فرويد وأينشتاين – قراءة في الأفكار
معاذ قنبر
مقدمة
إن سير الأشخاص، مرتبط بجملة من العوامل، اجتماعية ونفسية، وهي تساهم
بشكل أو بآخر في توجيه ميولهم واهتماماتهم. لكننا نجد عند المفكرين
الكبار بالإضافة لذلك، عنصر خفي في تكوينهم الجبلِّي، إنه الرغبة
العميقة بالمعرفة، والتسليم بقيمة الأفكار، ودورها في صنع تصوراتنا عن
الماضي، وتوجهاتنا نحو المستقبل.
ولم يكن فرويد وأينشتاين إلا أبناء مجتمعاتهم، لكنهما وهما المتأثرين
بمحيطهم الاجتماعي، وتركيبتهم النفسية، نجد هذا العنصر الخفي يسيطر
عليهم، ويهيئهم ليكونوا أكثر جرأة وتمردًا على كل مسلمات عصرهم
الفكرية، مما مهد لأن يكونوا الاسمين الأكثر شهرة في التاريخ البشري.
الأول اعتبر أيقونة للجرأة على الغوص في الأعماق الدفينة للإنسان،
والثاني أيقونة جرأة الخيال المبدع في اختراق مجاهيل الكون اللامتناهي.
وما يجمع، أو يفرق، بين الشخصيتين، يؤكد أن الإبداع هو نتاج أصيل
للدهشة والرغبة والإصرار.
فقد كان فرويد الشاب طالبًا مجدًا، مكبًا على عمله، نهمًا في قراءاته،
وبرع في عدد من اللغات كاللاتينية، واليونانية، والانجليزية، والعبرية،
ووقع اختياره أول الأمر على دراسة العلوم الطبيعية، وتحدد اختياره هذا
تحت تأثير الثورة الفكرية السائدة عن نظرية التطور لداروين، كما كان
متأثرًا بوجه خاص بقصيدة جوته عن الطبيعة: "أيتها الطبيعة أستحلفك مرات
ومرات أن تقدمي لنا الإجابة عن كل أسرارك"[1].
لذلك نجده وقد انحاز إلى جانب المجددين من العلماء. ويذكر أنه قد دخل
كلية الطب بعد تردد طويل، وعقب قراءته السالفة مقال عن الطبيعة لـ
"جوته"، لكن ميوله الإنسانية جعلته يبتعد عن الطب السريري قائلاً:
بعد أربعين عامًا من النشاط الطبي، يتضح لي أنني لم أعمل في يوم من
الأيام كطبيب، وفي تقديري أن على الأطباء الذين يرغبون في العمل
كمحللين نفسانيين، أن يتغلبوا في أنفسهم على الجانب الذي أكدته فيهم
الدراسات الطبية، وأن يقاوموا ميولهم نحو الاعتماد على علوم الغدد
والأعصاب[2].
وإذا تساءلنا لماذا كان لحركة التحليل النفسي هذا الدور الفريد؟ فقد
نجد الإجابة جزئيًا بخصائص شخص وفكر فرويد، فبالإضافة لكونه عالمًا،
كان لفرويد هدف آخر، لم يكن شخص كداروين أو أينشتاين يسعى إليه، لقد
أراد تغيير العالم تحت قناع المعالج والعالِم، أراد أن يكون من كبار
مصلحي العالم في بداية القرن العشرين[3].
لقد استطاعت أطروحات فرويد أن تقلب علم النفس التقليدي تمامًا، ومكنتنا
من فهم الميول الجماعية اللاواعية في سموها السحري عند شعوب ما قبل
التاريخ، كما علمتنا بأطروحة اللاوعي، أن لكل منا شخصية مجهولة، وإسقاط
غير معترف به، إذ كشف الجانب السري للأنا الآخر فينا[4].
إذ يمكن الحديث عن ثلاثة اكتشافات أساسية حددت كل مآثر فرويد الفكرية
وهي: اكتشاف اللاوعي، مفهوم التركيب الجنسي، تطور الغرائز. بهذه
المفاهيم انطلق فرويد من دراسة الأمراض العصابية إلى ميادين شاسعة
بعيدة جدًا عن نقطة انطلاقه الأولية[5].
وقد جاء نجاحه في الوقت الذي صدم فيه الحس المشترك، وتعاليم الأوساط
العلمية والتربوية باستنتاجاته عن الجنسية الطفلية. فلم تبدِ العامة رد
فعل إزاء موضوع مفهوم اللاوعي، ولكنها ثارت بعنف أمام مفهوم الجنسية
الطفلية. حيث أكد فرويد أن كل الأنظمة الروحية والفنية والفكرية، هي
أنظمة أساسية في التعويض عن الكبت النفسي، إذ تزود الناس ببعض المكاسب
من المتعة غير الجسدية دون أن تبعد الفرد عن النشاطات الاجتماعية لهذه
الحياة. إن التعويضات متعددة، وأكثرها شيوعًا: العمل، الفن، الحلم،
الدين[6].
بالمقابل كان أينشتاين يمتاز بسعة الخيال، ويحدوه إيمان بتناسق صنع
الطبيعة، وقصته الرائعة تشهد على الارتباط بين الإبداع والحرية، وتعكس
انتصارات واضطرابات العصر الحديث[7].
من هنا لا يفتأ أينشتاين من تمجيد الفرد، فالفرد في نظره هو الذي يصنع
التاريخ، وقد كتب يقول:
إن ما يعول عليه حقًا ليس الأمة، بل الفردية الخلاقة الحساسة، بل
الشخصية، بل ما يحقق الأمر النبيل الرفيع، بينما سائر القطيع لهم أحلام
العصافير، ولا حاسة فيهم... إن جميع الخيرات المادية والعقلية
والأخلاقية التي تلقيناها في المجتمع على مرِّ العصور، كان مصدرها
الأفراد الخلاقون، فالفرد من استنبط النار دفعة واحدة، والفرد هو من
اكتشف زراعة النباتات، والفرد هو من صنع الآلة البخارية[8].
ويضيف:
إن مثلي الأعلى السياسي هو المثل الأعلى الديمقراطي، يجب أن تحترم
شخصية جميع الأفراد، وأن لا يؤله أحد. إن العامل المهم في رأيي في
اضطراد التطور التقدمي الإنساني، ليس هو الدولة، وإنما هو الفرد
المبتكر الحساس. هؤلاء وحدهم هم الذين يبعثون فينا نفحات من السمو
والنبل، بينما تظل كتل الجماهير غبية التفكير بليدة الإحساس[9].
لقد جاء نجاح أينشتاين من تشككه في المنطق السائد، وتحديه للسلطة،
ووقوفه مذهولاً أمام ألغاز رآها الآخرون أمورًا عادية مألوفة، وأدى به
ذلك، إلى اعتناق أخلاقيات وميول سياسية قائمة على احترام العقول الحرة،
والأرواح الحرة، والأشخاص الأحرار، فكان يبغض الطغيان، ولم يكن يرى في
التسامح فضيلة مستحبة وحسب، بل شرطًا ضروريًا للمجتمع المبدع[10].
يرجع جزء من عبقرية أينشتاين إلى صلابته، فقد كان بوسعه التمسك بمجموعة
من الأفكار حتى في مواجهة تناقض ظاهر، وكان لديه إيمان عميق بقدرته على
إدراك العالم الفيزيائي، وكان يعمل منفردًا على خلاف معظم العلماء
الآخرين، وكان يستمع إلى ما يمليه عليه عقله، على الرغم من شكوك
الآخرين[11].
وقد كانت نزعة التمرد واضحة في شخصية أينشتاين، وفي ميوله السياسية
أيضًا، فعلى الرغم من أنه أيد المفاهيم الاشتراكية، فإن إيمانه الشديد
بحرية الفرد جعله يرفض التحكم الزائد أو السلطة المركزية. ونزعاته
المتطاولة التي خدمته جيدًا كعالم شاب، جعلته حساسًا للقومية والاعتماد
على القوة العسكرية، وكل ما يشتم منه رائحة عقلية القطيع، وإلى أن جعله
هتلر يراجع معادلات جغرافيته السياسية، كان داعية للسلم بشكل فطري،
وكان يجاهر بمقاومة الحرب[12].
وفي الوقت الذي مال فيه فرويد إلى علم الآثار والأدب، ظلت الموسيقا
تسحر عقل أينشتاين، فالموسيقا لم تكن بالنسبة إليه هروبًا من الواقع،
بقدر ما كانت اتصالاً بالتناغم الكامن في الكون، وبالعبقرية الإبداعية
لعظماء المؤلفين الموسيقيين الذين يميلون إلى التواصل بما هو أعمق من
الكلمات، إن ما كان يبهره في الموسيقا والفيزياء، هو جمال التناغم[13].
تصوراتهم السياسية والإنسانية
لقد التقى أينشتاين بفرويد عندما جاء من فيينا إلى برلين لحضور
الاحتفال برأس السنة لعام 1927، وقد دار بينهما حديث ممتع، ويرجع ذلك
إلى حد ما، إلى أن حديثهما تركز حول السياسة وليس على مجال تخصصهما، إذ
كتب فرويد مازحًا إلى أحد أصدقائه قائلاً: "إن أينشتاين يفهم في علم
النفس بقدر ما أفهم في الفيزياء"[14].
والواقع أن ما يجمع المفكرين الكبيرين، لم يكن أكثر مما يفرقهم. ففي
الوقت الذي تماهى فيه فرويد مع القادة العسكريين الكبار، لا سيما
هانيبال، والروح العسكرية الألمانية النمساوية، على الأقل في شبابه،
كان أينشتاين ينعزل عن أقرانه ويستغرق في التأمل الطويل، وكان أبغض شيء
إليه أن يشارك الأطفال في ألعابهم العسكرية، وأن يشهد الاستعراضات التي
كان يقوم بها الجنود، قائلاً: "أرجو ألا أكون أحد هؤلاء البؤساء عندما
أكبر"، ولعل ذلك يعلل أولى بوادر كرهه للحرب ودعوته للتفاهم بين الشعوب[15].
كما كان فرويد أكثر تشاؤمًا في محنة العقل البشري ومستقبل البشر،
وإمكانية نزع الرغبة التدميرية لدى الإنسان. وقد حدث أن التمس أينشتاين
من فرويد عام 1932 كتابة رسالة يدعو فيها إلى السلام، فوجه فرويد إليه
خطابًا مفتوحًا قال فيه عن الحرب: أني أخالها أمرًا طبيعيًا تمامًا،
واستطرد قائلاً إن ثمة أساس آخر، وهو أساس سيكولوجي متمثل في شكل غريزة
عدوانية، أو التدميرية، أو غريزة الموت، وهذه الغريزة هي علة الحروب
ومحاكم التفتيش في الماضي، وهي السبب في أن الحرب، لا يمكن تجنبها
مستقبلاً إلا بشق الأنفس. ويؤكد فرويد في رسالته لأينشتاين أن داعية
السلام هو من ينكر إشباع غرائزه ودوافعه الفطرية، ويتخذ لنفسه أهدافًا
ثقافية حضارية بديلاً عنها، بيد أن الجماهير، كما يؤكد فرويد، لا تزال
عاطلة من الحضارة والثقافة، ولا يزال نشاطها يجري على أساس غرائزها،
ومن ثم فإنها تندفع لملاقاة تجار الحروب في منتصف الطريق، ويؤكد فرويد
أن الحل الأمثل للأمور هو أن تنشأ جماعة من رجال يخضعون حياتهم
الغريزية لسيادة العقل المطلقة. لكنه سرعان ما يؤكد أن هذا الأمل هو
طوباوي تمامًا[16].
ويتحدث بعد ذلك عن غريزة العدوان الطبيعية لدى الإنسان، وعداء الفرد
للكل، وعداء الكل للفرد، فيقول:
من دواعي الأسى أن شهادة التاريخ وخبرتنا الخاصة، لا تنفي، بل تؤكد
ما ذهبنا إليه من الاعتقاد أن خيرية طبيعة الإنسان، إنما هو وهم من
الأوهام يؤمل به الإنسان أن يجمِّل، أو يصلح قدره، بيد أنه لا يجلب في
واقع الأمر غير النوائب[17].
إن واجب العقل المتحضر عند فرويد، ليس قاصرًا على نبذ وقمع وضمان
استمرارية كبت الغرائز الفطرية في منطقة الهو، بل عليه أيضًا أن يكبت
كل ما يتعلق بالميراث الفطري القديم الذي توارثه عن الإنسان البدائي،
وهذه المهمة الأخيرة شاقة للغاية. إن عبء العقل المتحضر أشق بعشرات
المرات، إذ إنه مضطر إلى أن يوزع جهوده ما بين مواجهة عودة المكبوت،
وبين الإنكار الغريزي في صورته الأولية[18].
وفي عام 1915 وفي غمرة الحرب العالمية الأولى كتب فرويد يقول:
يمكن أن نستخلص من ملاحظاتنا العزاء التالي: إن شعورنا بالخزي
وتحررنا من الوهم المفجع فيما يتعلق بالسلوك غير المتحضر لأبناء جلدتنا
في هذه الحرب، إنما هما أمران لا مبرر لهما، إنهما يرتكزان على وهم
تخلصنا منه. إن مواطنينا في واقع الأمر لم يغرقوا إلى الحضيض كما كنا
نخشى ذلك، لأنهم لم يسموا إلى مستوى رفيع كما كنا نعتقد. إن الوحدات
الكبرى للإنسانية، الشعوب والدول، قد نفضت نفسها جميعًا من قيودها
الخلقية، مما هيأ لأفرادها فرصة التحرر لفترة من ضغط الحضارة الشديد
الوطأة، والتمتع بقدر من الإشباع العابر لغرائزها المكبلة[19].
لذلك فإن عدد الناس الذين يتقبلون الحضارة بخبث، يفوق بما لا يُقاس عدد
المتحضرين حقًا وفعلاً، فمعظم الناس يتحملون الحضارة، لكنهم لا يشاركون
فيها بملء رغبتهم، لدرجة أنه دائمًا ما يرافق العنصر الحضاري هشاشة
دائمة، في أن يسقط برمته في لحظات الجنون البشري. فما أسهل تدمير ما
يبدعه الإنسان، كما يمكن استعمال العلم والتقنية، لتقويض ما أبدعه
الإنسان بفضلهما. وبالتالي فإن "الإنسان حيوان معتد". فمن يملك
الشجاعة، أمام كل تعاليم الحياة والتاريخ، لنفي هذا الأمر؟ إن هذه
العدوانية، كقاعدة عامة، تكون قاسية، أو تنتظر إثارة ما، أو تضع نفسها
في خدمة مشروع ما يتحقق هدفه بوسائل أكثر ليونة ونعومة، وفي بعض الظروف
المواتية، يحصل العكس، عندما تقف القوى الأخلاقية مثلاً في مواجهة هذه
التعبيرات، فتصدها إلى حين، ثم تتعطل، عندها تظهر العدوانية بشكل
تلقائي، وتكشف في الإنسان حيوانًا متوحشًا يفتقد أي اعتبار لبني جنسه[20].
وفي مراحله المتأخرة، أصبح فرويد أكثر استخفافًا بالحضارة، وأشد
إيمانًا بسيطرة النزوات الذاتية على سلوك الإنسان. وانتهى به المطاف
إلى أن قال:
إنني الآن أنصت دون ارتياب لأولئك النقاد الذين يؤكدون لنا أن المرء
الذي يقوم غايات الحضارة ووسائلها، لا يسعه إلا أن يخلص إلى نتيجة
واحدة، وهي أن كل شيء لا يساوي الجهد المبذول من أجله، وأن الحضارة لم
تنتج لنا في النهاية سوى ما لا طاقة للإنسان بتحمله[21].
ويقوم ذلك التصور على اعتبار أن الفرد كلما كبت ميوله – لا سيما
العدوانية والجنسية – كلما كان مجبرًا على حشد طاقة أكبر لمواجهة هذه
الميول، مما يعني استخدام الكثير من طاقاته ضده هو بالذات، وهذا ما
يضعف، بطريقة متناسبة طردًا، الطاقة التي يتصرف بها لمواجهة العالم
الخارجي.
وبتكوِّن الأنا الأعلى، تثبت كميات كبيرة من الغريزة العدوانية داخل
الأنا، وتعمل ضد الذات على نحو تدميري. وهذا أحد الأخطار الصحية التي
يتقبلها الإنسان في سبيل النمو الحضاري[22].
إذ يجب أن لا ننسى أن ندخل تأثير المدنية بين شروط الأعصبة، فإنه يسهل
على الهمجي أن يكون سويًا، وهي مهمة شاقة على الإنسان المتحضر. وقد
تبدو لنا الرغبة في الحصول على أنا قوي غير مقيد أمرًا مفهومًا، ولكن
هذا مناف للمدنية بأدق معنى للكلمة. ولما كانت مطالب المدنية تتمثل
بالتربية العائلية، فلا يغب عن بالنا أن نضع بين أصول الأمراض العصابية
هذه الخاصة البيولوجية للنوع البشري: أي فترة الاعتماد الطويلة في عهد
الطفولة، ذلك أن كثيرًا من تراثنا الحضاري الذي نعتز به، قام على حساب
الجنسية، نتيجة تقييد قوى الغرائز الجنسية[23].
ويؤكد فرويد في أطروحته الخاصة بالطبيعة البشرية، أنه لا وجود لما يسمى
إزالة النوازع الشريرة، إذ يبرهن البحث النفسي التحليلي، على أن الجوهر
العميق للطبيعة الإنسانية يقوم على الغرائز الأولية، التي هي مشتركة
بين جميع الناس، ومن المعترف به أن جميع تلك الغرائز التي يشجبها
المجتمع باعتبار أنها شريرة، كنموذج الأنانية والعدائية، هي من هذا
النمط البدائي[24].
وإن التأكيد ذاته على الوصية "لا تقتل" تجعل من اليقيني – وفق فرويد –
أننا ننحدر من سلالة من المجرمين لا نهاية لها، كانت الشهوة إلى القتل
تجري في دمهم، كما يمكن أن يكون الحال معنا نحن أنفسنا الآن[25].
لذلك لا فائدة من محاولة التخلص من ميول الناس العدوانية. يقول فرويد:
"يقال لنا إن هناك في مناطق سعيدة معينة من الأرض، حيث تقدم الطبيعة
بوفرة كل ما يتطلبه الإنسان، أجناس تمضي حياتها في هدوء ولا تعرف
اندفاعًا ولا عدوانية، ولا أكاد أصدق هذا، ويسرني أن أسمع المزيد عن
هذه الكائنات المحظوظة"[26].
بالمقابل، وعلى عكس فرويد، لم يتخلَّ آينشتاين عن روحه التفاؤلية في
مستقبل الجنس البشري، وقد بلغ به الأمر أحيانًا درجة الطوباوية، إذ
يقول على سبيل المثال:
إني شديد الثقة وطيد الأمل بازدهار التنظيم الدولي، وليس مرد ذلك
قائمًا على فطنة منطق، وحسن تدبير زملائي، بقدر ما هو راجع إلى حتمية
دوافع التقدم الاقتصادي[27].
ويضيف:
لذلك يحدوني أمل في أن مؤرخي المستقبل سوف يفسرون الأعراض المرضية
لمجتمعنا حاليًا، باعتبارها أمراض الطفولة الإنسانية الناشئة، وهي
راجعة كليًا إلى السرعة الخاطفة التي نمت فيها الحضارة.
لذلك يرجع أينشتاين النزعة العدوانية في الإنسان إلى مسبباتها
الاجتماعية الاقتصادية، رافضًا التفسير الغريزي الفطري الذي انطلق منه
فرويد، وبالتالي يرفض تمامًا كل نزعة للحرب قائلاً:
أعتقد أن السبب الأول في الانحلال الخلقي الذي يعانيه الجنس الأبيض،
هو الخدمة العسكرية الإجبارية. وهي لا تهدد تهديدًا جديًا بقاء حضارتنا
فحسب، بل إنها تهدد نفس وجودنا. إن هذه اللعنة قد نبتت جنبًا إلى جنب
مع البركات الاجتماعية الكبيرة للثورة الفرنسية، ولم تلبث طويلاً أن
وقعت في شباكها كل الأمم. فالدولة التي تحتم على مواطنيها الخدمة
العسكرية، مضطرة إلى أن تنمي فيهم شعورًا وطنيًا حادًا، وهكذا تضع
الأساس النفسي لفاعليتهم العسكرية، ولا بد لها أن تضع في مدارسها، وأما
أعين شبابها، أدوات قوتها الغاشمة جنبًا إلى جنب مع الدين، وفي مستواه[28].
وعندما سُئل أينشتاين في لقاء صحفي عما إذا كان ينظر لنفسه باعتباره
ألمانيًا أم يهوديًا، رد قائلاً: "من الممكن أن أكون كليهما، فالقومية
مرض صبياني، وهي حصبة الجنس البشري"[29].
إيمانهم بالعقل
إن خلاف فرويد وأينشتاين في السياسة والطبيعة الإنسانية، لم يمنع أن
يجمعهما توافق أساسي متعلق بالإيمان العميق بالعقل، والسببية العلمية.
لكننا مع ذلك نلاحظ أن الطبع التشاؤمي المحافظ لفرويد جعله أكثر صرامة
في اعتماده على التصورات العقلية الكلاسيكية التي طبعت المدرسة
الإنسانية العقلانية، والتي لم يخرج عن إطارها رغم أفكاره الثورية.
في حين أن أينشتاين تناول الموضوع من جانبه الحدسي، مؤكدًا على دور
الخيال والقدرة الخلاقة لتجاوز ما هو مألوف، وهو لم يغير من موقفة إلا
في المراحل المتأخرة من عمره، في معرض رده على النظرية الكمومية.
والواقع أن كلا المفكرين لم يكن لهما ميل كبير للقيام بالتجارب
العلمية، بل اعتمدا على الاستنتاج العقلاني المنطقي بشكل واضح.
فقد عول فرويد طوال أبحاثه على الميكروسكوب وحده دون التجريب. ويبدو أن
الملاحظة الدقيقة المتأنية هي ميزته المفضلة وموطن قوته، ذلك لأنه طوال
الأعوام العشرين الأولى من حياته العلمية، نأى بنفسه عن تحمل أعباء
التجريب إلا في بضع حالات استثنائية. فكان شديد الاحتفال بمشاكل
الإنسانية على النحو الذي يميز الفلاسفة السلفيين – إذ كان منذ حداثته
أكثر تعطشًا إلى الأمور الإنسانية منه إلى موضوعات العلوم الطبيعية –
غير أنه يختلف عنهم في الطريق الذي سلكه لإشباع شغفه بالمعرفة، فقد
هداه تفكيره إلى أن طريق الاستقصاء وفقًا لأساليب البحث العلمي، هو
الطريق المأمون الكفيل بأن يجنبه شطط الجدل الفلسفي، فأقبل على أدوات
البحث العلمي يمارسها ويلتزم بها دون غيرها[30].
ومع ذلك، فإن علمية فرويد الصارمة لم تبعده تمامًا عن الخلفية الفلسفية
التي طبعت القرن الثامن عشر بطابعها، فهو إذ يؤكد على أهمية الدراسة
العلمية للظواهر النفسية، يفصل فصلاً تامًا العقلي عن البيولوجي
التشريحي فيقول:
إن طوبوغرافيا العقل البشري، لا تربطها الآن أي علاقة بعلم التشريح،
ذلك لأنها لا تتعلق بالمراكز التشريحية، وإنما بمناطق الجهاز العقلي
دون النظر إلى وضعها المحتمل في البدن. ومن ثم فإن عملنا، انطلاقًا من
هذا الرأي، لا يعوقه عائق يحول دون تقدمه وفق متطلباته الخاصة[31].
وما يمكن أن نلاحظه عند فرويد، هو القوة الانفعالية البارزة القائمة في
رغبته معرفة الحقيقة، وإيمانه الثابت في حكم العقل. كان العقل بالنسبة
إليه، هو الطاقة الإنسانية الوحيدة التي تستطيع المساهمة في حل مشكلة
الوجود، أو على الأقل، في تخفيف الألم الملازم للحياة البشرية. فالعقل
هو الوسيلة الوحيدة التي توفر معنى للحياة، وتعفينا من الأوهام،
وتحررنا من السلطات التي تقيدنا. إن الإيمان بالعقل كان ملازمًا لفرويد
في بحثه الدائم عن الصواب الذي نذر نفسه لأجله، حين لاحظ وجود حقيقة
نظرية في ثنايا تعقيدات وتركيبات الظواهر الملموسة، وحتى لو كانت
النتائج التي يتوصل إليها تناقض تمامًا الاعتبارات المألوفة، فإنه لم
يكن ليضطرب على الإطلاق، بل على العكس، فإن سخرية الرأي العام، كانت
تعزز في نظره الفرق بين القناعة وبين الرأي. واندفاع فرويد للعقل، جعلت
العقل بالنسبة إليه أسيرًا للفكرة، لأن المشاعر والانفعالات في حد
ذاتها غير عقلانية، وهي لهذا السبب أدنى من الفكرة. وقد كان لفلاسفة
عصر الأنوار، بشكل عام، الموقف الاحتقاري نفسه من الإحساس، والعاطفة.
فالفكرة بالنسبة إليهم، هي محرك التقدم الوحيد، والعقل لا يمكن أن نجده
إلا في الفكرة[32].
بالمقابل، وأسوة بفرويد، لم يكن أينشتاين لديه ولع كبير بالتجارب
المعملية، ويذكر أنه تعرض في سنواته الدراسية الأولى إلى انفجار بمعمل
برنيه بسبب إصراره على القيام بتجاربه بطريقته الخاصة، ما أدى إلى
إلحاق إصابات بالغة بيده اليمنى، ويبدو أن هذه الحادثة جعلته أقرب إلى
المنظِّر منه إلى عالم التجارب[33].
إن غاية ما يصبو إليه الفيزيائي عند أينشتاين، هو أن يصل إلى تلك
القوانين الأولية العامة التي يمكن أن يبني على أساسها صورة للكون عن
طريق الاستدلال البحت. وليس هناك طريق منطقي إلى هذه القوانين. إن
"الحدس وحده الذي يرتكز على الفهم المتعاطف مع التجربة، هو الذي يستطيع
أن يصل إليها"[34]،
إذ يقول أينشتاين:
يبدو أن العقل البشري يجب أولاً أن يبتدع الأشكال مستقلاً، قبل أن
يتعرف عليها في الموجودات. والأعمال الرائعة التي حققها كبلر على سبيل
المثال، شاهد ناطق على صدق الرأي القائل إن المعرفة لا يمكن أن تنبع من
التجربة وحدها، بل من مقارنة مبتكرات الفكر بالحقيقة الواقعة[35].
إن الفيزياء، وفق تصور أينشتاين، تكوِّن نظامًا فكريًا منطقيًا في حالة
تطور، ويبدو أن أساسه لا يمكن استخلاصه من التجربة بطريقة الاستقراء،
وإنما يمكن الوصول إليه عن طريق الابتكار الحر، وتبرير هذا المذهب
(مضمونه من الصدق) يكمن في تحقيق التجارب الحسية لقضاياه المشتقة،
بينما لا يمكن إدراك علاقات هذه القضايا مع التجارب الحسية، إلا
بالحدس، ويتجه التطور نحو البساطة المتزايدة للأساس المنطقي. ولكي
نقترب إلى هذا الهدف أكثر من ذلك، يجب أن نسلم بأن الأساس المنطقي
يبتعد أكثر فأكثر عن حقائق التجربة، وأن مسار أفكارنا من القاعدة
الأساسية، إلى تلك القضايا المشتقة، التي تتفق مع تجارب الحس، يزداد
طولاً ومشقة باستمرار[36].
لقد كان أينشتاين عالمًا نظريًا يدرك أهمية الحدس المبدع في الفكر
وانعكاس ذلك في فهمنا للواقع وقد كان على يقين من أن المفاهيم الأساسية
للفيزياء التي تتمتع بصفة المقولات بالنسبة للعلم، لا تشتق إطلاقًا من
التجربة، بل هي إبداعات حرة للذهن، وبدلاً من الاستنتاج بأن الأفكار
الأساسية للفيزياء قابلة للمراجعة لأنها خاضعة لحكم التجربة، وهو ما
كان سائدًا في التصور العلمي التقليدي، نجد أن أينشتاين يستخلص القيمة
المناقضة، فإلى جانب مفاهيم أو فرضيات مفيدة تستمد شرعيتها من التجربة،
يكون الذهن أيضًا قادر على تصور مفاهيم وفرضيات لا تُستلهم مباشرة من
التجربة، بل تكون صحيحة منطقيًا كما هي الفكرة المطابقة عند اسبينوزا.
لذلك ظل إيمان أينشتاين بالحتمية والسببية عميقًا – وهو الأمر الذي آمن
فيه فرويد - وقد استمد أينشتاين من اسبينوزا الإيمان بالحتمية، وهي
الإحساس بأن قوانين الطبيعة – ما إن نستطيع سبر أغوارها – تفرض أسبابًا
ونتائج لا تتغير، وبأنه لا شيء يحدث في الكون عشوائيًا، وحتى عندما
أثبتت ميكانيكا الكم خطأ هذا المبدأ، ظل أينشتاين مؤمنًا به إيمانًا
راسخًا[37].
لقد آمن أينشتاين – كما آمن اسبينوزا – بأن أفعال الإنسان وتصرفاته، هي
أفعال حتمية مثل كرة البلياردو، أو حركات الكواكب والنجوم، وقال في
تصريح لجمعية اسبينوزا:
البشر ليسوا أحرارًا في تفكيرهم وشعورهم وتصرفاتهم، بل هم محكومون
بعلة سببية مثل النجوم في حركاتها.
لذلك اعتقد أن أفعال البشر – على نحو يخرج عن سيطرتها – تحددها قوانين
مادية ونفسية. وقد استمد هذا المفهوم من خلال قراءاته لكتابات شوبنهاور
قائلاً:
لا أؤمن على الإطلاق بالإرادة الحرة بمعناها الفلسفي، فكل إنسان لا
يتصرف وفقًا إلى قوة خارجية وحسب، بل وفقًا لضرورة داخلية أيضًا. لقد
كانت مقولة شوبنهاور "بمقدور الإنسان أن يفعل ما يريد، لكنه لا يستطيع
أن يريد ما يريد"، بمنزلة الإلهام الحقيقي لأينشتاين مؤكدًا أنها كانت
السلوى له في مواجهة مصاعب الحياة، وينبوع التسامح الذي لا ينضب[38].
لهذا لم يكن أينشتاين مؤمنًا حقًا بالمذهب النسبي، على الرغم من أن هذا
ما وصفه به الكثيرون، وكان الدافع وراء كل نظرياته – بما فيها النسبية
– السعي إلى الحقائق المطلقة والثوابت واليقينيات، كان أينشتاين يشعر
أن هناك واقعًا متسقًا يشكل أساسًا لقوانين الكون، وأن هدف العلم هو أن
يكتشفه[39].
الدين
لقد انعكس الإيمان بالعقل، على نظرة كلا المفكرين على الموضوع الديني،
الذي اعتبره فرويد عُصاب جماعي، في حين أكد أينشتاين على طابعه الفردي
باعتباره محفِّزًا للاكتشاف، رافضًا تصور الإله الجماعي القائم على
الطقوس التكرارية.
فقد انطلق فرويد في رؤيته للدين من مسلمة تقول بأن الدين، ومعتقداته،
ومحرماته، ورمزيته، لا يفعل سوى التعبير، على المستوى النفسي، عن الجزع
والقلق اللذين تولدهما عقد كل فرد، ومن ثم هو عُصاب جماعي، فالدين
بنظره، لا يحمل أي سمة للعقلانية، بل هو عاطفي في جوهره أكثر من أي
نشاط نفسي آخر[40].
وهو يرى أن الدور الأساسي للدين يكمن في تحقيق إشباع للناس، وهو إشباع
يعوض قليلاً عن ثقل العبودية التي تأتي بها الحضارة، إذ يقول:
ثمة أصل إلهي منسوب إلى تعليمات الحضارة التي رُفعت إلى مصاف يتجاوز
المجتمعات البشرية، وطُبقت على مستوى الطبيعة وتطور الكون. هكذا يتكون
كنز من الأفكار، متولد عن الحاجة إلى جعل الضيق البشري محمولاً، ومبني
من مادة تقدمها ذكريات هذا الضيق الذي يعيش فيه الإنسان في فترة طفولته
الخاصة، كما عاشه البشر في طفولة الجنس البشري[41].
بالمقابل، يرى أينشتاين أن مصدر الأفكار الدينية الرئيسي، كان بالنسبة
للإنسان البدائي، الخوف من الجوع، ومن الوحوش الكاسرة، ومن المرض، ومن
الموت. ولما كان الإنسان لم يدرك بعد الارتباط السببي بين الأشياء،
ابتدع كائنات وهمية أشبه ما تكون بأنفسنا، تسيطر بإرادتها على ما نرهبه
من الحوادث، فقدم لها القرابين وأقام لها الشعائر والطقوس. ثم كانت
الحوافز الاجتماعية مصدرًا آخر لتطور الدين، فرغبة الإنسان في الرعاية
والحب والعون، دفعته إلى ابتداع التصور الاجتماعي والأخلاقي عن الله
الذي يرعانا، فانتقلنا من ديانة قائمة على الخوف، إلى أخرى قائمة على
الرعاية والضبط الأخلاقي[42].
ومع ذلك، لا يرى أينشتاين ذلك التعارض الحاد بين التصور الديني -
بالمعنى الكوني - والعلم، بل يرى أن هذا التصور يعتبر من أنبل وأقوى
الحوافز على البحث العلمي. إنه أشبه بالشعور العميق بالوحدة العقلية
للوجود أكثر مما هو دين بالمعنى الطقسي، إذ يقول:
بالرغم من أن الاتجاه العلمي والاتجاه الديني، كلاً منهما على حده،
ينفصلان عن بعضهما بصورة واضحة، فهناك علاقات متبادلة قوية بينهما.
فبالرغم من أن الدين قد يكون هو الذي يحدد الهدف، فإنه مع ذلك قد تعلم
من العلم بأوسع معنى أيُّ الوسائل يمكن أن تسهم في الوصول إلى الأهداف
التي وضعها، ولكن العلم قطف لا يجنيه إلا أولئك الذين هم دائمو الشوق
إلى الصدق والفهم، هذا الإحساس لا يفيض إلا في رحاب الدين، فالدين هو
الذي يذكي روح الاعتقاد في إمكان أن تكون التنظيمات التي تنطبق على
دنيا الوجود معقولات، أي يستطيع العقل إدراكها، ولا أستطيع أن أتصور
عالمًا أصيلاً لا يؤمن إيمانًا عميقًا بهذه العقيدة. إن الموقف كله، أن
العلم بدون الدين أعرج، والدين بدون العلم أعمى يتخبط في الظلام[43].
وبالتالي كلما تقدم التطور الروحي للجنس البشري، كلما بدا مؤكدًا أن
الطريق إلى التدين الصحيح لا يسير في دروب الخوف من الحياة، والخوف من
الموت، والتسليم الأعمى، بل إنه يقتفي أثر السعي إلى المعرفة الواعية،
وبهذا المعنى، يؤمن أينشتاين بأن الكاهن يجب أن يصبح معلمًا إذا كان
يريد أن يفي رسالته التربوية السامية حقها[44].
وأن البحث العلمي يستطيع أن يقلل من الخرافات، لأنه يشجع الناس على
التفكير والنظر إلى الأشياء في حدود العلة والمعلول[45].
خلاصة
إن قيمة هذين المفكرين الكبيرين لا تنحصر فقط بإنجازاتهما العلمية في
ميداني علم النفس والفيزياء، بل في الهمِّ الإنساني الذي انطلقوا منه،
لذلك كان لنظرياتهم صدى يتعدى بكثير المجال الذي قصدوا أن يقدموا فيه
تصوراتهم. فقد كان اهتمام فرويد بالفلسفة وعلم الأخلاق لا يقل عن
اهتمامه بالطب، ويذكر تلميذه جونز أنه كان يتحسر على ذلك اليوم الذي
يقلع فيه عن ممارسة الطب لكي يتفرغ لدراسة مسائل الحضارة والتاريخ،
وليدرس في نهاية المطاف، كيف وصل الإنسان إلى ما هو عليه، إذ يقول:
شعرت منذ صباي، بحاجة لا تقاوم لفهم أسرار العالم الذي نعيش فيه،
وحتى بالحاجة للمساهمة في حلها[46].
كذلك لم تمنع علمية أينشتاين من تقديم قواعد تربوية للجيل الناشئ إذ
يقول:
لا يكفي أن يتعلم المرء مهنة يتخصص فيها، إنه قد يغدو خلالها نوعًا
من الآلة المفيدة، لا شخصية متكاملة النمو. من المهم جدًا أن يحصل
الطالب على فهم للقيم، وشعور حي بها، ولا بد له أن يحقق إدراكًا حيًا
للجمال والسمو الأخلاقي، وإلا فإنه بعمله المتخصص سوف يبدو أقرب إلى
الكلب المدرب جيدًا منه إلى الإنسان متكامل النمو، يجب على المرء أن
يتعلم كيف يفهم الدوافع التي تعتمل في نفوس الناس، وأن يفهم أوهامهم
وآلامهم حتى يشارك المجتمع الذي يعيش فيه أقرانه مشاركة صحيحة[47].
*** *** ***