مأساة حل الدولتين

 

أحمد الطيبي٭

 

يعبث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع إدارة أوباما، فيبدي اهتمامًا بالسلام فيما يفعل كل ما بوسعه لعرقلة التوصُّل إلى تسوية عادلة للنزاع الإسرائيلي–الفلسطيني. ليس مقبولاً أن تعامل إسرائيل حليفتها الأساسية بهذه الطريقة. فبعد نحو عامين من تسلُّمه منصبه، يطوِّق نتنياهو الرئيس أوباما أكثر فأكثر ويطوِّق القدس بمزيد من المستوطنات غير الشرعية.

يفقد الفلسطينيون بسرعة الأمل بدولة مستقلة وقابلة للحياة. يدرس نتنياهو مطالبه بحيث يستحيل على القادة الفلسطينيين قبولها. فرئيس الوزراء الإسرائيلي جاهز دائمًا لطرح مطلب آخر – مثل مطلب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل دولة يهودية والذي يعني محو الذات. وفي غضون ذلك، يستغل التأخير لبناء مزيد من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، متجاهلاً المخاوف الدولية و"خريطة الطريق" لعام 2003 والطلبات الواهنة من حليفه الأميركي.

بيد أن القادة الأميركيين والفلسطينيين شاهدوا نتنياهو يمارس مثل هذه اللعبة من قبل. ويجب أن يضعوا حدًّا هذه المرة لتصرُّفاته المستهجنة. لكن بدلاً من ذلك، تبدو الولايات المتحدة مستعدة لارتكاب الأخطاء نفسها التي وقع فيها الرئيس كلينتون – مع تأدية دنيس ب. روس الدور المحوري نفسه كـ"محامٍ عن إسرائيل" – ويخشى الفلسطينيون في الأراضي المحتلة كثيرًا من أنهم إذا لم يشاركوا في هذه التمثيلية، فسوف يُحمَّلون من جديد وبغير إنصاف مسؤولية إفشال المفاوضات (التي لا تقود إلى أي مكان).

بيد أن الوقت ليس إلى جانب إسرائيل. حل الدولتين هو الحل الأمثل الذي يقترحه المجتمع الدولي لتسوية النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني. لكن مع كل يوم يمر في ظل الاحتلال وتوسيع النشاط الاستيطاني على الأرض التي يُفترَض أن تقوم عليها دولة فلسطينية، يصبح تنفيذ رؤية الدولتين أصعب فأصعب. بدلاً من ذلك يبرز خيار آخر: دولة واحدة تلتزم المبدأ الديموقراطي الذي يقوم على مفهوم "الصوت الواحد للشخص الواحد" ويُطبَّق على كل المواطنين بين نهر الأردن والبحر المتوسط. يجب أن تحسم إسرائيل قرارها وتختار بين إنهاء الاحتلال وقبول دولة فلسطينية مستقلة على الأرض التي احتلَّتها عام 1967 أو مواجهة تحرُّك يدعم قيام دولة ديموقراطية واحدة للجميع.

أقرَّت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون ضمنًا في وقت سابق هذا الشهر [الشهر الماضي] في معهد بروكينغز بصعود احتمال الدولة الواحدة. قالت:

الاتجاهات الطويلة الأمد التي تنجم عن الاحتلال تُعرِّض للخطر الرؤية الصهيونية عن دولة يهودية وديموقراطية في الوطن التاريخي للشعب اليهودي. يجب ألا يُضطَّر الإسرائيليون إلى الاختيار بين العنصرَين اللذين يقوم عليهما حلمهم. لكن ذلك اليوم يقترب.

ذلك اليوم يقترب بالطبع، وسوف يكون على إسرائيل بالطبع أن تختار بين الحد من أراضيها والتمييز العنصري. بيد أن المسألة أصعب مما تتحدَّث عنه كلينتون لأننا نحن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل – الذين نعيش في وطننا التاريخي – لن نقبل دولة يهودية تحدُّ من حقوقنا. دولة ديموقراطية، نعم، إنما دولة يهودية تمييزية بحكم التعريف، فلا.

لا تمثِّل الحكومة الإسرائيلية التي انتخبها نصف الشعب ديموقراطيًا ويقودها سياسيون عدد كبير منهم مهاجرون يشغلون مناصبهم لأنهم يهود في شكل أساسي، شريحة واسعة من الدولة. تواجه نسبة العشرين في المئة من الإسرائيليين الذين هم فلسطينيون تشريعات عنصرية أكثر فأكثر، فيما يواجه ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال الإسرائيلي الأمر نفسه من دون التمتُّع بحقوق متساوية أو بالحق في المواطنية أو بالقدرة على اختيار من يتَّخذون القرارات التي تتحكَّم بحياتهم في نهاية المطاف.

حان الوقت، للفلسطينيين والإسرائيليين على السواء، كي يُبدِّلوا الاتجاه ويتوقَّفوا عن التركيز على تمديد عملية محتضرة عمرها 19 عامًا يُطلقون عليها اسم "عملية السلام"، فيما تستعمر إسرائيل بلا هوادة أرض الدولة الثانية. دعم المبادئ الجوهرية مثل الحقوق المدنية والمساواة والتسامح مع جميع الأديان أساسي للتقدُّم، وليس رزم الهدايا الأميركية الضخمة التي تكافئ إسرائيل على خرقها للقوانين المستمر منذ عقود. ما دامت إسرائيل تروِّج قوانين تعزِّز العزل والفصل – وبوتيرة قياسية في ظل حكومة نتنياهو الائتلافية – يجب أن يكون واضحًا للمفاوضين الأميركيين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس جادًّا بشأن السلام.

بدلاً من ذلك، ينبغي على القادة الأميركيين ممارسة ضغوط منسَّقة على إسرائيل كي تطبِّق المساواة، وأن يكونوا مستعدِّين لمحاسبة القادة السياسيين الإسرائيليين الذين يضربون عرض الحائط بهذه المثل العليا.

هذا المسار الجديد نحو الأمام يحوِّل الحوار بعيدًا من حلول المفاوضات غير القابلة للتحقُّق ويركِّز على إصلاح المجتمع المدني، أي التغيير الثوري لتقنين المساواة والحقوق المدنية. أحدثت الثورات غير العنيفة تحوُّلاً في الجنوب الأميركي وفي جنوب أفريقيا التي كانت تمارس التمييز العنصري، ويمكن أن تحقِّق الشيء نفسه للإسرائيليين والفلسطينيين.

من شأن إصلاح المجتمع الأهلي – أو إطلاق ثورة فعلية في مكانة الفلسطينيين وحقوقهم – أن يُنهي شبه الإفلات من العقاب الذي يُفيد منه الجنود الإسرائيليون الذين يستخدمون الأطفال الفلسطينيين دروعًا بشرية لأنهم يعتبرونهم كائنات أدنى مرتبة، ويؤدي إلى معاقبة مالكي الأراضي والحاخامات الذين يحضُّونهم على ممارسة التمييز عبر رفض تأجير الفلسطينيين، ويضع حدًا لحجب تراخيص البناء عن الفلسطينيين فيما تُعطى بوتيرة متسارعة لليهود. باختصار، نطالب بالمساواة. يجب تعريف إسرائيل بأنها دولة لجميع القوميات الموجودة فيها، وليست "دولة يهودية".

وتستطيع إدارة أوباما المساهمة في هذا الإطار عبر تغيير دورها من ممكِّن ومموِّل للعزل والفصل اللذين تمارسهما إسرائيل داخل حدود 1948 والتمييز العنصري الإسرائيلي في الأراضي التي احتُلَّت عام 1967 إلى المساعدة على تعزيز المجتمع المدني من خلال الدعم الواضح لمجتمع غير عرقي مستند إلى المساواة والحرية. وفي حال لم يحدث ذلك، يظلُّ بالإمكان تغيير وضعنا إذا انتاب الحكومات الأوروبية فجأة قلق على الأقلية الفلسطينية المضطهدة في إسرائيل وأصرَّت على منح الفلسطينيين الذين تقمعهم إسرائيل منذ عقود حقوقهم الأساسية.

تسير الجهود في هذا الاتجاه فيما يبدأ المجتمع الدولي بطرح علامات استفهام حول سياسات العزل والتمييز العنصري التي تمارسها إسرائيل. تكتسب سياسة "المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات" زخمًا يومًا بعد يوم مع الإدراك بأن "عملية السلام" استُبدِلت بحكومة إسرائيلية تمييزية مصمِّمة على التوسُّع أكثر فأكثر في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

لن ينعم الإسرائيليون بالأمن والسلام والقوة التي ينشدونها منذ وقت طويل إلا بعد منح كل المواطنين والأشخاص الذين يخضعون لحكم إسرائيل الحرية والمساواة في الحقوق. عندما نستثمر في جميع مواطنينا – وليس في مزيد من المستوطنات التي تؤدِّي إلى العزل ومزيد من السلاح – نسلك الطريق الصحيح نحو الأمام بدلاً من الطريق الحالي المحفوف بالمخاطر والذي يتجاهل الاستثمارات الأساسية مثل مكافحة الحرائق فيُعرِّض تاليًا اليهود والفلسطينيين على السواء للخطر.

يجب أن يسير أوباما وكلينتون على هذا الطريق، طريق الحرية والمساواة في الحقوق، الذي حقَّق المعجزات للولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، بدلاً من تخصيص مزيد من الساعات العقيمة لمحاولة حماية دولة إقصائية لا تزال مصمِّمة على منح اليهود حقوقًا متميِّزة والفلسطينيين حقوقًا متدنية.

ترجمة: نسرين ناضر

*** *** ***

النهار عن واشنطن تايمز


 

horizontal rule

٭ مواطن فلسطيني إسرائيلي ونائب رئيس الكنيست.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود