|
من
"رحيل إلى البحر" إلى اللاحدود شهادة
على حافة الكتابة*
إياس
محسن حسن 1 قبل
أن تبلغ الثانية والعشرين من عمرك سيأتي
كائنٌ كبير، كبيرٌ جدًّا، أكبر حتَّى من
الفيل والشاحنة – وزير مثلاً – ؛ سيأتي
ويوقِّع على قرار يقضي بمنع كتابك الأوَّل
ومصادرته من المكتبات لأنَّك "قليل أدب".
ماذا إذًا؟ خارج
نوبات الإحباط، ستقف أمام المرآة – نعم، أمام
المرآة – وتتفرَّج على أسنانك المكشِّرة:
سيخصونك؟ سيشنقونك؟ سيصلبونك؟ سيصنعون لك
تمثالاً؟ سيهملونك كبعوضة؟ سـ...؟ ستقف،
وتحمل كتابَك بيُسراك، ليس إلا لتصافح
بيُمناك سلمان رشدي الخارج من المرآة. سيقف
أمامك. حزينًا، فخورًا، قلقًا، معتدًّا
بنفسك، خائفًا، محتجًّا ستكون، ربَّما
متصنِّعًا التواضع؛ وأما هو، فصامتًا، سيحار
فيما سيفعله بك، أو معك؛ ثمَّ لن يجد، بعد أن
يهرش رأسه، إلا أن يدعوك إلى اللعب بالكرات
الزجاجية في الحارة. من
أنت؟ ماذا كتبت؟ 2 أن
نكتب يعني أن نُبكي القارئ: "فانكا"
تشيخوف، "صندوق أمِّ سعيد" حورانيَّة، و"مهر"
شولوخوف، وغيرها كثيرات: سأكتب، وبالكلام
الإنشائي المدرسيِّ، سأقتلكم من البكاء،
قارئًا قارئًا، كما بكيت حين قرأتُها. أذكرها
كلَّها؟ لا جدوى. أذكر فقط أن النصوص –
الكتابات بالأحرى – مازالت في الدرج. أتركها
ليس إلا لتشهد إذا أنا يومًا ادَّعيت. لندعها
وشأنها، ولنذهب إلى البحر: في دمشق الحرائق[1]
مازال قلبي فاغرًا فاه بين الكابوس والحلم
والهلوسة والواقع. من دمشق الحرائق لا
يزال قلبي إلى البحر يرحل. لماذا
قرأت "رحيل إلى البحر"[2]،
دون غيرها، خمس مرات؟ لماذا أعدت وأعدت كتابة
رحيل إلى البحر؟ لماذا كنت، حين أصطدم بالحدث
الواقعي لحكايتي، أجدُني، كالسائر في نومه،
أهرب إلى البحر، عبر صورة مجنَّحة، قد تبتعد
عن النص، وقد تمتد على خمسة أسطر أو أكثر؟ لماذا،
حين أردت كتابة "إنسان"[3]،
كتبتُ "رحيلي إلى البحر"؟ هل كان عليَّ
حقًّا أن أفعل ليهدأ ذلك الطنين؟ تحدَّث
الروائي والناقد نبيل سليمان، في معرض تعليقه
على خرائط مدن محروقة، على "لحظةٍ
تامريَّة" واضحةٍ منذ مستهلِّ الكتاب. بين
نبيل سليمان وآخرين، بعداءٍ أم بمودَّة،
بنقدٍ أم بانتقاد، بحيادٍ أم بتجنٍّ، قيل: "خرائط
مدن محروقة" – زكريَّا تامر. كان
عليَّ، لأبرِّر وجودي، في الحياة قبل القصِّ،
أن أرفضهم جميعًا: أنا أنا، ولتذهبوا أنتم
وتامر إلى الجحيم! وكان عليَّ، لأجيب عن
أسئلتي، أن أقرأ "رحيل إلى البحر" أربع
مرَّات أخرى لأرى. أن
يستطيع النصُّ، بذاته، أن يكون راحلاً، فذلك
مدهش. أن يغادر أُطُرَ القصِّ ومنطق البدايات
والنهايات والغايات، فذلك مغوٍ. أن يجعل
اللغة مخلوقًا حيًّا متفجِّرًا في العالم
القصصيِّ، لا ناقلاً وحسب، فذلك خلق. أن تعيش
مخلوقاتُه، من شخوص ورواة وأزمنة وأمكنة، في
عالمها الحرِّ اللامحدود؛ أن تصنع النصَّ
بنفسها، بين ما يشبه الواقع وما يشبه الكابوس
وما يشبه الهلوسة، الهذيان، الحلم، فيما لا
يشبه إلا نفسه: فذلك نصٌّ، نصٌّ حر. كنت
إذًا أبحث عن حرِّيتي دون أن أعرف؛ فرحلت إلى
البحر – ولا أزال أرحل. 3 جيلٌ
جديد من القصَّاصين: إن لم يكن أبوك يملك
ثمانمئة دولار – ولا يملك عقلاً بالطبع ليقبل
بإعطائك إيَّاها – فهل سيجدي أن تلعق ما
ستلعق لتنشر كتابك الأول؟ جيلٌ
جديد من القصَّاصين: الناشر الخاصُّ غير مضطر
أبدًا للإفلاس بسبب أولاد مثلك. الناشر "العام"
لديه امرأة وأولاد، وغير مضطر أبدًا للمغامرة
بلقمتهم من أجل تنمية تجربتك القصصية
الشاذَّة. جيل
جديد من القصَّاصين: قصِّبْ نصَّك بنفسك، أو
اشغل نفسك بتنمية الفجل في الحديقة. منذ
أكثر من ثلاثين سنة قلبها رأسًا على عقب،
أعطاها روحها الجديدة: زكريَّا تامر اليوم –
جيلاً وليس شخصًا – في الواحدة والسبعين؛
وإذا قبلنا بعدم جدوى عقد ملتقى للجثث
القصصية المشمَّعة – إشارةً إلى بعض
الدوريات الأدبية السورية الرزينة – أو
للقيء – إشارة إلى غير الرزينة – فهل سيكون
الملتقى القادم بعد عشر سنوات عن الفجل في
سورية؟ 4 أحدهم
شتم إياس محسن حسن. بكيت ولم أقل لأحد. أحدهم
نَصَحَهُ بأبويَّة. تنغَّصتُ ولم أقل لأحد.
امتدحه أحدُهم بحماس. انتشيت ولم أقل لأحد. سأشكر
الرقيب إذًا – ولست متنصِّلاً مما قلت ـ أقول
ـ سأقول: لن يكون للخلق من أَلَقٍ قبل اختفاء
جثَّة ذلك الكائن الأشْوَه المتفسِّخ. ولأكن
مطلقًا حادًّا: كلُّ رقيب متسلِّط؛ وكلُّ
سلطة، مهما نَبُلَتْ غاياتُها، عدوَّة
للمخيِّلة: إن لم تطلق عليها النار، ففي أقصى
درجات تسامحها ستزرع لها سلكًا شائكًا في
مكان–محرَّم ما، ربما هامشي ومهمل، لكنه
شائك، لكنه حدٌّ أقصى. تلك المخيِّلة التي لا
تطلق على نفسها النار، حين تدرك أنَّها تعيش
في احتمال وجود حدٍّ أقصى، هل تستحق روعةَ
اسمها؟ سأشكره
إذًا، لا متنصِّلاً، بل مُغرِقٌ في الذاتية:
مبكِّرًا أجبرني على اتخاذ موقف، أيِّ موقف!
ربَّما لم يكن إلا عناد مراهقين: أريد لنا أن
نكتب ما نريد، ليس ما يحبُّ الآخرون أن
يقرؤوا، ليس ما يراه الرقيب مناسبًا. هل كان
حذف بضعة كلمات "نزقة" من خرائط مدن
محروقة سيغيِّر شيئًا فيها؟ أبدًا – سوى أن
ذلك كان سيرسم لي نقطةَ بدايةٍ جديدةٍ لما
رفضتُ أن أبدأه، بإحساس لا بوعي. سأرفض أن
أبدأه أبدًا. أسمح لنفسي بتعريف الحرِّية:
أسمِّيها المخيِّلة – بابًا إلى كلِّ جديد. كنت
مراهقًا عنيدًا كئيبًا، وكان الرقيب. حظٌّ أم
لعنة؟ أم لعلَّهما الاثنان معًا؟ 5 خرائط
مدن محروقة:
أحبك لأنك منحتِني حرِّيتي التي وراءها رحلتُ
إلى البحر. أكرهك لأنك منحتِني حرِّيتَكِ،
فخرجتِ متمرِّدةً على الجميع – إلا عليَّ. خلقتُهم
لأمِيتُهم، لأحييهم، لأجمعهم، لأفقِرهم،
لأغْنِيهم، لأجعلهم يحبُّون ويكرهون
ويقاتلون ويغدرون ويَقتلون ويُقتلون
ويضحُّون. بدأتُهم لأنهيهم في الصحراء أو في
حاوية القمامة أو في ذروة العشق أو تحت
النافذة: أنا مَن أبدأ. أنا مَن أنهي. أنا مَن
أختار. أنا. مَن
أنا حين يثور نصِّي على الجميع، ويخنع بين
يديَّ؟ أية حكومة ثورية أكون حينئذٍ؟! أي
ثوَّار أولئك الذين لا يتردَّدون في قول "نعم"
لقائدهم؟ خرائط
مدن محروقة:
كان لا بدَّ منك. كان لا بدَّ منك، لأبحث عن
النصِّ، لا عن نصِّي؛ عن اللغة، لا عن لغتي؛
عن المعنى، لا عن معناي؛ عن الحرية، لا عن
حرِّيتي. خرائط
مدن محروقة:
كان لا بدَّ منِّي لأكون، مِن أن أكون لأعرف. 6 الرقيب
الرقيب: لن أسأل مرَّة أخرى ما إن كانت تلك
الأصابع التي تشطب، التي تلغي، هي ذاتها التي
تلمس ماءً جاريًا في جدولٍ نيسانيٍّ، أو تحيط
بنهد امرأة. سأشير وحسب إلى "القرَّاء"
الذين، عقب صدور خرائط مدن محروقة، وجدوا
في نشر "سيناريوهات أفلام بورنو" عملاً
مخزيًا، لا يليق بدور النشر. هؤلاء أحبَّائي،
رفقائي: معًا، كنا نجلس في المقاعد الأخيرة في
الصفِّ، نستمني بحذرٍ في حصَّة الفيزياء. دائرة
الرقابة على المطبوعات: هل ثَمَّ من يدَّعي
امتلاكه عنوانًا لها؟ 7 كم
نصًّا أعدمتُ طوال تلك السنة؟ هل كانت اللغة،
أم ماذا؟ لماذا أعدمتُها جميعًا، ثُمَّ، بعد
عام، وجدتُني أبتهج وبين يدي قصة "القاتل
هيَّأ للمقتول وصيَّة"[4]؟ لم
تكن الأشياء واضحةً. شيءٌ واحدٌ أعرفه، وهو
أنني لو سمعت بمقتل زكريَّا تامر في أحد أيام
تلك السنة العقيمة التالية لـخرائط مدن
محروقة لما ترددت لحظةً في تسليم نفسي إلى
الشرطة. واللغة
إذًا؟ يدَّعي
نصُّ "حفَّار القبور"[5]
لبدر شاكر السيَّاب أنه قصيدة. أدَّعي أنه قصة.
مَن منَّا يكذب؟ افتتنتُ
بتلك اللحظة السردية في القصيدة، ووراء
حفَّار القبور نبشتُ شعرَ السيَّاب بحثًا
عنها – ولم أجد عناءً في إيجادها لديه –
لأقرأها بصوتٍ مرتفعٍ، ثم أقرأها وأقرأها، ثم
أغمض عينيَّ لـ"رؤية" ذلك المشهد القصصي
على خلفية ذلك الإيقاع الموسيقيِّ السحريِّ.
رحت بعد ذلك أقلِّب الشعر العربيَّ، حديثه
قبل قديمه – وأشير هنا خصوصًا إلى عبد الوهاب
البياتي ومحمود درويش – بحثًا عن تلك اللحظة
القصصية. شعر–سرد:
أترك هذه الثنائية لئلا أتطاوَل على الشعر.
أقول: سرد–لغة. ثم أسأل: ما اللغة؟ ماذا فعلت
اللغة في قصص القاتل هيَّأ للمقتول وصية؟
ماذا فعلت الأخيرة باللغة؟ وأمتنع الآن عن
الإجابة عن سؤالي الملحِّ الثقيل: أكانت أداة
جمالية وحسب، أم فاعلاً؟ أساسًا،
ما الحدُّ الذي يفصل بين كون الجماليَّة
ذاتها أفقيةً تمسح سطح النصِّ – زخرفًا إذًا؛
أم عموديَّةً تدخل في عمق بنيانه – فاعلاً
إذًا؟ هل
الجماليةُ "جميلةٌ" بالضرورة؟ لا
يزال الوقت مبكِّرًا جدًّا لأحاول الإجابة.
لكن أقول: كنت أعتقد في قصص القاتل هيَّأ
للمقتول وصية أنني أشتغل اللغة في السرد،
متاخمًا بحذرٍ الشعرَ، بين الومضة والإيقاع
والإيحاء واللفظة وما وراءها، لأرى الآن، بعد
عامٍ ونيِّف على إنجازها، أنني كنت – وأقصى
ذلك كان في قصة "المدينة في الإيحاء
والاحتمال"[6]
– أصنع شيئًا آخر ملعونًا دون أن أدري. هل
كانت فاعلاً أم لا؟ كذب
السيَّاب وكذبت. لا
أزيد، لئلا أوغل في الخطأ أكثر. 8 الإنسان
العربي يتكاثر بالانشطار. لم يسمع بالأعضاء
الجنسيَّة من قبل. الإنسان
العربي يتغذَّى بالتركيب الضوئي. الدَّمُ
يصدم رهافتَه. الإنسان
العربي يسبح في المحيط، وله زعانف. لم يسمع
بقلع الأظافر وهرس الأصابع. الإنسان
العربي يعيش على زحل، وحيدًا. مختلِف؟!!
ماذا يعني؟ دائرة
الرقابة على المطبوعات: هل ثَمَّ مَن يدَّعي
امتلاكه عنوانًا لها؟ 9 بالله،
ماذا يهمُّني؟ قلائل من أقرُّوا بأهمِّية
تجربته؛ وكثرٌ كانوا من حذَّروني من كونه
ثرثارًا وكذَّابًا، وأقل مَن خاض في تجربة
"الرواية الجديدة" شأنًا. ألان روبّْ–غْرِييه:
بالله ماذا يهمُّني إذا كان، مدهشًا لي
ومطمئنًا في آن، قد أخبرني، مثبِتًا بالدليل،
أن كتابةً بلا بداية وبلا نهاية وبلا حبكة
يمكن لها أن تكون حكاية، حكاية حقيقية زاخرة
ومُشرعة الأبواب؟ بالله،
ماذا يهمُّني بعد ذلك؟ 10 النصُّ–التأويل.
النصُّ–الإيحاء. النصُّ–الاحتمال. "المدينة
في الإيحاء والاحتمال". القنفذ
هو حيوانٌ له أشواك... لا،
دعونا نكون أقلَّ يقينًا، أقلَّ عدائيَّة
إذًا... فلنقل: هو حيوان. لا،
لنقل فقط: له أشواك... بل لنقل... لنقل: القنفذ،
القنفذ، وحسب. قنفذ؟!
أيُّ قنفذ؟ لنجرِّب أن نناديه باسمه، هكذا:
"أنت، يا قنفذ!" ولنرَ ما سيكون رأيه. لنقل...
لا شيء. نفتح
أعيننا جيِّدًا، ننظر إليه، إذًا نقفل فمنا.
حين يعبُر لا ضير في إغلاق أعيننا، ولو لبرهة.
قد نرى حينئذٍ أشياء أكثر. قد نخجل من جورنا
على ذلك الكائن. 11 بيير
باولو بازوليني، ديفيد لينتش. ليسا
الوحيدَيْن، لكنهما الأكثر حضورًا. ومع صعوبة
الجمع أو المقارنة، كانا معًا حين سألاني
مشيرَيْن بسبَّابتيهما: "هل ترى هناك؟"
قلت: "أبعد ما أرى نقطة." فابتسما، قالا:
"وراءها بقليل." دقَّقتُ البصر، ثم
اعترتْني البهجة، وهلَّلت: "ثمة نقطة
صغيرةٌ أبعد بقليل!" فرأيتهما ينقلبان على
قفاهما من الضحك. قالا: "يا حمار، هناك أبعد
من أبعد مما ترى، لو تعرف!" بالصورة
– يا للصورة! – حكيا حكاياتهما، وذهبا بها
إلى أقصى الممكن – مع التحفُّظ على "أقصى"
– فكرًا، تجريبًا، تأمُّلاً، خيالاً، عنفًا
وتمرُّدًا: السينما صورة قبل أيِّ شيء...
والنص؟ كيف يكون نصٌّ نصًّا بامتياز، سرديًّا
بامتياز، لا يقبل الالتباس؟ ربَّما
– أقول ربَّما – كنت مصيبًا في وقوفي على
اللغة منذ قصَّة "القاتل هيَّأ للمقتول
وصية"، حتى ولو كنت مشوَّشًا، فصنعت ما لم
أقصد في وقته، وبلغت بنيانًا أكثر وضوحًا في
"المدينة في الإيحاء والاحتمال"،
بالتجريب لا بالوعي. وربَّما كان عليَّ أن
أقرأ "التحليل الداخلي للنصوص" وأدخل،
خجِلاً، عالم "السرديات" لتكون صورة –
صورة ما – أكثر وضوحًا. "لارا"
لا تزال تستمرُّ في ولادتها الصعبة؛ وربَّما
ستجيبني – إن لم يعد والدي إلى رشده قبل
نهايتها – بشكل أنضج عن السؤال عن اللغة،
كائنًا فاعلاً جميلاً، جمالُه في حياته، لا
حياته في جماله؛ وعن التخييل، عالمًا أكثر
حرية، بعلائقه وشخوصه، مستقلاً؛ وعن
الشخصية، مخلوقًا حرًّا، بنَّاءً لعالمه،
متفرِّدًا في نظرته: عن النصِّ. بشكل ربَّما
أنضج. ليس الأنضج، على أيَّة حال. 12 أحلم
بنصٍّ يقودني لا أقوده ولا يقود ذاته بل تقوده. لا
ينتهي بين يديَّ كما أحب ولا كما لا أحب؛ ولا
ينتهي بين يديِّ القارئ كما يحب هو ولا كما
يحبُّ القارئ؛ ولا ينتهي بين يديِّ القارئ
الثاني كما يحبُّ القارئ الأول ولا كما يحب
القارئ الثالث؛ ولا... لا
ينتهي. كلما
فرغتُ من كتابته، فانتشيت إثارةً، أنظر فأراه
واقفًا بعيدًا يضحك بالأعرج الذي بين يديَّ. أأُمسك
به إذًا؟ أأَقع في المصيدة؟ لا
ينتهي، وأحلم به. 13 قد
يأتي يومٌ أجمعُهم فيه، وآمرهم بالسجود،
فيسجدون. واحدٌ فقط سيأبى ويستكبر. سأطرده.
سيتحدَّاني. سألعنُه. فيحزم حقائبه، ويتيه
عائثًا فسادًا، مُغويًا جميلاً دمويًّا
عاشقًا طيبًا شاذًّا شريرًا مريضًا مُتعَبًا
حالمًا... سأشتمه ليل نهار، وفي سرِّي سأبكي
نشوةً، وتعاسة. هل
ثَمَّ يومٌ سيخرج فيه ذلك النصُّ الإبليسي من
تحت أصابعي؟ قد
أصير حينها كاتبًا. ماذا سأفعل بعدها؟ 14 حين
سأكبر سأصير كاتبًا. إلى
حينها سأكتب. ليون،
آب–أيلول 2002 ***
*** *** *
شهادة قُدِّمَتْ ضمن فعاليات ندوة "القصة
في سورية: أصالتها وتقنياتها السردية" (المعهد
الفرنسي للدراسات العربية بدمشق، 31 تشرين
الأول – 1 تشرين الثاني 2002). [1]
زكريَّا تامر، دمشق الحرائق،
قصص، منشورات مكتبة النوري، دمشق، 1973. [2]
من مجموعة دمشق الحرائق
لزكريا تامر. [3]
قصة "إنسان"، من مجموعة خرائط
مدن محروقة، إياس محسن حسن، دار الكنوز
الأدبية، بيروت، 2000. [4]
من مجموعة تحمل العنوان ذاته،
إياس محسن حسن، دار الحوار، اللاذقية، 2002. [5]
بدر شاكر السياب، "حفار
القبور" (من مجموعة أنشودة المطر)،
الأعمال الكاملة، دار العودة، بيروت، 1997. [6]
من مجموعة القاتل هيَّأ
للمقتول وصية.
|
|
|