ابن هذا الخراب
سامي العقرباوي
أنا ابنُ هذا
الخرابِ
خردةٌ بشريَّة ملقاةٌ على قارعةِ الطريقِ...
تمُرُّ بي أيادي الناس مثلَ الشظايا
كُلَّما مددتُ يدي أصافحُ أحدَهم
فقدتُ إصبعًا.
أحدِّقُ في وجهِ امرأةٍ
أحسبُها هويَّتي
تغادرُني
فتنفيني عن نفسي
وعن أمسي
أصيرُ
كمن ضيَّع بلدًا.
أمسكُ بالموصولةِ
(لو) في يدي كأنَّها مسبحة
أجوبُ الحزنَ
أُسبِّحُ باسمِ أحلامي الحمقاء:
لو أنَّ هذا اللَّحنَ الجميل رغيفٌ
لو أنَّ تلك القافية تفَّاحة
لو أنَّ هذا المسرح بيتٌ
لو أنَّ هذي الرِّواية حصيرة
لو يصبحُ هذا الجنرال شاعرًا
لو أنَّ هذا الصَّنم أنا
لو أنَّني ربٌّ
لخلقتُ جمعًا من الهزائمَ
وعلَّقتها على أكتاف أمراء الحربِ
لو أنَّني نبيٌّ
لأهملتُ فنجانَ قهوتي على طاولةِ الوحيِ
وجُبتُ الخيامَ أوزِّعُ الدِّفءَ على
العراة
لو أنَّها لم تغادر
لو أنَّه ظلَّ حيًا
هذا الوطنُ القتيل.
*
لا أخشى الوحدة
ليس يوجعُني الفراغ العاطفيُّ
لكنه الاختلال في مقاييس الهوية
الجريمةُ الواضحة في لون الدَّم
الرُّهابُ القادمُ من القولون العصبيِّ
والإرهابُ الواضحُ في الشَّجن الدِّينيِّ
الوطنُ المتآكلُ أرضًا بحرًا وسماءً
اللامبالاةُ البشرية التي خلعت الشجرة
وزرعت مركزًا للاتجار بالبشر
ثقبٌ في قلبي
يشبهُ ذاك الذي في طبقة الأوزون
يدفعُني لأن أعوذَ بالحبِّ
من الخبثِ والناسِ الخبائثَ.
*
لي أن أتجاهلَ هذه
المكائدَ
وأغفو...
أحبذُ أن أكونَ بكاملِ حلمي وأنا أسقطُ في
الخديعةِ.
أريدُ ارتطامًا مدويًا لقلبي
يكسرُ ملامحي
لا لألعبَ دورَ الضحيةَ
إنما لأجمِّلَ وجهَ الخيانةِ،
وأمنحُها النَّصرَ
فتخبِّئُ أنيابَها
وراء ابتسامةِ شماتةٍ.
*
طريُّ مثلَ إسفنجةٍ،
ناعمٌ كرصيفٍ من القطنِ
سوف يتلقَّفُني الحُبُّ
هذا ما قلتُهُ لنفسي وأنا أقفزُ
من أعلى أعالي الحزنِ.
لم أكُن أعلمُ
أنَّ الفراغَ الذي سأرتطمُ به
قاسٍ كحجر!
*
مثلَ عدَّاءةٍ
رأيتُها تركضُ وتركضُ
منذُ الوردةِ الأولى في الأرضِ
وحتى المذبحةِ الطازجةِ في وطني.
قادمةٌ من اللحظةِ الأولى في عمري
ذاهبةٌ إلى اللحظةِ الأبديةِ في حكايتِها
مسرعةً مرَّتِ اللاجدوى بموتي
ولم تكترثْ...
لم تُلقِ التحيةَ... فنسيتُها
وعدتُ أحدِّقُ في الخيانةِ -
صديقتي القديمةُ
التي ترقصُ الباليه الآن
بجانب جُثَّتي.
*
هل كنتُ فكرةً في
قلبِ الله قبل أن يخلقَني أم أنني كنتُ كابوسًا في نوم العدم فصيَّرني
حقيقةً؟
هل أنا هو هذا الذي
هنا أم أنَّ هذا الهُنا مجرَّد كابوسٍ عابرٍ في ليلي، أنا الذي كنتُ
أغفو قبل سنةٍ في بيتِنا؟
أما زالت غرفتي التي
هُدمت دافئةً، هل أعدمَ الجنودُ ذكرياتي إعدامًا ميدانيًّا؟
هل المسامير حرَّة،
وما الذي يدفعُ المسمارَ لأن يكونَ عضوًا فعَّالاً في تثبيت خيمةٍ في
هذا البردِ، لو كنتُ مكانه لاخترتُ
أن أعملَ على تثبيتِ رفٍّ في خزانةٍ لغرفةِ نومٍ دافئةٍ في بلدٍ لم
يسقُط في المجزرةِ تلو المجزرة.
هل أرضُ المخيَّم
هذه حقيقةٌ، أم أنها مجرَّد مشروعِ مزرعةٍ لتفريخِ الكائنات البشريَّةِ
يملكُها أحد أصحابِ المصارف في هذا المنفى؟
إذا كان وجودي في
هذا المخيَّم يثيرُ الشَّفقةَ، فما الذي يدفعُ أنجلينا جولي للقدومِ
إلى هنا؟ وهل ستصبحُ جولي مثيرةً للشَّفقة، في يومٍ من الأيامِ، مثلي؟
هل الأمم المتحدة هي
شركة لإنتاجِ أفلامِ الحربِ؟
هل يكون أبي كومبارس
في هذا الفيلم، وهل حليبُ أمِّي مجرَّد ماءٍ مصبوغ باللون الأبيضَ؟
هل يوجد تحت هذا
المخيَّم نفط؟
البترودولار، هل هي
كلمة عربية أم إنجليزية؟ أم أنَّها طبخة أو نوع من الكوكتيل؟
هل هذه الرائحة
الناتجة عن تعفُّنِ الجثثِ هي غاز طبيعي؟
الطائفيَّة... أهي
طعام؟
أيملكُ الشهداء
أرقامًا وطنية في الجنَّة؟
وهل حصلت حبيبتي
القتيلة على شريحةِ هاتفٍ جديدةٍ في السماء؟
في النار... هل هناك
كفَّار سياسيون بائسون كمعتقلي الرأي في بلادِنا؟
أم أنَّ يومَ الحسابِ يتمتَّعُ
بالديمقراطية؟
هل أنا مطلوب
للعدالة في وطني؟ ثمَّ ماهي العدالة؟ وهل للعدالةِ وطن؟
كيف لي أن كون حيًّا
وملغيًّا في آنٍ واحد، هل أنا واحدٌ أم أنني جمعٌ من المنفيِّين في
وجعٍ واحدٍ؟
هل سأرجعُ يومًا؟ أم
أنَّ ذلك اليوم سيتبعُني إلى الخيمة؟
*** *** ***