أوتاد الغربة
عادل غالب المتني
نسافر بعيدًا
لنجني ما يكفي من ذلٍّ
لشراء تذكرة العودة.
في الغربة يغتالك اسمكَ
وجلدك
وأشباه المرايا
وجواز السفر.
بعد أن يتحسسوا خصيتيك الفارغتين
في المطارات الفارهة
يأذنون لك بالمرور.
في غرفة من الصفيح
تشبه خم
الدجاج في بيتنا القروي
أستقر طويلاً.
أعود لذاكرتي الرطبة
هذا الكهف المطلي بالكلس الأبيض
أنصب خيمة فيه
وداخل الخيمة خيمة
وخيمة
وخيمة
أغدو مخيم لاجئين.
وماذا بعد؟
ظلٌّ في مهب الريح
لا تقبل الغربة القسمة على اثنين
الوحدة ثم الوحدة فالوحدة من جديد.
هنا
خارج البلاد
نبحث عن بلاد
عن موطىء قدم لظهر مكسور
عن مبولة، لا تأخذ عينة من حمضنا
لفروع الأمن
عن جدران لا تخون
مقطوعة الآذان
عن إمام
لا يقف أمامنا
لنبحث عن الله
في بلاد الكافرين.
نبحث عن امرأة تغفو قربنا
تُنَكِّهُ الصباح بعطرها الساخن
وابتسامة ساخنة
وجسدًا يقارب لغة الشعر
دون مواربة
وحياء.
وحدها القطط والطيور
تعاملني بلطف
وتبكي على كتفي.
الشتاء قارس رغم دفء بيروت
أتيتُ حالمًا ببعض الموت والحياة والشهوة
تقودني أقداري إلى الحمرا
عاملاً في أحد فنادقها
مخمورًا، بزهوة العشرين.
أرتِّبُ الأسِرَّة، وبعض أحلامي الصغيرة
أمسحُ الحمَّامات والرخام
وما علق على ثيابي من هموم
أبتسم للوحة معلَّقة على جدار
يصارع فيها الماتادور
قدَرًا على شكل ثور عنيف.
في شارع الحمرا
للفقر نكهة الأنسولين
نحن حفاة الأرض
نفتح صدورنا لبذور الحياة
لكل العابرين.
كُنتُ أنيقًا بما أغدقوا عليَّ
من (كوستيم)
وسيمًا بما فرضوا عليَّ
من حضور.
تراودني الموظفات
ونسوة خليجيات...
كيف أعاشر امرأة ترى في الغريب قيلولة بعد الظهر؟
وحدها سميرة ابنة بعلبك
غمست خبز فقرها بماء وحدتي
كانت صلاتي
وكأس خمري.
أهرب لمقهى قريب
النادل مثلي يحمل جواز سفر في جيبه الخلفي
يُهلِّل لي
من ذؤابة حزنه لأخمص قدميه النحيلتين
نسرق ابتسامة خجولة وبعض الشعوذة
ننكسر سويا
كرجلي عصفور دوري
فقد شجرة.
في المقاهي
كما في فناجين القهوة
تكثر الحثالة
أراقبهم من خلف دخان سيجارتي ومعاركي القديمة
يُصفِّفون أخبار الصحف بأمشاط البنادق
يلفُّون قصائدهم بجرائد بالية كوجبات سريعة
يرسمون الطاولات والكراسي بألوان باهتة لا تشبه بيروت
ينزفون ضحكات خفيفة
يُتقنون جمع اللغات في جملة مفيدة
هم مثلي
بائسون
حين يلمسون ذيل الرصيف
يبصقون على خيباتهم
كالأفاعي السامة
يرحلون.
أقفُ
أهمُّ بالرحيل
أدُسُّ القليل من الحب في يد النادل
يهمس في أذني مباغتًا
لا تجالس المقاهي
وجع بيروت هناك ووجهها الحقيقي
هناك هناك.
الأرصفة تأخذني إليكِ
تضعني على مقعد حجري
قرب صخرة نبتت من ماء
يحضر عطركِ
ولا تحضرين.
يقولون في رسائلهم الموجزة
طال الغياب
عُد
الوطن شاخ منذ رحَلت
أرُدُّ:
كيف لا تشيخ الأوطان
إن يغادرها الشباب؟
أعلم أني
دخلتُ بيروت من باب فندق في شارع الحمرا
كعامل سوري
وخرجتُ من باب معهد الفنون الجميلة في الروشة
كعامل سوري.
وأحلم
بشراء فستان عرس لك
ولي
كفنًا
يليق
بمهاجر.
*** *** ***
19
أغسطس 2019