|
جوفاء هذي الشجرة تطلع
الأعيادُ ناتئةً صدًى * * * حين
يكون الهمُّ تقوى، حين يكون مجردًا،
ألمًا فقط ليس غير، من غير حاجة، من غير معنًى
– حينذاك ليس سوى همٍّ في الجسد، في الروح. في
الوقت الذي يمضي لا يُخلِصُ الإنسانُ لفكرة،
فكرةٍ استثنائية، عاقلة، تقف على قدمين
وتتحرر، فكرةٍ محرِّرة، فكرةٍ تضحك وتُسعِد،
لا لأنها مضحكة، ولا لأنها فكرةٌ فقط، بل
لأنها مخلصة. الفكرة
المخلصة مسؤولية: عليها، ومنها، وبسببها،
يبدأ ألمٌ مختلف، همٌّ لا يتثاءب مللاً، همٌّ
تقواه الوجود في حدِّ ذاته، تقواه الخلاص
في حدِّ ذاته، الانتقال، الانتقال نحو الضوء. الحرية
فكرة، والحرية وجود. إنْ نحن معلَّقون
إلى أكتافنا نفذنا، إنْ نحن بلا وقتٍ يسأل، لا
يحلم. بلا
وقتٍ نعيش نحن، لأننا لاوقتٌ، لأننا خارج
الوقت. وعندما نعود إلى أمهاتنا فلأنهنَّ
أمهاتنا، ونعود إلى الحي لأنه حيُّنا. لأننا
إنْ لم نزل نرفع رؤوسنا إلى الأعلى فلأنَّ
هناك بناءً عاليًا، لأننا لسنا حدَّه. من
دون ذلك، "لن" – أي الحرية – لن تكون،
والفكرةُ ناقصة، جافةٌ تمامًا تبقى. * * * حتمًا لا يتَّزن الإنسان
فحوى. ليس عضوًا منجبًا فقط، بل فحوى
أيضًا. هو المشيئة، وهو الفحوى. لسنا
غوغاء بقدر ما نحن قدرة، ربما مائلة نحو
الكسوف، وغالبًا مائلة نحو النوم والنسيان.
إلا أنَّ القدرة ما تزال حينما لا نزال،
ولأننا ما نزال. * * * خائفٌ
أنا لأني أخاف. لأني لا أحب أن أُضرَبَ
وأُسجَن، لأني لا أحب أن أُنهَر، ولأن الروح
ليِّنة، لأنَّ العقلَ لينٌ والطاولاتِ
كثيرة، لأن الرؤوسَ كثيرةٌ والشتاءَ طويل. أخاف
لأني لست وحيدًا، ولأني في الجمع وحيد. في
الوحدة وحيدٌ أنا، وفي الجمع وحيد أنا. أخاف
التأقلم والعزلة. كائنٌ في العزلة كائنٌ
ناقص، قابعٌ وجاف. كائنٌ في الجمع ناقصٌ لأنه
في الجمع ولأنه ليس فردًا. كيف يكون الفردُ
فردًا والإنسانُ حقًّا إنسانًا؟! * * * على
المرض أن يكون خلاصًا يومًا، عليه أن يتكلم
إلى صاحبه ويتكلم إليه كثيرًا. لا شاطئ من دون
طفلٍ يحمل الرمل، يرميه الماء. ولا مرض من دون فكرة.
الفكرة مرض لأنها تستأثر، تأخذ الإنسانَ
من وقته، تأخذه من زمنه الماضي في الآنة، من
حالته المستمرة في الدوران، من استقراره
وتكيُّفه، من أمِّه وزوجه، من ابنته ورصيفه.
الفكرة مرضٌ قاتل. إلا أنَّ عليها أن تتكلم،
عليها حقًّا أن تتكلَّم إلى صاحبها. لربما
اتفق له أن يجدها يومًا، وأن تجده في زمنها. حينذاك
تكون الفكرةُ حالة خالصة. * * * المصير،
يومًا بعد يوم، لا يعود مصيرًا. المصيرُ يصير
أداة، كبلاً على الظهر، يصير عكازًا، يصير
قيدًا، وهمًا، زوجةً وزوجًا. علينا
أن نسكن المصير لأنه يسكننا. لا مهرب. لا مكان
ولا مهرب. المصير يقضي ولا يُقضى عليه،
يُحاكِم ولا يُحاكَم. المصير دَرَقٌ منتفخٌ
لن يُستأصَل مادام الزمنُ زمنًا، مادام
الإنسانُ فوهة. * * * هل
تنصتين؟ * * * ليت
الفكرة أنني وهم جوفاء
هذي الشجرة! شتاء
2006 * * * معًا
في مستنقع الأمل الهائل لا تتميز عتمةٌ من
عتمة. الظلال كلها موجودة تبحث عن ذواتها. ظلالُ
الكون كلُّها في مستنقع الأمل نغمةٌ تُحاك في
دقة وفضيلة كبيرة. في
مستنقع الأمل فرسُ ماء ترقص على إيقاع موجة
متلاحقة وحبَّارٌ يطوي نفسه كلما اجتاحتْه
صعقةُ شوق. ماردُ
المستنقع والكائناتُ ببطء تسير، ببطء تولد
وتموت. تفنى أجسامٌ وتُكسى أجسام. غبارٌ
وعناكبُ تشبك خلاصةَ التجربة. وأبي
– ذاك المستنقع الكبير – كبشٌ هاجعٌ في ما
بعد الظهيرة، يتأمل الغروبَ وانكشافَ الظل،
يتأمل رجوعَ الأنجُم والنفْسَ العتيَّة. يحرِّك
قرنيه فتتمايل الأعشاب، يحرِّك أنفَه فتموج
المياه. أبي
– ذاك الأمل الكبير – وضع إصبعه فوق الجرح –
فوق الجرح تمامًا! – وصار
يبكي، صار يختلي بنفسه ويبكي فوق خشب الأرْز. 26/05/1999 * * * ليس الأمر سهلاً
حينما نفسُك تنزع... كان
ضجيجٌ وقرقعةٌ كثيرة. كانت مليارات الخلايا
تتدافع، تتقاتل، تلتهم الواحدةُ أختَها. أمطارٌ
غزيرةٌ مستنقعاتٌ وأزهارٌ
لا تكتمل. ليس
الأمر سهلاً أبدًا حينما التقصِّي لا يجد
حدودًا لتقصِّيه، حينما التلمُّس يكون أعمى.
لكن البهجة أنه حاضر، أعمى
وحاضر. ليس
الأمر سهلاً حينما لا بدَّ من مكيدة بين خلية
وأختها، بين قاتل ومقتول، بين حَمَلٍ وزَرْع. عرفت
النصل فقتلني. وها أنا ذا قد عدت. فهلا قتلتني،
هلاَّ أعدت الكرة لأُقتَل بحدِّ نصلك؟ يا
أخي، يا أختي الخلية السابقة إلى العنف، أحببتُ
عنفكِ فقتلني، أحببت صمتكِ فقُتلت. ليس
قاتلي بمحدود، ليس هو بمغامر، وليس له أكثر من
يد. قاتلتي،
توالَدي، تكاثري. تتفتح
زهرةٌ بين حصاتين. غناءُ قبَّرة بعد رحيل
فراخها. كانت
عتمةٌ خانقةٌ وكانت الفرحةُ مضيئةً وكان الحب
طريقًا وسهلاً قرميديًّا بنفسجًا وسهلاً
قرميديًّا. صرنا
حزمةَ عشب صرنا طاقةَ ورد وخلايا دم تفور
تتحرَّر تنسى وتتحرَّر تنسى وتتكوَّر إلى ما
لانهاية من الدوران والتحرر والنسيان. هل
كان سهلاً ذاك الذي ركضتُ فيه وقدماي
مسيَّجتان بالسنابل؟! هل
كان فيضًا، فيضًا هائلاً، ذاك الحلم تحت شجرة
جوز كبيرة كإلهة، تمرِّر النورَ ولا تفرشُه،
تمرِّر الحبَّ الروعةَ ولا تبدِّده؟! ليس
الأمر سهلاً حينما نفسُك تنزع للسكينة للحبِّ
للتحرر. ليس
قاتلي بمحدود بل شفقٌ هائلٌ نورٌ وفيضٌ هائل. 26/05/1999 * * * وكأني
قُذِفتُ آلاف الأميال في الهواء أمِّي
الأرض هبيني ذاتي لكي لا أعلو عن صدرك أمِّي
الأرض حليبي صمغُ شجرك وكأني
الأمس وكأني الغد أكاد أرى الأزهارَ كلَّها
تتفتح الفراشاتِ كلَّها تطير ولا يبقى في
العالم زحامُ أنفُس ومناراتٌ – لا حُجُب لا
حُجُبْ فيضٌ
وفيض، تاريخٌ منفصلٌ عن ذاته، لا ماضي له، لا
مستقبل *** *** ***
|
|
|