العلم
يواجه تخوم المعرفة
ندوة البندقية و"إعلانها": نحو رؤية
عبرمناهجية للواقع
سمير
كوسا
أمام التخصص والتشتت المتزايدين اللذين تظهر
آثارُهما الخطيرة على مستويات الحياة كافة،
الاجتماعية والفكرية والنفسية، يشعر كثيرون،
من ناحية، بضرورة العودة إلى نظرة شاملة إلى
الإنسان في الطبيعة والكون وإلى علاقاته مع
سائر المنظومات. وقد أدت الاكتشافات
الحديثة في مختلف فروع العلم ومناهجه، من
ناحية أخرى، وخاصة في الفيزياء، إلى التدليل
على أن مفاهيمنا المتعلقة بالطبيعة والحياة
ليست سوى تقريبات فظة لحقيقة أعمق، الإنسانُ
جزء منها.
فهل
يمكن لنا، بفضل من العلم الحديث، أن نلقي
أضواء جديدة على الحياة؟ وهل يمكن لما سُمِّي
بالمعرفة "الحدسية"، و"الروحية"
أيضًا، أن يكون له أي دور في النظرة الجديدة
إلى الحياة؟ وإذا كان الجواب عن هذا السؤال
بنعم، هل يمكن للمعرفة الحدسية، بدورها، أن
تنير العلم، عِبْرَ حلقة، كل نقطة منها
تستدعي النقاط الأخرى وتولِّدها؟
في هذا
السياق، انعقدت ندواتٌ عدة جمعت عددًا من
الأقطاب البارزين بين المفكرين والعلماء في
هذين النوعين من المعرفة، أشهرها اثنتان:
ندوة العلم والوعي: قراءتان للكون، التي
انعقدت في قرطبة.
وقد مثَّلت هذه الندوة نقطة انطلاق لبعض
الحركات الداعية إلى توحيد العقل والروح؛ إلا
أن عددًا من العلماء رأوا فيها ارتدادًا
للعقلانية. وقد تجلَّى هذا الرفض في وقائع
ندوة تسوكوبا (1985)، المنشورة في كتاب العلم
والرموز: طرق المعرفة،
حيث ظهر التعارضُ بين العلماء الغربيين
ومضيفيهم في اليابان الذين رفضوا قطعيًّا، من
منطلق عقلاني، التوفيق بين المنهج العلمي
والنظريات الروحية والغيبية، الشرقي منها
والغربي، لصالح ترسيخ المنطق العلمي
الأرثوذكسي، معتبرين أن المقاربات "التوفيقية"
لعلماء من نحو أوليڤييه كوستا دوبوروگار
وفريتيوف كاپرا وسواهما فارغة من أيِّ مضمون
متماسك.
أما
ندوة البندقية، التي انعقدت في آذار (مارس) 1986
بإشراف اليونسكو، فقد نجحت، للمرة الأولى، في
إصدار إعلان مشترك شارك في تحريره ووقَّع
عليه المساهمون جميعًا، ونجحت – وإنْ في صورة
حذرة – في طرح أسئلة حقيقية وملحَّة. وقد وزعت
اليونسكو في كتاب
نسخة عن المحاضرات (باللغتين الإنكليزية
والفرنسية).
أما
الكتاب الثاني،
الذي يتناول وقائع الندوة والذي نكتفي هنا
بالإشارة إلى صدور ترجمته إلى العربية عن
وزارة الثقافة السورية،
فهو يضم بين دفتيه العديد من المناقشات التي
دارت خلال الندوة وبعض البرامج الإذاعية التي
خُصِّصَتْ لها. ونذكر من المشاركين فيها: محمد
عبد السلام (حائز على جائزة نوبل في الفيزياء)،
جان دوسيه (حائز على جائزة نوبل في
الفسيولوجيا والطب)، بَسَراب نيكولسكو (فيزيائي)،
دافيد أوتوسون (فسيولوجي ورئيس لجنة جائزة
نوبل للفسيولوجيا والطب)، روپرت شلدريك (بيولوجي)،
هنري ستاپ (فيزيائي)، وسواهم.
وخير
الكلام على هذا المؤتمر هو في إيراد التصريح
الآتي الذي انتهى إليه:
إعلان البندقية
إن
المشاركين في ندوة "العلم يواجه تخوم
المعرفة: توطئة لماضينا الثقافي"،
التي نظَّمتْها اليونسكو بالتعاون مع
مؤسَّسة جيورجيو تشيني (البندقية، 3-7
آذار 1986)، إذ تحدوهم ذهنيةٌ منفتحةٌ
ومتسائلةٌ حول قيم عصرنا، وقع اتفاقُهم
على النقاط التالية:
- إنَّا
نشهد ثورة مهمة جدًّا في ميدان العلم،
ناجمة عن العلوم الأساسية (الفيزياء
والبيولوجيا بخاصة)، من خلال
الانقلاب الذي أحدثتْه في المنطق، في
الإپستمولوجيا، وكذلك في الحياة
اليومية عِبْرَ التطبيقات
التكنولوجية. غير أننا نعاين، في
الوقت نفسه، وجود شقة واسعة بين
النظرة الجديدة إلى العالم، المنبثقة
من دراسة المنظومات الطبيعية، وبين
القيم التي مازالت سائدة في الفلسفة
وفي العلوم الإنسانية وفي حياة
المجتمع الحديث. إذ إن هذه القيم
تقوم، إلى حدٍّ كبير، على الحتمية
الآلتية أو الوضعية أو العدمية. وإننا
نستشعر هذه الشقة بوصفها مؤذية
للغاية وتنطوي على تهديدات ثقيلة
بتدمير الجنس البشري.
- وصلت
المعرفة العلمية، بفعل حركتها
الداخلية ذاتها، إلى تخوم يمكن لها
فيها أن تباشر التحاور مع أشكال أخرى
للمعرفة. بهذا المعنى، ومع إقرارنا
بوجود اختلافات أساسية بين العلم
والمنقول، نعاين أنهما ليسا متعارضين
بل متكاملان. إن اللقاء غير المتوقع
والمُغني بين العلم وبين مختلف
منقولات العالم يجيز لنا التفكير في
ظهور نظرة جديدة إلى الإنسانية، بل
عقلانية جديدة حتى، من شأنها أن تقود
إلى منظور ميتافيزيائي جديد.
- وفي
حين نرفض كلَّ مشروع مُعَولِم وكلَّ
منظومة فكرية مغلقة وكلَّ يوطوپيا
جديدة، فإننا نقر، في الآن نفسه،
بالحاجة الملحة إلى بحث عبرمناهجي
بحق، في تبادل دينامي بين العلوم "الدقيقة"
والعلوم "الإنسانية" والفن
والمنقول. وبمعنى ما، فإن هذا
المقترَب العبرمناهجي مكتوب في
مخِّنا نفسه من خلال التفاعل
الدينامي بين شطريه. بذا يمكن للدراسة
المشتركة للطبيعة وللخيال، للكون
وللإنسان، أن تقرِّبنا تقريبًا أفضل
من الواقع وتتيح لنا أن نواجه تحديات
عصرنا المختلفة مواجهةً أفضل.
- يحجب
التعليمُ التقليدي للعلم، من خلال
عرضه الخطِّي للمعارف، وجود القطيعة
بين العلم المعاصر والنظرات القديمة
إلى العالم. وإننا نقر بالحاجة الملحة
إلى البحث عن طرائق تربوية جديدة تأخذ
في حسبانها فتوح العلم التي باتت
تتوافق الآن مع المنقولات الثقافية
الكبرى التي يبدو صونُها ودراستُها
دراسةً عميقة أساسيين. ويلوح لنا أن
اليونسكو هي المنظَّمة المناسبة
للترويج لأفكار كهذه.
- تلقي
تحديات عصرنا – تحدي التدمير الذاتي
لجنسنا، التحدي المعلوماتي، التحدي
الوراثي، إلخ – ضوءًا جديدًا على
مسؤولية العلماء الاجتماعية في
المبادرة وفي تطبيق البحث في آنٍ معًا.
وإذا كان العلماء غير قادرين أن يبتوا
في أمر تطبيق مكتشفاتهم، فلا يجوز لهم
أن يتفرجوا صاغرين على التطبيق
الأعمى لهذه المكتشفات. وفي رأينا أن
سعة التحديات المعاصرة تتطلب، من
ناحية، إعلام الرأي العام إعلامًا
دقيقًا ودائمًا، ومن ناحية أخرى،
إيجاد أجهزة إرشاد، وحتى قرار، ذات
طبيعة متعددة المناهج وعبرمناهجية.
- نعبِّر
عن أملنا في أن تواصل اليونسكو هذه
المبادرة عبر تشجيعها للتفكير
الموجَّه نحو العالمية
والعبرمناهجية.
المشاركون:
د.أ.
أكييامپونغ (غانا)، أڤيشاي مرگليت (إسرائيل)،
أوبِرَتان دامبروزيو (البرازيل)،
يوجيرو ناكامورا (اليابان)، رونيه برجيه
(سويسرا)، بسراب نيكولسكو (فرنسا)،
نيكولو دالاپورتا (إيطاليا)، ديڤيد
أوتوسون (السويد)، جان دوسيه (فرنسا،
جائزة نوبل للفسيولوجيا والطب)، محمد
عبد السلام (پاكستان، جائزة نوبل
للفيزياء)، مايتريي ديڤي (الهند)،
روپرت شلدريك (المملكة المتحدة)، جلبير
دوران (فرنسا)، هنري ستاپ (الولايات
المتحدة الأمريكية)، سانتياغو خينوفيس (المكسيك)،
ديڤيد سوزوكي (كندا)، سوسانتا
گوناتيلَكي (شري لنكا)
مراقبان
ومحاضران:
ميشيل
راندوم (فرنسا) وجاك ريتشاردسون (فرنسا،
الولايات المتحدة الأمريكية)
|
Déclaration de Venise
Les participants au
colloque « La science face aux confins de la connaissance :
le prologue de notre passé culturel », organisé par l’UNESCO
avec la collaboration de la Fondation Giorgio Cini (Venise, 3-7 mars
1986), animés par un esprit d’ouverture et de questionnement des
valeurs de notre temps, sont tombés d’accord sur les points
suivants :
- Nous
sommes témoins d’une très importante révolution
dans le domaine de la science, engendrée par la science
fondamentale (en particulier, par la physique et la biologie), par
le bouleversement qu’elle apporte en logique, en épistémologie et aussi
dans la vie de tous les jours à travers les applications
technologiques. Mais nous constatons, en même temps, l’existence
d’un important décalage entre la
nouvelle vision du monde qui émerge de l’étude
des systèmes naturels et les valeurs qui prédominent encore en
philosophie, dans les sciences de l’homme et dans la vie de
la société moderne. Car ces valeurs sont fondées, dans une
large mesure, sur le déterminisme mécaniste, le positivisme ou
le nihilisme. Nous ressentons ce décalage comme étant fortement
nuisible et porteur de lourdes menaces de destruction de notre espèce.
- La
connaissance scientifique, de par son propre mouvement interne,
est arrivée aux confins où elle peut commencer le dialogue avec
d’autres formes de connaissance. Dans ce sens, tout en
reconnaissant les différences fondamentales entre la science et
la tradition, nous constatons non pas leur opposition mais leur
complémentarité. La rencontre inattendue et enrichissante entre
la science et les différentes traditions du monde permet de
penser à l’apparition d’une
vision nouvelle de l’humanité, voire d’un nouveau rationalisme, qui pourrait conduire à une
nouvelle perspective métaphysique.
- Tout en
refusant tout projet globalisant, tout système fermé de pensée,
toute nouvelle utopie, nous reconnaissons en même temps l’urgence d’une
recherche véritablement transdisciplinaire dans un échange
dynamique entre les sciences « exactes », les sciences « humaines », l’art et la tradition. Dans un sens, cette approche
transdisciplinaire est inscrite dans notre propre cerveau par l’interaction dynamique entre ses deux hémisphères. L’étude conjointe de la nature et de l’imaginaire, de l’univers et de l’homme,
pourrait ainsi mieux nous approcher du réel et nous permettre de
mieux faire face aux différents défis de notre époque.
- L’enseignement conventionnel de la science, par une présentation
linéaire des connaissances, dissimule la rupture entre la science
contemporaine et les visions dépassées du monde. Nous
reconnaissons l’urgence de la recherche de nouvelles méthodes d’éducation, qui tiendront compte des avancées de la
science qui s’harmonisent maintenant avec les
grandes traditions culturelles, dont la préservation et l’étude approfondie paraissent fondamentales. L’UNESCO serait l’organisation appropriée pour promouvoir de telles idées.
- Les défis
de notre époque – le défi de l’autodestruction
de notre espèce, le défi informatique, le défi génétique,
etc. – éclairent d’une manière nouvelle la
responsabilité sociale des scientifiques, à la fois dans l’initiative et l’application de la recherche. Si les scientifiques ne
peuvent pas décider de l’application de leurs propres découvertes,
ils ne doivent pas assister passivement à l’application aveugle de ces découvertes. À
notre avis, l’ampleur des défis contemporains
demande, d’une part, l’information rigoureuse et permanente de l’opinion publique, et d’autre part, la création d’organes d’orientation
et même de décision de nature pluri- et transdisciplinaire.
- Nous exprimons l’espoir que l’UNESCO va
poursuivre cette initiative, en stimulant une réflexion dirigée
vers l’universalité et la transdisciplinarité.
Participants :
D.A.
Akyeampong (Ghana)
Avishai Margalit (Israël)
Ubiratan d’Ambrosio (Brésil)
Yujiro Nakamura (Japon)
René Berger (Suisse)
Basarab Nicolescu (France)
Nicolo Dallaporta (Italie)
David Ottoson (Suède)
Jean Dausset (France, Prix Nobel de Physiologie et Médecine)
Abdus Salam (Pakistan, Prix Nobel de Physique)
Maitreyi Devi (Inde)
Rupert Sheldrake (Royaume-Uni)
Gilbert Durand (France)
Henry Stapp (États-Unis d’Amérique)
Santiago Genovès (Mexique)
David Suzuki (Canada)
Susantha Goonatilake (Sri Lanka)
Observateurs intervenants :
Michel
Random (France) et Jacques Richardson (France, États-Unis
d’Amérique)
|
مؤسف، أخيرًا،
تعدُّد الأخطاء التي وردت في الكتاب الثاني
فيما يخص أسماء العلماء: فالخلط دائم بين بوهم
Bohm وبوهر Bohr
وغيرهما؛ وهذا عامل مشوِّش للقارئ. غير أني لا
أستطيع إلا أن أبدي إعجابي بكلِّ مبادرة تهدف
إلى توحيد البشر على المستويات كلِّها وإلى
توحيد الفرد ذاته.
*** *** ***
تنضيد: نبيل سلامة
| |
|
Front Page
|
|
Spiritual Traditions
|
Mythology
|
Perennial Ethics
|
Spotlights
|
Epistemology
|
Alternative Medicine
|
Deep Ecology
|
Depth Psychology
|
Nonviolence &
Resistance
|
Literature
|
Books & Readings
|
Art
|
On the Lookout
|
|
|