|
الحياة مع الريكي "تعاليم تاكاتا": طريقة حياة لبلوغ التوحُّد
يشهد العالمُ اليوم ثورةً حقيقية في الروحانيات الجديدة new spiritualities التي تعمل على ملء الفراغ الناشئ في هذا المجال إبان القرون المنصرمة. وقد نشطت التجاربُ المرتبطة بهذا المجال إلى حدٍّ كبير، وبلغتْ ذروتَها مع بداية هذا القرن، ليتحول دعاتُها في الغرب إلى أنبياء، جاؤوا من الشرق الأقصى إلى الغرب، حاملين فنونهم وعلومهم. وقد تفرعتْ عنها مدارس وطوائف كثيرة تتَّبع هذا المنهج أو ذاك. ويأتي كتاب الحياة مع الريكي: تعاليم تاكاتا[*] لمؤلِّفته فراين براون ليعرض تجربة امرأة تتبع واحدةً من هذه المدارس يُطلَق عليها فن الريكي.
مصطلح ريكي Reiki باللغة اليابانية يعني طاقة الحياة. توصل إلى اكتشافها، أو إعادة اكتشافها، في أواخر القرن التاسع عشر القسيس د. أوسوي. فإبان عمله كمدير لمدرسة للفتيان في اليابان سأله أحد الطلاب أسئلة غيبية. هذه الحادثة الصغيرة قادت أوسوي فيما بعد إلى الكثير من البحث والتقصِّي. فغادر كنيسته في اليابان، واتجه إلى شيكاغو ليدرس الفلسفة ومبادئ المسيحية والكتاب المقدس، ثم ليتابع دراسته في علم الأديان، فيهتم بالهندوسية وبالبوذية، ويكتشف تقاطعاتٍ كثيرة بين هذه الأديان. وكان لاكتشافه أن بوذا قام أيضًا بشفاء الأعمى ومرضى السل والجذام أثرٌ كبير عليه. فقد اتَّخذ بحثُه بعد ذلك منحًى آخر، فدرس السنسكريتية والصينية، وتعمق تعمقًا أكبر في علم الأديان، وراح يمحص الجوانب الروحية في هذه الأديان ومن أين تستمد قوتها. وكان من الطبيعي من سيرة حياة الرجل أن يصل، بعد هذا البحث كلِّه، إلى مرحلة التأمل والصيام. فذهب إلى جبل كوراياما، واختار صنوبرةً كبيرة بالقرب من مجرى نهر صغير. مكث في هذا المكان، مستغرقًا في التأمل والصلاة وهو يقرأ في الكتب المقدسة. وظل على هذه الحال مدةً دامت 22 يومًا. ومع انتهاء المدة، وصل إلى مرحلة التجلِّي، بحسب المؤلِّفة، ليبدأ اكتشاف الريكي أو الطاقة الموجودة في الجسم البشري التي اعتمدها في نظامه للشفاء الطبيعي. استمرت حياة أوسوي، بحسب ما جاء في الكتاب، مع عدد كبير من المعجزات التي قام بها، والتي بدأت فور نزوله من الجبل والتي تقوم على العلاج الطبيعي: من علاج إصبعه المجروح أول الأمر، ثم علاج أسنان فتاة في أسفل الجبل، وعلاج راهب في دير بوذي. وقد سُمِّيَتْ هذه العجائب بـ"عجائب أوسوي الأولى". تكاملتْ تجربةُ أوسوي، وانصقلتْ مع مرور الأيام، لتزداد خبرتُه ويغوص أكثر في عالم الطاقة. وتستمر مسيرتُه، ليصبح لطريقته أتباعٌ يُطلَق على مَن يمسك منهم بالطريقة اسم "السيد" أو "المعلِّم" Master، يكتسبون المعرفة من خلال الدربة، وتنتقل إليهم الخبرةُ مشافهةً دون أن تدوَّن، لتنطلق تعاليمُ أوسوي في العالم مع تلاميذه. تتقاطع سيرةُ حياة أوسوي وتتشابه مع سيرة حياة الكثير من الأولياء والحكماء، وتتشابه تعاليمُه مع تعاليم الكثير من الأديان السماوية، وبالطبع مع البوذية والهندوسية وغيرها من ديانات الشرق الأقصى والأدنى. وذلك نتيجة طبيعية للرحلة التي خاضها في دراسته للأديان، والتي أدَّت في النهاية إلى اكتشاف الريكي. لقد بات الريكي معروفًا، يحظى في اليابان باحترام كبير، ويتمثَّل في قواعد وخصائص تغطي جوانب الحياة الإنسانية برمَّتها. وقد أدى إلى نشوء تيارات مختلفة داخل الثقافة اليابانية. أحد هذه التيارات التي تطوَّرتْ وانتقلتْ لتصبح علمًا في الغرب هو فن الشفاء بالطاقة. وهذا لا يعني أن الريكي ينحصر في الشفاء فقط؛ بمعنى آخر، فإن الشفاء بالريكي هو سبيل لبلوغ الكمال والتوحد من خلال الالتزام بنمط حياتي معين. يعرِّف هذا الكتاب بفن الريكي، ويقدِّمه على أنه طريقة حياة. ومَن لا يعمل بهذا فإنه لن يستطيع الولوج إلى هذا العالم. فهو بمنزلة قوة موجِّهة في الحياة اليومية، تُبعِدُنا عن الأمراض والألم، وتصلنا بالطاقة الكونية. فـ"الطاقة خالدة والجسم فانٍ". ويقترح هذا الكتاب نظامًا أو طريقة بسيطة يعتمدها المرء في حياته اليومية. تأتي خصوصية هذا الكتاب من طريقة عرضه لهذا الفن. فقد صيغ على شكل مجموعة من القصص والروايات تحكي عن هاويو تاكاتا؛ وهي امرأة من هاواي عاشت وفق تعاليم أوسوي، وصارت "معلِّمة" في فن الريكي، فنقلتْه إلى أمريكا، وساهمت، عن طريق مدرسة قامت بفتحها، في نشره في الكثير من دول العالم فيما بعد. تنتقل تعاليم الريكي عن طريق الأفراد؛ إذ ليست هناك تعاليم مكتوبة في هذا الخصوص. يخضع الطالب إبان تأهيله لمجموعة من التدريبات والرياضات التي توصله إلى الشفاء عن طريق الريكي. وبذلك فإن الكتاب لا "يعلِّم" الريكي، بل هو في بساطة مجموعة من القصص التي تروي سيرة حياة تاكاتا، وتوضح، في طريقة مبسطة، الآليات التي من الممكن أن تقود الإنسان إلى اكتشاف هذه الطريقة في الحياة. *** *** *** تنضيد: نبيل سلامة [*] فراين براون، الحياة مع الريكي: تعاليم تاكاتا، بترجمة د. رفيقة العبد الله، دار الطليعة الجديدة، دمشق، 2004. |
|
|