|
مقعدٌ
للشِّعر، مساحةٌ للحياة
جاكلين
سلام
هكذا
…
هكذا
... ينقضُّ
عليَّ الصمتُ مبعثرةً ما
بين صوتكَ وذاكرةٍ وحضورٍ
لم يكتملْ النوارسُ
تكتبُ شريعتَها لا
تأخذُ الشواطئ! *** هناكَ،
للقمر طقوسٌ أخرى يا
غريبة هنا،
النجومُ لا ترقصُ بكثافة أيها
الغريب هكذا
... ... هل
من الضروريِّ أن أبحثَ عن سببٍ لهذا الحزن؟! *** كثيفٌ
قلبي رائحةُ
أيلول رحيلٌ يقظةُ
دَمٍ ثقوبٌ
في عيون الوقت حقائبُ ووجوهٌ
لم تَغِبْ بماذا
توصينني يا غريبة؟ فقط
فقط فقط – وبالله
عليكَ – احرسْ
ما تبقَّى من ياسمين دمشق *** هكذا
... دادا
دا... دابادا العدمُ
يزدهرُ يلملمُ
ما تساقَطَ من صمت كندا،
14/9/2002 *** مقعدٌ
للشَِّعر، مساحةٌ للحياة انصرفَ
كلُّ الذين كانوا، كلُّ الذين لم يكنْ
مُقدَّرًا لهم البقاء شاسعةٌ
مملكتي وغريبةٌ أنا متهتِّكٌ
جسدُ الوقتِ أيُّها
الشَِّعرُ تقدَّمْ لكَ
كلِّي. لكَ هذا الجسدُ بأبجديَّته العصيَّة،
وهذه الروحُ، ضلالُها، طلاسمُها، وأرقُها
الذي ينبثقُ من غياهب صمتي تساؤلاتٍ وأنقاضًا عجينتُها
اللاشيء، وكلُّ شيء لم
يبقَ لي إلا أنتَ... لم يبقَ لي هنا
مقعدان شاغران. دعنا نجلسُ، بحقِّ ربِّكَ
والسَّماء، بحقِّ المَلح، واصدُقْني القول:
هل حقًّا أنتَ هو المَلحُ الذي يَحُولُ ما بين
العالم والتفسُّخ؟! انصرفَ
عنِّي كلُّ الذين كانوا لكَ
وحدكَ أعلنُ عشقًا، فترفَّقْ (يُطيلُ
الشِّعرُ التحديقَ في الكرسي، بأكثر من
التحديق في وجهي) نظرتُه
تقول ولا تُفْصِح. كيانُه الفصولُ كلُّها،
خفقةٌ حرةٌ في اللامكان. ويُمسِّدُ أصابعي
المرتبكة: أحبكِ، أحبهم... وأمقتُ الجلوس
طويلاً سيدي،
مهلاً، أدخِلْني مملكتَكَ، امنحْني بعضَ
أسرارك لا
أقيمُ، العالمُ غربتي (يُجيبُ الشِعر) ستجدينني
حيث لا تنتظرين. افهميني. افتحي خزائنَ القلب،
تحرَّري من ثقل الجسد، ليتأتَّى لكِ الغوصُ
عميقًا عاليًا. اتبعيني – إن شئتِ – وتذكَّري
أن الذين آمنوا بي – أيضًا – لم يحظَوْا
بالخلاص. وأنا مثلُكم محكومٌ بالأمل وبأن
فيكم قد ينضجُ خلاصي –
قالها! هل حقًّا قالها؟! – كان
صدى الصمت في الفراغ يَشي بحضوره الغائب إلا
أنه لم يَغِبْ كليًّا. رأيتُه يتجلَّى
أحيانًا – وبلا موعد: 1 في
المترو العابر إلى قاع المدينة الحجرية، كانت
جالسةً، بكامل شبابها. نظراتُها تثقبُ أرضيةَ
المترو، كأنها تغور صوبَ قحفٍ لامرئي. صوتُها
يُسائِل صديقَها الرجلَ السبعينيَّ الجالسَ
بجوارها: أبحَثُ عن معلومات حول مصير جثة
الفرد هنا في كندا. أعتقد أن لكلِّ فرد منَّا
حقَّ الاختيار، بل ضرورةُ الاختيار، منذ
الآن، طريقة التعامل مع جسده الميت (إما
أن تتبرعَ بجثتكَ لصالح البحوث العلمية، أو
توصي بحرقها على الطريقة الهندوسية، أو تشتري
مساحةَ القبر الذي ستسندُ قامتَكَ إليه
وتنامُ بسلام) هذا
ما أعرفُ، هل لديكَ معلوماتٌ أخرى؟ ينظرُ
إليها بدهشة ويضحك: لمْ يشغلني البحث في هذا
الموضوع حقًّا. ثم... طز... جثتي؟ لا يهمُّني ما
ستؤول إليه بعد موتي تجيب:
ولكن تعرِف، أنا لا أحد لي... والموت سيأتي
سيأتي... لا أريد أن تبقى جثتي عالة على أحد يجيب:
لا تقلقي. سأسألُ عن الموضوع وأخبركِ لا،
لستُ قلقةً، هي فقط مسألةُ حسابات مادية كانت
نظرةُ عينيها، الغارقتين بلا نهاية في
اللاشيء، تفضحان ضجيجَ داخلها، ولم تكن تسمعُ
حتى أنينَ السكَّة الحديدية كلما توقفَ
المترو في إحدى المحطات كابحًا قامتَه
الجامحةَ الطويلة، متوقفًا ليعبروا رأيتُهُ،
رأيتُه رأيت
الشِّعرَ في تلك الساعة جالسًا في المقعد
المقابل لهما، يستمعُ بلا عناءٍ ويرسمُ، على
صفحة بين يديه، صورتَها، امرأةً عجوزًا في
شارع بلا نهاية، وقبورٌ متناثرة على الطرفين.
يرسم الرجلَ السبعينيَّ الذي بجوارها،
شابًّا بنظارات شمسية، في يده باقةُ ورد،
يضعُها على قبر لا شاهدة له، والمترو يسير 2 صالةُ
البيت بحجم حنين أخرس. في الركن مصباحٌ
أرضيٌّ، طاستُه مزينةٌ بزهور يابسة بنفسجية
التقتطتْها خلال مشاويرها في المقبرة
المجاورة، وبين الزهور فراشةٌ وجَدَتْها
ميتةً على راحة الثلج المتراكم خارجًا ذاتَ
صباح الصمتُ
ثقيلٌ. تحدِّقُ صَوْبَ الركن ذاكَ... فجأة
تنتفضُ من مكانها على الأريكة وتحدِّث نفسَها:
يا لقسوتي! ألم يكفِ الفراشةَ احتراقُها في
الصقيع حتى الموت؟! ما الذي دعاني لتثبيتها
على المصباح؟ تمدُّ
يَدَها إلى الفراشة المشبَّعة بالموت،
تضعُها جانبًا على المنضدة، تُشعِل سيجارةً
أخرى، تغمضُ عينيها وتحاولُ اللحاقَ بطيفه
الذي يقترب ويبتعد صنبورُ
الماءِ في المطبخ يرشحُ قطراتٍ: تك تك تك تك تك
تك... ولم يكن لديها خيارٌ لتقفَ، وتوقفَ هذا
النزف رأيتُهُ،
رأيتُه كان
الشِّعرُ مرتبكَ القسمات، مستلقيًا معها على
الأريكة، يحدِّثُها عن تعذيب المساجين في
زنزاناتهم بوخز قطرات ماء من صنبور، ربما
يشبه هذا 3 علاقتي
الغامضةُ بالغيوم اتخذتْ منحًى آخر، منذ عهد
ليس بعيدًا. ولا أعتقد أنه يهمُّكم سرُّ هذا
التحوُّل من
شرفتي المطلَّةِ على حَجَرٍ وغيومٍ في هذا
المغيب الشرس، رأيتُهُ،
رأيتُه! رأيتُ
الشِّعرَ بجلاله، حزينًا، يقتعدُ غيمةً
نازحةً ما بيني وبين حبيبي المسافر أبدًا كانت
الشمسُ تهجرُ المدينةَ مكفهرةً، والمتبقِّي
من أشعَّتِها يصفعُ زجاجَ النوافذ المغلقة في
البناية المقابلة لشرفتي، وينعكسُ قرمزُها
على وجه الغيوم القاتمة المكتظَّة بلا عناية
على صدرِ سماءٍ غابَ الأزرقُ عن امتدادها رأيتُهُ،
رأيتُه! رأيتُ
الشِّعرَ. وجهُه رسالةٌ لم تُفضَّ كليًّا،
محمَّلةً بألوان تشابه الموت انقبضتْ
شرفاتُ قلبي المشرَّعة صوبَ بيته، ولذتُ
بالصَّمتِ الكابي روحي
لطمةُ هواجس غيبية مُعلَّقة أقلقني
أن الشمسَ هذه قد تصطدمُ بتلكَ العمارة
الشاهقة. ماذا لو تشظَّتِ الشَّمس؟ ألن
نتفسَّخ هنا من الرطوبة والعفن؟ سكنَني
مئةُ هاجس وهاجس... صباحَ اليوم التالي، عبَرَ
الشِّعر سريعًا أمام نافذتي، حاملاً رسالةَ
حبيبي تقول: أنا بخير. كان بيني وبين الموت –
البارحة – مناورةٌ فجة، اجتزتُها بمعجزة كي
أبقى أحبكِ، ربما! 4 رأيتُهُ،
رأيتُه رأيتُ
الشِّعرَ جالسًا على بساط الريح، يُهرِّب
الأوطانَ إلى عشَّاقِها، ساخرًا من حرَّاس
الغابات على
حافَّة العراء الحقيقيِّ. انتفضَ مذبوحًا في
دمِه كان
يُجري مقارنةً بين بساط أيوب وهذا الوطن 5 رأيتُهُ،
رأيتُ الشِّعرَ يقفُ على شرايين القلب حين
مرَّ موكبٌ آخرُ للشهداء كان
يرتِّل عبَثَه: نصلِّي جمعًا، نحجُّ جمعًا،
نموتُ منفردًا جدًّا وجماعات قيامتُنا
رَهْنُ أبواقٍ نحاسيةٍ وصنوجٍ وطبول 6 رأيتُه،
رأيتُ الشِّعرَ يماطلُ ويعتمرُ طاقيةَ
الإخفاء، يشرِّدُني ويسخرُ منِّي، إذ كنتُُ
أحاول القصيدة انصرفتُ
عنِّي أمسحُ الغبارَ عن عيون المكان، أرتِّبُ
أجزائيَ المبعثرةَ قصاصاتٍ أزرعُ
قلقي في أرجاء الغرفة – جيئة وذهابًا – ريثما
يُذعِن قلبُه لنداء الحبر 7 رأيتُهُ،
رأيتُه رأيتُ
الشِّعرَ يباركهما تلك الليلة. كانا يهجران
جدرانَ المدينة الحجرية، يهربان إلى بحيرة تمدَّدا
على الأرض صامتَيْن، مجنونَيْن. بريئَيْن
كانا، وعلى وجه الماء كانت ترفُّ روحاهما،
تعلوان صوبَ قبة السماء، ترتميان حول حفيف
الأشجار التي تحاكيها الريح لم
يقولا شيئًا حين عبرا الطريق إلى المدينة النجومُ
والعشبُ والماءُ والشِّعرُ شاهدة 8 رأيتُهُ،
رأيتُه رأيتُ
الشِّعرَ يجدلُ من خيوط روحه أوتارًا لقيثارة
طفلةٍ تكبرُ في رَحِمِ العاصفة قميصًا
لطفلٍ ما خُلِقَ ليرعى العراء أراجيحَ
لأطفالٍ وجوهُهم تهربُ منهم صوبَ الحليب
والشوكولاته والقمح وحين
انتهى، أخذ قيلولةً في صومعته، ولا أدري إذا
حقًّا استراح 9 رأيتُهُ،
رأيتُه رأيتُ
الشِّعرَ آخرَ مرَّة يدورُ
في العتمة، في شوارع العالم، وحيدًا يتمتمُ:
متى كرنفال الحياة! يكتبُ
على جدران المدينة: كم ارتكبتُم قبحًا
وجمالاً باسمي، وكم تكذبون! شاسعةٌ
مملكتي، وغريبٌ غريبٌ أنا كندا،
10/7/2002 *** لوتس
زرقاء 1 كأسٌ مِن قُبَلٍ يعتصرُني نبيذًا فأترقرقُ على شفاهِكَ وردة. * بين مرايا أفقِكَ أتثنَّى نورسةً فقدتْها التخومُ ونَفَرَتْ منها كلُّ الجهات ويتبدَّدُ من قامتي انكسارُ الموج. * على نافذة صمتِكَ أغزلُ جدائلَ الضِّياء أرجوحةً للوتسَ زرقاء وبزَهْوٍ أعبُرُ نحو الفجر. *** 2 لم يبقَ لنا إلا اللَّيل لم يبقَ من الليل إلا بوابةٌ أخيرة سترحلُ عند أوَّل شهقةٍ للصَّباح فاشربي روحَه بعثِري ثوبَ النَّشوة وشاحًا لغيمة احزني الليلة ارقصي اهطلي كلَّ ورودِك واطفِئي قناديلَ المطر بقطرات الجسد النبيذي. *** 3 ليلٌ، ولم يبقَ لنا إلاَّ قلبٌ غارقٌ في ضباب منفى اغترابُ قيثارة تضمِّدُ نحيبَ دمعة لم تجدْ خدًّا فانكسرتْ على عنقِ الرصيف. * اشربي
كأسَك
الأخيرة كما اعتادتْ أن تشربَكِ جذورُ
الدفلى الأشياءُ الصغيرةُ
والكبيرة. *** 4 أيَّتها الدافقةُ المتشظِّيةُ أغدقتْك الفصولُ بثوب ماء ومازلتِ تلوذين بجمرِ الأغاني أينعتْكِ الأنهارُ ومازالتْ أصابعُك تُشاكِس طحالبَ السَّماء. * اشربيه، حتى تَلاشي الموج حتى نهايات المدى وانظري في عينيه مرةً واحدة، أخيرة. *** *** ***
|
|
|