|
رابطة
العقلانيِّين العرب بدعوة من صادق
جلال العظم وجورج طرابيشي ورجاء بن سلامة
وعزيز العظمة ومحمد عبد المطَّلب الهوني،
وبحضور مجموعة من المثقفين العرب، انعقد
مؤتمرُ رابطة
العقلانيين العرب
بباريس من 24 إلى 27 تشرين الثاني/نوڤمبر 2007،
وتمخَّض عن الورقة التأسيسية التالية: شَهِدَ
العالمُ العربي، منذ هزيمة
حزيران/يونيو 1967 خاصة، تحولاتٍ اجتماعيةً
ارتكاسية، من مظاهرها: الإجهاز على المنجزات
الحداثية التي سبقتْ مرحلةَ الاستقلال
الوطني أو تلتْها مباشرة، وصعود التيارات
الإسلاموية التي تكفِّر الفكرَ والمعرفةَ
والإبداع، والتراجع المتصاعد لدور المثقَّف
النقدي إلى تخوم الاستقالة والتلاشي. وتمثِّل ولادةُ
رابطة العقلانيين العرب،
التي تعلن عنها هذه الورقةُ التأسيسية،
تلبيةً لحاجة تُمليها الوقائعُ المعيشةُ
اليوم في العالم العربي. ذلك أنَّها تدعو
لإعادة الاعتبار إلى الثقافة النقدية،
وتتطلَّع إلى مجتمع بديل، متحرِّر من تديين
السياسة وتسييس الدين، ومنعتق من العموميات
الإيديولوجية اللاَّعقلانية التي تذيب جميع
القضايا في شعارات دينية مبهمة (مثل: "الدولة
الإسلامية"، "المجتمع المسلم"، "الاقتصاد
المسلم"، إلخ) – وهي كلها على مَبعدة شاسعة
من روح العصر وأفكاره وقيمه. إن المطروح على
جدول الأعمال اليوم هو ضرورة السعي إلى تفسير
الخراب العربي بأدوات عقلانية، والسعي،
في موازاة ذلك، إلى إعادة بناء ما تخرَّب
بوسائل عقلانية – وهي وسائل كانت أخذت
بها الشعوبُ التي نأتْ بمصيرها عن المصائر
العربية. والمطلوب، في الحالين معًا، رفض
اللاَّعقلانية التي تحكم العالم العربي
اليوم في مجالات السياسة والقانون والاقتصاد
والتعليم والموروث والقيم الثقافية
الإنسانية إلخ. فقد أفضى تعميم
اللاَّعقلانية، سياسيًّا واجتماعيًّا، بعد
مرور عقود عدة على هزيمة 1967، إلى إلغاء
الحريات المختلفة، وتبرير الجهل والتخلف،
وتوسيع الاستبدادَين السياسي والدِّيني،
وصولاً إلى المجانسة بين الشعب المهزوم
والسلطة القروسطية. تمثِّل العقلانية
التي تقول بها رابطة
العقلانيين العرب مطلبًا
مركزيًّا من مطالب الحداثة التي تقوم، في
جُملة الأسُس التي تقوم عليها، على العَلمانية
والمجتمع المدني ودولة القانون وحقوق
المواطَنة، الاقتصادية والسياسية
والثقافية والتعليمية والمدنية. وتُولي رابطة
العقلانيين العرب، من هذا
المنظور العقلاني، أهميةً خاصةً للـعَلمانية،
التي لا يجوز أن تُختزَل إلى ثنائية الإيمان
والإلحاد، ولا أن تُختصَر إلى إيديولوجيا
مكتفية بذاتها – ذلك أنَّها سيرورة
اجتماعية متصاعدة، غايتها فرد مستقل،
قادر على التفكير الحر، ومجتمع
ديموقراطي حر، قائم على تعاقُد اجتماعي
بين أفراد أحرار. وهي في هذا تدعو إلى فصل
المجال الديني عن مجال الدولة والسياسة
والقانون؛ كما تدعو إلى حرية الضمير،
من حيث إنها تشمل حرية الاعتقاد وعدم
الاعتقاد، وحرية الرأي والتعبير، والأخذ بما
جاءت به "شرعة حقوق الإنسان" المعترَف
بها دوليًّا. فللدين حيِّز خاصٌّ به، من حقِّ
البشر التعامل معه بتصورات مختلفة؛ وللسياسة
والقانون وفروع المعرفة والآداب والفنون
والإبداع عمومًا مجالات خاصة بها، مستقلَّة
في تصوراتها ومعاييرها الاستقلالَ كلَّه عن
الإيديولوجيات والتصورات الدينية. وبسبب من ذلك،
لا تنطلق سيرورة الحداثة من الجماعة والجموع
المتجانسة، بل من الفردية المستقلَّة
الحرَّة التي تعترف بغيرها ويعترف غيرُها بها.
ومن حقِّ المرأة، والحال هذه، أن تتمتع
بالمساواة التامة مع الرجل في مجال الحقوق
والحرِّيات، بما يؤكِّدها مواطنًا
مستقلاًّ، متكامل الحقوق. ومن هذا
المنظور نفسه، تؤكِّد رابطة
العقلانيين العرب أن مختلف
أنماط التعددية التي يشتمل عليها العالم
العربي، من إثنية ودينية وثقافية، إنما ينبغي
أن تقوم على مبدأي المواطَنة الواحدة والمساواة
التامة، بعيدًا عن كلِّ تصوُّر مجزوء يمحو
حقوق المواطَنة بمصطلحات غائمة أو بدائية،
مثل "الأقلية" و"الأكثرية" وروابط
الدم والأواصر الأُسرية والقبلية والطائفية. تنطلق الرابطة
من معطيات قريبة أنجزها "النهضويون"
العرب، وإنْ في شكل مجزوء، ومن موروث عربيٍّ
سالف، له إسهاماته العقلانية المتعدِّدة؛
كما أنَّها تستند إلى معطيات الحضارة
الإنسانية التي أعطت المجتمعَ الإنسانيَّ
المعاصرَ إنجازاتِه المنيرةَ في الحقول
جميعًا. وتتوجَّه الرابطة،
التي اتَّخذت من الأوان (من أجل ثقافة
عقلانية، علمانية، تنويرية) موقعًا
إعلاميًّا لها على الإنترنت[*]،
إلى جميع المثقَّفين المحتجِّين على تدهوُر
الوضع في العالم العربي، ممَّن يشاركونها
الاعتقاد بدور العقل الفاعل وبوظيفة الثقافة
النقدية، لكي يغذُّوا موقعها الإلكتروني
ومنشوراتها بإسهاماتهم ونتاجاتهم. فهي لا
تحتكر القول، ولا تدَّعي الأسبقية في شيء؛
ذلك أنَّها وجه لجهود مختلفة، حاضرة وقديمة،
حلمت – ولا تزال – بمجتمع يحتكم إلى العقل
ويتطلَّع إلى الحرية والمساواة. ***
*** ***
|
|
|