|
مشـاعر "الكرسـي" حيـال مـا نفعـلـه
قصيدة واحدة تمتد على 138 صفحة تكوِّن ديوان الشاعر شيركو بيكه س المترجَم إلى العربية عن الكردية مباشرة[2]. الشاعر يحاول أن يخرج بالديوان خارج التصنيف الأدبي المعتمَد، فيكتب تحت العنوان – الكرسي – نصًّا مفتوحًا، فيه الشعر، القص، النثر، والمسرح.
يستعمل شيركو بيكه س في الديوان تقنيات متعددة، منفتحة على الأنواع الأدبية الأخرى. فمثلاً، اتخذ من تقنية الكتابة المسرحية آليةً للحوار بين الشخوص، حتى إنه يكتب داخل الديوان بعض المشاهد المسرحية في أثناء حكي "الكرسي" عن واحد من أصحابه، وهو كاتب مسرحي. ومن القص نجد ثيمة الحكي الدائم على لسان الكرسي؛ ومن الشعر نقاء الصور والتمازج بين مشاعر عديدة طازجة. لكن الأهم هو متعة الكشف عن الكرسي الذي يرى ويحس ويتكلم، يكره ويحب، يتألم ويفرح... إن أهمية الديوان تتكشف في القدرة على تأنيس anthropomorphize الكرسي تأنيسًا تامًّا، وفي الكشف عن رؤية هذا الكرسي لنا وللعالم، كيف يرانا ويشعر بنا. "كرسي" شيركو بيكه س نجح، هو والشاعر، على مدار ديوان كامل، في الكشف عما يحدث له في الحياة وعن علاقته بكلِّ شيء محيط: هذا الكرسي الذي يتألم عندما يفارق الآلة الكاتبة التي علَّمتْه الحروف؛ الكرسي الذي يقابل أصدقاء قدامى بين الكراسي القديمة في السوق المعروضة مثله للبيع؛ الكرسي الذي يفشي أسرارنا، ينقد تصرفاتنا، يسعد ويحزن معنا دون ضجيج أو حركة. ويتحدث الكرسي عن تاريخه أيضًا! إنها عبقرية أن نكتشف أننا لسنا فقط صنَّاعًا للتاريخ، بل إن هناك أيضًا كراسي لها تاريخ ولها وجهة نظر في تاريخنا، وفي ما يحدث، حولها وحولنا على حدٍّ سواء، من حروب ودمار وانتهاكات لحقوق الإنسان في كلِّ مكان، وخاصة في العراق الآن. وهكذا سوف نحصل على عدة حالات إنسانية للكرسي، يتابع الشاعر سردها، على لسان الكرسي، وتقديمها لنا من خلال قصيدة طويلة وحيدة تمثل مجمل الديوان. سوف نقابل الكرسي المشرَّد، الكرسي الحكَّاء للكراسي الأخرى، الذي يتحدث عن الشر والحقد والأنانية والبغض الذي يجلس عليه، فيراقبه وهو يخدع الحب ويتحدث عن هذه اللحظة المؤلمة في حياته. لقد نجح الشاعر في تنويع التقنيات التي استعملها داخل القصيدة–الديوان، حيث يستعمل تقنيات التذكر والسرد والحكي عن الذكريات التي تمثل تاريخًا جمعيًّا ممتدًّا للإنسانية، بمن فيها من بشر وجماد. تنوعت عوالم الكرسي، حيث يتحدث عن امتلاك كاتب عرائض له، وكيف أصبح كرسيًّا في الشارع وأمامه آله كاتبة قديمة وأوراق وقلم وحبر ودبابيس، وكيف تعرَّف إلى حروف الآلة الكاتبة حرفًا حرفًا، وكيف تعلَّم الكتابة وانفتح على العالم؛ حتى إنه كتب عن فضاء هذا العالم الذي يتكون أمامه بشكل رائع وكامل وإنساني شديد البساطة:
كانت تلك الفترة ملأى بالأنفاس الدافئة والباردة ولد شيركو بيكه س في العام 1940 في مدينة السليمانية (كردستان العراق). صدرت له أول مجموعة شعرية في العام 1968، ثم توالى صدورُ أعماله: أكثر من عشرين عملاً أدبيًّا، بين دواوين ومسرحيات شعرية وترجمات من الأدب العالمي إلى اللغة الكردية. تُرجِمَ العديدُ من أعماله إلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والسويدية والدنمركية والمجرية والفارسية والتركية والعربية. وجدير بالذكر أنه أول شاعر كردي يحصل جائزة توخولسكي السويدية (1988). المنصورة، 14/05/2008 *** *** *** [1] كاتب وشاعر مصري؛ إيميله: h.alsabahi@gmail.com. [2] شيركو بيكه س، الكرسي، بترجمة سامي إبراهيم داوود، دار المدى، دمشق، 2008.
|
|
|