|
ما بعد الحلم على قيد الحلم 1 من
الحلم أفرغُ ذاكرتي من هواء عتيق وأدعو
الزمان لفنجان قهوة وأبحث
بين القبائل عن كوب ماء. 2 شيئًا
فشيئًا أصير جناح الأمل وما
كنتَ يومًا سوى طائرٍ يغرِّد من دونِ سربٍ وأهتف:
يا أخوتي، لا تموتوا! وحيدَيْن،
أنا والسماءُ البعيدة، أحدِّقُ
في السُّورِ يَجحظُ
بي ويُدخلني في جنوني؟ 3 ليكن
في السماء نجومٌ وليكن
في السماء وجومي وليكن
ما يكون فقدتُ
ذراعيَّ في المعركةْ فقدتُ
المصابيح في ليلة مظلمةْ. 4 طائرٌ
يستبيح جناني وأنا
طائرٌ أفقد الكلَّ أو
نصفَه. 5 سأمشي
على حافة الحلم حافي القدمْ وأمشي
على جثَّتي هائمًا في
صحارى العدمْ. 6 وحيد
ويغمرني الناسُ بالحبِّ حينًا وحينًا بفوضى
الحواس تُرى
كم سأتلف ما يتبقَّى من الذكريات وفي غمضة
العين يجتاحني
ألفُ عام ويلتفُ
حولي حنيني إلى أول الخطو... أحبو
لأوصد بابًا يعلِّقني
تارة في المفاتيح أو يحتويني حنيني
إلى أبد الآبدينِ وجوعي
إلى أول الخطو... 7 أبوح
لها أو أبوح لِمَنْ قبلَها لا يهمُّ المهمُ
سأدرك أني مددت لها قبل ألفي عامٍ ذراعي ستذكرني
غاضبًا أو سأذكرها غاضبة كلانا
هو الوقتُ. 8 "لا
فرقُ بيني وبينكَ"، قالت. 9 الجراح
العميقة تطفو على الوجه. 10 قرب
نافذة نستردُّ المرايا ونستر
عوراتنا بالمناديلْ نشطر
كالإبل أقوالنا ونعيد
الصهيلْ. 11 في
الأزقة موتٌ يسمى إلهًا والقرابين
واثقةٌ من خطاها. 12 كالدمى
واقفون على عتبات المنازلْ نحدِّقُ
في الطائر المُتكسرِ حينًا وحينًا
نقاتلْ. 13 قالت:
"هو الوقت يستلُّ
أرغفة الفقراءِ" "هو
الوقت"، كرَّرتُها ساخرًا وودَّعتُها
ساخرًا، ربما... 14 هي
الوحدة الآن أرتشفُ
البرد من زفرات الكتب ومن
شهقات الـ"أنا" الغائرة. 15 يا
أنا المتوحِّد في الحلم يا
ذا الأنا ماذا
تعد لنا في مساءٍ كهذا هاتِ
سيجارتَيْ تبغ كي نحترق... 16 وأنا
عالقٌ في مهبِّ الحياةِ وأنا
شاحبٌ كالجبالِ شاهقٌ
كالنزيفِ أعيدُ
الورود لأصحابها الميتين وأقرأ
ما تيسَّر من سورة الصمتِ والفاتحة. 17 تمرُّ
المسافةُ من باب بيتي فأهرع
نحو اللقاء القريبِ تمرُّ
ولا تنتظرْ تموتُ
ولا تحتضرْ. 18 ألفُ
عامٍ وأنا عالق في المرايا لأرسم
وجهي من
أنايَ البعيدةِ أكتب شعرًا ومن
جوعها للتسكع في السوق لاهثة كالقصيدة. 19 طائر
آخر يقتفي سابقيهْ طائر
حائر مَن ترى سيليهْ؟ 20 يبحثُ
الآن عن الحَبِّ والحُبُّ ما
بيننا شَبَهٌ أو طِباق؟! 21 ألوِّنُ
بعض الرسومات كيلا يستبيح الرماديُّ بيتي ألوَّنُ
بعضَ الجهات لكيلا يموتَ بنا حلمنا فنموتَ تريثتُ أعدتُ
الجهاتِ إلى حيث كانت وعلَّقتُ
قنديل زيتٍ قبالة وجهي. 22 اللغاتُ
جهاتٌ توشوشني: "كيف حالُكَ؟" الحبيبة
تحبو على ساعدي والحبيبة
لم تشتهِ بشرًا أو
ملاكًا... 23 وأخرج
من أناي لأهتفَ أمشي
وأزحفُ متخذًا من غباري قناعًا ومن
وتري أجنحةْ. 24 نتالي،
حرابٌ تموج بغرناطةَ اليوم نتالي
تفتش عن وجه جدِّي لتبصرني خائبًا كرفاقي. 25 كالسفينة
أبحرتُ... أطوي المسافات طيًّا وأستلُّ
كالجند سيفي وتغمرني
لذةُ الوصل أندلسٌ
بانتظاري. 26 وتسألني:
"هل ستأتي؟" لم
أمتْ بعدُ لكنني
أحتضر كالنجوم
توشَّحتُ بالصمت كيلا
أغيِّر حجم الحقيبة. 27 تدافعتُ
حتى وصلتُ إلى آخر القولِ تزاحمتُ
حتى وصلتُ البداية. 28 فقدتُ
قرار رجوعي فعدت لأطوي ضلوعي وأعلن
في خطبة العرش انكساري. 29 قف
– يا غريبُ – لتذكرك العرباتُ السريعة قف
– يا غريبُ – لتختصر القول قل
ما تشاء عن الحلم قل
ما تشاء عن الوطن المستحيل وكن
كيفما كنت، اخضرَّ كالذاكرةْ سفينتك
الورقية... أذبلتْها الجراح وحان الوداع
الأخير لملمْ
جراحك كيلا يراها الجنود، وفي خفَّة أطلقِ
الضحكةَ الساخرةْ. 30 شاعر
آخرٌ ويفيض الألم شارع
آخر فأصير إلى أين؟ إلى
أول الخطو... إلى
أول الحلم... 31 الوحوش
تطارد صورتها في القصيدة غير
أن القصائد – مثلي – قتيلة. 32 وضعت
على الرأس إكليل شوك حملت
الصليب فلما وصلت إلى ساحة الصَّلب ما
صلبوني... تمالكتُ
حزني وكيلا
يراني أحدْ تركت
البلدْ. 33 قف،
الآن دوري لكي أتفلسف ثانية "من
أنا؟" من
تُرى سيبلِّل بالدمع أحزمتي، مَن تُرى؟ 34 كل
يوم يباشرني أرتعش أمازلتَ،
أيُّهذا الغريب، هنا؟ 35 لست
أعرفُ شعبًا بهذا التطرُّفِ يقتات
من موت أطفالنا ليته
يدرك الآن ما بنا! ألفُ
عامٍ من الشعر تعني مئاتَ القوافل في الباب قد تتفجرْ ومليونَ
طفلٍ من الموت أكبرْ. 36 ويا
ساعتي، كم تخونين، يا ساعتي؟ تأخرتِ
أكثر مما يقالُ من الشعر أكثرَ
مما يكون ممكنًا تأخرتِ
حتى ظننتُك متِّ. 37 أيها
المتكهِّفُ، ماذا ستتلو علينا؟ على
قيد حلم أتيتنا لنكسر
منع الحياة البطيئة يجتاحنا
اليأس كالجيش يبطش
حينًا وحينًا يُطِّيرُ أعناقنا كالمناديل. 38 المناديل
تعنى الغياب وتعني مزيدًا من الموت والموت
يعني الرجوع إلى الفقد ثانية والفقيدة
تعني فلسطين من أول الشوق حتى مداه والمدى
كاللغات يحاصرني كالغيابْ والغياب
عقيدةُ من لا سماء له أو ترابْ. 39 قف
الآن دوري لكي أتفلسفَ ثانية إنها
الوقتُ والساعة الآن واحدة في صباح الشتاء إنها
الليل يخطو على عتبات المنافي إنها
العرسُ ثانية والعروس شعاع من الأبيض المتوهج ينتابها
ألقًا كي أبوحَ – فهذي سمائي ورائي. فلسطين ***
*** ***
|
|
|