|
وللصَّـيدلَـة
أخـلاقـيَّاتُـها تبدأ
القصةُ مع زِفْس Zeus، كبير آلهة الميثولوجيا الإغريقية
والحاكم المطلق لجبل أولمپوس Olympus. وقد كان لزفس ابنٌ يُدعى أپولون Apollo،
وهو بدوره إله يتمتع بقدرات عدة، حتى عُرِفَ
بإله النبوءات والموسيقى والطب. وكان لأپولون
ابنٌ اسمه أسكليپيوس Aesclepius الذي
عُرِفَ إلهًا للطب. إلا أن أسكليپيوس اقترف
خطأً جسيمًا، إذ أعاد إحياءَ إنسانٍ لقاءَ
حفنةٍ من مال، فعاقَبَه والدُه زفس بأن
صَعَقَه بصاعقة، فحوَّله إلى كوكبة نجوم. على إثر ذلك، شيد الناس معبدًا
لتكريم أسكليپيوس. وسرعان ما وجدت بعض
الأفاعي غير المؤذية طريقها إلى المعبد، حيث
كانت تكمن هامدةً بلا حراك حتى لتبدو وكأنها
ميتة؛ إلا أن الحياة كانت تُبعَث فيها حالما
يلتقطها بشري ويلقي بها أرضًا فتتلوى هاربة.
وكان الاعتقاد السائد أن أسكليپيوس هو الذي
يحييها بعد مماتها؛ لكن الحقيقة كانت خلاف
ذلك. فقد كانت لأسكليپيوس ابنةٌ اسمها هيجيا Hygeia،
إلهة الصحة، كانت مسؤولةً عن العناية بالمعبد
وخدمته. وعلى مرِّ الأيام، صار يُرمَز إليها
بفتاة تحمل كأسًا وتلتف حول يدها أفعى. وهذه
الكأس، كأس هيجيا، ارتبطت ارتباطًا مباشرًا
بمهنة الصيدلة منذ العام 1796. إن مهنة الصيدلة مهنة تُعنى
بالصحة وباكتشاف الأدوية والعقاقير وتطويرها
وتصنيعها وتسويقها. وعلى الصيدلي أن يحصل على
تأهيل علميٍّ يخوِّله تحضيرَ الأدوية
الموصوفة وصرفَها. فكل دواء هو سمٌّ في جرعات
صغيرة؛ وهذا ما يرمز إليه وجودُ فم الأفعى في
كأس هيجيا. في القرن الثالث ق م، جاء
العالِم هيروفيلوس Hierophilus، ليقول بأن العقاقير والأدوية هي أيادي
الآلهة على الأرض؛ وهذه مقولة قد تجد صدًى لها
في عصرنا هذا: فالصيادلة هم مهنيون يُعنَون
بالصحة، وهم، بطريقة أو بأخرى، يساعدون "المستهلك"
على استخدام الأدوية استخدامًا فعالاً
وسليمًا. إنهم يعملون في خدمة المرضى، إلى
جانب الأطباء والممرضين وسائر العاملين في
حقل الصحة، كجزء من فريق متكامل للعناية
بالنواحي الصحية. في لبنان، كثيرًا ما يختار "المستهلك"
(أو المريض في هذه الحالة) اللجوء إلى
الصيدلاني لاستشارته في أمرِ مرض أصابَه أو
علَّة ألمَّتْ به وللحصول على وصفة طبية
شافية. وبدافع الطيبة والرغبة في خدمة
الآخرين، قد يسعى الصيدلاني إلى تقديم النصح
أو الدواء بينما قد يُحجِم صيدلاني آخر،
بدافع ضميره المهني، عن إصدار وصفة طبية،
فيختار أن يوجِّه المريضَ إلى طبيب اختصاصي.
وقد يرتئي بعض الصيادلة أن يبيع الدواء بسعر
معيَّن، بينما يختار سواهم أن يبيع الدواء
عينه بسعر أقل أو أكثر. قد يتجرأ بعض الصيادلة
على تقديم المشورة للمرضى وتشخيص بعض الأمراض،
وبخاصة للَّذين ضاقت بهم سُبُلُ الحياة
وتعذَّرتْ عليهم زيارةُ طبيب اختصاصي،
فوجدوا الملاذَ والحلَّ عند صيدلاني لطيف
وخدوم. ويبقى السؤال: كيف يتصرف
الصيدلاني ذو الضمير المهني الحي؟ ولِمَ لم
يُكتَبْ بعدُ قانونٌ يحدد الأخلاق المهنية
المطلوب من الصيدلاني التزامها على غرار
قانون الأخلاق الطبية الذي يحكم مهنة الطب؟
النقطة المحورية هنا هي أن على الصيدلاني
ومساعديه مسؤوليةَ توزيع الدواء توزيعًا
سليمًا يرضي الضمير، وعليهم أن يتصرفوا بضمير
مهنيٍّ يراعي مصلحة المريض والمجتمع. إنهم
يضطلعون بمسؤوليةٍ حيال المريض والمهنة، كما
حيال المسؤولين عمومًا. ويجب أن يكون هذا كله
واضحًا ومفصلاً في قانون للأخلاق المهنية deontology التي تُعنى بالصيدلة؛ ويكون
هدف قانون كهذا توجيه الصيادلة في ممارسة
مهنتهم والوفاء بمسؤولياتهم الأساسية
واحترام القيم الجوهرية التي تتحكم في مهنتهم. *** *** *** عن النهار،
الأربعاء 22 تشرين الثاني 2006 [1] د. تاليا العراوي من الهيئة
الوطنية الصحية الاجتماعية، لبنان.
|
|
|