ثلاث قصائد
ندرة ع. اليازجي
زنوبيا تحترق
... وبعدَ قرونٍ على الأسرِ والفخرِ
تصحو (زنوبيا) على صوتِ فوضى تعمُّ المكان
وخيلٍ تَجيءُ
وخيلٍ تروحُ..
تريدُ تصيحُ على قادةِ الجنْدِ
يختنقُ الصوت في الحلقِ
تشعرُ أنَّ جبالاً على الصدرِ حطَّتْ
وخِدراً ثقيلاً يكبِّلُ أوصالها..
وتدورْ
تدور بها الأرضُ
لا غيرَ روما تلوِحُ على البُعدِ
لا تدمرٌ في الجِوار
ولا مَنْ يضيءُ القناديلَ فيها
ولا نسمةٌ من شميم النخيلِ
إلى القبرِ تأتي
مع الصبحِ
تهدي السلامَ إليها.
***
انتظار
لو تعرفينَ ما جرى في ذلك المساءْ
وأنتِ تعبُرينَ نحونا في الساحةِ التي تعجُّ بالأسماءِ والضوضاءْ
توقَّفَ الخَيَالُ عن مَسيرهِ..
وسارعتْ جنودُه ومدّتِ السجادةَ الحمراءَ
والحجارةُ البلهاءُ في الرصيف
تحرَّكتْ للمَسِ ظلِّكِ المُهفهفِ الشفيفْ
وأوقفَ الأصيلُ موكبَ السفرْ
وعادَ ..
طامِعًا بزرقةِ السماء في عينيكِ
.. عندها أسرعـتُ وانتضيتُ درعيَ الفولاذ
وامتشقتُ سيفي القديمْ
وطِرتُ في الفضاءْ
وأسرعتْ عيناي تحتويكِ فيهما
وخبّأَتْكِ عن توّلهِ العيونْ
حينذاك أسقطَ الأصيلُ من عيونه كالطفلِ دمعتينْ..
وأكملَ المشوار
وفرَّتِ الألوان من سجَّادةِ الخيالْ..
وأقفرَ المكانْ..
لم يبقَ إلاّ طيفُكِ الممتدُّ حتى آخر المدى
يوزِّعُ الحنانْ
أحسستُ بالطريقِ وقتها
- (مُكهربًا) مِنْ مَسِّ خطوتِكْ –
يسبقني إليكِ
واقتربتِ
واقتربتُ
.. لحظةٌ أفلتها الزمان دون قصدْ
وعاد كالمجنون يستردُّها..
وأوقفَ الفراغَ حاجزاً على الطريقِ بيننا وبينها
فلمْ نصلْ..
في الليلِ زارني البكاءُ مرتينْ
فاسْتَعدْتُ فيه روعةَ البكاءْ.
أيتها الآلهةُ الفريدةْ
لا تُغْمضي العينين في ظلامِ ليلِنا
فقد يمُرُّ من أمام بابكِ العشاقُ باحثينَ عن حنانْ
أحبُّ أن أراكِ هكذا إطلالةً بعيدةْ
أبعدَ من تحيّةٍ باليدّ
أو تلعثمٍ على الشفاه
أو توهّجٍ في الحرْفِ
في صقيعِ دفترٍ مُلوَّثٍ بالحِبرْ
أحبُّ أن نظلَ نشتعلْ
في ليلِ هذا الليلْ
أحبُّ أن نظلَّ نختِمرْ
في عُمقِ هذا البئرْ
أحبُّ أن نظلَّ ننتظرْ.. وننتظرْ..
باقٍ لنا من الزمانِ أنبلُ الأوقاتِ في الزمان.
***
رجوع
-
ماذا أرجعك الآن إلى الأيام الأولى يا غسانْ؟!
-
أرجعني بؤس الأيام المتناسلُ من بؤس الأزمانْ
قررَّتُ أفجِّر هذا السورَ الحائلَ بيني وبينَ ابن الجيران
وأوقفُ هذا الجريانَ المحمومْ
إلى البحرِ المسمومْ
وأُفكِّرُ أنْ أطلب من راعي الكونْ
أن ُيرجِع كل المبعوثين إلى هذي الأرضِ
ويجمعهمْ ويُحاسبهمْ
ولِيسألَ كلٌّ منهم غيره
ماذا قدمنا؟..
وماذا أخرَّنا؟..
وماذا كان حصاد العُمْر؟؟!!
إنِّي سأحطِّمُ هذا
القهر
وأمام المِرآة الكشَّافة كلَ خبايا النفسْ
أعرضِهم..
وأريحُ ضميري
وضميرَ المنكوبين بِذُّلِ الهمسْ.
*** *** ***