زلزال... وناطقون باسم الله!

 

جورج مسُّوح

 

البون شاسع بيننا وبين الأوروبيين – ويزداد هذا البون شساعة يومًا بعد آخر. مناسبة هذا القول الزلزال الذي نَكَبَ سكان سواحل جنوب شرق آسيا بأضخم موجات مدٍّ غير مسبوقة منذ زمن بعيد، فقَتَلَ وشرَّد وأوبأ مئات الآلاف من سكان تلك المناطق.

فبينما انشغل الأوروبيون بتنظيم حملات التبرع لدعم ضحايا الزلزال ومساعدتهم على تجاوُز محنتهم، رأينا على شاشات التلفزيون الرجال والنساء والشباب يعملون على جمع المعونات في الطرقات ومحطات القطارات والمقاهي ودور السينما والمسارح وسواها من الأماكن التي يرتادها الناس عادة. كما رأينا الأوروبيين يقفون ثلاث دقائق صمت وتأمل حدادًا على أرواح مَن سقطوا.

فماذا كانت حال ناسنا؟

بدلاً من أن يسارع أبناء بلادنا "الحضاريون"، الذين يفاخرون بأن الديانات الإبراهيمية الثلاث خرجتْ من ديارهم وعمَّتِ المسكونةَ كلَّها، إلى تنظيم شيء مماثل لما قام به سكان أوروبا، "الذين، في غالبيتهم، لا يقيمون اعتبارًا للإيمان"، رأيناهم لا يكترثون بشؤون الناس المنكوبين واحتياجاتهم الآنية، بل يهتمون بالأمور الغيبية المتعلقة بمسبِّبات الزلازل أو بما يماثلها من كوارث طبيعية.

الدنيا للأوروبيين، والآخرة لنا! أليس كذلك، يا أهل الإيمان؟!

فلنأخذ، على سبيل المثال، هذا السؤال الذي طَرَحَه أحدُ "السفهاء" على أحد "الفقهاء"، طالبًا الفتوى – والمرجع إحدى صفحات الإنترنت التي يشرف عليها أحدُ "كبار" الفكر الديني من نجوم الشاشات الفضائية. يسأل "أدهم" من تايلاند: "كلنا رأينا ما فعلتْه الزلازل في جنوب آسيا. وقد فرح البعض من هذه الزلازل، وقال: إن هذه الشواطئ في هذه الأيام من السنة يكثر فيها العري والفجور والخنا، فدمَّرها الله تدميرًا. فهل يجوز لنا إظهار الشماتة في هذه الأحداث؟" (و"الخنا"، لِمَنْ لا يعرف هذا اللفظ، هو "الفحش في الكلام".)

الحمد لله! كان جواب الفقيه عن هذا السؤال أن "الشماتة غير جائزة، وينبغي مساعدة المحتاجين منهم، مسلمين وغير مسلمين، وكذلك المسارعة إلى التوبة – والله أعلم". لكن المشكلة قائمة في مجرد طرح سؤال تافه كهذا على هذا النحو النافر. وبصرف النظر عن الجواب ومدى تقدمه، فإننا نجد في السؤال دلالة قاطعة على أن الفكر الديني يمر في أزمة، في الأديان كافة؛ وليس دينٌ أفضل من آخر على هذا الصعيد. فوكالات الأنباء والشاشات الدينية، على أنواعها وألوانها الباهتة، أتحفتْنا بأقوال لرجال دين يهود ومسيحيين ومسلمين وهندوس، يفسِّرون فيها أسباب الكارثة على أنها "إظهار لقدرة الله وعقاب للبشر على خطاياهم". ولم يجد بعض رجال الدين في الكارثة سوى "تذكير من الله بأنه خَلَقَ العالم ويستطيع تدميره"، وهكذا دواليك من آراء "خنفشارية"، لو كانت صحيحة لكان قائلوها أول مَن يستحقون هذا "العقاب" بسبب ما يتفوَّهون به من هراء!

إن الجريمة في هذه الآراء تكمن في الحكم القاطع والمبرم الذي أصدره المتفوِّهون باسم الأديان، كأن هؤلاء الفقراء المعدمين من الآسيويين وأطفالهم الذين قَتَلَهم الزلزال أو شرَّدهم خطأةٌ، مجرمون، يستحقون العقاب، بينما هم القضاة الأبرياء، الأنقياء!

لا ريب في أن هؤلاء الممسكين بأمور الدين يزيدون من نفور الناس من الله والإيمان الصافي. وأكبر خدمة يمكن أن يقدِّموها إلى الله هو أن يصمتوا، ويكفوا عن الكلام باسمه، ويَعِفُّوا عن إطلاق الأحكام عن منبره. ثم أن يرحموا الناس ويحبوهم كما توصي الأديان. فـ"الله محبة"، وهو الرحيم. وما على المؤمنين إلا أن يتمِّموا فعل المحبة والرحمة، حتى يصدِّق الناس أن الله حقًّا محبٌّ للبشر ورحيم.

إذن، ارحموا وساعدوا، يا سادة، وانزلوا من سمائكم إلى أرضكم، وكفوا عن الغيبيات والماورائيات!

*** *** ***

عن النهار، الأحد 9 كانون الثاني 2005

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود