مدخل إلى الفكر النسائي الغربي المعاصر

 

حكيمة ناجي

 

العرفان ليس معرفة محايدة وموضوعية وكونية. إن "إرادة العرفان" تنطوي على صيرورة الهيمنة على الأشياء والإنسان.
ميشال فوكو

 

للوقوف عند الجذور التاريخية لمقاربة النوع وخلفياتها النظرية ومراميها السياسية، لا بدَّ من التعرف على المسار الذي ولدت في خضمه، ألا وهو مسار النسائية كحركة وكفكر، والوقوف عند الشحنة النقدية التي تتمتع بها النظريات النسائية، لأنها ببساطة لم يكن ليكتب لها الوجود ولا القوة التي أصبحت تتمتع بها، لولا هذه الشحنة النقدية لجميع دروب المعرفة الإنسانية، ابتداء من أم المعارف، الفلسفة، ومرورًا بالتاريخ، والأنتربولوجيا، والعلوم البيولوجية والطبية، بل والرياضية، واللسانيات،... إلخ.

إن مصطلح النسائية المتداول هاهنا ترجمة للكلمة الفرنسية féminisme، بينما ستستعمل كلمة نسوية كرديف لـ feminine. والمقصود بالنسائية هي ذلك الوعي الفردي والجماعي باللاتكافؤ في العلاقات الاجتماعية بين المرأة والرجل، وتلك الإرادة في تغيير هذا اللاتماثل في أفق المساواة. بينما كلمة نسوية، فهي النعت المشتق من كلمة نساء والذي لا يحيل إلى عقيدة بل إلى الانتماء لجنس النساء.

الجذور التاريخية للنسائية:

لم يكن مصطلح النسائية متداولاً قبل نهاية القرن التاسع عشر، إذ لا زال يُنسب خطئًا إلى الفيلسوف الفرنسي شارل فوريي Charles Fourier (سنة 1837)، ويرجع هذا الخطأ إلى حضور هذا الرجل نشأة أول حركة نسائية سنة 1830، وكذلك إلى الدور الذي لعبه في المساواة بين الجنسين وتحرر النساء. غير أن لا أحد وجد هذا المصطلح في مؤلفاته حتى الآن. وتذكر الفيلسوفة الفرنسية ومؤرخة الفكر النسائي Geneviève Fraisse في كتابها Muse de la Raison، أن الكلمة وردت في مقالة كتبها ألكسندر ديما الابن Alexander Dumas fils حول الرجل والمرأة، منشور حول مسألة العادات ونقاش حول الخيانة ومنع الطلاق، سنة 1872. غير أن المصطلح استعمل قبل هذا التاريخ بسنة، أي سنة 1871، بمعنى طبي سابق على المدلول السياسي للنسائية، إذ ورد في أطروحة في الطب لصاحبها الطالب Ferdinand-Valère Faneau de la Cour معنونة بـ Du féminisme et de l’infantilisme chez les tuberculeux. ويدل هذا المصطلح الجديد في الطب على توقف النمو لدى الذكر المريض وانعدام الفحولة لديه. وسينتقل من المجال الطبي بدلالته المرضية إلى التداول بدلالة احتجاجية ضد أوضاع تبعية النساء وخضوعهن. وهكذا يكون مصطلح النسائية قد تدوول بشكل عمومي في نهاية القرن التاسع عشر. ومن النساء الفرنسيات الأوائل اللواتي حملن هذه الصفة هيبورتين أوكلير Hubertine Auclert، والألمانية كلارا زتكين وغيرهن في باقي البلدان الأوربية.

وإذا كانت النسائية ترتكز على خلفية الثورة الفرنسية وبالتالي على الإرث التنويري، فإن هذا الأخير ليس فرنسيًا فحسب، بل الفلاسفة والمفكرين التنويريين ظهروا في بلدان أخرى، نذكر بالخصوص منها ألمانيا وابريطانيا وهولندا وغيرها. ولذلك سترتبط النسائية بالخصوص بإيتيقا البروتستانتية كما سيلاحظ تعثرها في البلدان الكاثوليكية. وقد أخذت حتى نهاية القرن العشرين شكلاً سياسيًا كان يدعى les sufragettes، حركة المطالبة بحق التصويت ظهرت بالخصوص في فرنسا وبريطانيا، وحركة المطالبة بحقوق الأمومة خصوصًا في بلدان أوروبا الشمالية ذات النظام السياسي الديمقراطي الاجتماعي Sociale démocratie. لتتحول تدريجيًا إلى حركة حقوقية شاملة. غير أنه مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، سيتم تسييس جميع أبعاد العلاقات بين النساء والرجال، Le privé est politique. و في هذا السياق الجديد للنسائية ستأتي حركة تعديل قوانين الأسرة ومناهضة العنف الزوجي. والنسائية تعمل اليوم على تفكيك الفصل التراتبي الذي معير منذ أزيد من 20 قرنًا بين الفضاء الخاص والفضاء العام، والمبني على مبدأ التكامل اللامتكافئ بين الجنسين.

في هذا السياق التاريخي، تأتي نظرية النوع، وهي بذلك عبارة عن نظرية نسائية. فلا يكفي الكلام عن النوع للتخلص من النسائية. إن النسائية عبارة عن مقولة للتحليل التاريخي، مقولة ليست وحيدة التعريف، بل تعريفها يتنوع حسب المراحل التاريخية وحسب المجتمعات التي توجد بها (ماري ناش، 2004). فالنظرية النسائية نظرية ديناميكية، لا تتوقف عن التفكير. فهي عبارة عن صيرورة مفتوحة، كما تقول ماري ناش Mary Nash النسائية والمؤرخة الاسبانية، لا تتوقف عن التنقيح والإغناء حسب السياق السياسي والتقدم التأريخي للنظرية والدراسات النسائية. وتعتبر النسائية أو النوع مقولتين للتحليل التاريخي عمادهما مفهوم السلطة غير المتكافئة في العلاقات بين النساء والرجال، أي على الثنائية: سلطة وهيمنة الرجل/ دونية وتبعية المرأة.

بعض من جنيالوجيا الفكر النسائي الغربي:

تجدر الإشارة إلى أن الكتابة النسائية وجدت قبل القرن التاسع عشر، إذ تشكلت جنيالوجيا الفكر النسائي الغربي منذ القرون الوسطى مرورًا بالأنوار، بالإضافة إلى الكتابات النقدية المرتبطة بوضعية النساء المعاصرة. لكن يصعب الجزم بهذه الجنيالوجيا، بل ليست إلا اللبنة الأولى لها، لأن التاريخ النسائي ما زال غير معروف بالشكل الكافي، والدراسات ما زالت لم تكشف عن حقائق هذا التاريخ، بل ما زالت جد ضعيفة. ولذلك يجب التعامل مع هذه الجنيالوجيا على أساس أنها دومًا مؤقتة وأنها مفتوحة ودينامية. ويمكن تلخيص بعض محطاتها في مجموعة من الكتابات المؤسسة للفكر النسائي الغربي ذات الشحنة المطلبية الواضحة من أجل حق النساء في المساواة، والإعلان عن الانتماء إلى قضايا النساء والدفاع عنها:

1.    كتاب مدينة السيدات la Cité des Dames لكرستين دو بيزان Christine de Pizan، سنة 1403؛

2.    كتاب المساواة بين الرجال والنساء لماري دو كرناي Egalité entre les hommes et les femmes Marie de Gournay، سنة 1622.

3.    كتاب مقترح جدي للسيدات لماري أستل Mary Astell: Une proposition sérieuse aux dames pour avancer leur vrai et meilleur intérêt، سنة 1694.

وتعتبر هذه الكتب كتبًا للتفكير النقدي قامت بتعريف مصالح النساء كمجموعة وتبعية النساء الناتجة عن مكيفات سوسيواقتصادية مطالبة بحق النساء في التعليم والثقافة باعتبارهما نهجين حاسمين في تحسن الشرط النسائي.

4.    بولان دو لبار Poulain de la Barre، في أهم كتاب لهذا الفيلسوف الديكارتي النسائي، في المساواة بين الجنسين De l’égalité des deux sexes، 1673، أكد على أن اللامساواة التي تعاني منها النساء ليس لها مبرر طبيعي، بل مبرراتها ثقافية، ومن هنا دعا إلى تعليم النساء، وفتح في وجههن جميع الشعب بما فيها الشعب العلمية. وبما أنه كان أول من دافع عن مبدأ المساواة بين النساء والرجال، هذا المبدأ الذي يشكل أساس النسائية المعاصرة، فإن كتاباته قد شكلت قطيعة مع الأدبيات النسائية السابقة عنه. وهو صاحب الأطروحة القائلة بأن "لا جنس للعقل" مدافعًا عن قدرة النساء على المشاركة في عوالم الآداب وشؤون الدولة والحكم. تقول ساليا أمروس بأن عمل بولان دو لابار يشكل صياغة للعقل المضاد للأبوية الذي عرى السلطات العلمية والفلسفية الداعمة للمواقف اللامساواتية بين الجنسين.

5.    أولامب دو كوج Olympe de Gouges: هي بنت الثورة الفرنسية وصاحبة الإعلان عن حقوق المرأة والمواطنة (1791)، وهو عبارة عن رد فعل ضد الإقصاء الذي مورس على النساء في أول إعلان لحقوق الإنسان والمواطن (1789)، عندما رفضت الجمعية العامة حق التصويت بالنسبة للنساء، فتنبهت إلى أن هذا الإعلان موجه للرجال فقط.

6.    ماري وولستونكرافت (1759-1797): كتابها الشهير A Vindication of the Rights of Woman، مطالبة بحقوق المرأة (1792). لقد طالبت بحقوق النساء وصدر لها هذا الكتاب بعد سنة من إعلان أولامب دو كوج. وتركز خطابها حول اللاتماثل بين الجنسين والقيود الاجتماعية المضروبة على النساء في المجتمع البريطاني الأبوي كما وصفته هي. ولذلك طالبت بحق المرأة في التعليم والشغل، كما اهتمت بشكل كبير بحق التصويت.

تيارات الفكر النسائي المعاصر:

قبل الخوض في تيارات الفكر النسائي المعاصر لا بدَّ من إعطاء فكرة عن تحقيب النسائية منذ ظهورها. فقد عرفت ثلاث موجات، الموجة الأولى وتتعلق بالنسائية السياسية أو موجة المطالبة بالحق في التصويت طيلة نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. وهكذا سيتم الاعتراف بحق المرأة في التصويت بشكل غير متواقت، (نيوزلندا، 1893)؛ (أستراليا، 1903)؛ (فينلاندا، 1906)؛ (أسبانيا، 1931)؛ (فرنسا، 1944)؛ (سويسرا، 1971). والموجة الثانية، وتمتد ما بين 1960 و1970، قد تميزت بعناوين مطلبية ثلاثة: تحكم النساء في أجسادهن، المطالبة بالاعتراف بفردانية المرأة، والمطالبة بالمواطنة التامة. والموجة الثالثة تميزت بولادة الفكر النسائي عبر النقاش النظري ومأسسة المساواة.

إن من يعتقد أن النسائية عبارة عن كتلة متجانسة ووحيدة التوجه لا يمكنه إلا أن يكون مستبطنًا للفكرة التمييزية بأن النساء متشابهات وأن وحدهم الرجال مختلفون عن بعضهم البعض. إن الفكر النسائي مثله مثل باقي دروب المعرفة الإنسانية الأخرى تعتمل داخله تيارات فكرية مختلفة باختلاف مواقع صاحباتها وأصحابها ومصالحهم وميولاتهم الاجتماعية والثقافية والفكرية.

إن الاعتراف بوجود تيارات نسائية وليس نسائية واحدة وحيدة لم يتم إلا خلال النصف الثاني من السبعينيات. إذ قبل هذا التاريخ، كان السائد هو كونية النسائية المنبثقة عن الثورة الفرنسية. وهناك العديد من التصنيفات لهذه التيارات النسائية، وإن تعددت، فإنها تبقى كلها ذات أهمية وقيمة معرفية لما ترتكز عليه من مقومات لفهم الأسباب الثاوية وراء كل تصنيف. وأول من اهتم بذلك النسائيات في الجامعة الأمريكية.

وهكذا يمكن تصنيف التيارات الفكرية النسائية في ثلاث فئات عريضة، وهذا التصنيف يجب فهمه على أساس أنه مفتوح وقابل للتعديل، كما أنه لا يمكن إلا أن يكون اختزاليًا لواقع لا محالة أغنى منه بكثير. التيار الليبرالي والذي اعتبرته النسائية الراديكالية الأمريكية شولاميط فايرستون Shulamith Firestone تيارًا محافظًا، وأعتبره مركز النساء الكندي إصلاحيًا. ثم التيار السياسي بولتكوس politicos المنتمي لليسار، وهو التيار الماركسي، ثم النسائية الراديكالية. وهناك أيضًا من صنفها في النسائية الليبرالية الإصلاحية، والنسائية الثقافية culturaliste التي تعتبر القهر الثقافي السبب الرئيسي في تبعية النساء، والنسائية المصلحية أو الفردانية، أي النساء اللواتي يناضلن من أجل أن ينحتن مكانًا لهن في عالم الرجال.

يرتكز وجود تيارات فكرية داخل النسائية على اختلاف في فهم أسباب دونية النساء وتبعيتهن، وأسباب سلطة الرجال وسيادتهم. وتبقى هذه التيارات الفكرية عبارة عن تمثلات ذاتية لواقع اجتماعي تعيشه العلاقات الاجتماعية بين النساء والرجال. وإذا كان تعريف النسائية، كما جاء في أدبياتها، على أنها وعي فردي أولاً، ثم جماعي متبوع بانتفاض ضد التدبير اللامتكافئ للعلاقات بين النساء والرجال ووضعية التبعية للنساء، فإن مسعاها، كما تؤكد الباحثة الكندية لويز توبان Louise Toupin، هو محاولة فهم أساس العلاقات التراتبية بين الجنسين، وكيفية تصحيح هذا الاختلال في العلاقات بين الجنسين ووضع النساء الدوني. إن هذا التعريف يشكل الأساس الذي تقف عليه جميع التيارات النسائية حركية كانت أو فكرية.

النسائية الليبرالية:

وهي النسائية المنحدرة مباشرة من الثورة الفرنسية، وتعتبر إصلاحية غايتها المساواة في الحقوق بين النساء والرجال، رغم أنها ليست وحدها المدافعة عن المساواة في الحقوق، إذ تشكل الليبرالية فلسفة لها، والنظام الرأسمالي عماد اقتصادها. كما أن قيمتي المساواة والحرية الفردية عماد نهجها. وتعتقد بقابلية تصحيح النظام الرأسمالي من الخلل الذي يطال النساء بداخله وذلك بتوفير شروط تنشئة متساوية بين النساء والرجال حتى تتمتع النساء بالقيمة الرمزية نفسها. هذا التيار يؤمن بإمكانية إصلاح النظام الرأسمالي من حيث حقوق النساء لأن الأمر لا يعدو بالنسبة له أن يكون مجرد عدم تكييفه مع خصوصيات النساء. ولذلك فالنساء تعانين من التمييز في هذا النظام على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. ويرجع هذا التمييز إلى التنشئة المختلفة حسب الجنسين. وبالتالي سيكون الحل بالنسبة للتيار الليبرالي هو التربية غير التمييزية حسب الجنس، والتنشئة بطريقة مختلفة. وتعتبر التربية مدخلاً أساسيًا لتغيير العقليات السائدة داخل المجتمع.

النسائية الماركسية:

بالنسبة للنسائية الماركسية، فإن النظام الاقتصادي الرأسمالي هو الذي يفسر استغلال الجنسين معًا. وإن استعباد النساء وقهرهن معروف تاريخه ويرتبط بظهور الملكية الخاصة. إذ كان ذلك، حسب أنجلس، أكبر خسارة بالنسبة لجنس النساء، والتي تساوقت مع مجيء المجتمع الطبقي والرأسمالية. وعلاوة على أنجلس الذي استلهمت فكره النسائية الماركسية، هناك أوغست بيبل August Bebel، وكلارا زتكين Clara Zetkin، وألكسندرا كولونتاي Alexandra Kollontaï.

وترجع أسباب التحكم في النساء إلى دواعي ضمان نقل الملكية عن طريق الإرث التي تقتضي التأكد من الذرية بشكل لا يفضي إلى أدنى شك. وهو ما فرض اللجوء إلى مؤسسة الزواج الأحادي monogamique. وفي اختصار، ترجع تبعية النساء إلى الرأسمالية التي تعتمد التقسيم الجنسي للعمل، إذ للرجال العمل الاجتماعي والعمل المأجور في المجال العام، وللنساء أعمال الرعاية الأسرية المجانية في الفضاء الخاص. وتشكل الرأسمالية العدو الرئيسي بالنسبة للتيار الماركسي الأرثوذوكسي بالخصوص، إذ يكفي تغييره حتى تتغير أوضاع النساء. ولذلك يعتبر المجال الاقتصادي ومجال العمل بيت القصيد لتغيير الأوضاع القاهرة للنساء.

وسيحل محل النظام الرأسمالي المعتمد على الملكية الخاصة نظام الملكية الجماعية، وستتحلل الأسرة شيئًا فشيئًا لأنه سيتم اعتماد خدمات الرعاية الأسرية والتربية. وللقضاء على الرأسمالية، يجب العمل على إدماج النساء في الإنتاج الاجتماعي، وفي سوق العمل المأجور، وإشراكهن في النضال الطبقي جنبًا إلى جنب مع الرجال. وفي حقيقة الأمر، فإن الماركسيات لا يؤمن بشيء اسمه النضال النسائي المستقل لأنه لا يعدو أن يشتت الجهود المقاومة للرأسمالية بنضاله ضد الرجال.

غير أن عمل هذا التيار لم يتوقف عند هذا القول، بل حاول جاهدًا تعرية النظام الرأسمالي وتحليل تناقضاته، وعمق تبعية النساء ودونيتهن. وقد تقاطعت النسائية الماركسية في العديد من المطالب مع النسائية الليبرالية الإصلاحية، نذكر منها على الخصوص: الحق في العمل، والحق في الحضانات للأطفال، وتكافؤ الفرص في الشغل والتربية والأجور، والحق في الإجهاض الحر والمجاني. غير أن الاختلاف الجوهري بينهما يتجلى في الغاية من كلتي الأطروحتين. فالأطروحة الماركسية تهدف إلى تعرية الرأسمالية قصد القضاء على نظامه الاقتصادي. وقد رفضت الماركسيات الأرثوذوكسيات الانتماء إلى الحركة النسائية على اعتبار أنها حركة فردانية بورجوازية. وقد استمر الرفض لاستقلالية المعركة النسائية حتى 1980.

ولقد عرف التيار النسائي الماركسي، نظرًا للنواقص التي حبل بها فيما يتعلق بتفسيره لأسباب دونية النسائية، بعض التحولات جوابًا على النواقص التي كانت تعتريه ونتيجة للتوسع الذي بدأت تعرفه المحافظة مع الفترة الريكنية ابتداء من الثمانينيات، ومع انفجار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، كما أنه تزامن مع تقدم الحركة النسائية الليبرالية، وقد تجلى هذا التقدم في البرامج الأممية التي اعتمدت حول حقوق النساء.

وقد تنصلت، ابتداء من ذلك التاريخ، الأغلبية في الغرب، كما في بلدان العالم الثالث، من الإرث الماركسي. لكن، وفي الآن نفسه، قامت النسائية الماركسية بتوليف التحليل وفق مقولتي الجنس والطبقة. فإذا كانت النسائية الماركسية الأرثوذكسية تعتبر النظام الرأسمالي المسؤول الوحيد عن أوضاع النساء المتردية وتبعيتهن، فإن النسائية الماركسية الجديدة ستمفصل النظام الأبوي والنظام الرأسمالي في تكالبهما مع بعضهما البعض على النساء. وهكذا ستعمل على تحليل ما سمته بنسقي قهر النساء.

ومع تنامي حركات نسائية أخرى، كتلك التي خاضتها الأمريكيات السوداوات، والنساء في بلدان العالم الثالث أو ما يسمى بالنسائية ما بعد الكلونيالية، والنساء المثليات، ستعمل النسائية الاشتراكية على المزاوجة بين أربع مقولات: مقولة الجنس، ومقولة الطبقة، ومقولة العرق، ومقولة الإثنية، تتكالب كلها لتصبح النساء في أقصى أوضاع الهشاشة. وبشكل عام لم تعد النسائيات مهتمات بالتغييرات النسقية، إذ بدأ الاهتمام بتحليل التمثلات والخطاب. بل ستلتحق العديد من هذا التيار بصفوف ما بعد الحداثة التي تعرف حضورًا قويًا على مستوى النسائية الجامعية، وبالخصوص الجامعات الأمريكية. وهناك من تطور في اتجاه النسائية المتعددة الثقافات مقتربة بذلك من النسائيات العالمثالثية ونسائية الأوساط الشعبية في البلدان المصنعة.

النسائية الراديكالية:

ولدت النسائية الراديكالية من رحم النسائية الليبرالية والنسائية الماركسية محدثة أكبر قطيعة بالنسبة للنسائية الجديدة في نهاية الستينيات. وتستمد كلمة الراديكالية مدلولها من عودتها بأسباب تبعية النساء إلى جذرها الأصلي أي النسقي. إن الأمر لا يتعلق بالنظام الرأسمالي كما هو الشأن بالنسبة للماركسيات، ولكنه يعود إلى النظام الأبوي. هذه النسائية ستدشن طريقة جديدة للتفكير في العلاقات بين النساء والرجال لم تعهدها التفسيرات الليبرالية والماركسية. تقدم النسائية الراديكالية نفسها على أنها مستقلة من حيث الفكر والممارسة، فقد رفضت سطحية تحليل النسائية الليبرالية للتمييز الممارس ضد النساء، كما رفضت النظرة الاختزالية لدى النسائية الماركسية وعجزها عن فهم النساء خارج طبقة أزواجهن برفضها استقلالية نضال النساء. وهذا تكون النسائية الراديكالية قد جاءت لتجيب عن نواقص النسائتين السابقتي الذكر.

إن النسائية الراديكالية ليست تيارًا متجانسًا كما هو الشأن بالنسبة للنسائية الليبرالية أو الماركسية، بل هي متعددة التوجهات. فإذا كان التمييز بالنسبة لجميع التوجهات داخل هذا التيار معطى أساسيًا وغير قابل للاختزال تحت أي شكل آخر من أشكال التمييز، فإنها كذلك تتفق من أنه يطال جميع النساء في جميع المجتمعات والطبقات والأعراق. وما عدا هذه القاعدة الأساسية التي ترسو عليها النسائية الراديكالية، فإن اختلافات عديدة تتمايز في تفسيرها للقهر النسائي.

ويرجع هذا التيار سلطة الرجال على النساء ليس لأحكام القيمة التمييزية السائدة ولا القوانين غير العادلة التي تعتقد بها الليبرالية، وليس للنظام الرأسمالي كما هو الشأن بالنسبة للماركسية، وإنما للنظام الأبوي الذي يحتل موقع الصدارة في تحليل دونية النساء. من بين مؤسسات هذا التيار نذكر كايت ميلي Kate Millet، شولاميط فايستون Shulamith. فالمجتمع بجميع مستوياته السياسية والاقتصادية والقانونية وكذلك في التمثلات الاجتماعية قائم على البطريركية التي شكلت نظامًا اجتماعيًا حقيقيًا للجنسين عمل على خلق ثقافتين مختلفتين: ثقافة ذكورية سائدة وأخرى أنثوية مسودة.

ولذلك فالنسائية الراديكالية تهدف إلى دحر مقومات النظام الأبوي. ويرتكز عملها أساسًا على إعادة تملك النساء لأجسادهن والتحكم فيها. ويتم ذلك عبر تنمية ثقافة نسوية féminine بديلة، كما تقول لويز توبان، عبر خلق مراكز الاستماع والإيواء لفائدة النساء المعنفات، مراكز صحية، مهرجانات، مكتبات، إعلام موجه للنساء. وفي هذا السياق أيضًا تندرج نسائية كوير والتي تنتقد العلاقة مع الجنس الآخر hétérosexualité على اعتبارها تشكل حجر زاوية النسق الأبوي، والنسائية السوداء التي ستنتقد مبدأ الاختلاف لدى الراديكاليات، إذ بالنسبة لهن تختفي مقولة الاختلاف بالمفرد بل هناك اختلافات بالجمع؛ ثم نسائية ما بعد الحداثة التي ظهرت في 1990 في الجامعات النسائية الأنكلوأمريكية والتي ستعمل على نقد الزعم بأن ما يجمع النساء هو القهر.

وقد عرف هذا التيار العديد من التيارات الفرعية، أولها نسائية الاختلاف ورائدتها النسائية لوس إركراي Luce Irigaray (1975)، والتي انبثقت عن تأثير التحليل النفسي الفرنسي. ويتميز عن النسائية الراديكالية في كونه لا يعتبر ما يشرك النساء هو القهر، بل ما يجمعهن هو الاختلاف. وقد أثار هذا التيار موجة من الانتقادات. ويمكن تعداد أشكال الراديكاليات إلى: راديكالية الاختلاف radical de la différence كما سلف ذكره، وراديكالية الخصوصية la spécificité، وراديكالية الأنثوية la fémelléité.

مفاهيم ومقولات للتحليل النسائي:

انشغلت النسائيات، وبالخصوص الأكاديميات منهن، بموقع النسائية في مجال المعرفة الإنسانية كموضوع تاريخي وفلسفي. ومنذ السبعينات من القرن الماضي عرف الفكر النسائي تقدمًا سريعًا، إذ مر بثلاث مراحل أساسية حسب التصنيف الذي قامت به سندرا هاردين Sandra Harding. مرحلة الإمبريقية النسائية المؤسسة وكان هدفها إبراز قدرات النساء عبر التاريخ؛ ومرحلة إنتاج فكر ومعرفة مختلفين عن الفكر والمعرفة الممركزة حول الذكورة، وإنتاج مفاهيم جديدة لتحليل النظام الأبوي؛ ثم مرحلة نسائية ما بعد الحداثة والتي اشتغلت على تعدد الهويات النسائية عوض الهوية الواحدة المشتركة للنساء.

ومن بين أهم المفاهيم والمقولات التي أنتجها الفكر النسائي الغربي المعاصر، نجد مقولات الميزوجينية أوالعداء للنساء la misogynie، والمركزية الذكورية l’androcentrisme، والتمييز الجنسي le sexisme؛ كما اعتمدت الشك البناء من حيث النوع كمنهج في التحليل لكل ما أنتجه، وما زال ينتجه، الفكر الإنساني اعتبارًا لما يتأسس عليه العرفان le savoir من صيرورات السلطة على الأشياء والإنسان كما يقول ميشال فوكو. كما اشتغل الفكر النسائي بالمنهج التفكيكي للثنائيات المتقابلة التراتبية، من قبيل: الفضاء الخاص/الفضاء العام، تبعية النساء/سلطة الرجال، الطبيعي/الثقافي، الجنسانية sexualité/الجسد، الكونية/الخصوصية (نقد ذكورية كونية المواطنة، تفكيك مفهوم الكونية). لكن أهم مفهوم أنتجه الفكر النسائي اليوم، ويمكن أن يرتقي به إلى مستوى العلم، هو مفهوم النوع والذي أصبح يشكل مقولة للتحليل لا يمكن تجاوزها على المستوى العلمي والسياسي. هناك مفهوم آخر لفرانسواز هيريتي Françoise Héritier، ويتعلق الأمر بمفهوم مركب "التكافؤ التفاضلي للجنسين" la valence différentielle des sexes المستقى من المجال الكيميائي. وهو ما ستتم العودة له مستقبلاً.

إن نقد المركزية الذكورية يشكل أهم تحد للنظام الأبوي الممركز حول الذكورة، ونقد ذكورية مقولة الفرد المجرد l’individu abstrait الذي يشكل عماد مبدأ الكونية L’universel، يعتبر أيضًا تحديًا لكونية قيم الدولة الأمة المتمثلة في liberté, égalité, fraternité (المساواة، الحرية، والإخاء). في هذا السياق، ستستعيد الفرنسيات مصطلح الأختية الذي كان محنطًا في المعاجم بعدما اعتمدت النسائيات الأمريكيات مصطلح sisterhood في السبعينيات من القرن العشرين. بل لم يسلم العقل الذي اعتمده الفكر النسائي الغربي كمنطلق له من النقد النسائي لتحيزه للنسق الأبوي. إن نقد المركزية الذكورية، ونقد كونية الفرد المجرد يعتبران عنصران حاسمان بالنسبة للنسائية. كما أن ثنائية الثقافي/البيولوجي التي تشكل أهم مقولة في براديغم النوع تعتبر اليوم أرقى ما بلغه الفكر النسائي المعاصر.

النسائية والسلطة:

فإذا كان كل عرفان، كما سبق ذكر ذلك، ينطوي على صيرورات السيادة والسلطة على الأشياء والإنسان، فهل يمكن القول إن العرفان الجديد الذي تحاول النسائيات بناءه ينفلت من هذه الحتمية؟ أو لا يمكن اعتبار الفكر النسائي إلا الوجه الآخر المقاوم للأبوية والذي ليس بوسعه الانفلات من منطق السيادة والسلطة الأبويين؟

تقول كوليت كيومين Colette Guillaumin: لكي نتحول إلى موضوع للبحث، يجب أن نتحول إلى موضوع للتاريخ. وإذا كانت السلطة تنبني على الفردية individuation، فإن تمثل النساء على اعتبارهن متطابقات سيجردهن من مؤهلات السلطة، وهكذا سوف لن تكون لهن القدرة على تفكيك النظام البطريركي المؤسس على الفردية الذكورية. وهكذا فالنظريات النسائية لا يمكنها إلا أن تكون نظريات للسلطة. فما هي إذًا السلطة التي تستبطنها النظريات النسائية؟ وهل تختلف عن السلطة الأبوية؟ ومن تريد هذه النظريات التحكم فيه والتسلط عليه؟ وفي هذا الباب، هناك بعض المنظرات النسائيات اللواتي يميزن بين السلطة التحريرية والسلطة الهيمنية التسلطية، وخصوصًا اللواتي اشتغلن على نقد مفهوم السلطة عند فوكو الذي يعتبر خطاب الأم خطاب الحقيقة والتأديب. تؤكد جونفييف فريس Genviève Fraisse أن خلف مسألة المساواة بين الجنسين والاختلاف الجنسي توجد مسألة السلطة وممارسة التسلط كشكل منظم للسلطة. ومن هنا فإن النسائيات يهدفن في مشروعهن إلى القضاء على السلطة الذكورية الممارسة على النساء إلى تقاسم التسلط في الأسرة والمجتمع وإعادة توازن السلطة بين الجنسين.

من أجل الموضوع لا بد من المفهوم:

إن المساواة بين النساء والرجال لا تعني الاستغناء عن الاختلاف الجنسي بينهما، ولا تعني أن النساء يردن التطابق مع الرجال وإلا سيكون المشروع فاقدًا لأي مخيال خلاق وعاجزًا عن الانفلات من طوق ثقافة المركزية الذكورية ومن السلطة الذكورية. وفي هذا الاتجاه يأتي فكر النسائية الثقافية أو نسائية الاختلاف التي تجعل من الاختلاف الجنسي منطلقًا لها في مسعاها من أجل المساواة ليس مع الرجل ولكن مساواة مؤسسة على قيم اجتماعية وثقافية جديدة لا تبخس ولا تنكر لا على النساء أن يكن نساء ولا على الرجال أن يكونوا رجالاً. وقد عرفت نسائية الاختلاف معارضة شديدة من لدن نسائية المساواة بدعوى أن السلطة الذكورية مبنية بالضبط على الاختلاف الجنسي وبه تبرر سيطرتها. وفي هذه الحالة، فإن نسائية المساواة تعتبر نسائية الاختلاف لاعبة في حلبة الخصم. أما بالنسبة لهذه الأخيرة، فإن المساواة تشكل جوهر النسائية بكل تلاوينها وقاسمها المشترك وغايتها، لكن النسائيات تختلف في تصوراتها لبلوغ هذه الغاية.

إن النساء لكي ينحتن لهن مكانًا في النظام الأبوي لا بد من أن يخلقن قوة اجتماعية وسياسية وفلسفية وتاريخية وعلمية. لذلك يصبح البحث عن المفاهيم ضرورة ملحة لإدخال ما هو أنثوي في كل هذه المجالات. ولقد اشتغلت العديد من النسائيات بحثًا عن مفهوم لنظرية المساواة بين الجنسين، كما تم ذلك بالنسبة للعديد من العلوم والنظريات، كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الطبقة في الاشتراكية، واللاشعور في التحليل النفسي. مفهوم يحدث قفزة في الفكر النسائي ويفتح آفاقًا جديدة له تمكنه من أن يصبح موضوعًا للعرفان. ويأتي هذا الانشغال بالمفهوم الذي يمكنه أن يكثف الإشكالات المرتبطة باللاتكافؤ في العلاقة بين الجنسين. وإن كان موضوع الجنسين حاضرًا في الخطاب الفلسفي، فإنه قد ارتبط فيها دومًا بمشاكل سياسية أو ميتافيزيقية، لكنه أبدًا لم يشكل موضوعًا للتحليل الفلسفي، أي لم يشكل فيلوسوفيما كما تحدده جونفييف افريس.

في خضم هذه الحركة الفكرية النسائية نرى عرفانًا حول دونية مكانة النساء والتفاضل الجنسي بصدد الولادة. هذا العرفان مطروح عليه القيام بدراسة المفهوم وطرح الأسئلة حوله مع تحديد مجال التفكير الذي يحدد طبيعة التفاضل الجنسي. إن المنظرات للاختلاف بصدد بناء فلسفة للاختلاف بين الجنسين. ومشروع أن يكون الطموح إنشاء علم لذلك. في هذا السياق يجب فهم مفهوم النوع الذي تمخض عنه الفكر النسائي الأمريكي، ومن أجل ذلك مطروح الالتفاف حوله وتبنيه بشكل نقدي بما يجعل مفهوم إشكالية التفاضل الجنسي موضوعًا فلسفيًا رغم ما يطرحه المصطلح من إشكالات في اللغات ذات الأصل اللاتيني وفي اللغة العربية أيضًا.

***

المراجع

1.    غير ترود، هيملفارب، الطرق إلى الحداثة، التنوير البريطاني والتنوير الفرنسي والتنوير الأمريكي، ترجمة محمود سيد أحمد، عالم المعرفة، عدد 367، 2009، الكويت.

  1. Puelo, Alicia H., Patriarcado, en Celia Amorós (cood.) , 10 palabras clave sobre mujer, 4 edt, Editorial Verbo Divino, 2002, España.
  2. Rochefort, Florence « Réflexions à Propos de l’Histoire du Féminisme », in l’Histoire sans les femmes est-elle possible ? , Anne-Marie Sohn et Françoise Thélamon, Université de Rouen , Ed. Perrin, 1998, France.
  3. Genviève, Fraisse, la controversia de los sexos, identidad, diferencia, igualdad y libertad, Trad. Sofia Vidaurrazaga Zimmermann, Ed. Minerva, 2002, España.
  4. Geneviève, Fraisse, Entre égalité et liberté, en La place des femmes, Ephesia éditeur, Paris, La Découverte, 1995, France.
  5. Balbus, Isaac D., Michel Foucault y el poder del discurso feminista, en Seyla Benhabib (et), Teoría feminista y Teoría crítica, ed. Alfons el Magnánim, Generalitat Valenciana, 1990, Valencia.
  6. Abu-Lughod, Leila feminismo y modernidad en oriente próximo, trad. Carmen Martinez Gimeno, Feminismos, Ed. Catedra, 2002, Universidad de Valencia.
  7. Seyla benhabib y Drucella Cornella, teoría feminista y teoría Crítica, Trad. Ana Sanchez, Ed. Alfons El Magnanim, Institucio Valeciana D’Estudis I Investigacio, 1990, Valencia.
  8. Poizat, Jean Claude, Hannah Arendt, une introduction, ed. Agora, 2003, France.
  9. Toupin, Louise, “ Les courants de pensée féministe ”(1998), bibliotheque.uqac.uquebec.ca/index.htm.

*** *** ***

الأوان، الأربعاء 12 كانون الثاني (يناير) 2011

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود