علم النفس الإيكولوجي
مبادىء وتمارين للناشطين

 

سارة كون[1]

 

يشير علم النفس الإيكولوجي إلى تنوع من المساعي والمحاولات لربط الفهم والطرائق المستخدمة في كل من الإيكولوجيا وعلم النفس، وذلك بغرض تشجيع علاقات سليمة بين البشر وكوكب الأرض. يرى الأساس النظري لعلم النفس الإيكولوجي أن كوكب الأرض منظومة حية. الكائنات البشرية ونفوسهم وكذلك منتجاتهم وثقافاتهم هي أجزاء جوهرية ومتكاملة في هذه المنظومة.

تستند ممارسة علم النفس الإيكولوجي على الاعتراف بأن حاجات الأرض وحاجات الفرد البشري متواكلة interdependent ومترابطة وبأن السلامة البشرية ينبغي أن تتضمن علاقات قوية متبادلة ومستدامة sustainable مع العالم الطبيعي.

يأتي في قلب علم النفس الإيكولوجي فهم مقومات علاقات سليمة بين البشر والأرض. ثمة وجهان لهذه العلاقة مهمان على نحو خاص، وسوف نتعرض لهما بإيجاز: الهوية والوعي.

تمتلك البنية الثقافية المهيمنة الحالية للذات، أو لما يحدد هويتنا، تأثيرًا هامًا على الكيفية التي ندرك ونختبر بها ذواتنا في علاقتنا مع العالم. تعلّم أغلبنا، نحن أبناء الثقافة الغربية، أن نختبر أنفسنا باعتبارنا أفرادًا مكتفين ذاتيًا وسادة معزولين ومفصولين عن العالم الجامد الميت الذي يفترض بنا أن نسيطر عليه. لم نُعلّم أن نتماهى بيسر مع الآخر البشري خارج دائرتنا الضيقة، وعلى نحو أقل، أن نتماهى مع العالم الطبيعي غير البشري. يمكن لهذه الهوية المقيدة أن تظهر نفسها في صورة افتقار للجماعية، افتقار للمعنى والهدف والإحساس بالانتماء، وكذلك الجهل واللامبالاة بالتدهور البيئي.

من وجهة نظر علم النفس الإيكولوجي، إن مفتاح تحفيز سلوك حصيف بيئيًا، هو في تعزيز خبرة البشر في الارتباط مع العالم غير البشري. لذلك، يبدو أن خلق الفرص لاختبار معنى أشمل للهوية، يستطيع أن يدعم نشوء معنى «إيكولوجي» للذات، ذلك الذي يتسع في النهاية لكافة أشكال الحياة والمنظومات الإيكولوجية. على سبيل المثال، إن تقديم معلومات حول المنظومات الإيكولوجية للناس في جوارنا والاحتكاك بها يمكن أن يسهم في الإحساس بالمكان، هذا الجانب الهام من الهوية الإيكولوجية.

يتضمن هذا المعنى المتسع للهوية تجاوبًا عاطفيًا مع أشكال الحياة الأخرى التي يجري تصورها كما هي في ذاتها وليس فقط لنفعها بالنسبة للبشر. بالنسبة لبعض الناس، تتم الخبرة الأقرب لهذا الارتباط مع الحيوانات. على سبيل المثال، إن قدرة كثير من الناس على التماهي مع حيواناتهم الأليفة قد تكون مدخلاً نحو هوية إيكولوجية. والبعض الآخر يختبر الارتباط مع الأشجار أو النباتات، وثمة من يختبر الارتباط مع المناظر الطبيعية كالجبال أو المساحات المائية.

عندما يُطلب إلى كثير من الناس أن يسترسلوا في، أو يستذكروا، الارتباط الأكثر إمتاعًا لهم مع العالم الطبيعي فإنهم يتمكنون من فعل ذلك بأسلوب يستحث خبرة الارتباط هذه بل وحتى الاندماج. كلما استطاع الناشطون بيئيًا تقديم الفرص لخبرة الارتباط والاندماج كلما استحثوا على نحو أكبر تقريبًا بواعث أقوى للسلوك الحصيف بيئيًا. إن قدرة المخيلة على استذكار وإنعاش الارتباط مع العالم الطبيعي هي إحدى مقومات الوعي، هذا الجانب الجوهري الآخر للعلاقة السليمة بين البشر والبيئة.

الوعي، الذي يشتمل على نماذج الارتباط الأربعة - الإدراك، الإحساس، العاطفة، الفعل - يشير هنا، بأسلوب حي وفعال، إلى قدرة المرء على اختبار الارتباط مع العالم الطبيعي. الذاكرة والخيال، كما وصفناهما أعلاه، بعدان هامان - وغالبًا مهملان - للإدراك كنموذج لعلاقة البشر والأرض.

إن ممارسة الإحساس المباشر بالعالم: سماعه، لمسه، شمه، تذوقه وكذلك رؤيته؛ تعزز ارتباط البشر مع الأرض، لذلك فهي تزيد أرجحية الانخراط في القضايا البيئية والاجتماعية. إن اختبار الارتباط العاطفي مع العالم، مشاعر الحب له والمسرّة بجماله، من جهة، ومشاعر القلق نحو ما يحدث فيه وله - اليأس، الغضب، الخوف - من جهة أخرى، يمكن لها أن تكون مصدرًا مهمًا للطاقة والتحريض على الانخراط.

مع الزمن، يبدو أن على الناشطين أن يزيدوا في تحفيز مشاعر الخوف والغضب بدلاً من الركون فحسب إلى المشاعر الإيجابية للارتباط. هذه المشاعر متواكلة فيما بينها. إن إحباط المرء أو خوفه أو غضبه حول مصير الأرض هي إشارات على العناية والارتباط. فنماذج الارتباط الأربعة متواكلة فيما بينها أيضًا: إذا كان أحدها غائبًا أو مفتقدًا فإن جودة البقية تتناقص.

يمكن أن يُستحث الوعي عن طريق الأسئلة النابضة بالحياة والتي تغري الناس على الربط بين خبراتهم الخاصة. ففي سيرورة التساؤل والإجابة يمكننا أن نطور ارتباطنا مع العالم الأكبر.

يمكن أن نستخدم الأسئلة التالية في سياقات متنوعة وذلك كي نحفّز المستجيبين:

ما هي برأيك المشكلة الأكبر التي تواجه العالم اليوم؟ ما هو ردّ فعلك على المشكلات البيئية التي تسمع عنها في الأخبار؟ ما الذي - برأيك - نحتاج إلى فعله نحو هذه المشكلات؟ ما الذي تستطيع فعله نحو هذه المشكلات؟ من أين حصلت على الرجاء والشجاعة؟ مع من تتحدث حول هذه المشكلات؟

يمكن لمجموعة أخرى من الأسئلة أن يستحث انخراطًا فعالاً في العالم الأكبر:

إذا كنت مطمئنًا وبكامل قواك، ما الذي سوف تفعله لإنقاذ عالمنا؟ ما هي الإمكانيات والموارد التي تتمتع بها والتي ستساعدك على القيام بذلك؟ ما الذي تحتاج إلى تعلمه أو اكتسابه؟ ما العقبات المحتملة في سبيل إنجاز هذا الهدف؟ ما الذي تستطيع فعله في الـ24 ساعة القادمة - لا يهم مهما كان صغيرًا - ويمكن أن يساعدك للوصول إلى ذلك الهدف؟

يمكننا أن نقوّي أرجحية انهماك الناس في الفعل البيئي والاجتماعي باقتراح نشاطات توسّع هويتهم الإيكولوجية وتزيد وعيهم الإيكولوجي. عندها سيصبح العمل من أجل العالم أحد تعبيرات العناية بـ«الذات».

ترجمة: معين رومية

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] سارة كون Sarah A. Conn: أستاذة في الفلسفة وأخصائية في علم النفس الإكلينيكي من جامعة هارفرد. وهي إحدى مؤسسي حركة علم النفس الإيكولوجي. تدرّس في معهد علم النفس والتغير الاجتماعي في قسم الطب النفسي في مشفى جامعة كامبردج.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود