غراماتولوجي
محمد حسن
(تموز)
افتح بابًا على الأرض أشعِل نار الحضور.
أدونيس
بصمتِ جاء الإنسانُ
إلى العالم
لكنه بجلبةِ يخرجُ منه،
أوديسة لا مكان لها.
في أعماق الغابات
ناسا مفقودةٌ
تبحثُ عن كوكب آخر
أيُقاس تقدمنا بالقدرة على الهرب؟
***
مرفوضًا
أمضيتُ ليلي في هرمنيوطيقا الليل نفسه،
العتمةُ تزداد عتمة، وأنا وحدي،
هرمس يفشلُ في نقل حديث الآلهة إليَّ
لم يستطع ترجمة اللامتناهي إلى اللامتناهي
أدرتُ كأسي..
على كلِّ أسماء الفاتنات اللائي تركنني...
لم يعد الليل يشعل قناديلهُ
مُتمرِّسًا في السير كأعمى
لا يرى "هو"، لا أرى "أنا"
كِلانا أطفئ قنديله
لا أحدٌ منكم يعتقد، أننا نعِدُ أنفسنا بفجرٍ ما،
نحنُ نرمِّم هوَّة الوقت
في تعلُم "الغراماتولوجيا".
***
أنامُ بِلا أملِ
افتح عينيَّ بلا أملِ
لم يتغير شيء سوى كمية الخوف.
***
هكذا تولد القصيدة
في صباحٍ يفتتح يومه بالتُّفكر عن الحُب
حُبٍّ يضنيه الرحيل وكذلك البقاء
أُيها العاشقُ ما سرُّك؟
تعضُّ على الأفق بأسنانك
فتمطر السماء حبَّاتٍ من الهيل.
ما سرُّك؟
كلما هممتَ أن تقول "أُحبكِ"
ارتعش غصن التفاح في آخر المدى
وسقطت ثمرةٌ في حقل الذاكرة.
لله دُرك أيها الوقت
تلتهمني ولا يبقى مني إلاَّ الكلام.
بردٌ لا تشفيه كلُ حيلِ التدفئة
يهبط أسفل الدرجة صفر
حتى يتجمَّد،
وحينها فقط يسألكِ كطفل
أن توجهي له صفعتك التي لا تُرَّد.
فينفرطُ، على واديكِ،
كعقدٍ من اللؤلؤ...
***
أن تُحبَّ السير
بعينيك
أن تسافر في الأفق
أن ترحل في المكان
"وضوح الرؤية"
أن تنفذ إلى درجات الضوء.
سامحيني، لن أسير في الضباب
إلاَّ في ساعات الصباح الباكر
حيثُ الورود عرايا إلاَّ من العطر
وحيث الضباب، وحده، شهوة الوديان العابرة.
***
من تلك النافذة
كانوا يقصون أجنحة حتى النور الداخل،
ونحن هنا نتثاءب
أمام ألف جدار،
في الوسط، محاضرٌ
بخطواتِ رشيقة يتحرك
إلى الأمام والخلف،
يصدحُ عن الرؤية والاستراتيجية والهدف
ونحن هنا لا نملكُ أيامنا.
من يعطني جناحين كي أطير بهما
من تلك النافذة.
***
تجلسين إلى جانبي
فلا أرى في الدنيا سواكِ
كأن الشمس إن بزغت بدأ نهارُ الناسِ
ونهاري يبدأ عندما أراكِ.
***
عينٌ تنظر تغرقُ
فيما ترى
ومن ثمَّ على عجلٍ أخرج
أتابعُ سيري إلى المجهول.
أيُّ شمسٍ أمامي
بدأ الليلُ يُغرق الأمكنة من حولي بأزرق غريب،
أطوي المسافات في الذاكرة
أُشعلُ ضوء السيارة الخافت
فأنيرُ نفسي أمام المارقين..
من أنا في كُلِّ ذلك
سوى وهمٍ أليف،
بلغ الليلُ مبتغاه،
الكثيرون يطلقون العنان لمزاميرهم
كي أشعل ضوئي أنا الآخر.
انظرُ إلى نفسي
يداي في مكانهما على المقود
يا فجرُ مَن أنتَ
في رسم الفضاء حولي..؟
أتحسسُ قلبي إنْ كان
في مكانه
يأتيني جوابه..
ليس لي مستقرٌ
سوى أني ارتحالٌ
دائم.
ابحثُ عن مستقرٍّ
هواء ينكمش حولي في بردٍ أزرقَ غريب
اضغطُ على عجلة السرعة
أزيد سرعتي...
نحو النهاية لانهاية.
بلغَ الليلُ مبتغاه.
***
يولدُ الخريف
بما لا يدع مجالاً لليقين
بأنَّ اليومَ زائلْ وأن الغدَ خريفيٌّ أيضًا.
إنَّه الوقتُ ما عداكِ.
إنْ كان البرقُ طريق والرعدُ موعد
أيُّ عصفٍ هو انتظارك،
لا يرتقي الأفقُ إلاَّ نحوكِ
يغيِّرُ من عناصره في فكِّ أسرار حضورك،
وأنا على الركن وحدي
يمرُّ بي الجميع إلاَّ أنتِ
لا أطيق مرور الثواني
في غيابكِ،
تودع الأغصانُ أشجارها
وترتمي الأوراق في زوبعة الوقت
سقوطٌ نحو الأعلى،
تعلنُ الجذور هجرتها،
فيا ويلتاه.
***
ضوءٌ لا ينفَّك
يوِّلد مسارًا إهليلجيًا
يرتقي على سُلَّم العتمة
ما أسميِّه؟
ليلٌ يعكس مرآة نرسيس.
وأنتِ يا من تصوغين القمر على مهلِ
وتمدين يدك طريقًا كي تعبر النجوم
افرشي كلماتكِ، يا حبيبي،
سريرًا للفجر الناهض من شفتيكِ.
***
شجرةٌ في
الركن فسحةٌ في القلب
شجرةٌ تتنفس نحن في الضوء
شجرةٌ تُقطع نحن في العتمة
ما أبهى الشتات،
طريقٌ في الدم يجري حيث لا مستقر!
خُذ بناصيتنا أيها الشتات وأعلنها قيامةً في القلب
حيث الخطوة هي النهاية.
أتدرك مبتغاي؟
مَن أنا لانهاية.
يالك من مجنون أيها المُدَّعي
ما أبهى الجنون حيث الحلم هو اللون الوحيد.
***
أولئك الذين يحتمون
في البيت
من النجوم.
ينهار عليهم الليل في الداخل.
***
ينهضُ سرابًا في
حفرة
لا صوت ينادي،
صوتٌ يُجيب.
روحه تطير حُرَّةً مع الريح
تحفُّ بأغصان شجرة النخيل.
ترك قلبه على جناح الريح
يسافر إلى غابة الغيم في آخر المدى،
ومن ثم دخل إلى عمله،
يلومونه على تأخره!
جلس وحيدًا إلى نافذة مكتبه
ينظرُ إلى قلبه متروكًا على خد الريح.
صوتُ فيروز، في الداخل، يجرحه كل هذا الثقل للأشياء والأكبال
وحيدًا مع شجرة النخل الوحيدة، في الخارج،
هو وهي.
يؤنسه صوتُ فيروز
يتذكر - ويدهُ على خده، لوركا، الذي نسي كرَّاس أشعاره في البيت،
والنخلةُ في الحديقة يؤنسها صوتُ الريح في آخر المدى.
***
يسبحُ العالم على
دروب مجرةٍ غامضة
مَن يغرق في حدوده ماحيًا متحديًا إيَّاها؟
ينقلب على تقاطعاته وجدلياته
مُخترقًا حصون المعرفة.
حيث تنزلق المعاني يُبعث المتخيَّل
ينكشف اللامعقول.
أخرجَنا أفلاطون من مدينته وأعادنا هيدغر
حتى صارت المخيلة لعبًا حرًا
يبتكر العالم.
مَن يمحي بؤسه
يعيده إلى ناره الأولى؟
إلى لا قرار..
يَفكُّ اللغة من إسارها
يسكن في اللغة يُمجِّد الشعر
يُنصِصُّ العالم
فيفتح فيه بابًا للحضور - شرفة على الأفق
وبيتًا للروح.
نحن!
*** *** ***