|
مئة
وخمسون سنة على صدور أوراق
العشب هذا
ليس كتابًا لأن مَن يلمسه يلمس إنسانًا أوهايو...
في العام 1855، بعد محاولات عدة فاشلة، تمكَّن
الشاعر الأمريكي والت ويتمان Walt
Whitman من العثور على
مطبعة صغيرة في بروكلين، وافَقَ صاحبُها على
طباعة مجلَّد شعري صغير له، في خمس وتسعين
صفحة، يضم اثنتي عشرة قصيدة تحت عنوان أوراق
العشب. هذه المجموعة لم تحظَ آنذاك سوى
بقليل من التعليق والنقد، معظمه سلبي إلى
حدِّ التسفيه والقدح، لكنها أضحت في ما بعد
"إنجيل" أمريكا الجديد، وصاحبُها نبيَّ
الأخوَّة والديموقراطية. وقد انصرف ويتمان
طوال حياته، بدلاً من تأليف كتب جديدة، إلى
مواصلة العمل على تلك المجموعة وتطويرها،
مضيفًا إليها الجديدَ من القصائد ومنقِّحًا
القديمَ منها، لتتوالى طبعاتُها على مدى سبعة
وثلاثين عامًا في تسعة إصدارات مختلفة، آخرها
كان في العام 1892، أي عام وفاة الشاعر، لتتجاوز
صفحاتُها الأربعمائة. غلاف الطبعة الأولى (1855) من أوراق العشب واليوم، بعد مرور قرن ونصف
القرن على إصدارها الأول، من المفيد إعادة
قراءة هذا العمل الخلاَّق في ضوء الحاضر،
والغوص من جديد في منجزات هذا الأثر الفني
الذي به، على حدِّ قول عزرا پاوند، "كَسَرَ
ويتمان ظَهْر الوزن التقليدي"، ومنه انطلق
"قرعُ الطبول" الأولى ليبشِّر بولادة قصيدة
النثر الحديثة، وليفتح الدرب أمام تجارب
عدة أعقبتْه وزلزلتْ عالم الشعر شكلاً
ومضمونًا. يستدعي تأمل هذا العمل،
أولاً، الإحاطةَ بالظروف الموضوعية
والتاريخية التي رافقت حياة ويتمان وساهمت في
تبلور أفكاره ومفاهيمه وفي صوغ تجربته
الشعرية؛ وثانيًا، الوقوفَ على طبيعة رؤية
النقد إليه، منذ صدوره حتى يومنا الحاضر، في
سياق تاريخي يلقي الضوء على ما شهدتْه
الحياةُ الأمريكية من تغيرات وتطورات على
مختلف الأصعدة، وعلى تأثير هذا العمل في مسار
الشعر الحديث، ومدى أهميته وفاعليته في تجارب
بعض شعراء الحداثة، الأمريكيين والعالميين؛
وثالثًا، محاولةَ نقل صورة حيَّة لبعض
انفعالات القارئ المعاصر ومشاعره وبعض
مواقفه النقدية حيال أشعار ويتمان اليوم. *** ما
من صديق لي يرتاح في كرسيي/ ليس لي كرسي ولا
كنيسة ولا فلسفة. والت
ويتمان والت ويتمان – هذا "الشاعر
الأشيب الطيب" the
Good Gray Poet، بحسب تسمية
وليم أوكونور له، هذا البوهيمي الريفي الذي
لا يخلو سلوكُه من الفظاظة ولا مظهرُه من
الخشونة – لم يكن ليخطر في باله قط، وهو يخطو
خطواته الأولى نحو عالم الأدب والشعر، أن
أمريكا لم تحظَ قبله بأيِّ شاعر تجري في
كتاباته دماءُ رجل "عادي" مثله! والت
ويتمان (1819-1892) صوت الطبيعة
الباكية ولد ويتمان في بلد بريٍّ،
فجٍّ، كان لا يزال في طور البحث عن هويته. شهد
في شبابه شباب أمريكا العاصف المتبجح، وهو
يتخبط في طريقه نحو حرب مغامِرة، وعايش أيضًا
مرحلة نزوح هذه الأمَّة نحو الفكر البراغماتي
المادي، ومرحلة عمرانها وتحوُّل مجتمعها
مجتمعًا مدينيًّا صناعيًّا، مستقلاً
ومستقرًّا. وعليه، فإن ثمة علاقةً حميمة نشأت
بينهما، بين إنتاجه وإنتاجها: لذا فإن النقد
الأمريكي اليوم لا يني ينظر إلى أوراق العشب
بوصفها قصيدة أمريكا الأصيلة، وإلى
أمريكا بوصفها قصيدتها الأصيلة. لكن مجموعة
كهذه، جاءت شاذة – قلبًا وقالبًا – عن نماذج
عصرها، ما كانت لتحظى من نعمة النقد آنذاك
بغير اللعنة! إن ليبرالية أفكار ويتمان، وعدم
مجاراة شعره لما كان سائدًا في عصره من مفاهيم
عامة تتعلق بآداب السلوك والحس الجمالي "السليم"،
إضافة إلى عفوية أسلوبه النائي عن النموذج
الفكتوري المتسم بالتكلف والفخامة والزخرفة
والتقعر اللغوي، جعلت منه أضحوكةً أدبية لا
أكثر، وعرضةً لقدح نقاد عصره وشعراء صالوناته.
ولكونه ينحدر من الطبقة العاملة، وليس من
النخبة المثقفة، لم يكن في نظر النقاد حينذاك
سوى دخيل، متعدٍّ على عالم الأدب والشعر، لا
بل "معتوه"، بحسب ما جاء في تعليق صحيفة London
Critique، "لا يفقه من أصول
الفن أكثر مما يفقه الخنزير من علم الرياضيات"! ليست مستغربةً بالطبع
شراسةُ انقضاض النقد على فريسة دسمة كهذه! فقد
عاش ويتمان في زمن تقليدي، محافظ، قاسٍ،
مزدوج المعايير إلى حدٍّ جعل شاعرةً كبيرة
كإميلي دِكِنْسون، معاصرة له ومنحرفة
جنسيًّا (مثله؟)، تجهر بالقول إنها "لم
تقرأه لأن ثمة مَن أخبرها أن شعره مشين"!
علينا أن نتخيل فقط كيف أطبق أرسطوقراطيو
عصره بأصابعهم على أنوفهم وهم يقرأون بيته
الشعري القائل: "إنَّ رائحة هذين الإبطين
لهي أريج أعبق من الصلاة". وهل ثمة ما هو
أفظع من أن يشبَّه شعرُه بـ"القيء"؟! غير
أن ما قوَّى عزيمة ويتمان على الاستمرار في
إطلاق "صرخته الهمجية فوق سطوح العالم"
هو ما جاء على لسان الشاعر والفيلسوف الألمعي
رالف والدو إمرسون: "أحييك وأنت تبدأ حياةً
أدبية عظيمة." الزمن وحرباء
النقد مع مرور الوقت وتوالي
الإصدارات من مجموعة ويتمان، فإن النقد لم
يبقَ على حاله، بل راح يتخذ منحًى أكثر
تعاطفًا مع تجربته الشعرية. وبعد موته بوقت
قصير، كأنما تعويضًا عن الإهمال الذي لحق به
في حياته، بدأ النقد ينكبُّ على دراسة أشعاره
وسيرة حياته. وعمومًا، فإنه تركَّز على أربعة
من وجوه ويتمان: كمجدد في الكتابة الشعرية،
كمختبر للُّغة، كشاعر للديموقراطية، وكنبيٍّ
للذات. وبدا أن ثمة إجماعًا على كون ويتمان
الشاعر الأمريكي الوحيد الذي استعان بأشياء
وعناصر من الحياة والطبيعة، أصيلة، فطرية،
شعبية، نافحًا فيها من روحه الشعرية ومن
وجدانه الأصيل، إلى حدٍّ يتعذر معه الفصلُ
بين حياته وأشعاره. فهو القائل: "يا رفيقي،
هذا ليس كتابًا/ مَن يلمسه يلمس إنسانًا". لقد بات ويتمان في نظر النقد
شاعر البشرية جمعاء. إذ إن محبته
اللامشروطة لم تستثنِ أحدًا، ولا عاهرة حتى
(راجع قصيدته "إلى مومس عمومية"). وإضافة
إلى اعتباره شاعر الواقعية والحقائق
والرفاقية الديموقراطية (راجع "لأجلك يا
ديموقراطية")، فقد بات يُنظَر إليه أيضًا
بوصفه شاعرًا رائيًا، ليس لأنه يرى إلى
المستقبل فحسب، بل لأنه يرى إلى الحاضر
أيضًا، وإلى عمق الأشياء من حوله، حتى
لتتبدَّى له معجزاتُها الصغيرة. تبنَّى ويتمان في كتاباته
رؤية "حيوية"، قدسية، إلى الجنس: فهو لم
يتناول الجنس كوسيلة جسدية رومانسية للتعبير
عن الوجدان العاطفي، بل كموضوع حياة وكطاقة
تستفز الوعي والمعرفة لدى الإنسان (راجع
قصيدة "أغنِّي الجسد المكهرب"). والواقع
أن المنحى الراديكالي الذي اتخذه ويتمان،
شعريًّا وفلسفيًّا، لم يتسم بمستوى الجرأة
نفسه في ما يخص الجنس. فأشعاره، حين تتناول
الموضوع الجنسي، تتحاشى تحديد جنس الحبيب،
حتى ليبدو محتواها أندروجينيًّا (خنثويًّا)
إلى حدٍّ ما. وبالنظر إلى كلِّ ما تقدم،
كان من البديهي أن كتابة شعرية كهذه، مندفعة
بنَفَس جديد من رئة جديدة، لا بدَّ أن تحتاج
إلى جسد لغوي جديد أيضًا، يستوعب أفقَها
الإنساني اللامحدود ويُخرِجها من حدود
القافية والوزن والقوالب الشعرية الجاهزة
إلى فضاء الكتابة الحرة الرحب. كان من البديهي
لروح شعرية كونية شمولية، تجسِّد أمريكا
بوصفها مزيجًا من حضارات الشعوب، أن تتشرَّع
على احتمالات جديدة لخلق نموذج كوسموپوليتي
للتعبير عن الذات. لم ينتمِ ويتمان طوال حياته
إلى كنيسة خارج ذاته وشعره. في نظره، كلُّ ما
في الطبيعة والحياة مقدس، وليس الله وحده.
كذلك لم يكن مسكونًا بنوستالجيا الماضي:
فقصائده لم تعرف وجهة لها غير "الأمام"،
في حركة تستدعي نهوض الإنسان من حاضره وواقعه.
"آدم" ويتمان الجديد يبدأ من نفسه، يخلق
نفسه أولاً، ثم موطنه. اكتشاف الماضي والعودة
إلى الأصل هما، في نظره، طريقان ينحدران إلى
أرض الأموات. وإننا لنتساءل: هل كان "آدم"
ويتمان، المنشغل بكيفية الارتقاء بنفسه إلى
معرفة تتجاوز في عمقها معرفة الأصل والفصل،
أكثر "تقدمية" و"تحضرًا" من "آدم"
اليوم التائه، الذي لا يستقيم لوجوده معنى
خارج حدود الهوية والجذور والانتماء؟! أرسطوقراطي
الروح كان ويتمان موضع تقدير كبار
شعراء القرن العشرين في إنكلترا. فقد اعتبر
سوينبُرن أن عظمة ويتمان توازي عظمة وليم
بليك. لكنه لم يحظَ بالتقدير نفسه من اثنين من
أكبر شعراء أمريكا: ت.س. إليوت وعزرا پاوند.
وليس سرًّا أن أناشيد پاوند ورباعيات
إليوت لم تخلُ جذورُهما من نسغ ويتمان
الواضح؛ لكن مقت هذين الشاعرين للحرية
الأمريكية، بكلِّ إيديولوجياتها ورموزها
الوطنية وصانعي أحلامها، هو ما دفعهما إلى
التقليل من شأن ويتمان وإنجازاته الشعرية. من
جهة أخرى، ثمة بين شعراء الحداثة من تأثروا
بويتمان، وأبرزهم: هارت كرين وديفيد هربرت
لورنس وديلان توماس. فهؤلاء، على الرغم من
البون الشاسع بين أساليبهم الشعرية، شربوا
جميعهم من النبع نفسه، فجَمَعَهم بويتمان من
المميزات الشعرية ما فرَّق بينهم. اعتبر د.هـ. لورنس أن "ويتمان
أعظم شعراء الحداثة في أمريكا، وأنه ليس
أرسطوقراطي المنشأ، بل أرسطوقراطي الروح،
وأن الأمريكيين لا يستحقونه". ومما قاله
هنري ميللر في ويتمان: "أنا لم أفهم أبدًا
لماذا وجبت تسميتُه "الشاعر الأشيب الطيب"،
في حين أن لون لغته، مزاجه، كيانه برمته، هو
الأزرق المثير." وهو يعلِّق في مكان آخر أن
"ويتمان لم يكن إطلاقًا "شاعر الجماهير"،
بل كان نائيًا عنهم كقديس عن أعضاء كنيسة".
وأعلن پابلو نيرودا قائلاً: "على الرغم من
أن لساني إسباني، غير أن والت ويتمان علَّمني
أكثر من ثربانتس إسبانيا." بعض النقاد
الأمريكيين اعتبروا أن سعي ويتمان إلى إعادة
تعريف الطبيعة الجنسية وماهية الجسد هما من
الأسباب التي جعلتْه لاحقًا مثالاً أعلى
يحتذيه بعض المثليين والمثليات جنسيًّا في
عالم الأدب والفن، أمريكيًّا وعالميًّا؛
ومنهم الشاعر الأمريكي آلن غينسبرغ، الذي كتب
فيه قصيدته الشهيرة "سوپرماركت في
كاليفورنيا"، وفيها تحسَّر على حلم أمريكا
الضائع – "حلم" ويتمان الذي أضحى "كابوس"
غينسبرغ. الكتَّاب السود في أمريكا أيضًا
تأثروا بويتمان، وعملوا على تبنِّي نموذجه
الشعري وتوظيفه في صراعهم ضد التفرقة
العنصرية والامتيازات الاقتصادية. من جهة أخرى، لم يخلُ النقد
الأمريكي بتاتًا من بعض المآخذ السلبية على
تجربة ويتمان. فالشاعر الأمريكي وليم كارلوس
وليامس، على سبيل المثال، أشاد بعبقرية
ويتمان لكونه تنبَّه، منذ البداية، إلى أن
مشكلة الشعر تكمن أساسًا في الشكل وفي
التقنية واللغة؛ غير أنه لاحظ أن جهود ويتمان
لم تستمر في التركيز على اللغة والشكل
والمفردات، بل انشغلت عنها لاحقًا بالتركيز
على المضمون الشعري ورسالته الإنسانية عن
الديموقراطية. وعليه، فإن تأثير ويتمان على
شعراء الحداثة فاقت مفاعيلُه النظرية
والفكرية المفاعيلَ اللغوية. الناقد لويس
تركو أيضًا قدَّر ويتمان لأفكاره الشعرية،
غير أنه في ما يخص شكل القصيدة ومساهمة ويتمان
في تحرير البيت الشعري، أصرَّ على أن ويتمان
لم يبتكر جديدًا؛ إذ إن الكلدان سبقوه إلى ذلك
في ملحمة جلجامش منذ بدء التاريخ! مزيد... مزيد... كتب ويتمان شعرًا متفائلاً
يفيض ببهجة الحياة، تتبدَّى فيه عناصر الكون
والطبيعة كلها متساويةَ القيمة والأهمية
ومندفعةً، على الرغم من تناقضاتها، للتلاقي
في نقطة مركزية يصدح منها اللحنُ الهارموني
الأبدي للأمل. شغفه اللانهائي بالحياة علَّمه
درسًا عميقًا في القبول، لا في الإيثار
ولا في الرفض، مما جعله بالغ الرضا بغموض
الأشياء من حوله، إلى درجة تَجاهُله التام
للفروق في ما بينها: بين ما هو شخصي ولاشخصي،
غرائزي وروحاني، ظاهري وباطني. لكن هل يمكن لنا اليوم
إنكارُ الطبيعة الثنوية لكلِّ ما في الوجود؟
هل يمكن لنا الفصل بين حياة الإنسان الداخلية
والخارجية، وتجاهُل الصراع الذي يجعل قيمة
الحياة نفسها موضع شكٍّ دائم؟ لعل ما قاله الشاعر
الأمريكي پول زفايغ يجسِّد تمامًا طبيعة
وَقْع أشعار ويتمان اليوم في نفس القارئ
المعاصر، ومفاده أن "قارئ ويتمان اليوم لا
يراه سوى في الشوارع أو في صالات الأوپرا،
ونادرًا ما يزوره في بيته! يسمعه في افتتاحية
صحافية، لكن قلما يشاركه في مناقشة أو محادثة!"
خلوُّ أشعار ويتمان من الدراما والسرد يجعلها
تبدو كمتفرج أو متأمل أو عابر سبيل يكتفي
بمراقبة الأشياء من الخارج دون أن يتملَّكه
فضولٌ في معرفة ما يجري خلف أبوابها الموصدة.
ولأن القارئ المعاصر لا يساوم على فضوله
أبدًا، فهو اليوم يفتقد لدى ويتمان،
المتستِّر على حياته الجنسية، المتملِّص من
الإجابة بالسؤال، المتخفِّي بجلد الحقيقة عن
حقيقة جلده، تلك الحميمية في التعبير عن
الذات، وتلك الخصوصية التي باتت شرطًا
ضروريًّا لإشباع الفضول والرغبات، ليس فقط في
ما يخص علاقة القارئ بالنصِّ، بل في ما يخص
علاقة الإنسان المعاصر بمختلف مجالات الحياة
أيضًا. لقد باتت حياة الأديب أو
الفنان "الخاصة" سلعةً استهلاكية تضاف
هي الأخرى إلى هذه السوق الهائلة الجشعة
الفاغرة شدقيها أبدًا، التي ما عادت لتميِّز
في إشباع رغباتها بين سلع ضرورية وكماليات.
مزيد... مزيد... – هذا أقل ما يريده الإنسان
المعاصر! وفي حين كان ويتمان يعبُر شوارع
مانهاتن كشبح، كحلم، كسراب، مسترقًا السمع
إلى الطبيعة والأشياء من حوله، فإن الشاعر
الأمريكي المعاصر لم يعد يكتفي اليوم بمراقبة
اللعبة من خلال مروره العابر أو إصاخة أذنيه
فقط، بل غدا طرفًا فاعلاً فيها. وفي حين كانت
المرأة، مثلاً، بالأمس، في قصيدة ويتمان،
تراقب عبر النافذة مجموعة رجال يسبحون عراة،
بات اليوم في متناول خيالها وجسدها وروحها
وقلمها ما يفوق متعة التلصص بكثير. لهذه الأسباب مجتمعة، يبدو
في الحاضر من الصعب على الإنسان المعاصر – لا
بل من المحال – موافقة ويتمان على مقولته بأن
"ما أفترضه أنا ستفترضه أنت"! *** كرونولوجيا والت
ويتمان (1819-1892) 1819:
ولد والت ويتمان في بيت خشبي متواضع في ضاحية
من ضواحي لونغ آيلند في نيويورك، لأب يشقى في
سبيل لقمة العيش وأمٍّ لا تنقطع عن الدعاء
والصلاة. 1830:
انقطع عن الدراسة بعد إتمامه المرحلة
الابتدائية فقط، ليبدأ العمل في مهن متواضعة،
منظفًا في مطبعة، ثم منضدًا للحروف فيها. 1836-1839:
تمكن – هو شبه المتعلم – من أن يصبح معلِّمًا
في إحدى المدارس الريفية، وبدأ بنشر أولى
قصائده. 1838:
انصرف عن مهنة التعليم إلى مهنة الصحافة،
فاشترى مطبعة صغيرة في بلدته وبدأ بإصدار
صحيفة أسبوعية أطلق عليها اسم Long Islander.
وبعد عام واحد، قادتْه مغامرتُه هذه إلى
الإفلاس. 1846-1848:
شغل منصب رئيس تحرير صحيفة "نسر بروكلين"
Daily Eagle
مدة سنتين. انتقل بعدئذٍ إلى ولاية
لويزيانا للعمل في صحيفة "هلال نيو
أورليانز" The
Crescent.
وبعد أقل من ثلاثة أشهر، فُصِلَ من عمله
الجديد، ليعود أدراجه إلى نيويورك عبر رحلة
بحرية طويلة ظل يتذكرها طوال حياته. 1850-1855:
تفرغ كليًّا للكتابة الشعرية، وعلى مدى
السنوات الخمس اللاحقة، تجمَّع لديه العديدُ
من القصائد المختلفة عن كلِّ سابقاتها، في
جوهرها وتطلعاتها وأسلوبها. 1855:
صدرت الطبعة الأولى من ديوانه أوراق العشب
Leaves of Grass.
تلقَّاها النقاد كصفعة على وجوههم، فتباروا
في رشقها بأقذع الشتائم. ثلاث
طبعات إنكليزية معاصرة من أوراق العشب
وطبعة دار Gallimard
الفرنسية في سلسلة "شعر" 1860:
مع نشوب الحرب الأهلية، تطوع كممرض لمؤاساة
المرضى في المستشفيات. 1865:
صدرت له سلسلةُ قصائد جديدة بعنوان "قرع
الطبول" Drum-Taps،
تبعتْها سلسلةٌ أخرى مكمِّلة لها بعنوان "ملحق
بقرع الطبول" Memories of President Lincoln؛
ومما تضمنتْه الأخيرة قصيدتاه في رثاء الرئيس
أبراهام لنكولن اللتان تُعتبَران من أبرز
المراثي وأنبلها في اللغة الإنكليزية. 1871:
نشر أهم كتاباته النثرية، منها "أنشاد
ديموقراطية" Chants Democratic
و"عبور إلى الهند" Passage
to India. ومع صدور الطبعة
الخامسة من ديوانه في العام نفسه، تخطت
شهرتُه أرجاء القارة الأمريكية لتعبر البحار. أربع
طبعات من أوراق العشب في أربع لغات حية 1873:
أصيب بشلل نصفي نتيجة تعرُّضه لجلطة دماغية.
ذهب إلى مدينة كامدن في ولاية نيوجرسي ليعود
أمَّه المريضة؛ وبعد ثلاثة أيام من وصوله
توفيت. خسر عمله في صحيفة Washington
Post نتيجة سوء حالته
الصحية والنفسية. 1888:
تعرض لجلطة دماغية ثانية زادت من حساسية وضعه
الصحي وألزمتْه البيت والفراش. عاده في منزله
العديدُ من أبرز شعراء عصره الأمريكيين
والإنكليز. 1892:
صدرت الطبعة التاسعة والأخيرة من مجموعته
التي لُقِّبَتْ بـ"طبعة فراش الاحتضار"،
إضافة إلى مجموعة أعماله النثرية الكاملة.
وافتْه المنية في 26 آذار من العام نفسه من
جراء إصابته بداء ذات الرئة، ودُفِنَ في
كامدن. هكذا يُخلَّد العشب، ويموت
السنديان! ***
*** ***
|
|
|