار، الذين يتركون للكبار أن يحرِّكوهم على رقعة مصالحهم، لينصرفوا إلى اللعب بشعوبهم والتنكيل بها خشية خسارة نفوذهم ومناصبهم.

يعرف المسؤولون في المفوضية أن الحاجة إلى المحافظة على حدود الأدب الاجتماعي ماسة في التعامل مع قضايا اللجوء. يبتعدون عن "الاستفزاز" الذي يمكن أن يصدر في ردٍّ معترض على جرائم إنسانية، إذا كان الأمر يؤدي إلى كفِّ يدهم عن العمل في مناطق النزاعات والتهجير، ولا سيما بعدما تذاكى الديكتاتوريون فوظَّفوا النصوص الأممية في خدمتهم، بعدما كانت توظَّف لإدانتهم، فباتت تُستخدم "أدبيًا" لأغراضهم الإجرامية.

ربما هذه الحاجة إلى الأدب، دفعت برئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين انطونيو غوتيريس إلى التركيز على الوضع الصعب الذي يعانيه لبنان جراء تدفق اللاجئين إليه، وهو البلد الذي يؤوي فلسطينيين يشكلون 10 في المئة من نسبة سكانه.

في أريتريا

على فكرة، غوتيريس لا يعرف شيئًا عن النائب السابق والمعارض السوري مأمون الحمصي، الذي أعلنت المفوضية أنها منحته صفة لاجئ. الحمصي هو نائب سابق سُجن خمس سنوات عام 2001، وغادر سوريا بعد الإفراج عنه عام 2006 خوفًا من أن يُلقى القبض عليه من جديد في إطار حملة على الناشطين، وتوجه إلى الأردن، لكن السلطات هناك طلبت منه أن يغادر البلاد تجنبًا لإثارة غضب دمشق، وهو يعيش الآن في بيروت.

غوتيريس الذي احتفل في سوريا باليوم العالمي للاجئين، يوم منح الحمصي صفة لاجئ، قال لنا إنه أبدى شكره للاهتمام والانفتاح لدى الحكومة السورية التي تستقبل مليون لاجئ عراقي على رغم الوضع الاقتصادي، وتوفر لهم الدعم والمساعدة. أضاف أن الوضع في لبنان مختلف عما هو في سوريا:

في الحالة اللبنانية الوضع معقد، لا سيما بوجود هذا العدد من اللاجئين الفلسطينيين. على رغم أن المشكلة ليست من اختصاصنا كمفوضية، إلا أنه لا بد من أن نعترف بالوزن الثقيل الذي يحمله لبنان منذ عام 1948. ذلك أن 10 في المئة من سكانه لاجئون فلسطينيون. كما لا ننسى أن لبنان يعيش صراعات داخلية ويتعرض إلى حروب خارجية بشكل مستمر، إضافة إلى وضع متعب على الصعيدين السياسي والسكاني.

يحرص غوتيريس على حدود الأدب في حديثه عن الحكومات التي تتعامل معها المفوضية. يحاول "تلطيف" مأساة اللجوء. يبحث بحرص عن إيجابيات هذا الهروب الكبير للبشر من الحروب والقمع والقتل. يقول:

هناك إيجابيات في حركات النزوح السكاني. يجب أن نعترف أن الدول تستفيد من الكفاءات التي تلجأ إليها. وإذا تعمقنا في الأمر لوجدنا أن اللاجئين ساهموا في الحداثة والتطور والتقدم الاقتصادي التي شهدتها أمكنة لجوئهم، بعدما أفادوا من النظام الديموقراطي والحرية العامة.

يستشهد بأشهر اللاجئين البرت آينشتاين، وما أعطاه للولايات المتحدة.

الحاجة إلى اللغة

يوافق غوتيريس على أن عامل اللغة يساعد العراقيين والسودانيين النازحين إلى لبنان وسوريا والأردن، وهو الأمر غير المتوافر لنازحين إلى دول يجهلون لغتها، لكنه يوضح أن

عامل اللغة يسهل ظروف اللجوء. يجب أن أقول أيضًا إني ألاحظ دائمًا في مجموعة اللاجئين إرادة قوية للتكيف والاستقرار، من ضمنها التواصل حيث يقيمون. هم مصممون على اكتساب اللغة واكتشافها.

لا يغادر المسؤول الرفيع، العموميات في حديثه، فالحرص واجب، والتحديات كثيرة. الاحتدام بين أهل السياسة في لبنان، على خلفية الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين "المسلمين" بين مزدوجين يختزلان حدة الانقسام الطائفي، لا بد أن يرمي بظلاله على غير الفلسطينيين من اللاجئين "المسلمين" الذين يفدون إلى لبنان تهريبًا في غالب الأحيان. لا يريد أن يزيد الطين بلة. أسأله: ألا تجمِّل الواقع الدرامي بهذا الطرح الإيجابي؟ وكيف ترى وضع اللاجئين في لبنان؟ يجيب:

كمفوضية، يجب أن نتكامل مع سياسات الدول التي نتعامل معها حتى نصل إلى المستوى الذي نطلبه. نحن نقوم بحوار بنَّاء مع الحكومة اللبنانية الجديدة ومجلس النواب والأمن العام. الحوار مفتوح وحر، ويسمح لنا بأن نقدم توصيات آمل منها كثيرًا.

يضيف:

العراقيون يعيشون ظروفًا صعبة ورهيبة، لذا يحظون بدعم عالمي. هم عانوا كثيرًا في العراق. لكن لا بد من مراعاة حساسية الدول النامية التي تسمح بإيواء العائلات العراقية،

معترفًا بأن

هناك مشكلة صعبة تواجه اللاجئين إلى لبنان. قمنا بزيارة المراجع الرسمية وعملنا معها. المهم أننا أرسينا حوارًا مفتوحًا مع السلطات اللبنانية. هناك العديد من الأمور التي حصلت وأتمنى أن تؤدي إلى نتائج.

لكن تبقى الغلبة للإيجابية. يقول:

ما يسهل عملنا وجود تحرك مدني لدعم اللاجئين والتزام إعلامي لشرح أوضاعهم وطرح قضاياهم. لكن يجب أن لا ننكر بعض الإنجازات على الصعيد العالمي للجوء. ففي تنزانيا مثلاً منحت الحكومة الجنسية لعشرات الآلاف من اللاجئيين البرونديين. كما أن الظروف الصعبة في اليونان لم تحل دون ايواء من يلجأ إليها. وكذلك الأمر في باكستان حيث يتم ايواء مليون ونصف مليون من الأفغان. الأمثلة على الكرم لا تنتهي. وهناك نماذج جيدة وليس قهرًا فقط. ومن أصل 15 مليون لاجئ حول العالم عاد في العام الماضي 250 ألف لاجئ إلى بلادهم. وقدمنا 128 ألف طلب لتوطين لاجئين في دول حاضرة لاستقبالهم. وغادر 86 ألفًا منهم إلى أوطان جديدة. هناك جهود لا يستهان بها. والحقيقة أن اللجوء له وجه جيد عدا الوجه السيء.

يتجنب غوتيريس تأثيرات التغيير الديموغرافي الذي تتعرض له المجتمعات بسبب النزوح القسري الذي يحدث في أمكنة كثيرة من العالم وما يستتبع ذلك من موت لغوي لكثير من الجماعات. يصر على النصف الممتلئ من الكوب. يستشهد بأوجه الشبه بين وطنه البرتغال ولبنان، ليقول:

إن الهجرة لا تكون دائمًا بسبب الحروب والقمع والقتل، إنما لظروف اقتصادية كما هي حال بلدينا. فحركات الشعوب مستمرة. وهذا ما يؤدي إلى الغنى. اللبنانيون والبرتغاليون أعطيا نموذجًا لهذا الغنى. يجب أن نرى الأمور من كل زواياها. كثيرة هي الدول التي أفادت من مساهمات اللاجئين الذين استقروا فيها.

لكنه لا يبدي تفاؤلاً حيال امكان توقف عمليات النزوح القسري، فيوضح:

بكل أسف عندما ننظر إلى العالم ونرى صراعات لا نهاية لها ومشكلات يصعب حلها، نعرف أن قضايا اللاجئين مفتوحة على مزيد من التعقيد.

أدبيات الخوف

التعقيد الذي تحدث عنه رأس الهرم في المفوضية العيا لشؤون اللاجئين، يصبح ضئيلاً في مدلولاته عندما نتابع الفيلم الوثائقي أنا آت من مكان جميل للمخرجة كارول منصور. نقارن عندما لا نرى اللاجئ العراقي حيدر، لنكتفي بظلاله فنسمعه يقول:

صوِّري آثار التعذيب على ظهري. ولا تصوِّري وجهي.

ويضيف:

كنت من قبل أعيش في زاوية ولا أتحرك كثيرًا خارجها. كنت أخشى أن يعيدوني إلى ذلك المكان الرهيب.

ينساب الكلام مع حيدر بلغة مذهلة، غنية ولاقطة، كأنها تأسر سامعها في شباكها، فلا يستطيع أن يتملص منها. يتخيل أنه يقرأ كتابًا أدبيًا رفيع المستوى.

هل يمكن اغفال المستوى الأدبي عندما يقول الرجل:

أحلم أن أعيش في مكان استطيع أن أفتح فيه الشبابيك على مشهد جديد ولغة جديدة وعالم جديد. أريد أن ابدأ أول حرف من أول فصل في حياتي المقبلة.

حيدر هذا، تعرض إلى الاعتقال بتهمة "تخريب اقتصاد العراق". والسبب أنه كان يحتفظ بمبلغ من العملة الصعبة ليشتري أغراضًا لدكانه. بالطبع، وفي إطار "أدب الوشاية" السائد في الأنظمة الشمولية التي تحيط بنا، وُجد من "يدزُّ" عليه، ليأتيه حفظة النظام الذين يبرعون في "أدبيات التعذيب"، وبدأت "تحقيقات عظيمة معي مع أني إنسان بسيط".

    

"لعبة" اللجوء                                     في الشياح

الحصيلة كانت خسارة حيدر شبكية عينه، لذا قرر مغادرة العراق، فسار على قدميه حوالي 16 ساعة في العراء ليتمكن من اجتياز الحدود والتسلل إلى سوريا ومن ثم إلى لبنان، حيث تزوج ورزق ابنة صغيرة. لكن "حرب تموز" سطرت لعائلة حيدر فصلاً جديدًا من التهجير، وذلك عندما فضَّل العودة إلى العراق، ليعيش الفظاعة مرة ثانية مع اختطافه. هناك اضطر للبحث عن أخيه المخطوف. وعند وصوله، وجد أن رجال إحدى الميليشيات قد احتلوا منزله واقتادوه سجينًا لديهم. علَّقوه من السقف وكووا ظهره بسيخ حديد ساخن. لا يذكر كيف نجا منهم وعاد إلى لبنان مجددًا. السبب أنهم

حطموا ذاكرتي ومحوا عنها الكثير. إذا رأيت سكينًا أو درابزين أو سيخ حديد، أرتعب وأرتجف من الخوف.

هنا ندخل في أدب الرعب. يقول:

فيلم رعب حقيقي. أنا اختطفت وأخي اختفى. نحن لا ننتمي إلى حزب إنما إلى دين معين نحاسب عليه ونعاقب. اسمع صوت السكين يذبح إنسانًا كأنه يذبح دجاجة. وأنا قرب هذه الجثث.

لا خيال أو إضافات أو بلاغة. هو أدب اللجوء بكل وقائعه التي يسردها إنسان حرموه الوطن الصغير، أي البيت، وغرفته التي كانت تضم أشياء جميلة: فرشاة ألوان ولوحة للرسم وألوان الربيع. البيت تحول ثكنة أو مستودعًا لتصدير الجريمة والعنف.

الخوف هو خبز عدد كبير من اللاجئين، لا سيما أولئك الذين دخلوا لبنان خلسة على أمل الخلاص من اضطهاد أو خطر على الحياة أو تحسين أوضاعهم المعيشية نظرًا إلى نسبة الفقر المخيفة في بلادهم، أو الذين خططوا ليكون لبنان محطة في انتظار اللجوء إلى أحد البلدان الغنية، فعلقوا في دوامة مستمرة منذ سنوات، كما هي الحال مع سوداني من جبال النوبة هرب بعد تعرضه إلى تمييز عنصري قارب خطر الموت. يقول:

دخلت لبنان خلسة من سوريا لقاء مبلغ 450 دولارًا، وذلك لصعوبة الحصول على تأشيرة شرعية.

الرجل يحمل إجازة جامعية في التربية، لكن عمله في لبنان كان في ورش البناء. يحكي كيف تعرض إلى الكثير من الظلم، وغالبًا ما سرقه رب العمل ولم يدفع له بدل أتعابه. لكن المعاناة الكبرى التي عاشها كانت عندما ألقي القبض عليه بسبب إقامته غير الشرعية، إذ تم توقيفه في المخفر، لكنه لم يدخل السجن بل وقع في قبضة مافيا مهمتها أن تبتزَّ من هم في وضعه، وعددهم بالآلاف. دفع لرجال المافيا 700 دولار، كما قال،

ليكفُّوا شرَّهم عني. لكنهم عادوا لطلب المزيد. ضربتهم زوجتي. وأنا هددتهم بأن انتحر وركضت إلى الشرفة. كنت أنوي أن أقفز إلى الطريق وارتاح.

لنعد إلى فيلم كارول منصور مع لاجئ آخر من السودان. يقول اللاجئ السوداني الذي تحفَّظ عن عدم ذكر اسمه، كما رفض عرض وجهه على الشاشة:

اختبأنا حتى انتهى الضرب، ثم خرجنا فعثرت على أمي. كانت تنازع. طلبت إليَّ أن أذهب للبحث عن أختي الصغيرة التي بالكاد تبلغ سبع سنوات. ذهبت وفتشت ولم أعثر عليها.

هذا اللاجئ خسر والديه وثلاثة أشقاء وثلاث شقيقات في تلك الغارة. لم يبق أحد من عائلته إلا تلك الصغيرة. يقول:

رحت إلى التلة لأبحث عنها. جاء الطيران وجاءت السيارات وتم إجلاء من بقي حيًا. شالها الجيش. وين راحوا؟ لا أعرف.

هو لا يرى أي أمل في الحياة. لا يهمه المستقبل إلا من زاوية العثور على هذه الشقيقة المفقودة.

يفهم هذه المشهدية كل من زار معسكرات اللجوء في دارفور، وحاور الفتيات اللواتي يتم اغتصابهن على أعين المجتمع الصغير والمجتمع الكبير، ليفاجأ بأن موظفي الأمم المتحدة يطلبون منه مراعاة الوضع في كتابة الموضوع حتى لا تتهمهم السلطات السودانية بتشويه الواقع وتضخيمه وتعمد إلى طردهم.

غالبًا ما يطوِّع اللاجئون اللغة لرسم مشهدياتهم. الفتى جمال أعطى دراجته الهوائية اسم "وحيدة" وزخرفها. هو في الثانية عشرة من عمره يدرس ويعمل ليعيل أسرته في مخيم "عطاش" في محافظة نيالا (دارفور).

هيثم، رفيق جمال، لا يستطيع الحصول على دراجة ليزخرفها. أسأله: من أين أنت؟ لا يجيب. يغلبه الدمع. يقول بعد قليل إنه يخاف الحرب ويكرهها، ويضيف:

كان لدينا دار جميلة وشجر وبقر وغنم. والآن لا شيء. قُتل والدي وأنا أعمل وأدرس وأعطي والدتي أربعة دنانير كل يوم.

هيثم يستمد أمانه من صندوق الأمم المتحدة للسكان، كما يقول موضحًا:

يعطوننا العيش والزيت والسكر ويعالجوننا عندما نمرض ويتحدثون إلينا بلطف. أما المسلحون فهم أكثر قسوة. لذا اعتبر أن الموظفين في الصندوق أصدقائي وانتظر حضورهم إلى المعسكر. وعندما أكبر سأعمل معهم. سأدرس الطب وأعالج الأطفال في المعسكرات وأقدم المساعدات، كما يفعلون.

الاطفال اللاجئون لا يحتاجون إلى مستوى عالٍ من الثقافة والمعرفة ليولِّدوا المعنى ببساطة تغني عن الخطابة والبيانات الرسمية والتحقيقات، فنعرف ماذا حصل. يرسمون المعنى بكلماتهم، في حين يصر المسؤولون على تصوير كل ما يجري وكأنه "شأن داخلي" أو "غمامة صيف"، كما قال أحدهم خلال الزيارة.

المسؤولون لا يريدون أي حديث عن مثل هذه الحالات، سواء في دارفور أو الصومال أو اليمن أو العراق أو لبنان أو غزة أو أي مكان من أمكنة العنف والقهر. يكفيهم اتهام منظمات الأمم المتحدة بالكفر والالحاد والاستكبار، ليتابعوا بعد ذلك سياستهم الرشيدة والحكيمة، ويجدوا أنصارًا لهم يشاركونهم العداء لكل ما من شأنه أن يحد من تسلطهم ونفوذهم.

حياة مختزلة

مرة ثانية مع فيلم كارول منصور حيث نسمع العراقية هناء تقول:

هذه صورتي مع زوجي. كنا نخرج كل يوم ونتعشى في الخارج ونأكل بوظة. وهذا دفتر توفير مصرفي. كنت ألعب بالمال لعبًا حتى وأنا صغيرة.

تنهض وتستعرض بيتها اللبناني، لتشرح:

أنام هنا على هذا السرير. وعلى السرير الآخر ينام شقيقي وزوجته. وعلى الأرض ينام ابنهما الصغير. ومن أسرَّتنا نشاهد التلفزيون.

هنا الصورة لا تحتاج إلى شرح. هنا متع الحياة يختصرها التلفزيون وعوالمه الافتراضية في غياب تام للعالم الحقيقي الذي يفترض أن يؤمِّن "لجميع البشر دون تمييز حق التمتع بالحقوق والحريات الأساسية".

زوج هناء خرج ولم يعد. وفقدت كل شيء مع غيابه. راحت تفتش عنه في المقابر والمستشفيات. لأنها إن لم تفعل ذلك لعذبها ضميرها. اليوم ارتاح ضميرها على يأسها وانسداد أفقها، في حين أن أهل الزوج لا يزالون يتابعون البحث على أمل العثور عليه.

ربما لا يعرف حيدر وهناء والسوداني الباحث عن شقيقته وجمال الفخور بـ"وحيدة" وهيثم الذي يكره الحرب ويحنُّ إلى بيته الجميل، إنهم بروايتهم أجزاء من تجاربهم، يختزلون حيواتهم، ويكرِّسون "أدب اللجوء" الذي يغلب "الأدب البروتوكولي" لمسؤولي المفوضية الساعية إلى ايجاد أوطان بديلة لهؤلاء.

قد نفهم دواعي "الأدب المفرط" للمنظمات هذه، عندما نعلم بخبر إقفال مكتب المفوضية في ليبيا والطلب إلى الموظفين الدوليين مغادرة البلاد من دون ذكر الأسباب، ومن ثم العودة عن قرار الإقفال مع فرض شروط. نفهم أكثر عندما نتابع التهديدات والأخطار التي يتعرض لها العاملون على أرض ميادين اللجوء والحائرون بين كبار اللاعبين وصغارهم.

*** *** ***

النهار

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود