|
معركة الجسد والروح في بريق لا يحتمل
بريق لا يحتمل اسم المجموعة التي هي أيضًا مجموعة قصصية بريقها لا يحتمل بالمعنى الجميل، ولا تُسلم نفسها بسهولة، ولابد أن تعتمد على اجتهاد متبادل بين الكاتب والقارئ حتى تسلم نفسها له، وربما تسلم نفسها إلى قارئ آخر في شكل آخر وهيئة أخرى وبهاء مختلف عما سبق، وعما حدث، من قبل، ومتجدد أيضًا. وهذا هو المفتتح الأساسي للكاتبة سمر نور، كما يتضح هذا في تقديمها تعريفًا عن نفسها في الغلاف الأخير للكتاب، حيث تقول: لم أولد في عام الانتكاسات الكبرى [لاحظ هنا أنها لا تقدم معلومات عن نفسها بل تتحدث وتصف الجو العام المحيط ورؤيتها للعالم]، ولم أولد في عام الحسم، ولكن ولدت عام 1977 أي في بداية تلك الأعوام التي أرهصت باللزوجة والانفراط [لاحظ وصفها لعام مولدها حيث تحاول أن تمنحنا رؤيتها لتوقيت الميلاد حتى نراه بشكل آخر ولا نحسب الميلاد بالسنين بل بالحالة والرؤية والمشاعر]. وفي عام 1998 تخرجت من كلية الآثار قسم الآثار المصرية وقد انتهت كل الإرهاصات ولم يبق النزيف للجسم عورات يمكن لورق التوت أن يسترها [لاحظ ورق التوت الذي يحيل إلى ورق الكتابة الذي يمثل المرحلة الجديدة للكاتبة، ومسألة الستر في مفهومها العميق وأيضًا العادي الشعبي]. انتمي إلى جيل أخص ما يميزه هو آلاف الذوات المنعزلة كجزر ميكروسكوبية ما يجمعها لا يرى بالعين المجردة [وهنا جاء الاعتراف صريحًا عن ذات الكاتبة وعن ذوات جيلها، وأيضًا كتابتها التي لن تُرى بالقراءة المجردة لأنها مجموعة قصصية مرهقة وممتعة ومراوغة دائمًا]. بهمٍّ إنساني دمث بدأت الكتابة وحصلت على عدة جوائز متناثرة منها جائزة من نادي القصة. في حقيبة يدي الضخمة عدة هويات: بطاقتي الشخصية، كارنية نقابة الصحفيين. وفي جعبتي هويات كثيرة قديمة لورش السيكودراما، واعداد ممثل، ورصد إعلامي، وأنشطة مؤسسة المرأة الجديدة، ودبلومة من معهد النقد الفني بأكاديمية الفنون. كلها أشياء صغيرة [لاحظ كل هذه الهويات التي كونت، ومازالت تكون، ذات الكاتبة، وأعطتها خبراتها في الحياة والكتابة، وأيضًا في تقبل الحنين دون ضجيج] ربما لن يتبقى منها ومني سوى مجموعة قصصية وتشكيلية بعنوان معراج صدرت منذ ثلاثة أعوام، وتجربتي الثانية بين أيديكم الآن [لاحظ أنها تعترف أن الكتابة هي تجربتها والحدث الوحيد الباقي، وهذا فقط هو الشيء المشترك بين الجميع على السواء على اختلاف تجاربهم وإيديولوجيتهم]. إن هذه السيرة عن سمر نور وطريقة كتابتها هي المفتتح الأساسي إلى عالمها القصصي في مجموعتها بريق لا يحتمل، الصادرة في القاهرة عام 2008 عن دار ملامح. دار ملامح، تلك الدار الشابة الطموحة التي أصبح لها بصمة مميزة في عالم النشر إبتداءً من الغلاف المختلف للفنان عمرو مصطفى، إلى قطع الطباعة ونوع الورق المستخدم. لقد كانت العلاقة بين الجسد والروح متصارعة في العديد من القصص، منها: بريق لا يحتمل، شال أخضر، وجسد الأرض العاري؛ حيث هناك رغبة دائمة، في أغلب القصص، أن تتحرر الروح ولكن الجسد يُعيقها عن تحقيق هذا مما يخلق، دائمًا، حربًا بينهما، ويجعل: الصورة لوجه بلا جسد، والليلة لجسد سأمت من ألمه الروح. ص 35 لقد كان الحنين دائمًا حاضرًا في العديد من القصص منها: بيت ومدفأة، شاي العصارى، منذ خرجنا من الكهف... إلى أن عدنا من جديد. حتى تحول هذا الحنين إلى خوف على الذكريات حيث يقول العجوز، ص76: كنت أقابل شخصيات مختلفة جعلتني أخاف على ذكرياتي الساكنة في حنايا المكان. لقد قدمت لنا سمر نور في زمن الرواية مجموعة قصصية تمتلئ بالعديد من المشاعر الحية لكل شخوصها وحنينها الدائم إلى الأفضل. *** *** *** |
|
|