|
شخصية
"المجنون" ودلالاتها
في أدب جبران
لا بدَّ
لقارئ جبران من أن يتوقف مليًّا أمام ما تزخر
به أعمالُه من إشارات إلى مفهوم "الجنون"،
ومن شخصيات أطلق عليها صفة "المجنون".
فالمجنون عنده يرتبط بالاختلاف عما هو سائد،
وبعدم قبول الواقع وما يفرضه من ابتعاد عن
المواصفات التي تليق بحياة الإنسان،
باعتباره ممثلاً للألوهية على الأرض؛ ومن
ثَمَّ بالرغبة في التمرد على هذا الواقع،
ورفض الشرائع والتقاليد الظالمة التي
يفرضها، وبالطموح إلى بناء عالم آخر، أكثر
إنسانية وجمالاً وعدالة – ولو بالوهم وحده.
جبران
خليل جبران ففي كتاب عرائس المروج
نجد شخصية "يوحنا المجنون"[1]: هو راعٍ اكتشف
مدى ما ينضوي عليه الواقع من بؤس وظلم وقهر
اجتماعي، من جراء سيطرة التحالف الأسود
القائم بين الحكام ورجال الدين والأغنياء
أصحاب الشرف الموروث؛ كما اكتشف مدى الزيف
الذي يخبِّئه بعض رجال الدين تحت أرديتهم
السوداء، مستخدمين أقدس ما في الحياة لتعميم
شرور الحياة. فيرفض يوحنا هذا الواقع، ويتمرد
عليه. ولذلك فإن صفة "الجنون" التي تلحق
باسمه تعني قيامه بـ"الكشف" و"الرفض"
و"التمرد". وفي كتاب العواصف نجد
"الإله المجنون"[2]
الذي يقول: "أنا ربُّ نفسي" – بمعنى أنه
لا يخضع لأية شريعة، ولا يعترف بقدسية أية
تعاليم أو مبادئ غير تلك التي تنبع من نفسه
ذاتها. ويقول أيضًا: "أنا مجنون قوي، أسير،
فتميد الأرض تحت قدمي، وأقف، فتقف معي مواكب
النجوم. وقد تعلَّمتُ الاستهزاء بالبشر من
الأبالسة، وفهمت أسرار الوجود والعدم بعد أن
عاشرت ملوك الجنِّ ورافقت جبابرة الليل."
فالجنون قوة، لأنه يلغي جميع مصادر الخوف
التي تحدُّ من حرية البشر؛ لذلك يهزأ بهم
المجنون. وهو كذلك فهمٌ لأسرار الوجود
والكون، لأنه يمنح المجنون القدرة على تجاوز
الواقع إلى ما ورائه (مثل ملوك الجان)،
والقدرة على رؤية المخفي والمحجوب (مثل
جبابرة الليل). وعندما يدعو "الإله المجنون"
إلى دفن جثث الأحياء–الأموات المتكدِّسة حول
منازلهم ومحاكمهم ومعابدهم، فإنما يعبِّر عن
رفض الخنوع إلى الواقع الساكن الثابت؛ وعندما
يدعو إلى الركض مع العاصفة، فإنما يعبِّر عن
التوق إلى الثورة والحرية والتحوُّل الدائم. وفي قصيدة المواكب
إشارة إلى أن "المجنون" هو المحب
الهائم الذي يعيش في أسمى حالاته، ويختلف عن
بقية الناس الذين ابتذلوا الحبَّ إلى مجرد
نزعة شهوانية مادية عابرة. وبذلك فإن المجنون
هو العارف بحقيقة الحب، بينما الآخرون
بُهُمٌ ماتوا قبل أن يولدوا:[3] فـإن
لقـيتَ محـبًّا هـائمًا كَلِـفًا * في جوعه
شـبعٌ في ورده الصـدر والناس
قالوا هو المجنون ماذا عسى * يبـغي من الحبِّ
أو يرجو فيصطبر فقُـلْ
هـم البُـهُمُ ماتوا قبلما ولدوا * أنَّى دروا
كُنْـه ما يُحيي وما اختبروا ويستخدم جبران لفظة "الجنون"
ليصف بها نفسه أيضًا، بعد أن يعطيها دلالات
تشير إلى التطرف والاختلاف والنقمة على ما هو
سائد بين البشر من تقديس للشرائع والعقائد
والعادات المزيفة والبائدة، ورفضهم فتح
قلوبهم وعقولهم أمام رياح التجديد والتحديث.
فالجنون هو الميل إلى هدم القديم البالي من
أجل بناء الجديد المتقدم. لذلك يقول في مقالة
"المخدرات والمباضع"[4]،
في معرض ردِّه على ما أثارتْه كتاباتُه من
ردود أفعال عند المحافظين من الكتَّاب
والقراء العرب: "هذا بعض ما يقوله الناس
عني، وهم مصيبون: فأنا متطرف حتى الجنون، أميل
إلى الهدم ميلي إلى البناء، وفي قلبي كُرهٌ
لما يقدِّسه الناس وحبٌّ لما يأبونه. ولو كان
بإمكاني استئصال عوائد البشر وعقائدهم
وتقاليدهم لما تردَّدتُ دقيقة." وفي الحقيقة، فإن في وسع
المرء أن يجد مصادر لهذا المفهوم عن شخصية "المجنون"
في التراث العربي. فكُتُب التراث حافلة
بالأخبار والحكايات والأقوال التي تمنح "المجنون"
دلالات وصفات خاصة، تأتي في مقدمتها دلالة الاختلاف:
فالمجنون هو "المختلف"، لأنه يخالف
الناس فيما دأبوا عليه من عادات، ورضخوا من
تقاليد وشرائع، ولأنه يدعو إلى الجديد
المختلف الذي لم يألفوه. وبهذا المعنى كانت
الأمم تعتبر الأنبياء والرسل "مجانين".
وهذا ما يقوله النيسابوري في كتابه عقلاء
المجانين: "والمجنون عند الناس مَن يسفه
ويسبُّ ويخرق الثوب، أو مَن يخالفهم في
عاداتهم، فيجيء بما ينكرون. ولذلك دعت الأممُ
الرسلَ مجانين لأنهم شقوا عصاهم، فنابذوهم
وأتوا بخلاف ما هُم فيه."[5] أما الدلالة الثانية فهي الرفض
والتمرد. ذلك أن "الاختلاف" يقود "المجنون"
إلى رفض الواقع الذي يستكين إليه بقيةُ
الناس، والتمرُّد على ما ينضوي عليه هذا
الواقع من عبودية وشرائع وتقاليد جائرة
وظالمة. فقد وَرَدَ في كتاب عقلاء المجانين
أيضًا: "حدَّثَنا مشايخ همدان قالوا: كان
عندنا مجنون تجتمع عليه الناس، فإذا اجتمعوا
عليه قال لهم: ترون ما أنتم فيه من حيرتكم
وغفلتكم شيئًا ما هو إلا محنة العبودية ووطأة
الشريعة في الدنيا، والحبس والحساب والسؤال
والعذاب في الآخرة."[6] وما كان للـ"مجنون" أن
يكون مختلفًا ورافضًا متمردًا لو كان في حالة
من الغفلة أو الجهل أو ذهاب العقل. لذلك
فالدلالة الثالثة تُظهِرُه في صورة العارف
المستبصر. فالجنون هو حَجْبٌ للغفلة، لا
للمعرفة. يقول النيسابوري: "سمعت محمد بن
علي بن الحسن الكوفي يقول: قال رجل لعليان
المجنون: أجننت؟ قال: أما عن الغفلة فنعم، وعن
المعرفة فلا."[7] والدلالة الرابعة هي البلاغة
والحكمة. فالمجنون متكلِّم فصيح، قادر على
قول ما يعجز الآخرون عن قوله. كما أن أقواله
تتصف بالبلاغة الآسرة، والحكمة الساحرة؛
لذلك يسعى الناس إلى التقاط أقواله وحفظها
وترديدها. فهذا ابن عبد ربه يقول في العقد
الفريد: "وقد يأتي لهؤلاء المجانين كلام
نادر محكم، لا يُسمَع بمثله."[8] وكل ما سبق يفضي إلى الدلالة
الخامسة المتعلقة بـالقداسة. فالصفات
السابقة، في مجملها، جعلت عامة الناس
وخاصَّتهم، من حكام ومتنفِّذين، يهابون "المجنون"
ويتبرَّكون به، ويعدُّونه بين الأولياء
والقديسين. فقد جاء في كتاب لواقح الأنوار
في طبقات الأخيار: "سيدي عبد القادر
الدشطوطي، الذي كانت له هيئة المجاذيب، كان
له القبول التام عند الخاص والعام. وكان
السلطان قايتباي يمرِّغ وجهه على أقدامه."[9] وعندما أصدر جبران كتابه
الأول باللغة الإنكليزية في العام 1918 بعنوان المجنون[10]،
جعل "مجنونه" يحمل تلك الدلالات
التراثية جميعها. فقد أراد له أن يكون مختلفًا
ورافضًا متمردًا وعارفًا مستبصرًا، بعد أن
مَنَحَه هالة من القداسة تجعله صلة الوصل بين
العالم الواقعي – عالم البشر العاديين –
وبين العالم العلوي – عالم الروح الكلِّي
الخالد.
"المجنون"،
رسم لجبران على غلاف الكتاب باللغة
الدانمركية فمنذ النصِّ الأول الذي حمل
عنوان "كيف أصبحت مجنونًا"، وجاء كفاتحة
للكتاب، يؤكد جبران على الدلالات السابقة
جميعها عند "مجنونه": فهو يسبغ عليه طابع
"الأسطورة" و"القداسة" عندما يجعله
قديمًا قِدَمَ الزمان نفسه، لأنه موجود قبل
ميلاد كثيرين من الآلهة. وقد خَبِرَ سبع حيوات
على الأرض، كما كان لديه سبعة براقع. (ولا يخفى
ما للعدد 7 من قداسة مرتبطة بالأساطير
القديمة.) وفي النصِّ الثاني، "الله"،
يقرن بين "المجنون" وبين النبي موسى،
كليم الله، حين يصعد إلى الجبل المقدس ويخاطب
ربَّه. بل إن الله يعطف عليه وينحني فوقه
ويطويه في أعماقه. أما في النصِّ الثالث "يا
صاحبي" فيقرن بينه وبين المسيح عليه
السلام، حين يقول: "أريد أن أمشي على البحر
وحدي." وعندما يتحدث "المجنون" عن
أفكاره العميقة المرفرفة فوق البحار، فهو
يؤكِّد تماهيه مع الروح الكلِّي الخالد،
الروح الذي يرفرف فوق الغمر. ويدرك "مجنون" جبران
اختلافه عن الآخرين؛ فهو يقول لصاحبه: "لكنني
مجنون، منجذب عن العالم الذي تقطنه أنت إلى
عالم غريب بعيد." ويقول له أيضًا: "إن
طريقي غير طريقك." وما "اختلافه" عن
الآخرين سوى نتيجة لعودته إلى حقيقته عندما
خلع البراقع التي كان يتقنَّع بها؛ فقبَّلت
الشمس وجهه العاري لأول مرة. فعندئذٍ فقط هرب
منه الرجال والنساء وصرخوا: "إن هذا الرجل
مجنون!" لأنه صار "مختلفًا" عنهم. فهم
يعيشون في حالة من الزيف والجهل والظلام، ولا
يريدون خلع براقعهم التي يختبئون وراءها، ولا
يتحملون أن تلفح وجوهَهم شمسُ الحقيقة. ولذلك يعمد "المجنون"،
في عدد من نصوص الكتاب، إلى كشف التناقض
القائم بين زيف الظاهر وبين حقيقة الباطن. ففي
نصِّ "بين هجعة ويقظة" نرى امرأة
وابنتها، ولهما عادة المشي أثناء النوم.
وعندما تتقابلان في أثناء مشيهما في حالة
النوم (أي الحالة التي تكونان فيها مجرَّدتين
من أقنعة الزيف)، تفصح كلٌّ منهما للأخرى
بحقيقة ما تكنُّه لها من مشاعر الكره والحقد؛
ولكن عندما تستيقظان من نومهما، تعود كلُّ
واحدة منهما إلى ما اعتادت عليه من زيف،
فتخاطب الأخرى بلطف مصطنع وحنان كاذب. وفي نص "الملك الحكيم"
نرى كيف يطغى الواقع المزيف على الحقيقة،
فتنقلب المفاهيم. فالملك الحكيم ووزيره
اللذان لم يفقدا عقليهما لأنهما لم يشربا من
"بئر الجنون" الذي شرب منه عامة الناس،
أصبحا مجنونين في نظر الناس، مما اضطرهما إلى
الشرب من البئر ذاته حتى يتم قبولهما مجددًا
من سكان مدينتهم. ومن مظاهر زيف الواقع أيضًا
ما نجده في نصِّ "الطموح"، حيث صاحب
الحانة وزوجته يصفان زبائنهما الثلاثة
بالكرم والشرف لأنهم ينفقون المال من غير
حساب، رغم أن هذا المال كان نتيجة لموت إنسان.
ومع ذلك، يتمنيان أن يسعدهما الحظُّ كلَّ يوم
بمثل هؤلاء الزبائن (مما يعني رغبتهما في موت
المزيد من البشر)، ليتمكَّنا من إعفاء ابنهما
الوحيد من خدمة الحانة القذرة، ليصير
قسِّيسًا! كما يكشف حقيقة من يدَّعون
العلم والفلسفة في نصِّ "اللعين".
فالفيلسوف العلامة ليس سوى "شاخص"، أو
تمثال محشو بالقش، يعجز عن تقديم أية منفعة أو
أداء أيِّ عمل حقيقي. لذلك يبني الغرابان
عشَّهما تحت قبعته! وفي نصٍّ يحمل عنوان "العالمان"
نجد أن "الصراع الفكري" الذي يحتدم بين
"علماء" الأفكار القديمة ليس سوى صراع
مزيف أيضًا، لأن قناعة العالم بما يحمله من
أفكار هي قناعة واهية، لا تصمد أمام أيِّ جدال.
كما أن ما يُظهِره العالِم لمريديه وأنصاره
يختلف عما يؤمن به فعلاً في قرارة نفسه. أما في نصِّ "الكلب
الحكيم" فيبيِّن الزيف الذي يمارسه
الحكماء حين يوهمون السنانير أن السماء تمطر
فئرانًا، بينما يعتقد الكلب الحكيم أنها تمطر
عظامًا! كما يسخر من هؤلاء الذين يفهمون
تعاليم الشريعة فهمًا حرفيًّا دون أن يكونوا
قادرين على إدراك معانيها الحقيقية، وذلك في
نصِّ "المدينة المباركة". وفي نصِّ "الثعلب" يؤكد
على أن البشر يؤخَذون بالمظاهر والقشور
والظلال أكثر من الحقيقة. وهو ما يقوله أيضًا
في نصِّ "النملات الثلاث": فكلُّ نملة
ترى الواقع من خلال نظرتها المحدودة الضيقة،
دون أن تكون أية واحدة منها قادرة على إدراك
الحقيقة، مما يؤدي إلى انسحاقها جميعها تحت
أصابع الواقع؛ وهو ما يشير أيضًا إلى أن
الإنسان عاجز عن إدراك حقيقة الوجود بحواسه
المحدودة. وهذا ما يقوله نصُّ "العين"
أيضًا، حيث لا تعترف الحواس بوجود الشيء إلا
إذا كان في متناول إدراكها. وإذا استطاعت حاسة
ما، كـ"العين"، أن ترى ما لا تدركه
الحواس الأخرى، تكون "قد خرجت ولا شكَّ عن
صوابها"، أي أصابها "الجنون" – مما
يعني أن للجنون دلالة على القدرة على رؤية
ما لا تراه العيون، وإدراك ما لا يدركه
الآخرون. وهكذا يصبح "المجنون"
هو "الرائي" و"العارف المستبصر"،
لأنه القادر على اختراق حُجُب المظاهر
الخارجية للنفاذ إلى الحقيقة الكامنة في لبِّ
الأشياء. فالمعرفة الحقَّة ليست تلك التي
نلمسها بحواسنا، ولا تلك التي نتوصل إليها
بملكاتنا العقلية وحدها، بل هي المعرفة التي
ندركها بالبصيرة، ونشعر بها بالحدس،
ونقاربها من خلال إزالة حُجُب الواقع،
لتتمكَّن نفوسُنا من التواصل مع الروح
الكلِّي الخالد. لذلك يقول "المجنون" في
نصِّ "الوجوه": "أنا أعرف الوجوه لأنني
أنظر إليها من خلال ما ينسجه بصري، فأرى
الحقيقة التي وراءها بباصرتي." ولذلك أيضًا
نجد "الأعمى" في نصِّ "الفلكي" يرصد
الشموس والأقمار والنجوم، لأن الرؤية
الحقيقية لا تحتاج إلى عينين، بل تحتاج إلى
"الذات السابعة التي تظل شاخصة تراقب
اللاشيء الذي وراء كلِّ شيء". ولا يعادل شوق "المجنون"
إلى المعرفة سوى شهوته إلى الوحدة مع أشياء
الوجود، التي تربطه بها محبةٌ "أعمق من
أعماق البحر، وأقوى من قوة الجبل، وأغرب من
غرائب الجنون"، كما يقول في نصِّ "الحنين
الأعظم". ولا تكتمل وحدةُ الوجود هذه
إلا بإيمانه أنه ليس سوى جدول يطويه الله في
أعماقه. لذلك يخاطب المجنون ربَّه في نصِّ "الله"
قائلاً: "إلهي الحكيم العليم، يا كمالي
ومحجَّتي، أنا أمسُكَ وأنت غدي. أنا عروقٌ لك
في ظلمات الأرض، وأنت أزاهر لي في أنوار
السماوات، ونحن ننمو معًا أمام وجه الشمس." وهكذا فقد أراد جبران أن
يكون "مجنونه" تجلِّيًا لمفهومه عن الإنسان
الكامل الذي طالما تحدَّثَ عنه في كتبه
السابقة. ويمكن لنا أن نستخلص سُبُل بلوغ
الإنسان مرحلة "الكمال" من خلال ما يقوله
الليل للمجنون في نصِّ "الليل والمجنون".
وأهم هذه السُّبُل: ألا يلتفت الإنسان إلى
الوراء ليرى آثار أقدامه على الرمال، وألا
يرتعش أمام الآلام كي لا يهوله سماعُ أناشيد
الهاوية، وألا يتخذ من ذاته الصغرى رفيقًا،
بل يتخذ من ذاته الجبارة صديقًا، وأن يكون
شريعة نفسه، ويزيل القناع ذي الطيَّات السبع
عن روحه، ويحمل قلبه على كفِّه؛ فعندئذٍ
يستطيع أن يمتطي العاصفة جوادًا، ويمتشق
البرق حسامًا، وتتكشَّف له مكنوناتُ
اللانهاية، كما تنكشف له مكنوناتُ نفسه. ومع ذلك، يدرك جبران أن بلوغ
مرحلة "الإنسان الكامل" ليس سوى حلم "ميتافيزيقي"
بعيد المنال، فيصرخ على لسان "المجنون"
في السطور الأخيرة من الكتاب: "ولكن لِمَ
أنا ههنا، يا رب؟ لِمَ أنا ههنا، وأنا ثمرة
عجراء لم تنل شهوتها من النماء، وعاصفة
صمَّاء هوجاء، لا شرقًا تبتغي ولا غربًا،
وذرة هائمة تائهة من كوكب محترق ثائر؟... لِمَ
أنا ههنا؟ لِمَ أنا ههنا، يا إله النفوس
الضائعة، أيها الضائع بين الآلهة؟" ***
*** *** [1]
المجموعة الكاملة لمؤلَّفات
جبران العربية، ط 1، دار
صادر، بيروت؛ عرائس المروج، ص 69. [2]
نفس المرجع، العواصف، ص 367. [3]
المصدر نفسه، المواكب، ص 359. [4]
المصدر نفسه، ص 404. [5]
أبو القاسم الحسن بن حبيب النيسابوري، عقلاء
المجانين، دار النفائس، بيروت، 1987؛ ص 30. [6]
النيسابوري، عقلاء المجانين، ص 323. [7]
المصدر نفسه، ص 163. [8]
ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد،
دار الكتب العلمية، بيروت، 1982؛ ج 7، ص 180. [9]
عبد الوهاب الشعراني، لواقح الأنوار في
طبقات الأخيار، ج 2، ص 125. [10]
جبران خليل جبران، المؤلَّفات المعرَّبة،
المجنون، تعريب أنطونيوس بشير.
|
|
|