أورفيوس وقصائد أخرى
محمد حسن
(تموز)
"أَنصِتي لي مثل مَن ينصت للمطر،
دون إنصات، أنصِتي لِما أقول
بعينين مفتوحتين في الداخل"
أوكتافيو باث
أخطُّ وأمحو هواجس
وأفكار،
الليل أضجره السهر.
يبثني تباريح عشقه
يعد آهاته، يخطئ
وفي كل مرةٍ، يعد من جديد.
ملَّ عِطر الأمس
ووداع الصور
أغفى على أكداس أوراقي،
وأخبرني أن أوقظه عندما يلوح من الأفق شفق.
أيقظته،
لبس معطفه متخفيًّا ورحل،
تبعته على عجل
أضعته هائمًا بين الآجام.
نشرتُ ناظريَّ في
الأرجاء
رأيت خزامى توشوش الريح بخجل
تأتمنها على السر،
قالت:
أورفيوس العزيز! مرَّ من هنا، بلطفٍ ألقى التحية ورحل.
***
بحرٌ يضيء
شوقٌ-رفيقٌ، همسٌ
يخترق الأجواء
ورحلةٌ لقرون خلت
بدأت الآن.
أورفيوس انهض من
نومك
اشدد أوتار قيثارتك
أوريديس قادمة.
أورفيوس لا تنظر إلى
الوراء
آمن بنفسك
دع الحاضر يتكلم
اعزف له لحن الحياة
لا تنظر إلى الوراء!
أوريديس تعبر المحيطات.
باخوس أمر عشيقاته،
أشلاؤك الممزقة
تجمعها أنغامك المترابطة.
هيرا ترشد السفينة
زيوس يطارد المردة بصواعقه
ويعود بأحلامه طفلاً، لتحرسه ميليسيا.
جوقةٌ في المهرجان
ربَّاتُ الحسن قد حضرن.
أورفيوس!
دع محبتك
تضم الوجود بأكمله، تحول إلى وجود،
اقبل التضحية بحزنك حتى تهبك
الآلهة الحياة من جديد.
انظر إلى طبيعةٍ
تناجيك
أوريديس ترقبك عبر كل الورود
تحيط بك! هي هنا تنظر إليك
تريدك حُرًا-قويًا-بسيطًا
تريدك حاضرًا في أبدية تحيلها إليك
فلا فراق من جديد.
وشوشةٌ، صدىً، دمع،
حُبٌّ
أدونيس نهض من نومه هو الآخر،
هاديس سيحرر الجميع.
أورفيوس أرخي
بأصابعك
لحن الحزن في قيثارتك،
انظر في داخلك
أوريديس تجمع لك الورود!
***
وشوشَ من الصبح
وضحٌ، أسرَّ للمدى
أنَّ فصل الحب
حان واقترب الربيع.
وسرتُ هائمًا
لا ألوي على مصير
قادني العشق
وأوصلني السفر
إلى أرضٍ فيها
السكينة تعانق القدر،
في معبد سُليمان،
حيث العظمة ينطق بها
رسمٌ على حجر
افترشنا الهواء
أنا والأسطورة
تلحفنا القمر
تسامرنا تبادلنا الهوى!
أسرَّينا بنجوانا
للنخيل نقشًا
لأطياف الشجر
ونهضت مع الفجر
وانتظرتُ لم يستيقظ أحد!
ناديت، أخيط بقلبي
الحلم والزمن.
زيوس.. افِق!
ألستَ سيد المكان
كلم لي عشتار
كي تُعجِّل اللقاء
وانحت لنا رسمين
من حُبٍّ وضياء
نتكئُ على نسرٍ
يحرسه عن جانبيه
فوسيفوس وهوسبيدوس
نجمةٌ للصبح
وأخرى للمساء.
***
قلبي غيمةٌ
ودمعُ العين أمطارُ،
ضوءك في جسدي برقٌ
والريحُ أفكارُ
موعدنا عاصفةٌ
تبشر فيه بالعطر، أشجار
وفي مهرجان عشقنا
يغني صنوبرُ لحنًا
وتطرب أحجار،
جُنَّت لمَّا
رأت خدَّك
أقحوانةٌ
وبكت جُلنَّارُ.
***
يا ريحُ
يا رفيقة الدرب، يا ريحُ
ما أدراكِ أني جريحٌ؟
وفي قلبي من النار،
ثلجٌ ولفيحُ.
***
اسألُ الريح هل فيكِ
بضعٌ من جسدي
أم أنك تذوين وتأخذين حاضري وغدي
صورٌ تتشابك -
خطواتٌ أتبعها وتتبعني
دمي يتساءل يمحوني ويكتبني
ماذا أعطيه ذاكرتي
الحَيرى أم ولهي
تعبي يحدثه ويختصر بضع من تعبي.
أتراني كنت هناك
الآن
أصغيتُ نظرتُ عَشقت عُشقت
أم تُرى لم أرَ أحد.
روحي تطوف وها هو
الحب يُسائلها
هل رأت، وجدتْ ساعة الوقت!
***
كأني قبل الآن أسيرُ
على ضفاف الكرز
والريح رفيقتي الولهى
والغيم دليلُ،
أقطع بعينيَّ الشارع الواصل
بين بيتي وآخر العالم.
يصل الحنينُ إلى اللامكان
ويوغل أكثر وأكثر،
أتذكر أني نسيتُ نفسي
في اللاوقت،
فأعودُ.
***
طارت نسماتهُ إليكِ
يا سحرًا يا عطرًا
لم يُقطف بَعد
وكل أوانٍ قطافه،
ليتحد مع كونٍ أوسع
ليُزرع في تربةٍ أخصب.
يُبهر الضوء ويمسك الريح
يصيرُ ريحًا تبشر بالضوء
تكتبُ السِّرَّ وتمحوه
لا يقرؤه إلاَّ من تعمَّد
بماء الغيم
ولبس الفراغ
في حقلٍ يتزين
بورود شهوته.
***
أُتُرى أعلنت الشمس
مشقتها من الأمل؟
وهي الآن تنام في سرير الليل؟
ظني، أنَّ هذه
الآمال التي تتهاوى في فلك المحبين
ليست إلاَّ طريقًا مُرًّا في داخلهم ومن حولهم.
سأغني لليل نومهم
الحزين،
آسنًا أيها الأمل
أشرقي أيتها الشمس في فجر الولادة،
عندما تصحو القلوب عن أمس الوسادة
ويتوسم الصبح وشاح الضياء.
فليس هذا الوجود سوى
فسحة للولادة الثانية.
*** *** ***