نـسـائـيـات لـغـويـة
دارين
أحمد
1
على طريقكَ أتلفتُ أحذيتي
وصار لقدميَّ شكلٌ غريبٌ
يشبه المراوحة؛
أصابع منبثقة من الخلف ومن الأمام
مثل الشمس في رسوم الأطفال.
أخبرتكَ أني مصدَّعة من الدوران،
وأن المناظر في لوحاتك عن العالم
متشابهة دائمًا.
نبذتَ التكرار... أنت الرحالة العائم
في القلق وفي المصير.
وصرختَ أن في عمق الوجود يقبع
ربٌ واحدٌ.
مزقتَ لوحتي المضحكة
وهرستَ شتاتها تحت قدميك المثاليتين.
همستُ لك أن صراخكَ يخدش مسمعي
كل يوم،
وأن صوتك والضجيج من صنع رب واحد.
هدأتَ... تأملتَ الوجود،
وشاردًا مستريحًا أعدتَ رسمَ لوحة أخرى جديدة
للشمس فيها شكل نهدٍ مستدير.
2
لتقطع اللغة يدها الرؤوفة
كما قطعتُ يدي،
ولتغمس معصمها الحر
في لعاب الأطفال
كما غمستُ معصمي يدي
في طعامهم.
حينها يمكن أن تتمزق
رئة الرائي من الصراخ
وتجحظ عين المستنير.
كل هذا من أجل خلق آخر
في العقل.
من أجل أن يزحف جسدي على شوك الوصول
إلى المعنى.
أيتها البشرية المضاءة بألف ألف بطل
أيتها الطفلة الباكية في قلبي
كم أود ابتلاعك مثل ثقب أسود
نحو مكان آخر
نحو زمان آخر
وكينونة أخرى.
3
اختلاف الاتجاه
واختلاف اللغة
قاعدتان على مسند واحد
طارت عمامته وبقي الرأس عاريًا للريح.
"آتتأكل الكلمات؟"
هذا ما صاغته حكاية شفوية
نطقتها شفاه امرأة:
(يحين يوم... يحين وقت
لايعود للسالف فيه أثر
ولا للزمن الوهمي.
حين أقول "كان ياما كان..."
أقول كل شيء أردتُ
كل شيء استطعتُ.
ومن يخاف الوقوف في صوتي
عليه أن يترك يديه على جسدي ويذهب.)
هي الصداحة بلاماض
والقارئة.
علَّمتها الطبيعة كيف تطبق
شفتيها برقة على الكلمات
ولا تحبسها في الورق.
هي الآملة انبعاث مخيلة السمع
وانفتاح العالم
ما أنْ يغمض المرء عينيه
دونما نوم
دونما نوم.
4
أريد أن أجدك
أينما كان...
في الهاوية وفي الله
في المقبرة وفي الحفلة الصاخبة
في الذهاب وفي الإياب
في كلِّ متعارضين
يصطفان معًا ضدي.
أنا... وانعكاساتي
في كل جزء من الزمن
نسيِّر الأيام من حال إلى حال
في حال جامع لا عنوان له.
ونقول: "تصالحنا".
ونصرخ: "تصالحنا".
ونموت: "نصالحنا".
فلا بد أن يتعافى هذا الوقت من رغباته
لا بدَّ.
هكذا مرت ليالٍ
وانتشتْ ضدَّ.
5
رغباتكَ ملهمتي
كثيرةٌ هي وعليها تطرز العنكبوت
شالاً مائي اللون.
أقسمتُ لها بالحياة العابرة
والحياة الخالدة
أني سأحيط رأسكَ بالصدى
وعمركَ بالغناء
أو بالفناء
أو بأي شيء تريد.
رقصتْ أقدامها المدببة على وجهي
في الليل
وفي النهار
أيامًا.
وغابتْ.
عدتُ وعادتْ.
أرهقتنا المسافة وعبق الرغبات الخفي
حتى تشبعنا بها:
أنا... لا أنت.
وهي الناطرة في وحدتها
انفكاك أقدامها عن عقم رغباتي.
أنا... لا أنت.
هطل الحاجز المرئي على نوافذنا
وهطل الزجاج؛
حينها فقط
دبت قدم على وجهي
وغرق التشابه.
6
في كل بقعة على الأرض تقف فيها امرأة
تنمو نباتات لغوية كثيفة
فطرية الشكل، تظلل رأسها
خوفًا من أفكار تطير على ارتفاع
يفوق ارتفاع الجسد المضجع.
رأسها – بحد ذاته – مظلة دون الجسد
المنفرج والمفتوح على كل أعشاب الأرض،
وحبات رمالها الخفيفة قليلاً
والمعلقة بطين الذاكرة
تستطيع أن تساوي نفسها
برفض غامض لا ملامح له
ولا كلمات... فاللغة، منذ البداية،
قد أخذت شكلاً عاقلاً لا يشبهها.
وعرفتْ، حدستْ، تكلمتْ، كتبتْ
دون أن تنتبه للالتباس.
7
يحكى أن للأشجار كهفًا
إليه تأوي حين تصمت القبور
في ليلة شتائية بيضاء.
وهنا، في هذا الليل القاعي،
يتمدد الصمت آلاف المرات
سالخًا جلدًا بعد جلد
عن أجساد اللغات الضخمة.
في البعيد يطمئن رجلٌ
ويغفو.
قرينته الخرساء تعرف
أشكال الشتاء العديدة،
وتدهِش النوم بعينها المضيئة المثمرة.
كل أخشاب الأرض إليها أوت
وكل القوارض.
على ثديها حبلٌ وسرتها شبكة.
أكانت العنكبوت في حلمه؟
أكانت الطريق المؤدي إلى سرته العقيمة؟
في رأسه أفكار كثيرة
وتخيلات تنظِّفها من هلام لزج،
تصيِّرها بياضًا ساخرًا
وبقايا امرأة.
يشدها الحبل... أهو الحليب الساخن
ينهب عقلها ويعطيه؟
أهو المصير المشدود من كل صوب
ينهب مفرداتها ويحميه؟
هو: الرعب شكَّله وسواه
ضنينًا بالحياة على الحياة.
هي: على ثديها حبل،
وفي قاعها شجرٌ وكهفٌ مربع.
***
*** ***