هل كان على حق؟! – 2
(حالة ضمير)

 

أكرم أنطاكي

 

"أنا عندي حلم..."
مارتن لوثر كنغ

 

هي المرة الثانية التي نتعرَّض فيها للموضوع نفسه.

كانت المرة الأولى في افتتاحية الإصدار الثاني من معابر قبل عام ونيف. وقد تناولنا فيه موضوعنا من منظور النضال السِّلمي، من منظور العنف واللاعنف. وها نحن اليوم نعود مع إصدارنا السابع لنتناول الموضوع نفسه، لكن من منظور قد يختلف قليلاً.

هل كان على حق؟

ومَن نقصده هنا، أولاً وآخرًا، بتساؤلنا (الذي هو بالنسبة لنا حالة ضمير)، هو السيد المسيح – عليه السلام – حين دعانا لأن

... [نـ]حبَّ أعداء[نا] و[نُـ]حِسن إلى من يبغضـ[ـنا] و[نـ]صلِّـ[ـي] من أجل من يعنتـ[نا] ويضطهد[نا]، لـ[نـ]كون بني أبيـ[نا] الذي في السموات لأنه يُطلِع شمسه على الأشرار والصالحين ويمطِر على الأبرار والظالمين...[1]

وما طرحه في حينه من مقولة هي في الحقيقة جوهر المسيحية – هذا الجوهر الذي أكَّده من بعده داعيتُه ورسوله الأول بولس الذي دعانا أيضًا، ومن المنظور نفسه، إلى أن

لا [نـ]ـدع الشر يقهر[نا]، بل [أن نكون] بالخير للشر قاهر[ين]...[2]

وما نقصده هنا أيضًا، بكل وضوح، هو، على سبيل المثال لا الحصر، القرآن الكريم، حيث جاء على لسان هابيل:

... لئن بسطتَ إليَّ يدكَ لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك إني أخاف ربَّ العالمين...[3]

مما يعني أن عدم القتل واحترام حياة الآخر هو من مخافة الله.

وما نقصده، أيضًا وأيضًا، ما جاء في العهد القديم (التوراة) على لسان أشعيا الذي دعا في نبوءته أن يحكم الله

... بين الأمم ويقضي للشعوب الكثيرين فيضربون سيوفهم سككًا وأسنَّتهم مناجل فلا ترفع أمة على أمة سيفًا ولا يتعلمون الحرب بعد...[4]

ونتساءل: هل كانت تلك الدعوات إلى المحبة والسلام، يا ترى، مجرد كلام غير قابل للتحقيق؟ هل كانت خاطئة؟! إنها

... أسئلة، في جملة أسئلة كثيرة، [...] تحتشد في أذهاننا، وربما أذهان أناس آخرين، ونحن نشهد ما يجري اليوم عمومًا في العالم، وخصوصًا في المنطقة التي قُيِّض لنا أن نولد فيها، ونرضع محبَّة زيتونها، والغيمة التي تقطر عليها، والنسمة التي تهبُّ على جبالها وأوديتها...[5]

لأن كل شيء تقريبًا في عالمنا اليوم يدلِّل أن تلك الدعوات "فشلت" من حيث المبدأ في تحقيق أهدافها، ولم تنجح بالتحقق على أرض الواقع... لأن كل شيء يقول اليوم إن حلم الإنسانية بالسلام والعدالة، ودعوة السيد المسيح لتحقيق الأخوة الإنسانية عن طريق المحبة والسلام، كانت – وما زالت – مجرد "وهم".

فتاريخ إنسانيتنا كان، في مجمله، تاريخ صراعات وحروب. وهذا الواقع ما زال مستمرًا إلى اليوم، لم يتغير – مع ذلك الفارق أننا أصبحنا اليوم، كإنسانية، من خلال ما حققنا من تقدم علمي وتقني، نهدد الحياة على سطح كوكبنا بكامله. وتلك هي إحدى أخطر وجوه أزمتنا.

ويا لها من أزمة!

حيث يكفي لتحديدها أن ننظر إلى أنفسنا كبشر وإلى ما آل إليه عالمنا الذي ما زال يسوده الجشع ويحكمه منطق الصراع أكثر من أي وقت مضى. ويكفي لتقدير عمقها أن نتساءل حول المبادئ الأخلاقية التي نستمد منها نظرتنا إلى العالم، ما هي؟

ونجد ببساطة أن تلك المبادئ السائدة هي الجشع والأنانية وحب السيطرة. فحتى المعرفة أضحى الهدف منها المزيد من النفوذ بهدف المزيد من السيطرة على ما حولنا وعلى العالم – ذلك العالم الذي باتت تقوده روح تنافس عديمة الرحمة ومادية فظة. وهذه "المبادئ والقيم المادية" هي التي أوصلت عالمنا المتواصل والمترابط إلى ما أوصلته إليه من تمزق وتباعد وحروب ودمار باتت تهدد الحياة بحدِّ ذاتها...

فإذا كانت هذه هي النتيجة، فإن الجواب هو: نعم، لقد فشلت تلك الدعوات التي لم تكن في الحقيقة إلا مجرد أوهام غير قابلة للتحقق! والسيد المسيح، وكل الذين دعوا للمحبة والسلام، كانوا على خطأ...

***

استقطاعات وتأملات "متشائلة"[6]

سنون انقضت على تركي "السياسة"[7]، إلى حدِّ أنها تبدو لي اليوم وكأنها قرون، إن لم نقل حياة ماضية. لكني، بكل صراحة، أعترف أني ما زلت أتوق إلى ذلك الحلم الإنساني الأزلي بالعدالة.

"لكلٍّ حسب حاجته ومن كلٍّ حسب مقدرته"... هذا ما كانوا يرددون. وهذا ما كنت وما زلت، لسذاجتي، أحلم به.

ورغم أن شيوعية الأمر الواقع التي طبعت القرن العشرين بطابعها قد انهارت ولن تعود؛ رغم أني أعتقد اليوم أن انهيارها كان حسنًا، لأن ما ولَّدته من نظام كان بدائيًا وهجينًا ولاإنسانيًا إلى حدٍّ جعل الكثيرين من أمثالي يتمنون موتها، إن لم نقل يساهمون في التعجيل بدفعها إلى حتفها؛ يبقى ذلك التساؤل حول ما حملته من حلم، وحول ما انطلقت منه واستندت إليه من جدلية ومنطق، كان في حينه محصِّلة علوم زمانه – ذلك الذي كان ذات يوم الأقوى والأكثر تماسكًا.

*

اليوم، وقد انقضى ما يقارب الألفي عام على رسالة ذلك المعلِّم الجليلي الذي جاءنا من قلب "شعب ودين" كان آنذاك متمردًا على روما، ليتمِّم الناموس، فقلب مائدة "العنف" ودعانا إلى "المحبة"... اليوم، وقد قضت روما تلك الأيام، وحلَّ مَن حلَّ محلها من دول وممالك ومؤسسات ادَّعت ذات يوم، بشكل أو بآخر، الانتساب إلى "كنيسة" ذلك المعلِّم... اليوم، وقد تحولت روما – مجازًا – إلى "سواها"، وتحول ذلك الشعب وذلك الدين وسواه – مجازًا – إلى ما تعرفونه (وأضحى شيطانًا رجيمًا)... اليوم، ونحن ننظر إلى أنفسنا كبشر، وإلى ما آل إليه عالمنا الذي يسوده الجشع ويحكمه منطق الدمار أكثر من أي يوم مضى... هل ما زال بوسعنا التعلُّق بتلك "الأوهام"؟!

لكننا نلحظ، في المقابل، أن الأعماق الإنسانية التي حافظت (ولو من حيث الشكل) على هذه الأديان ما زالت تتوق إلى هذه المبادئ، لأنها كانت – وستبقى – أجمل وأقدس ما في تلك الدعوات الخالدة! لأنها كانت – وستبقى – هي "الحلم"!

*

لقد وصف إدغار موران إنسانيَّتنا ذات يوم بأنها ما زالت إنسانية "عصر حديدي".

فلأننا ما زلنا إنسانية "عصر حديدي"، لأن مستوى وعينا الفردي ووعينا الجمعي لم يرتقِ بعد عن ماديته، فقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وتحوَّلت معظم دياناتنا ومقدَّساتنا إلى مجرد... شرائع.

"العين بالعين، والسنُّ بالسنِّ، والبادئ أظلم"... وأنت البادئ اليوم... وأنا نسيت، أو تناسيت تمامًا، أنِّي أنا كنت البادئ بالأمس... وهكذا سنبقى نتصارع حتى نصل معًا إلى تلك النهاية البائسة...

هكذا كانت الحال أيام موسى حين أضحى "شعبه" (الإنسانية مجازًا) عبدًا للعجل الذهبي – ولم يزل...

وهكذا كانت الحال أيام "الجليلي" حين كانت روما سيدة العالم...

ولم تزل الأمور من حيث الجوهر على حالها اليوم، ولم تزل "روما" هي سيدة هذا العالم، رغم كل ما تحقق من تقدم مادي علمي وتقني جعل من الممكن جدًا، على الصعيد المادي والواقع العملي، لأول مرة في تاريخ الإنسانية، تحقيق ذلك الحلم الإنساني الأزلي بالعدالة وبالإخاء.

ولكن هذا الحلم ما زال يبدو بعيدًا عنا أكثر من أي يوم مضى، وما زالت الأعماق الإنسانية تتوق إليه أكثر من أي يوم مضى...

*

هذا "لي"، وليس "لك"... يا إلهي! هل من أحد يتذكر اليوم جان جاك روسو حين وضع يده على الجرح وقال:

إن أول لصٍّ في التاريخ هو من سوَّر أول قطعة أرض ثم ادَّعى أن هذه الأرض لي...[8]

وقد نسينا جميعًا أنها، كلها، لنا جميعًا وأنها، في نفس الوقت، ليست لأحد منَّا تحديدًا وحصرًا. لقد نسينا أن "الملك لله"، وأن هذا هو جوهر ما دعا إليه الإسلام، ولم يطبِّقه أحد...

*

وأشرد في الخيال... فأتذكر، وربما أخرج هنا عن الموضوع قليلاً...

أتذكر ذلك المهرجان الذي أقيم قبل أشهر في قاعة كنيسة الصليب في دمشق تضامنًا مع شعب فلسطين، ذاك الذي حضره يومها المرحوم فيصل الحسيني، ونائب مفتي القدس، وذلك الكاهن المسيحي من القدس أيضًا، وممثل دار الإفتاء السورية؛ كما حضره البطريرك هزيم، صاحب تلك الدار ورئيس الطائفة المسيحية الأرثوذكسية التي دعت إلى ذلك اللقاء.

وأتذكر كلمة ذلك الشيخ الفلسطيني الذي لم أعد أذكر اسمه، وكيف، وقد أخذه الحماس لشعبه ولقضية شعبه، مضى يستشهد بآيات تحمل بكلِّ عنف على أولئك "الآخرين"؛ وأتذكر كلمة البطريرك هزيم التي كانت الخاتمة، وكيف بدأها متوجِّهًا إلى الجمهور، وتحديدًا إلى ذلك الشيخ الجليل...

"قال يعقوب..." – بهاتين الكلمتين اللتين وقعتا عليَّ وقوع الصاعقة استهلَّ البطريرك كلمته... مما جعلني أستمع إليه فاغر الفاه، بكل انتباه، بعد أن كنت شاردًا بعض الشيء... ذلك الاستهلال الذي لم ينتبه إليه سوى القليلون جدًا في القاعة آنذاك، أو ربما لم ينتبه إليه أحد، لأن القليلين القليلين تذكَّروا في حينه، ربما، أن يعقوب هو تحديدًا "إسرائيل" التوراة. وأتذكر كيف قصَّ البطريرك بعد هذا قصة صغيرة نسبها إلى يعقوب، ثم توجَّه بكلامه إلى الشيخ الفلسطيني متسائلاً وضاحكًا: "ألا تعتقد، يا صاحِ، أن ليعقوب أيضًا حصَّة على أرض فلسطين؟" وأتذكر كيف أجابه الشيخ وهو يضحك من كلِّ قلبه: "بلى... بلى... له حصَّة... له حصَّة..."!

*

اليوم، ورغم هذه المآسي التي تجري أمام أنظارنا، ورغم ذلك العنف الفالت من عقاله؛ اليوم، وقد انتصرتْ، رغم كلِّ ما قيل ويقال، تلك الانتفاضة اليائسة والدامية، لمجرَّد أنها لم تنهزم، وهُزِم ذلك العدوُّ المعتد الجبَّار، لمجرد أنه لم ينتصر... عاد "الحلم" يطرح نفسه من جديد، حلاً وحيدًا ممكنًا على أرض الواقع. فعلى تلك الأرض، الموعودة جدًا وللجميع، لم يبقَ من مخرج سوى طريق واحد: ذاك الذي كان واضحًا (منذ البداية) أن لا طريق سواه.

فالعنف أثبت، ويثبت كلَّ يوم، أنه طريق مسدود، رغم أنه لم يتوقف بعد؛ ورغم أنه يبدو، للوهلة الأولى، أن لا سبيل لإيقافه، يقرر "أحد الأعداء" أن يقيم حفلاً موسيقيًا في وسط "أعدائه"، تضامنًا مع "أعدائه"!

*

لم يكن الكاتب والمفكر الفرنسي الكبير أندريه مالرو يطلق الأقوال جزافًا حين قال "إن القرن الحادي والعشرين سيكون إما روحانيًا وإما لن يكون..." فهو كان واعٍ تمامًا لعمق الأزمة التي نعيشها. وكذلك كان حال إدغار موران حين أكَّد أنْ ليس من مخرج أمام إنسانيَّتنا سوى الارتقاء وتجاوز منطق عصرها الحديدي. فهذا العصر قد وصل اليوم إلى نهاياته؛ وهذا يحتم، ربما لأول مرة في تاريخ البشرية، إما الارتقاء النوعي أو... الفناء. إذًا...

*

لقد كان على حق!

على الأقل من حيث المبدأ، لم يكن مخطئًا ذلك "الجليلي" الذي دعانا، قبل حوالى ألفي عام، إلى المحبة والسلام...

وربما كان أقوى دليل على ذلك هو استمرار ورسوخ "حلمه" على مرِّ العصور ومرافقته لمجمل مسيرتنا الإنسانية. وأيضًا، ربما كان أقوى دليل على ذلك، لكن من منظور آخر، تلك الأزمة التي كانت تتصاعد على مرِّ العصور، حتى وصلنا اليوم إلى ما وصلنا إليه.

إن تفاقم الأزمة الشاملة التي تجتازها الإنسانية اليوم لهو أمر لم يعد بحاجة إلى برهان ولا ينكره إلا كل متقوقع على نفسه في عالم وهمي من صنعه هو، لا يريد أن ينغِّص عليه هذا الوهم منغِّص. وهذه الأزمة التي ستطال الجميع، عاجلاً أم آجلاً، ناجمة مباشرة عن أنموذج paradigm فكري ونفسي ساد على التيار "الرسمي" للثقافة الإنسانية. يقوم هذا الأنموذج على عدد من المفاهيم والقيم السائدة، من أهمِّها اختزال الكون إلى منظومة ميكانيَّة مكوَّنة من لبنات بناء أولية؛ والنظر إلى الأجسام الحيَّة كآلات؛ واعتبار العلم الوضعي التحليلي التخصصي الطريق الأوحد إلى المعرفة، واعتبار كل ما عداه من خبرات ثقافية وروحية من قبيل الترف الفكري؛ والنظر إلى الحياة في المجتمع كصراع تنافسي من أجل البقاء؛ والمراهنة بكل شيء على التقدم المادي غير المحدود الواجب إحرازه عبر النمو الاقتصادي والتكنولوجي؛ وأخيرًا، وليس آخرًا، الاعتقاد بأن المجتمع الذي يضع الأنثى في منزلة دون منزلة الذكر هو مجتمع يمتثل لقانون طبيعي إلهي.

لقد بلغ الإنسان المعاصر من تطوره الفردي والاجتماعي شوطًا يقتضينا أن ننمي فينا نظرة منظومية systemic أوسع نستطيع من خلالها أن نبصر الكل حتى نفهم الأجزاء (أنظر: فريتيوف كابرا، "معايير التفكير المنظومي"، الإصدار الأول). إن الأزمة الراهنة ناجمة عن كون غالبيتنا الساحقة – وخصوصًا مؤسساتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية – ما تزال تقرُّ وتعمل بمفاهيم وقيم الأنموذج القديم التي لم تعد قطعًا تصلح للتعامل مع قضايا عالمنا المكتظ سكانيًا والعالمي الترابط والكلِّي التشابك. لقد أمسى اتخاذ القرار في المؤسسات المذكورة عملية منطقية محض خطِّية linear، خاضعة في أغلب الأحيان لاعتبارات المنفعة القريبة المدى ولمتطلبات الاستهلاك الآنية. لم تعد القيم الإنسانية اعتبارًا يؤخذ بالحسبان كمقياس لصواب التفكير والعمل، وكشرط لازم وكافٍ لتحقيق إنسانيَّتنا، ولم تعد طرفًا في المعادلة إلا بمقدار ما يتم توظيفها توظيفًا مشوَّهًا – ومشوِّهًا – يخدم مآرب فئة متنفِّذة همُّها المزيد من الربح والسيطرة. إننا، في تحليلنا للأمور، قلما نأخذ ديناميَّة الحياة بعين الاعتبار، ضاربين كشحًا عن قدرتها المتجددة على الانتظام والتوازن الذاتيين، إنْ على صعيد الطبيعة النازفة، أو على صعيد الإنسان المختل التوازن، فردًا وجماعة. فلا عجب أننا نعيش اليوم في مجتمع تسوده الفوضى والهلع واللامبالاة وانعدام المسؤولية (أنظر: موسى د. الخوري، "التوازن النفسي والتوازن البيئي"، الإصدار 3).

إن الخطوة الأولى في التخفيف من حدة الأزمة هي الإقرار بأن الانقلاب الثقافي العميق المطلوب تحقيقه للتغلب عليها قد بدأ يتحقق فعلاً. إذ لقد بدأ باحثون على التخوم المتقدمة للعلم، وشبكات معرفية بديلة، وحركات اجتماعية متنوعة، تستلهم الحكمة القديمة وتتلقى تأييدها، بتطوير رؤية جديدة للواقع ستصبح قاعدة للعمل الإنساني في سبيل التحول التدريجي نحو أنموذج جديد، ينطوي على مفاهيم وقيم جديدة. وهذا الانقلاب هو ثمرة خبرة روحية عميقة تُترجَم عمليًا إلى نقلة نوعية في الوعي وفي النظرة إلى العالم: نقلة من رؤية آلتية mechanistic للواقع، محدودة الأفق، إلى رؤية كلانية holistic وإيكولوجية ecological الآفاق، تبيَّن أن المفاهيم والقيم التي تتبناها هي عينها المفاهيم والقيم التي توصلت إليها الحكمة الإنسانية المعبِّرة عن النضج النفسي والروحي للإنسان العاقل فيما يتعدى الزمان والمكان[9].

لكننا، وقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه، بحكم طبيعتنا وكأبناء لهذا "العصر الحديدي"، هل نبقى نسير بأنفسنا نحو تلك الهاوية التي تبدو اليوم وكأنها المصير المحتوم؟ أم أن ثمة طريقًا آخر؟

هذا ما سنقرره نحن، وكلُّ واحد منَّا على انفراد... حين يعود كلٌّ منَّا إلى ذاته متأملاً، حين يغوص كلٌّ منَّا، بصدق، في أعماق نفسه ويقرر ما يقرر في ضوء ذلك.

الجواب والنتيجة نقررهما نحن... حين نترفع (أو لا نترفع)، بروحانيَّتنا، عن تلك المادية البائسة التي باتت تجرُّنا إلى الدمار (أو نبقى متمسكين بها)... حين نعي (أو لا نعي) أن تلك الأزمة أمام أنظارنا هي أزمتنا جميعًا، وأن الحلَّ المنشود لها هو "الحلُّ الوحيد" لكلٍّ منَّا... ولنا جميعًا.

فهل في وسعنا ذلك؟ هل في وسعنا، وقد بلغنا بمجموعنا ما بلغنا من انحطاط، القيام، كمجموع، وكلٌّ بمفرده وتجاه نفسه، بتلك "الثورة العظيمة"؟

لست واثقًا...

ولكني، مع مارتن لوثر كنغ، سأبقى أردد: "أنا عندي حلم!"...

*** *** ***

افتتاحية الإصدار السابع من معابر


 

horizontal rule

[1]  متى 5: 44-45.

[2]  روما 12: 21.

[3]  المائدة 28.

[4]  العهد القديم، نبؤة أشعيا 2: 4.

[5]  معابر، افتتاحية الإصدار الثاني لأوائل عام 2001.

[6]  "التشاؤل" تعبير من نحت الكاتب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي.

[7]  كان كاتب هذه السطور في شبابه شيوعيًا.

[8]  جان جاك روسُّو، العقد الاجتماعي.

[9]  معابر، أسئلة متكررة.

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني