عن "التنحي" في الهايكو، والذات والموضوع

سامر زكريا

في لحظة الهايكو (الأصيلة، الحقيقية) على وجه الدقة: لا ذاتَ ثمَّةَ ولا موضوع.

الكونُ هو وعينا، هو الوعي الذي يعي ذاتَه، وخارج هذا الوعي لا يوجد كون (وقد ذكرتُ هذا صراحةً في مقدمة كتاب الهايكو العربي الجديد) فمن كان ليؤكد لنا أن القمر موجود لو لم نرصده نحن؟

نحنُ الكون ووعينا هو الكون.

أما "التنحي" في الهايكو فهو الانتباه، التحرر من الأنا واندماجنا في الوعي الكلي.

إذًا لا فاصل بين الذات والموضوع في لحظة الهايكو، والأنا (إذا أشيرَ لها في الهايكو الأصيل) لا تكون فلترًا أو موشورًا تمر من خلاله الأحداث بل جزءًا من موجودات اللحظة وليس مركزها.

الانتباه ليسَ التركيز، فالانتباه أو اليقظة أشبه بأوركسترا جاهزة لعزف أي لحن، بينما التركيز هو عزف لحن معين.

ما هي الأنا؟ أليست مجموع الإشراطات الآتية من الماضي؟ الانتباه في اللحظة (الآن) هو التحرر من هذه الإشراطات والاندماج في الوعي الكلي، وهذا يؤدي إلى حالة من الإدراك أن الوعي الكلي هو نحن، وهذا ليس طغيانًا للأنا، بل هو اكتشاف أن ليس ثمة ما يفصلنا عن "المحيط" (والمحيط مجاز هنا لأن المحيط هو نحن إذا انتبهنا وتحررنا من إشراطات الماضي (الأنا)).

حضورُ الوعي لا يقسم الوجود، بل إنَّ الوعي هو الوجود.

الانتباه يكشف أن الوعي الفردي هو الوعي الكلي (الكوني). وحضورُ الوعي يوحِّد بين المدرِك والمدرَك.

الوجود إذًا هو الوعي، وخارج الوعي لا وجود.

الذي لا يدركه وعينا ليس موجودًا.

دمشق 2017

***

نصوص هايكو من مجموعة الهايكو سوريا:

حجاز
يُبيحُ النَّسيمُ ارتعاشَ اليَباسِ
يَضوعُ المَجاز
(سامر زكريّا – سوريا)

*

هالاتُكِ السَّوداء
ظِلالُ رجال
أدركَهُم اللَّيل
(ربيع الأتات – لبنان)

*

مبللة كل التمائم
المعلقة على الشجرة الوحيدة
في المقبرة المهجورة!
(حسن رفيقي)

*

مَحجوبَةٌ عَنِ الشَّمس
لَوحَةٌ عَبَّادِ الشَّمس
في مُتحَفِ الفُنون
(عمار حمودي – سوريا)

*

نَدَى الفَجر
ابتسامَتُه ماتزالُ غَضَّة
تَحتَ الثَّرى
(فاتن أنوَر – فلسطين)

*

‏فوق ملعب الغولف
يؤنس القمر
الكُرة الضائعة
(علي الأتات – لبنان)

*

قمر ضائع
تحجُّ إليه الضفادع
في البركة
(فتحي المهذّب – تونس)

*

جمرات الموقد
تنضج سوية
الكستناء والكآبة
(شادي صيوح – سوريا)

*

فارسٌ مغوار
على ظهر جده
يركب الحفيد.
(ود الوكيل عوض معروف- السودان)

*

نسمة هواء
تداعبُ ثوبَها
تعدِّلُ وضعَ الحجاب
(علاء جويلي – مصر)

*** *** ***