غاندي: مقدمة قصيرة جدًا 1
بيكو باريك
ترجمة: عدنان علي حسن
حياته وأفعاله
ولد موهنداس كارامشاند غاندي
Mohandas Karamchand Gandhi
في عام 1869 في بورباندار المدينة الساحلية التي تعتبر واحدةً من
الولايات الصغيرة الأكثر تميُّزًا بجمالها، وقد أصبحت الآن جزءًا من
غوجارات إحدى الولايات الهندية. على الرغم من أن عائلة الغاندي، وتعني
البقَّالون، كانوا تجارًا بحكم نظام الطوائف الاجتماعي السائد، إلا
أنهم ارتقوا مناصب سياسيَّةٍ مهمَّة. كان والد موهنداس رئيسًا وعضوًا
في محكمة بورباندار، وكذلك كان جده في ولاية جوناغاد المجاورة.
نشأ غاندي في بيئةٍ دينيَّةٍ متعددة المشارب. كان والداه من أتباع أحد
الأديان الهندوسيَّة شديدة الورع لفيشنو
Vishnu
أو فيشنافيتس
Vaishnavites.
وأمه كانت تتبع طائفة برانامي
Pranami
التي زاوجت بين معتقدات دينيَّة هندوسيَّة وإسلامية، وبجَّلت بالتساوي
القرآن والكتب المقدسة للفيشنافيتس، وبشَّرت بهما دينيًّا على نحوٍ
متناغم. صياماتها ونذرها الدينيَّة، التي دأبت عليها طيلة حياتها من
دون انقطاع، أثَّرت في ابنها تأثيرًا بالغًا. وكان من بين أصدقاء أبيه
العديد من الجاينيين
Jains
الذين يبشرون بعقيدةٍ صارمةٍ من اللاعنف وضبط الذات. احتكَّ غاندي
أيضًا مع البعثات التبشيريَّة المسيحيَّة، لكنْ لم يكن للديانة
المسيحيَّة حضورٌ مؤثرٌ في طفولته. ومثله مثل الكثيرين من الهندوس،
تشرَّب العديد من القناعات الدينية من دون وعيٍّ شخصيٍّ بها، إذ لم تكن
لديه معرفةٌ عميقةٌ بأيٍّ من التقاليد الدينيَّة المتوارثة بما فيها
ديانته الخاصة به.
غاندي 1942
كان غاندي طالبًا خجولاً وبمستوى دراسيٍّ متوسط، إذ أنهى تعليمه
المدرسي بنتائج معتدلة. زُوِّج من فتاة اسمها كاستورباي
Kasturbai
وكلاهما في سنِّ الثالثة عشر، تجربةٌ جعلت منه عدوًّا شرسًا لزواج
الأطفال. ومن المفهوم أن يكون موضوع الجنس قد أرَّقه إلى حد كبير في
سنواته المبكرة. ذات ليلةٍ، وكان له من العمر ستة عشر عامًا، ترك والده
المحتضر ليقضي بعض الوقت مع زوجته. كان لوفاة والده أثناء فترة غيابه
القصيرة هذه أثرًا عميقًا في نفسه. وعلى الرغم من أنَّ بعض منتقديه
استخدموا هذه الحادثة لتفسير عدائيته للجنس، إلا أنَّه لم يكن هناك
دليلٌ واقعيٌّ قويٌّ يدعم وجهة النظر هذه. كلُّ ما ذكره غاندي خلال
سرده لقصَّة حياته هو أنَّ هذه الحادثة تركت إحساسًا عميقًا بـ"الخجل"
في نفسه. والأهم من هذا، أنه استمرَّ بالتمتُّع برفقة زوجته لسنواتٍ
عديدةٍ بعد ذلك، ومضى في تربية أبنائه الأربعة. لم يصبح غاندي مهتمًّا
بشكل جدِّي بقضيَّة تبتُّلهِ إلا بعد ما يقارب الستة عشر عامًا من
الحادثة، والسبب الحقيقيُّ لذلك، على الرغم من أنَّ الإحساس بالذنب
أدَّى دورًا، كان يكمن في رغبته بادِّخار طاقته الروحيَّة والجسديَّة
لخوض الصراعات السياسيَّة المهمَّة التي تفرَّغ لها كليًّا.
سافر غاندي إلى بريطانيا لدراسة المحاماة في عام 1888، بعد أن تعهَّد
لوالدته بتجنُّب الخمر والنساء واللحم. وخلال أشهره الأولى، عاش
كسيِّدٍ إنكليزي، فابتاع لنفسه بذلةً نهاريَّةً وقبعةً وعصا برأسٍ
فضيٍّ، وأخذ يتلقَّى دروسًا في الرَّقص وفنِّ الخطابة والعزف على آلة
الكمان. وفي الوقت الذي بدأت نقوده تنضب، وبعد تغلُّبه بشقِّ النفس على
إغواء جنسيٍّ، غمره إحساس بالرضا، ثم التفت إلى مجالات أكثر أهميةً في
الحياة البريطانية. وكالعديد من زعماء البلدان المستعمَرة، اكتشف الغرب
والشرق في الوقت نفسه تقريبًا، وواحدًا عبر الآخر. توسع في قراءاته عن
السياسات والقوانين البريطانيَّة والأوروبيَّة، وتفاعل مع الحكماء
الصوفيين، وقرأ المسيحيَّة مكتشفًا أنَّ العهد القديم غير مقبول بدرجةٍ
ما، إلا أنَّ العهد الجديد يمثِّل نقلةً نوعيَّةً عميقة. كما قرأ أيضًا
تراثه الدينيَّ الخاصَّ، وخصوصًا الغيتا
Gita،
وكتاب إيدوين أرنولد
Edwin Arnold
نور آسيا
Light of Asia
اللَّذان أدخلاه، كلٌّ على التوالي، إلى الفلسفتين الهندوسيَّة
والبوذيَّة. سُمِّي غاندي محاميًا في حزيران من عام 1891 وغادر عائدًا
إلى الهند بعد يومين من ذلك.
غاندي طالب محاماة في لندن 1890
كان عمل غاندي في مهنة المحاماة في الهند مخيبًا للآمال. كان خجولًا
جدًا حتى لمجرد أن يفتح فمه في المحكمة، حتى أنه تخلَّى عن ملخَّص
مرافعته الأولى إلى أحد زملائه. وتحوَّل إلى كتابة الطلبات والعرائض
ورتَّب أموره لكسب قوت يومه فقط. ولكن هذا العمل لم يسعده كثيرًا،
وعرَّضه أيضًا إلى مكائد المحاكم التي رآها متعبةً له. لذلك عندما
طلبته إحدى الشركات الإسلاميَّة في جنوب أفريقيا للعمل لديها كمحامٍ
وكمسؤول مراسلات، قبل غاندي العرض على وجه السرعة. وأبحر إلى جنوب
أفريقيا في العام 1893 وفي ذهنه أن يقضي هناك سنة واحدة فقط، فمكث
واحدًا وعشرين سنة بدلًا من ذلك.
جنوب أفريقيا
كانت جنوب أفريقيا نقطة تحوُّل في حياة غاندي، فقد وضعته أمام تحدياتٍ
وتجارب غير عاديةٍ أحدثت تبدلاً عميقًا في كيانه. فخلال أسبوعٍ واحدٍ
على وصوله، مرَّ بتجربةٍ غيَّرت مجرى حياته. ففي أثناء سفره من دوربان
إلى بريتوريا، رُمي خارج أحد القطارات في منتصف الليل، لأنَّه تجرَّأ
على طلب السفر في مقاعد الدرجة الأولى، فقضى بقيَّة ليلِهِ مرتجفًا في
غرفة انتظار محطة «بيترماريتز بورغ». فكَّر غاندي المضطرب جدًا إمَّا
بالعودة إلى الهند أو البقاء هنا والنضال من أجل حقوقه، وخَلُصَ إلى
تبنِّي الخيار الأخير. وفي اليوم التالي سافر إلى شارليستون من دون
مصاعب تذكر، لكن سائق عربة الجياد التي أقلَّته إلى جوهانسبورغ رفض أن
يجلس غاندي داخل العربة، وطلب إليه الجلوس بجانبه، فوافق غاندي مكرهًا.
وفيما بعد طلب منه سائق العربة أن يجلس على حصيرٍ على الأرض، وتحت
تأثير إحساسه بالظلم رفض غاندي طلبه هذا، فانهال عليه السائق ضربًا
وحاول رميه من العربة حتى تدخَّل زملاؤه المسافرون وأنقذوه منه. وبعد
ذلك بشهورٍ عدَّة، قُذف به إلى بالوعة قاذورات لأنه تجرَّأ على التجول
خلف منزل الرئيس كروجر في بريتوريا (A
91-6).
إبَّان ستينيات القرن التاسع عشر، بدأ الهنود الهجرة إلى جنوب أفريقيا
كعمالٍ متعاقدين للعمل في مزارع البنِّ وقصب السكَّر، وكانوا يتعرضون
لجميع أنواع الإهانات والتمييز وخاصةً في مدينتي ناتال وترانسفال حيث
كان تمركزُّهم كثيفًا هناك. وفي نيسان من عام 1894، عندما كان غاندي
على وشك العودة إلى الهند وإلى غير رجعة، كان المجلس التشريعي في ناتال
يناقش قانون حق التصويت للهنود الذي من شأنه سحب حقِّ الهنود
الانتخابيِّ، فألحّ عليه مخدومه المسلم للبقاء وقيادة المعركة، فوافق
على ذلك بلا تردُّد. ووجد أنَّ حزب مؤتمر هنود ناتال وحملته التي قام
بها نجحا جزئيًا في تخفيف قسوة القانون. أما حملاته المشابهة ضد تقييد
الهجرة والقوانين التي تجيز التمييز فكانت أقلَّ نجاحًا بكثير. وأخذ
تذمره يزداد تدريجيًّا من أنَّ ممارسة الضغوط الدستورية، ورفع العرائض،
وتقديم المقترحات العقلانيَّة، لم يكن لها أي تأثير في تلك العقول
«المتحيِّزة»، واحتار بشأن ما يمكن أن يفعله بعد ذلك.
عثر على الجواب بعد ذلك بسنواتٍ قليلةٍ. فعندما تبنَّت مدينة ترانسفال
قانونًا عام 1907 تطلب فيه التسجيل مع بصمة الإبهام لجميع الهنود
المقيمين لديها، وأعطت الحقَّ، بموجب هذا القانون، للشرطة بدخول بيوتهم
للتأكُّد من أنَّ هذا المقيم مسجَّل في القيود رسميًّا، اهتدى غاندي
بلحظةٍ إلى أسلوبٍ معروفٍ جيِّدًا لديه، إنه ساتياغراها
Satyagraha.
هذا شكل من أشكال المقاومة اللاعنفية تتضمن التطويق السلميَّ لمراكز
التسجيل، وإحراق بطاقات التسجيل، والمحاكمة المعكوسة والقبول بكلِّ
رضىً بالعقوبة التي تُفرض نتيجة ذلك. أثمر احتجاج غاندي عن بعض
الامتيازات لكنها ظلَّت أقلَّ مما يطمح إليه أساسًا. وأتبع ذلك بـ
ساتياغراها آخر، شمل في هذه المرَّة النساء الهنديات وعمَّال التعدين،
موجَّهًا ضد بعض الإجراءات من مثل ضريبة صندوق الاقتراع الخادعة، ورفض
الاعتراف بواقعات زواج الهنود، وتنظيم الهجرة، ونظام عقود العمل. لاقى
هذا التحرُّك نجاحًا أكبر من سابقه وقاد إلى تمرير قانون إغاثة الهنود
عام 1914.
خلال أعوامه الواحد والعشرين التي قضاها غاندي في جنوب أفريقيا، حدثت
لديه تغيُّراتٍ مهمَّةٍ على مستوى طريقة التفكير كما الحياة عمومًا.
وأصبح كلا التغيُّرين الحاصلين يلازمان شخصيَّته دومًا. فالفكرة،
بالنسبة له، ليس لها أيُّ معنىً ما لم تخرج للحياة، والحياة تبقى ضحلةً
ما لم تعكس ظهور الفكرة على الأرض بأمانة. وكلما كانت تأتيه فكرةٌ
جديدةٌ ما، كان يتساءل إن كانت تستحق العيش من أجلها، وإلا فلم يكن
يعطيها اهتمامًا يذكر. وإذا كان الجواب بالإيجاب، فإنَّه يدرجها في
برنامج حياته، بعد أن يتمَّ اختبار حقيقتها، ليكتشف منطقها الأخلاقيَّ.
وأثَّرت هذه المقاربة بعمق في موقفه من الكتب التي يقرأها. كانت
قراءاته قليلة، واقتصرت على ما كان مهمًا من الناحية العمليَّة. فعندما
يستحوذ كتابٌ ما على اهتمامه، يتأمَّله مليًّا، ويمحِّص رسالته، ويضع
أفكاره الرئيسية على المحك، وينمى من «حقيقة إلى أخرى». قرأ بشكل رئيسي
الأدبيات الدينيَّة والأخلاقيَّة بما فيها «دفاع أفلاطون» وكتاب
وليم سالتر
Ethical Religion
(1889)
«الدين الأخلاقي» ، وقد ترجم الكتاب الأوَّل منهما أما الثَّاني
فقد لُخص بلغة موطنه ولاية غواجارت. أهم ثلاثة كتب أثَّرت فيه عميقًا
خلال إقامته في جنوب أفريقيا كانت:
On the Duty of Civil Disobedience, 1847
( في واجب العصيان المدني) لهنري ثورو؛ وكتاب تولستوي
Kingdom of God Is Within You, 1893
(ملكوت الله في داخلك)، وقد أربكه هذا الكتاب، وادعَّى أنه من
خلاله كانت أولى اكتشافاته لعقيدة «اللاعنف والحب»؛ ثم كتاب
Unto this Last, 1862
«حتى لو دام هذا» لجون روسكين، الذي كان "تأثيره الساحر" "نقطة
تحوُّل" في حياته
(A 250).
قرر غاندي، مستلهمًا روسكين أن يعيش حياةً متقشفةً في أرضٍ مشاع، وكانت
البداية في مزرعة فوينكس في ناتال وبعدها في مزرعة تولستوي
Tolstoy Farm
على أطراف جوهانسبورغ تمامًا.
كان من غير الممكن أن أترك كتاب
Unto this Last
بعد أن بدأت بقراءته. اكتشفت أن بعضًا من أعمق قناعاتي موجودة بين
طياته. تستغرق الرحلة من جوهانسبورغ إلى دوربان أربعًا وعشرين ساعة.
وصل القطار إلى هناك ليلًا. لم أستطع النوم ليلتها. وقررت تغيير حياتي
وفقًا لأفكار هذا الكتاب.
انصرف غاندي خلال هذه الفترة إلى عددٍ من التجارب اشتملت على الحمية
الغذائية، وتربية الأطفال، والمداواة الطبيعية، وحياته الشخصيَّة
والمهنيَّة. وتحت تأثير كتابٍ طبيٍّ أقنعه إلى حد بعيد، قام بتوليد
ابنه الرابع بنفسه. وأصبح مقتنعًا بأنَّ على القائد السياسيِّ أن يكون
نقيًّا من الناحية الأخلاقيَّة، فباشر العمل بمشروع تطوير الأخلاق
الشخصية. تحدَّته البعثات التبشيرية المسيحيَّة بعناد كي يشرح ويدافع
عن معتقداته الدينيَّة بشكل مقنع أو أن يهتدي للدين المسيحيِّ، وكان
غاندي يشعر بالخسران في أغلب الأحيان. حيَّرته إلى حد كبير المفاهيم
الهندوسيَّة، أتمان
Atman
(الروح) وموكشا
Moksha
(التحرر) فأرسل إلى معلمه ريتشاندبهاي في الهند للاستيضاح وتقديم
النصيحة. ولأن غاندي ألمَّ بدينه وهو في جنوب أفريقيا ضمن بيئة من
المجابهة الشرسة ومن دون الوصول إلى تعاليم هندوسيَّة حيَّة وعميقة،
فقد حصَّل معرفته عنه إلى حد كبير عن طريق القراءة والتفكُّر، وظلَّت
سطحيَّة ومجرَّدة. وكما فعل في كثير من القضايا الأخرى في حياته، عندما
قرَّر المضيَّ قدمًا، شكَّل من الهندوسيَّة توليفته الخاصة بكل ما فيها
من مزايا ونواقص.
في جنوب أفريقيا، اتخذ غاندي من بعض اليهود أصدقاءَ مقربين، حتى أنَّ
واحدًا منهم اشترى له مزرعة تولستوي البالغة مساحتها 1.100 أكر، واكتسب
معلومات مهمَّة عن معتقدات وسُنن الدين الوحيد الكبير الذي لم يكن قد
تعرَّف إليه حتى ذلك الحين. وأطلق على اليهود اسم «منبوذي المسيحيَّة»
الذين كان اضطهادهم، مثل ذاك المطبَّق على نظرائهم الهندوس، قائمًا على
أساس قراءةٍ خاطئة فظة ومشوِّهة لأحد الأديان العظيمة
(LXViii. 137).
كذلك صقل غاندي علاقات صداقة حميمةٍ مع المسيحيين، وخاصة المبشِّر
البريطاني س. ف. أندروز
C.F. Andrews
(1871 – 1940)، الذي قال عنه إنه لم يسبق له أن
أقام علاقة حميميةً مع أيِّ شخصٍ آخر (F130).
وتحت تأثيرٍ من هؤلاء جدد غاندي قراءته للمسيحية وأخذ منها بعض الأفكار
ودمجها مع توليفته من الهندوسيَّة التي بدأت تزداد وضوحًا شيئًا
فشيئًا، وخاصة فكرة آلام المحبة كما تمثَّلت في صورة صلب السيِّد
المسيح، تلك الصورة التي أسرته طيلة حياته وأصبحت منبعًا لبعضٍ من أعمق
انفعالاته، وبكى أمامها عندما زار الفاتيكان في روما عام 1931؛ الجدران
العارية لصومعته في سيفاغرام شكَّلت استثناء مفضلاً عليها؛ وترتيلة
اسحق واتس
Isaac Watts
«عندما أتمعَّن بالصليب المدهش»، التي ترسم صورةً مؤثرة لحزن وتضحية
المسيح وتنتهي بكلمات: «كم المحبَّة مذهلة، كم هي مقدَّسة، لها روحي،
وحياتي، وكلُّ ما أملك»، كانت واحدة من ترانيمه المفضلة؛ وفي كثير من
اللحظات الحالكة في حياته ربط بين آلامه وصورة السيد المسيح مصلوبًا.
اكتسب غاندي خلال وجوده في جنوب أفريقيا مهارات سياسيَّة وتعلَّم
دروسًا، خدمه بعضها جيدًا، في حين كان بعضها الآخر وبالاً عليه عندما
عاد إلى الهند. أدرك أهمية الصحافة، فأسَّس واستخدم الصحيفة الأسبوعية
Indian Opinion
لنشر أفكاره. ورأى أيضًا كم أصبح أهل بلده ضعيفي المعنويات وعاجزين عن
القيام بعملٍ مشترك فيما بينهم. فبدلاً من الكفاح في سبيل حقوقهم،
باتوا ينتظرون الآخرين ليفعلوا ذلك، في الوقت الذي تحاصرهم قوانين
التمييز من طرف مسؤولي الحكومة الفاسدين. فلم يكن مستغرَبًا أن يؤنبهم
باستمرار، ويحثَّهم على "التمرُّد" على ذواتهم، ويحذرهم من "أن الذين
يتصرفون كالديدان يجب ألا يلوموا الآخرين إذا داسّوا عليهم بأقدامهم."
تعلم غاندي أيضًا فن التخطيط الذاتي والتشبيك السياسي. كتب للعديد من
الشخصيات النافذة في الخارج، بمن فيهم تولستوي، عمَّا يقوم به، وحرص
على تنمية العلاقة مع زعماء لهم أهميَّتهم من هنود وبريطانيين، وتأكَّد
من أنَّ نشاطاته هذه كانت تتناقلها وسائل الإعلام في كلٍّ من بريطانيا
والهند. لاقى صعوبةً بسيطةً في توحيد التجار المسلمين والهندوس في جنوب
أفريقيا، مع أن كثيرين منهم كانوا يتشاركون اللغة والثقافة نفسها.
وعمَّم هذه التجربة لكنه استخفَّ بالمسافة التي تفصل المجتمعين عن
بعضهما البعض في الهند، كما بالغ في قدرته على بناء جسر تواصلٍ بينهما.
*** *** ***