قراءة في كتاب

فلسفة البيئة

 

نبيل سلامة

 

لعلَّ من أجمل ما قرأت مما كُتِبَ عن البيئة هو كتاب فلسفة البيئة، من تأليف هنريك سكوليموفسكي (عضو هيئة معابر الاستشارية) وتعريب ديمتري أفييرينوس، وبتقديم للمهندس فايز فوق العادة، رئيس الجمعية الكونية السورية.

إننا، إذ نشارف عتبةً يتوقف عليها مصيرُنا، فإننا ندرك جيدًا، ونحن نعاين تلوث المحيطات والبحار والبحيرات، وجفاف بعض الأنهار وتلوث بعضها الآخر، واستهلاك الغابات من دون وازع، وإتلاف طبقة الأوزون، ناهيك عن التفجيرات النووية والنفايات الإشعاعية، إلى ما هنالك من صنوف تدمير البيئة – ندرك جيدًا أن مصير الكوكب يقع على عاتقنا. يقول بيتر راسل في كتابه صحوة الكرة الأرضية ما يلي:

إن امتلاك صورة إيجابية عن المستقبل لا يعني أننا يجب أن نحشو عقولنا بتفاؤلية ساذجة، ونستكين على أمل أننا سوف نكون بخير. في الواقع، إن البشرية تمر بأزمة حادة، وليس هناك أيُّ قانون من قوانين الطبيعة يقول بأننا سوف ننجو من هذه الأزمة بالضرورة. وحتى إذا كانت البشرية تمر بتجربة ذاك النوع من التحول الذي نتصوره هنا، فإن من شبه المؤكد أن المشاكل الراهنة سوف تصبح أكثر سوءًا على نحو مضطرد. وقد يكون علينا أن نسقط بعض التقلُّبات الأرضية الكبيرة جدًّا قبل ظهور مستوى جديد من التكامل بشكل نهائي.

أما سكوليموفسكي، الذي يحدِّثنا عن "الموت الأبيض" الذي بات يهدِّد البشرية جمعاء، خصوصًا بعد أن ظهرت آثارُه من خلال التسرُّب الإشعاعي لمُفاعِل تشيرنوبيل، فهو يتساءل: "أين هم الآن العلماء المسؤولون عن دفع ابتكارهم الشيطاني علينا جميعًا؟" – وهو يقصد الترسانات النووية التي تمتلكها الدول العظمى.

عند هذه العتبة التي تُشارفها البشرية، التي إذا ما تمَّ اجتيازُها إثر اختبارات قد تكون قاسية، فإنها ستشهد ولادة ما يسمِّيه سكوليموفسكي بـ"الإنسان الإيكولوجي": "فالتوازن الإيكولوجي يصبح جزءًا من التوازن الإنساني." وإن هذا الإنسان المزمع أن يولد سوف يعيد النظر في فنِّ المعمار. وفي هذا يقول سكوليموفسكي:

إن معمار نوعية الحياة لهو معمار يتحلَّى بالشجاعة على الاعتراف بالأبعاد الروحية المتعالية للبشر. فالنوعية تقيم في أمكنة تتحلَّى، عمدًا وعن سابق تصميم، بالخصائص والصفات المتعالية. وحُسْن الحال الماديِّ ليس حالاً مادية، بل حالٌ نفسية. (ص 136)

إن سكوليموفسكي يدعو إلى العناية بالبيئة، والعودة إلى الطبيعة، واعتبارنا جزءًا لا يتجزأ من الكوسموس. إن معاناة الإنسان الحالية ناجمة، في شكل أو في آخر، عن انفصاله عن الطبيعة وعيشه ضمن مدن ملوثة لا تساعد على تفتحه الروحي وتمجيده للقُدسيِّ فيه. وهكذا فإن العودة إلى الطبيعة تواكب عودةَ الإنسان إلى نفسه، والعناية بالبيئة تبدأ عندما يُعنى ببيئته الداخلية. فهو يذكر ما يلي:

يلوح لنا منطقيًّا وجودُ سياقين مختلفين منخرطين في الأمر: الإمعان في ارتياد العالم المادي، من جهة، والزوال البطيء للقيم الإنسانية الجوهرية، من جهة أخرى. (ص 29)

إذن، لا بدَّ لنا من العودة إلى هذه القيم، كالرحمة والمحبة والفضيلة والغيرية والتعاون إلخ. ومن ثمَّ فهو يعرض فلسفته الإيكولوجية، ويقارنها مع الفلسفة المعاصرة، من جهة، ويدرس تطور السياق الفلسفي في شكل عام، من جهة أخرى. ولكن، ما هي "الفلسفة الإيكولوجية" التي ينادي بها الكاتب؟ فلنستمع إلى سكوليموفسكي نفسه يعرِّف بها:

الفلسفة الإيكولوجية تعني إعلان السلام وصونه مع أنفسنا ومع الخليقة كلِّها. فما لم يتحقق هذا السلام، لن نتمكن من إنقاذ الأرض. إنقاذ الأرض هو الحملة الروحية المتمثلة في تصحيح مسار قيمنا وفلسفتنا، بحيث يكون لنا أن نحيا بسلام. فتلكم هي رسالتنا على الأرض. (الغلاف)

*** *** ***

 

المراجع

-        راسل، بيتر، صحوة الكرة الأرضية، بترجمة عدنان حسن، منشورات وزارة الثقافة في ج.ع.س.

-        سكوليموفسكي، هنريك، فلسفة البيئة، بتعريب ديمتري أفييرينوس، الأبجدية للنشر، دمشق.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود