التنويم المغناطيسي

 

قيصر زحكا

 

ما هو التنويم؟

التنويم هو الدخول في حالة تأمليَّة، ومن ثم استعمالها لتغيير سلوك معيَّن، فكرة معيَّنة، أو عادة معيَّنة. علميًّا يعرَّف التنويم على أنه حالة وعي معيَّنة، يتمُّ فيها انتباه مركَّز على شيء معيَّن، مع انخفاض الانتباه للتأثيرات المحيطيَّة الأخرى، مع قابليَّة كبيرة للاقتراحات Suggestibility.

هل التنويم حالة طبيعية؟ في الحقيقة نعم، فالطفل الذي يلعب بألعابه الالكترونية ولا يسمع نداء والديه هو في حالة تنويم، والرسَّام المشدوه بلوحته وكل انتباهه عليها ولا ينتبه لما يجري حوله هو أيضًا في حالة تنويم، ومعظم العباقرة مثل موتسارت واينشتاين ونيوتن وغيرهم كانوا في حالة استغراقية تنويمية عندما اكتشفوا وألَّفوا ما فعلوه.

في الحقيقة لا أحد يعرف تمامًا ما هو التنويم، ولكن نعرف ما هو ليس بالتنويم.

التنويم ليس نفس التأمل، فهو يستعمل الحالة التأمليَّة ولكن يستعملها من أجل الوصول لهدف معيَّن – كما ذكرت - من تغيير لعادة أو فكرة أو سلوك، بينما التأمل لا يهدف لهذا الشيء، كذلك يكون التركيز في التنويم على شيء خارج أنفسنا، ويهدف للدخول إلى حالة وعي أخرى Altered State من أجل تلقي اقتراحات معيَّنة، وهذا غير موجود بالتأمل.

التنويم ليس نفس العلاج التنويمي Hypnotherapy، فالعلاج التنويمي يدخل ضمن العلاج النفسي الذي يستعمل التنويم كجزء من العلاج من أجل استحضار أحداث من الماضي يعتقد أنها تلعب دورًا هامًا في الأفكار، المشاعر والتصرفات الحاليَّة.

التنويم ليس بالاسترخاء فقط، وعلى عكس ما يعتقد البعض، ليس من الضروري أن تكون مسترخيًا لتنوَّم، وبالرغم أن 80% من الناس تفضِّل الاسترخاء خلال التنويم، كذلك يكون من الأسهل على المنوِّم أن يكون الشخص مسترخيًا، ولكن يمكن الوصول للتنويم بدون استرخاء، عن طريق شرح مغامرة التنويم ومتعة التعرُّف على أماكن جديدة وتجارب جديدة.

التنويم ليس بالنوم، فرغم أن كلمة تنويم أو Hypnosis قد أتت من كلمة نوم باليونانية Hypnos إلا أنه يوجد اختلافات بيِّنة، ففي التنويم، يمكن أن يكون الشخص مغمض أو فاتح العينين، غالبًا ما يكون الجسم مسترخيًا ولكن يمكن الاقتراح أن يكون متشنجًا، كذلك في التنويم يسمع الشخص صوت المنوِّم بعكس النوم، وفي التنويم تكون هناك قدرة هائلة على التركيز بعكس النوم، وتحوي أمواج الدماغ الكثير من أمواج ألفا، التي تكون شبه غائبة في النوم. خلال النوم، نفقد العقل الواعي، بينما في التنويم، نكون يقظين ومهتمين بالمغامرة العقلية التي نمر بها.

قامت الجمعيَّة الأميركية للتنويم السريري بتعريف التنويم على الشكل التالي: "حالة من الامتصاص الداخلي، التركيز والانتباه المعمَّق، تمامًا مثل استعمال عدسة مكبِّرة من أجل تركيز أشعَّة الشمس وجعلها أكثر قوَّة".

تدور معظم الممارسات التنويميَّة الحديثة على النمط المكتشف من قبل ملتون اريكسون Milton Erickson (1901- 1980)، والتي تقوم على أن كلَّ شخص له القدرة الذاتية الداخلية على شفاء نفسه، وحلِّ مشاكله، ويكون دور المعالج التنويمي هو تسهيل هذا المنهج الإبداعي الخاصِّ بذلك الشخص.

هناك من يفسِّر التنويم على أنه حالة وعي متغايرة Altered state أو غيبة Trance، يكون فيها الشخص بحالة وعي مختلفة عن حالات الوعي العاديَّة، ومن العلماء ما يرى بالعكس أن التنويم هو مثل الدواء الوهمي placebo، حالة وهمية أو تخيليَّة نتيجة تفاعل الشخص مع المعالج.

يجب التنويه عن بعض التعابير المتعلقة بالتنويم:

1.     إن استعمال التنويم من أجل أهداف علاجية جسدية ونفسية يسمى بالعلاج التنويمي Hypnotherapy.

2.     إن استعمال التنويم لأهداف ترفيهيَّة وعلى المسرح أمام مجموعة من الحضور، يسمَّى التنويم المسرحي Stage Hypnosis. يتمُّ هذا من قبل أشخاص يوصفون عادة بالوسطاء الروحيين Mentalists.

فوائد واستعمالات التنويم:

يستعمل التنويم من أجل تغيير عادات وأفكار معيَّنة والوصول لأهداف معيَّنة:

على المستوى الفردي: إيقاف التدخين، الكحول، تحسين النوم، حالات الشره الطعامي واضطرابات الطعام من بوليميا وقمه عصبي، الاضطرابات الجنسيَّة والممارسات الجنسيَّة غير الصحيَّة، إيقاف عض الأظافر، ممارسة الرياضة المكروهة سابقًا، تخفيف الألم، حالات القلق والهستريا واضطرابات النوم، الكولون العصبي، تحسين الوضع الفيزيولوجي والنفسي بعد العمليَّات الجراحيَّة والحروق والصدمات النفسيَّة الشديدة والأمراض الخطيرة كالسرطان... الخ. من إحدى الاستعمالات المميَّزة له هي خلال الولادة وما بعدها من أجل تخفيف الألم، ولكن هذا الاستعمال خفَّ كثيرًا بعد تقدُّم طرق التخدير القطني. يفيد التنويم عادة بشكل واضح في تخفيف الألم الحاد والمزمن عند معظم الأشخاص، ويعتبر هذا من أهم استعمالاته، وأكثر استعمالاته قبولاً من اللجان الطبية الرسميَّة.

على المستوى المهني: تحسين الأداء، عدم الوصول متأخرًا للعمل، تحسين الثقة بالنفس أمام العاملين وتقديم محاضرات أمام الناس، معالجة القلق الاجتماعي... الخ.

على المستوى العائلي: تحسين التعامل ضمن العائلة، عدم نسيان واجبات معيَّنة، الصبر مع الزوجة/الزوج أو أفراد العائلة... الخ.

على مستوى الرفاهية: تحسين الأداء في هواية معيَّنة، التمتُّع بممارسة نشاط جديد... الخ.

أحيانًا يكون التنويم هو العلاج الأمثل لبعض الاضطرابات الجسدية والعاطفية، وهو طبيعي لا يستعمل عقاقير أو أدوية، وأحيانًا كثيرة يكون غير مكلف من خلال جلسة واحدة أو جلستين، ويعتبر التنويم من أوائل أنماط الطب العقلي الجسدي، فخلال التنويم، يقترح المعالج بأنه سيحدث تغيُّرات معيَّنة في الأفكار والتصرفات، وهذا ما يسمَّى الاقتراحات التنويمية Hypnotic suggestions. من الممكن أن يستعمل طبيب الأسنان اقتراحات معيَّنة من أجل تهدئة المريض الخائف أو إيقاف عض الأسنان الليلي.

إن استعمال التنويم من أجل استحضار رضوض نفسية سابقة وعلاجها ما يزال قيد الدراسة، ومن العلماء من يقول إن التنويم بحدِّ ذاته، يكوِّن ذكريات خاطئة قد لا تكون صحيحة، وأنه من غير الصحيح أن التنويم يجعل الإنسان يتذكَّر بشكل أكثر دقَّة.

تاريخ التنويم:

إن كلمة تنويم Hypnosis آتية من الكلمة اليونانية Hypnos بمعنى نوم. لقد شاع دخول الناس في حالات من الغيبة أو الترانس منذ آلاف السنين وكانت تعتبر كنوع من التأمل والعلاج من قبل الكهنة. لقد ذكر الطبيب المشهور ابن سينا الغيبة منذ عام 1027، ولكن كانت هذه الطريقة نادرة الاستعمال طبيًا. قام بإحياء هذه الطريقة الطبيب الألماني فرانز مسمر Franz Mesmer (الصورة 1)، وذلك في حوالي عام 1774، وكان مسمر يعتقد بوجود سائل كوني مغناطيسي، أسماه بالمغناطيسية الحيوانية Animal Magnetism، واعتبر أنها تؤثر على صحة الإنسان. قام مسمر باستعمال مواد مغناطيسية بالعلاج وبعدها صار يعتبر أن يدي المعالج تصدر طاقة مغناطيسية (الصورة 2)، يستطيع استعمالها بالعلاج وسميِّت هذه الطريقة بالمسمريَّة Mesmerism، وتمَّ عندها فصلها عن الطرق الأخرى المستعملة للسوائل والمغناطيس والتي كانت تسمَّى المغنطة Magnetism. صار مسمر يقوم أحيانًا باستعراضات كاملة أمام الجمهور باستعمال طريقته لعلاج بعض المرضى (الصورتان 3 و4)، وصارت له شهرة واسعة ممَّا أدى إلى ذهابه إلى باريس، وفي عام 1784، وبناء على طلب من الملك لويس السادس عشر ملك فرنسا، تمَّ تشكيل لجنة لدراسة المغنطة الحيوانيَّة والمسمريَّة. تشكلت اللجنة من علماء كبار مثل لافوازييه، بنجامين فرانكلين وأحد خبراء السيطرة على الألم Josèphe- Ignace Guillotin، ورغم استنتاجهم أن بعض النتائج كان لها مصداقيَّة، إلا أنهم اعتبروها مثل الدواء الموهم أو الـ Placebo، هي بسبب الوهم والتخيُّل وليس بسبب وجود طاقة تنتقل من المعالٍج للشخص المعالَج. ذكر فرانكلين بعد ذلك: "لا أرى أية طاقة تصدر من يد هذا الشخص المسمَّى مسمر، وبالتالي فلا بدَّ أنها خدعة". نتيجة هذا الحكم، قام مسمر بمغادرة فرنسا إلى فيينا.

فرانز مسمر Franz Mesmer

صورة رقم 2

صورة رقم 3

صورة رقم 4

بعد صدور هذا الحكم، قام العالم الاسكوتلندي Dugald Stewart، وهو رئيس الجمعية الاسكوتلندية للمنطق السليم، بتشجيع الأطباء على دراسة واستعمال المسمريَّة، ليس كطاقة خفيَّة فوق طبيعيَّة، بل كمبدأ نفسي فيزيولوجي، وقال إنه بالعكس ممَّا قررت اللجنة المحترمة، فإن وجود فائدة منها بسبب تخيُّلي نفسي، يجعلها مثيرة للاهتمام أكثر مما لو كانت بسبب طاقة حيوانية كونيَّة، وأن خوف الطبيب من أن يجعل الناس يخضعون لأوامره ليست بخطر أكبر من استعمال الطرق الكهربائية والغلفانية.

بدأ استعمال هذه الكلمة من قبل Étienne Félix d'Henin de Cuvillers وذلك في عام 1820 والذي أسماه التنويم العصبي Neuro- hypnotism، ومن ثم شاع استعمال هذه الكلمة أو كلمة hypnosis, Hypnotism على يد الجراح السكوتلندي james Braid عام 1841 (الصورة أدناه). اعتمد بريد في ممارساته على الطرق التي تم ممارستها من قبل Franz Mesmer وأتباعه والتي كانت تسمى آنئذ المسمرية Mesmerism أو المغنطة الحيوانيَّة.

james Braid

بدأ التنويم ينتشر بشكل أكبر على يد بريد وأطباء آخرين مثل Ellioston، James Esdaile الذين وضعوا نظريات الأسس البيولوجية والفوائد الجسدية والنفسية للتنويم، وبعد أن قام بريد بطباعة أول مقال له حول ذلك، بدأت ترده معلومات عن الممارسات الشرقية التأمليَّة المشابهة للتنويم، وقام بعدها بوصف هذه الممارسات من خلال عدة مقالات. قام بإجراء مطابقات بين ممارساته الشخصيَّة وممارسات هندوسيَّة تأمليَّة، وخاصة بسبب اهتمامه أصلاً بالكتاب الفارسي دابستان مذاهب أو مدرسة الأديان، وهو كتاب يصف بإسهاب الشعائر الدينية والاعتقادات والممارسات.

رفض بريد التفسيرات الميتافيزيقية والروحية للتنويم والتأمل، كما رفض كليًّا نظريات المغنطة والسائل الكوني، واستند إلى تحليلات علمية، واعتبر أنه بنفس الطريقة التي يتمُّ فيها التأمُّل في الهند وبلاد فارس خلال آلاف السنين من خلال التركيز على شيء معيَّن مثل شمعة أو أنف الشخص أو غيرها أو التركيز على شيء معيَّن أو القيام بالتجرُّد وإلغاء الأفكار نهائيًا، تتمُّ عملية التنويم، وبذلك لا يحتاج الإنسان بتاتًا إلى شخص آخر من أجل القيام بذلك.

قام بريد من خلال مقالاته وتجاربه بتغيير أسس التنويم بشكل رائع وأهم النقاط التي أبرزها:

1.     بناء تحليل علمي منطقي للتنويم.

2.     وضع بدايات التنويم المغناطيسي الذاتي.

3.     الابتعاد عن الأفكار الميتافيزيقية والروحية ليضع الأسس المنطقية للتنويم وليضع التنويم كظاهرة نفسية طبيعية جدًا.

استفاد بريد لاحقًا من صديقه William Benjamin Carpenter وهو عالم نفسي عصبي وصاحب نظريَّة المنعكس الفكري الحركي ideo- motor reflex والتي تنص على أن الشخص قد يقوم بحركات معيَّنة لا إراديَّة كاستجابة لأفكار معيَّنة كما نرى في كثير من الحالات النفسية والانفعالات، كذلك استفاد من Michel Eugène Chevreul صاحب فكرة البندول (والذي كان يقول إن هذه البندولات الإلهيَّة تتحرك يمينًا ويسارًا ودورانيًّا من خلال عضلات غير واعية تتحرك نتيجة التركيز المستغرق على شيء معيَّن). صار بريد يستعمل البندول ولكنه استنتج أن هذا التركيز على حركة البندول أو على شيء معيَّن، يحرِّض المنعكس الفكري الحركي، وتوسَّع بريد في هذا المجال ليوضح تأثير العقل ليس فقط على العضلات، بل على الجسم بأكمله، ليضع مفهوم الاستجابة الفكرية الديناميكيَّة Ideo- dynamic response وأيضًا مفهوم علم النفس الفيزيولوجي Psycho- physiology وبالتالي يكون أيضًا أول من وضع الأسس الحديثة للطب العقلي الجسدي Mind- Body Medicine.

عرَّف بريد في البداية التنويم كحالة من التركيز العقلي التي تؤدِّي في النهاية إلى استرخاء تدريجي، سمَّاه بالنوم العصبي Nervous Sleep، ولكنَّه لاحقًا في عام 1855 من خلال كتابه فيزيولوجيا الانبهار The physiology of fascination، استنتج أن التنويم أو النوم العصبي ينطبق فقط على 10% من الناس الذين يظهرون النسيان خلال الجلسة التنويمية، واستعمل تعبير التركيز الفكري الأحادي Monoideism الذي يعني التركيز على شيء أو فكرة معيَّنة من أجل الـ 90% الذين يبقون واعين خلال الجلسة التنويمية.

انتشرت معلومات وتطبيقات بريد خارج اسكوتلندا أكثر مما هي في اسكوتلندا، فقام George Miller Bread بنقل هذه الطرق والأفكار إلى الولايات المتحدة وبدأت تنتشر هناك بشكل أكبر، كما قام William Thierry Preyer وهو بروفسور الفيزيولوجيا بجامعة يينا الألمانيَّة بترجمة أعمال بريد، كما قام الطبيب النفسي Albert Moll بالعديد من الأبحاث في ألمانيا، كما طبع كتاب الـ Hypnotism عام 1889. أتت الأهميَّة الكبرى للتنويم في فرنسا، أولاً من خلال طبيب الأعصاب المشهور Etienne- Eugène Azam الذي قام بترجمة أعمال بريد وقدَّمها للأكاديمية الفرنسية للعلوم، وتم دراستها من قبل لجنة تضمَّنت طبيب الأعصاب المشهور Paul Broca والمكتشف للعديد من مراكز الدماغ، ومن ثم قام أحد أطباء الريف Ambroise Liébeault بإحداث عيادة ومجموعة تنويمية ضخمة، أصبحت مشهورة في كل فرنسا، مما حدا بالعالم Bernheim أن يبدأ بتطبيقها وأصبح أحد المنوِّمين المشهورين. أصبحت فرنسا بعدها المركز الرئيسي للتنويم من خلال الصراع المرير بين Bernheim في نانسي، وبين الطبيب المشهور جدًا في عالم الطب وصاحب الاكتشافات الطبيَّة العديدة jean- Martin Charcot من مدرسة Salpêtrière في باريس.

اعتقد شاركو (الصورة 6) المتأثر بالمسمريَّة، أن التنويم هو حالة غير طبيعية، تحدث فقط عند القلة من النساء الهستريات، وأنها تتظاهر من خلال ارتكاسات جسدية، يمكن تقسيمها إلى مراحل مختلفة، بينما آمن بيرنهايم (الصورة 7) أنه يمكن تنويم كل الأشخاص، وأن التنويم هو امتداد للوظائف النفسيَّة الطبيعيَّة، وأن نتائجه ناجمة عن الاقتراحات المعطاة. ظلَّ الصراع قائمًا لعشرات السنين، إلى أن تغلبت بالنهاية نظرية بيرنهايم التي تقول بأن التنويم وظيفة طبيعيَّة تحدث عند كل الأشخاص.           

الصورة 6

 الصورة 7

 

ظهرت بعدها شخصيَّات هامَّة في مجال التنويم، سأمرُّ عليها بشكل مختصر:

بيير جاني Pierre janet (1859- 1947): كان أحد تلاميذ شاركو، وعيَّنه شاركو رئيس قسم في مدرسة Salpêtrière، ثم صار محاضرًا في السوربون، وعميد كليَّة العلوم النفسيَّة في Collège de France، وجمع بين نظريات شاركو وبيرنهايم ونظرياته الخاصة ليضع أسس تنويم مبنيَّة على فكرة التفكُّك dissociation.

بيير جاني Pierre janet

سيغموند فرويد Sigmund Freud

طبعًا كان للعالم النفسي الشهير سيغموند فرويد Sigmund Freud مؤسس مدرسة التحليل النفسي دورًا أساسيًا، فمن خلال دراسته في باريس، آمن بالتنويم، وكان يضغط على جبهة مرضاه من أجل تحفيز الذكريات القديمة للخروج إلى السطح (الصورة 10). وصار يستعمل التراجع التنويمي Regression والتنفيس Catharsis، وقام بعدها بترجمة عدة مقالات لبيرنهايم وغيره من الفرنسية إلى الألمانيَّة، كما ألَّف عدة مقالات في مجال التنويم، ولكنَّه بعد ذلك تراجع عن التنويم لمصلحة التحليل النفسي القائم على الترابط الحرِّ free association وتفسير اللاوعي بدلاً من التفكك التنويمي، ولكن مع معاناته من جلسات التحليل النفسي الطويلة جدًا والتي تستغرق كثيرًا من الوقت، قام باستعمال الاقتراحات التنويميَّة في جلسات التحليل من أجل تسريع العمليَّة، ولكنَّه ظل يؤمن بأن هذا قد يؤثِّر قليلاً على النتائج، وكانت كلمته الشهيرة بأنه يمزج الذهب التحليلي مع النحاس التنويمي. لم يكن تلاميذ فرويد على معرفة جيِّدة وتدريب جيِّد في مجال التنويم، لذلك كانوا نادرًا ما يلجؤون إلى المزج، ولم يكن لهم دور هام في المدارس الحديثة والطرق الحديثة في التراجع التنويمي Hypnotic regression، التطوُّر التنويمي Hypnotic progression، والتحليل التنويمي Hypnoanalysis.

الصورة 10

اميل كوي Emile Coué

ملتون اريكسون Milton Erickson

 

قام اميل كوي Emile Coué (الصورة أعلاه) والذي كان أحد تلامذة Liébeault باعتماد مدرسة نانسي في العلاج وتطبيق طرق لييبو وبيرنهايم، ومن ثم ترك هذه الطرق واعتمد التحفيز المباشر لبريد، مع طرق تقوية الأنا، وسمِّيت هذه الطريقة بطريقة كوي La méthode Coué، ومن بعدها أسس ما سمِّي بالمدرسة الحديثة لنانسي، اعتمد فيها على الاقتراحات المباشرة والذاتيَّة وأهمل النوم والاسترخاء العميق فيها، وصار يقول إنه لا يمارس التنويم بتاتًا، ولكن تلامذته اعتبروها نوعًا من التنويم السطحي، وكانت طرقه رائدة في التنويم الذاتي والعلاج الذهني Cognitive therapy.

كذلك قام Clark Hull من المدرسة الأميركية وأحد روَّاد المدرسة السلوكية بإجراء تجارب عديدة وقام بدراسات مخبريَّة، أظهر فيها عدم وجود علاقة بين التنويم والنوم، وشجَّع الأبحاث في هذا الشأن، وكتب الكثير من المقالات، وأكَّد على أهمية المنعكسات الشرطيَّة في التنويم (مشابهة تقريبًا لفكرة منعكس بافلوف)، مناقضًا المدرسة النفسية- ديناميكية الفرويدية المعتمدة على النقل اللاواعي Unconscious transference كتفسير للتنويم.

أتى بعد ذلك ملتون اريكسون Milton Erickson (الصورة أعلاه) الذي اعتبر رائد التنويم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومؤسس الجمعية الأميركية للتنويم السريري. ومن ثم أسس ما عرف بالعلاج الاريكسوني الذي اعتمد فيه على الاقتراحات غير المباشرة، الاستعارات Metaphors، تقنيات التخليط، والترابطات المزدوجة بدل الطرق المعتادة للتحفيز، وفي الحقيقة اعتبر اريكسون أي تأثير على سلوك الشخص على أنه تنويم، سواء أكان هذا الشخص في حالة تنويميَّة أم لا، مما جعل بعض المعاصرين وأهمهم André Weitzenhoffer يتساءل فيما إذا كان اريكسون يمارس فعلاً التنويم أم لا. لكن مع هذا، استطاع اريكسون بعبقريته أن يظهر من خلال جلسات سريريَّة، وأكاديميَّة واختباريَّة الاستجابات الكلاسيكية في التنويم مثل الإهلاسات الإيجابيَّة والسلبيَّة، التخدير، تسكين الألم في حالات الولادة وعند مرضى السرطان، التخشُّب cataplexy وحتى حالات التراجع بالذكريات إلى الطفولة المبكِّرة، وحلِّ كثير من الاضطرابات المتعلِّقة بالطفولة. وآمن اريكسون، كما أثبت أن عمق التنويم لا علاقة له بالفائدة الحاصلة، وأن التقنيات المستعملة أهمُّ بكثير من درجة العمق التنويمي، وهذا جعل التنويم يتغيَّر بشكل كبير بعد ذلك، ويمكن القول إن 80% من الممارسين الحاليين اعتمدوا على طرق اريكسون وعلى فنِّ التقنيات المستعملة أكثر من اللجوء إلى العمق التنويمي، وقد لعب جزئيًا في هذا، تصاعد النواحي القانونية والقضائيَّة في عصرنا الحديث.

بناء على هذا، يعتبر اريكسون بحقٍّ من أكبر المبدعين في علم النفس والتنويم من خلال إيمانه بقدرة الشخص الشفائيَّة الداخلية وأن التنويم يسهِّل فقط هذه العملية، كما قام اريكسون بتحدي الكثير من الأفكار المسبقة عن اللاوعي وما تحت الوعي، وقام بالتركيز على إبداع اللاوعي والذكاء الفطري له، كما وضع الأسس لأهميَّة فرديَّة كل شخص، واتباع طرق علاجيَّة فرديَّة ومميَّزة لكل شخص على حدة.

قامت الجمعية النفسية الأميركية ومن خلال فرعها 30 المسمَّى جمعيَّة التنويم النفسي في عام 2005 بوضع تعريف للتنويم على أنه إجراء يتألف من تمهيد Introduction يتمُّ من خلاله تهيئة الشخص ويذكر له أنه سيتمُّ عرض اقتراحات من أجل تجارب تخيِّلية سيمرُّ بها، ثم يتم التحفيز Induction، من خلال اقتراحات تجارب تخيِّليِّة معيّنة تظهر من خلالها كفاءة وإعدادات المنوِّم، ويتمُّ من بعدها الجلسة التنويميَّة وعرض اقتراحات معيَّنة من أجل تغيير في التجارب الشخصية والأحاسيس والمشاعر والأفكار والسلوك، وإدراك الأمور بطريقة مختلفة. يمكن للشخص أيضًا تعلُّم التنويم الذاتي. في حال استجابة الشخص للاقتراحات التنويميَّة، يمكن القول إن التنويم قد تحفَّز.

الصورة 13

قدَّم العالم النفسي Michael Nash (الصورة 13) 9 تعاريف مختلفة للتنويم، تم استخدامها من قبل علماء سابقين بالإضافة لتعريفه الشخصي للتنويم:

-       قام janet وErnest Hilgard في بدايات القرن العشرين بتعريف التنويم على أنَّه تفكُّك Dissociation.

-       قام علماء نفس الاجتماع مثل Sarbin وCoué باعتبار التنويم كدور يلعبه الأشخاص من خلال نظريَّة الدور.

-       قام باربر بتعريف التنويم من خلال مفاهيم سلوكيَّة مثل التحريض على فعل شيء معيَّن.

-       قام Weitzenhoffer بتعريف التنويم كحالة مضخَّمة من قابلية الاستجابة للاقتراحات.

-       قام علماء التحليل النفسي مثل Gill وBrenman باعتبار التنويم كحالة انحدار regression من أجل تحسين الأنا.

-       اعتبر Edmonston التنويم حالة استرخاء بكل بساطة.

-       اعتبر العلماء Spiegel التنويم كقدرة بيولوجية.

-       كان العالم المشهور Erickson صاحب نظرية أن التنويم هو حالة تغبُّر وظيفي خاص متَّجه نحو الداخل وليس نحو الخارج.

-       وأخيرًا قال Nash نفسه إن التنويم هو حالة خاصَّة من الانحدار النفسي.

-       عرَّف Joe Griffin وIvan Tyrrell التنويم على أنه أية طريقة اصطناعيَّة من أجل الوصول إلى مرحلة الريم REM حركة العينين السريعة خلال النوم وهي المرحلة التي تترافق مع الأحلام، وأنه إذا فهمنا هذا المبدأ، نستطيع فهم التنويم بشكل أبسط وأكثر منطقيَّة، وتزول كثير من المشكلات والتناقضات التي تمَّت حوله. رأى هذان العالمان أن الريم هام للحياة بشكل عام، وضروري جدًا للذاكرة والعديد من الحالات الذهنيَّة، وأن كل أنواع التعلُّم تتركَّز وتثبت من خلال مرحلة الريم، وبالتالي من خلال التنويم.

نظرية العقل: Theory of Mind

يستند التنويم المغناطيسي بالدرجة الأولى على نظرية العقل، والتي وضعت بالدرجة الأولى من قبل فرويد وبيير جاني، والتي تقوم على أن العقل الواعي Conscious Mind يشكل فقط 10-12% من ارتكاسات الإنسان وتصرفاته وسلوكه، بينما يلعب العقل اللاواعي Subconscious Mind القسم الأكبر، أي حوالي 85% من ارتكاسات الشخص وتصرفاته، وهو مكان التخزين الأساسي للمشاعر، وهو أقوى بـ 6000 مرَّة عمليًا من العقل الواعي في التأثير على قرارات الأشخاص وسلوكهم اليومي. يوجد بينهما خط فاصل صغير يسمَّى المنقِّي الهام Critical Filter.

هناك جزء بسيط من العقل اللاواعي يسمَّى بالعقل البدئي Primitive Mind، وفيه يكمن أكثر المنعكسات بدئية وهو المواجهة أو الهرب Fight or Flight وهو طبعًا منعكس موجود عند أكثر الحيوانات بساطة، وفي هذا الجزء تكمن أيضًا أكثر الأجزاء عمقًا، والهدف الأساسي من حياة هذا الشخص، وهذا ما يميِّز مثلاً الشقيقين التوأمين الحقيقيين الذين يتعرضان لنفس التجارب العائلية والمحيطية تقريبًا، ومع هذا يكون هدف حياتهم مختلفًا بين الواحد والآخر.

كيف يتمُّ التنويم وماذا يحدث خلال الجلسة التنويمية:

عادة ما تكون الجلسة التنويميَّة على الشكل التالي:

-       التحضير Introduction أو اللقاء مع الشخص ومحاولة فهمه ومعرفة أفكاره وتصرُّفاته وإعطائه فكرة عن التنويم ومعرفة ما إذا مرَّ بتجارب تنويميَّة سابقة. كل هذا يتمُّ طبعًا في جو هادئ بعيد عن الضوضاء.

-       التحريض التنويمي Hypnotic Induction ومحاولة الدخول في حالة متغايرة من الوعي. يتمُّ التحريض التنويمي Hypnotic Induction من خلال إعطاء مجموعة من التعليمات والاقتراحات البدئية، التي تضع ذلك الشخص في حالة استرخاء وغيبوبة، وتكون عادة حوالي 15 دقيقة، ويتمُّ خلالها إعطاء تعليمات من أجل الاسترخاء العضلي وتباطؤ التنفُّس، والابتعاد عن العالم الخارجي، ومنهم من رآها كطريقة لتحفيز توقعات الشخص المطلوبة، تركيز انتباهه. هناك عدة طرق للتحريض، أهمها طريقة بريد في التركيز البصري على شيء معيَّن، من خلال وضع شيء براق عادة بين الأصابع الثلاثة الأولى لليد اليسرى، وعلى بعد 20- 32 سم من العينين، وعلى ارتفاع أعلى قليلاً من الجبهة، مما يسبب بعض التعب بالعينين، ويطلب من الشخص أن يستمر بالتركيز على هذا الشيء من خلال نظره وعدم تشتُّت عقله. عادة ما يلاحظ أنه يحدث تقبض ببؤبؤ العينين عند بداية التركيز، ثم تتبع بتوسع فيهما وحدوث نظرة واهية، وأحيانًا كثيرة يقوم الشخص بزيادة المسافة بين السبابة والإصبع الوسطى لليد اليمنى ويجلبهما قليلاً نحو عينيه، وهذا عادة يدلُّ أنه قريبًا سيغمض عينيه، أما إذا قام بتحريك عينيه، نوقف التنويم ونطلب منه البدء من جديد، ونركِّز على عدم تحريك العينين وتثبيت الفكر على الشيء نفسه، وأنه مقبول أن يغمض عينيه عندما يجلب أصابعه نحو عينيه. وجد بريد لاحقًا أن التحريض ليس دائمًا ضروريًا من أجل كل حالات التنويم، كما وجد باحثون بعده أن أهميَّة التحريض ليست بالدرجة الكبرى التي كانوا يظنوها.

-       تعميق التنويم وحالة الغيبة Trance، وتتمُّ عن طريق زيادة حالة الاسترخاء والهدوء العصبي، وبالتالي تفتح المجال أمام الاقتراحات التي تأتي ما بعد التنويم من أجل تغيير عادات وتصرفات معيَّنة أو تقوية تصرُّفات أخرى.

-       الاقتراحات Suggestion: لم يذكر بريد في البداية أبدًا موضوع الاقتراحات، بل ركَّز دائمًا على تثبيت العقل الواعي على فكرة واحدة فقط، واللجوء إلى تحريض أو تثبيط وظيفة فيزيولوجية معينة في الجسم. لاحقًا، بدأ بريد يعطي أهميَّة أكبر على استعمال أنماط مختلفة من الاقتراحات الكلاميَّة وغير الكلاميَّة، بما فيها الاقتراحات الإيقاظيَّة والتنويم الذاتي. قام بيرنهايم بعد ذلك بنقل التركيز من الحالة الفيزيولوجية إلى الحالة النفسيَّة خلال إعطاء الاقتراحات اللفظيَّة. غلبت نظريات بيرنهايم كامل مسار التنويم في القرن العشرين، مما حدا كثير من الجمعيات اعتبار بيرنهايم والد التنويم الحديث. مع هذا، لم يذكر بريد أو بيرنهايم العقل اللاواعي أبدًا، واعتبروا الاقتراحات موجَّهة نحو العقل الواعي، وهذا ما حدى علماء آخرين مثل باربر وسبانوس باعتماد الاقتراحات المباشرة، بينما قام فرويد وبيير جاني مؤسسي نظريات العقل اللاواعي، ومن بعدهم ملتون اريكسون بالتركيز على أهمية الاقتراحات غير المباشرة وغير اللفظيَّة والتلميحات والايحاءات والاستعارات التي تعمل أكثر على العقل اللاواعي.

يعتمد التنويم الحديث على طرق مختلفة من الاقتراحات، منها ما يكون بشكل مباشر، وأغلبها غير مباشر على شكل تساؤلات، تلميحات، استعارات، ألفاظ بلاغيَّة، بالإضافة للاقتراحات غير اللفظيَّة مثل التخيُّلات الذهنيَّة، نغمة الصوت، التلاعب الجسدي. كثيرًا ما يتمُّ التمييز بين الاقتراحات المعطاة بشكل سلطوي، عن المعطاة بشكل قبولي. عادة ما تكون الاقتراحات المستعملة في العلاج التنويمي ذات تأثير لاحق قد يستمر أيامًا إلى فترة طويلة جدًا، وعادة ما نحتاج إلى أكثر من جلسة من أجل تحقيق فائدة طويلة الأمد، بينما تعتمد الأبحاث التنويميَّة على اقتراحات ذات نتائج فوريَّة.

يعتمد التنويم أيضًا على فكرة المنعكس الفكري الديناميكي كما ذكرت سابقًا، وأحد الأمثلة التي ذكرها بريد، أن تخيُّل أي شخص أنه يمصُّ ليمونة، سيحرِّض عنده منعكس اللعاب، وهذا ينطبق على معظم أفعالنا وتصرفاتنا التي نتجت عن تجارب معيَّنة في طفولتنا أو لاحقًا.

-       الاستيقاظ من التنويم أو إنهاء التنويم: عادة ما يكون بسيطًا ومباشرًا، ويتمُّ عن طريق الرجوع المباشر إلى حالة الوعي الكامل. هناك عدة طرق لذلك، ولكن أكثر الطرق المستعملة هي العدُّ العكسي من 10 إلى 1، وإعطاء الاقتراحات التدريجيَّة خلالها أنه سيحدث الاستيقاظ، إلى أن يصبح الشخص واعيًا تمامًا عند الرقم 1.

قابليَّة التنويم:

قام بريد بوضع تمييز حادٍّ بين الدرجات المختلفة للتنويم، فأسماها في البداية درجة الوعي الأولى والثانية للتنويم، ثم استبدلها بتعبير ما قبل التنويم، التنويم الكامل، والسبات التنويمي. قام جان مارتان شاركو بوضع نفس التمييز مع استبدال التعبير بـ: الجمود النومي، الخمول والإغماء التخشُّبي Catalepsy، وقام آخرون ومنهم بيرنهايم بوضع درجات أكثر تعقيدًا وأوسع لتقييم درجة العمق التنويمي من خلال استجابات سلوكية، فيزيولوجية وشخصيَّة. في أوائل القرن العشرين، تم استبدال هذه المراحل بأسماء أكثر تطورًا بناء على الأبحاث التجريبيَّة. وضع Husband وSarbin أحد أهم المقاييس في عام 1930، ثم تبعهم Weitzenhoffer وHilgard بوضع مقياس ستانفورد في عام 1959، والمؤلف من 12 بند مختلف للاقتراحات، بعد اتباع نمط منهجي معيَّن من تثبيت النظر، وأصبح هذا المقياس أكثر المقاييس استعمالاً في الأبحاث التنويمية، كما قام شور وكاروتا بإنشاء مقياس مشابه، سمِّي بمقياس هارفارد.

بينما اعتمدت الطرق القديمة بتقييم درجة العمق التنويمي من خلال علامات معينة مثل النسيان التلقائي، اعتمدت المقاييس الحديثة مثل ستانفورد وهارفارد على درجة ارتكاس الشخص لاقتراحات معيَّنة مثل تخشُّب اليد، وعلى هذا الأساس، تمَّ تقييم قابلية التنويم إلى درجة خفيفة ومتوسطة وعالية، وقد وجد أن 80% تقريبًا من الأشخاص هم في الدرجة المتوسطة، و10% في الدرجة العالية، و10% بالدرجة الخفيفة، كما وجد أن قابلية التنويم كثيرًا ما تكون ثابتة طوال كل عمر الإنسان نفسه. سمِّيت هذه الدرجات الثلاثة على الشكل التالي:

-       الدرجة الخفيفة سمِّيت بالحالة شبة التنويميَّة (الصورة 15) Hypnoidal state، وتتميَّز بحالة استرخاء بسيطة وتركيز داخلي ورفرفة العينين.

-       الدرجة الوسطى هي حالة الجمود والإغماء التخشُّبي (الصورة 16) cataleptic state، وتتميَّز بتعميق أكبر في الاسترخاء، وحركات عينين بطيئة من جهة لجهة شبيهة بحركة عينين المراحل السطحيَّة من النوم.

-       الدرجة العميقة، تسمَّى بالانكليزية Somnanbulistic state، (الصورة 17) التي تعني حرفيًّا المشي خلال النوم، أو القيام بحركات عضليَّة غير عاديَّة خلال النوم. في التنويم، تعني أعمق درجات التنويم، وتتميَّز باتجاه العينين نحو الأعلى، ويتمُّ استقبال الاقتراحات بالعقل اللاواعي، ومن الممكن جدًا أن لا يتذكرها الإنسان لاحقًا في حالات وعيه العادية.

 

 

الصورة 15

الصورة 16

الصورة 17

الصورة 18

وجدت Deirdre Barett (الصورة 18) وهي أحد أهم علماء علم النفس التطوري ودراسة الأحلام والتنويم في القرن الحادي والعشرين، أن هناك نوعان من الأشخاص ذوي القابليَّة العالية للتنويم، بعضهم حالمين، والآخرين فاصلين Dissociaters، فالحالمون يسهل عليهم الانسحاب من العالم الخارجي، حتى بدون تنويم، ويقضون كثيرًا من الوقت في الأحلام النهارية، وعادة ما يكونون أولادًا لعائلات تشجِّع الخيال والإبداع، بينما يميل الفاصلون لأن ينمو في عائلات فيها إساءة للأطفال أو تعرَّضوا لرضوض معيَّنة، وتعلَّموا الهروب من تجاربهم وذكرياتهم، وعادة ما تكون أحلامهم النهارية فارغة، بدلاً من الخيالات الملوَّنة والعديدة للحالمين. هاتان المجموعتان تحصلان عادة على درجات عالية بالعمق التنويمي.

عادة ما يظهر خلال التنويم أن الشخص المنوَّم يستجيب فقط للمحاورات الجارية مع المعالج وبشكل اوتوماتيكي متجاوب غير منتقد، مهملاً بنفس الوقت، كل الجوانب الأخرى للمحيط عدا المذكورة من قبل المعالج. خلال المرحلة التنويمية، عادة ما يرى، يشعر، يسمع ويدرك الشخص المنوَّم حسب اقتراحات المعالج، رغم تعارضها أحيانًا مع ما يحدث فعلاً بالخارج. لا تتوقف تأثيرات التنويم فقط على النواحي الحسيَّة، بل تتعداها أحيانًا إلى ذاكرة ووعي الشخص، ولا تكون تأثيرات التنويم فقط خلال الجلسة التنويمية، بل قد تتعداها إلى ما بعد جلسة التنويم.

يمكن القول إن هدف الاقتراحات التنويمية هو بطريقة ما مشابه للدواء الوهمي Placebo. وصف Irving Kirsch في عام 1994 التنويم بالعقار الوهمي الصادق وغير الخادع، بمعنى، أنه طريقة تستفيد من الاقتراحات وتستعمل طرقًا من أجل تضخيمها.

من خلال مقالة Trance on Trial في عام 1989، وهي مقالة موجَّهة للقضاء والعدل، لاحظ كل من القانوني Alan Scheflin والمحلِّل النفسي Jerrold Shapiro، أنه كلَّما كان التنويم أعمق، كلما كانت بعض المظاهر أكثر تواجدًا وتعبيرًا. استطاع هذان الاثنان تحديد 20 مظهرًا مختلفًا للشخص المنوَّم:

-       التفكك Dissociation

-       الانفصال Detachment

-       الإيحاء Suggestibility

-       الفعالية الذهنيَّة الحسيَّة ideosensory activity

-       الجمود أو التخشُّب Cataplexy

-       الاستجابة الذهنية الحركية Ideomotor Responsiveness

-       التراجع الزمني Age regression

-       الانتعاش Revivication

-       فرط التذكُّر Hypermnesia

-       النسيان الاوتوماتيكي أو الموجَّه Automatic or suggested amnesia

-       الاستجابات ما بعد التنويم Posthypnotic responses

-       التسكين والتخدير التنويمي Hypnotic analgesia and anesthesia

-       التخدير في كف اليد والرسغ: وهو ظاهرة نفسية بحتة، لأنه لا يوجد عصب وحيد مسؤول عن هذه المنطقة Glove anesthesia

-       المشي التنويمي Somnanbulism

-       الكتابة التلقائية Automatic writing

-       التشويه الوقتي Time distortion

-       تحرُّر الأشياء المثبِّطة Release of inhibitions

-       نقص القدرة على النشاط الطوعي.

-       منطق الغيبة Trance Logic

-       القدرة على التخيُّل دون صعوبة Effortless imagination

التنويم والفيزيولوجيا:

الصورة 19

قامت الكثير من الأبحاث والدراسات بمحاولة فهم التنويم، ولن يتَّسع الوقت لنا لذكرها. سأكتفي بما قام به العالم الأميركي Stephen Kosslyn (الصورة 19) في عام 2000، إذ قام بعدة تجارب، كانت إحداها التصوير الطبقي بإصدار البوزيترون PET scan لأشخاص خاضعين للتنويم، والذين أعطوا أشكالاً معينة ليتخيَّلوها، ونفس الفحص لأناس واعين ينظرون فعلاً إلى هذه الأشكال، وقد وجد أن نفس المناطق الدماغية القشرية قد تنبَّهت في كلتي الحالتين. قام أيضًا بتمييز دقَّة المناطق التي تدرك ألوان لوحة معيَّنة، أو في حال كانت اللوحة فقط بالأبيض والرمادي، وأجرى هذه التجربة مع الناس المنوَّمين ووصل لنفس النتائج. قام بعدها بتنبيه القشر الدماغي البصري بالتنبيه المغناطيسي عبر الجمجمة، ووجد أن هذه الفعاليَّة تختفي. خلص كوسلين إلى أنَّ نفس المناطق القشرية الدماغية تخضع للتنبيه سواء أكان الشخص يرى فعلاً الأشياء، أو يتخيَّل رؤيتها، وبحسب نتائج التنبيه المغناطيسي، ثبت أن هذه الفعاليات يتمُّ عليها تعديلات دماغيَّة معيَّنة. افترض كوسلين (الصورة 20) بالتالي أن العين (في حالة الرؤية الفعليَّة) والذاكرة القديمة (في حالة الرؤية التخيِّلية) ترسلان المعلومات لما يسمَّى سطح العرض الفراغي أو الحاجز البصري visual Buffer والذي يخضع للوظيفة الإدراكيَّة من خلال ما يسمَّى مجازًا بعين العقل Mind’s eye.

في النهاية نستطيع القول إن التنويم موضوع شائق جدًا، لكنَّه ما يزال تحت الكثير من التدقيق والتمحيص، ولا يزال غير معترف به من جميع الأوساط العلميَّة بما فيها بعض علماء وأطباء النفس. له أحيانًا الكثير من الفوائد، خاصة في مجال الألم وتغيير بعض العادات السلبية، ولكن ما يزال مشكوكًا فيه في العلاج النفسي، وإن كان بعض الأشخاص يذكرون فائدة كبيرة منه.

الصورة 20

*** *** ***

المراجع:

·         A Clinical Lesson at the Salpêtrière.

·         The American Journal of Clinical psychology , Lynn, Kirsh et al  57 (4): 390–401. doi:10.1080/00029157.2015.1011472PMID 25928778

·         Clinical Hypnosis as a Nondeceptive Placebo",  Kirsch, I., Capafons, A., Cardeña-Buelna, E., Amigó, S. (eds.), Clinical Hypnosis and Self-Regulation: Cognitive-Behavioral Perspectives, American Psychological Association, (Washington), 1999 ISBN 1-55798-535-9

·         The Complete Idiot’s Guide to Hypnosis: Roberta Temes, PhD

·         Two types of Image generation: Evidence from PET, Cognitive, Affective and behavioral Neuroscience Journal, March 2005, Stephen Kosslyn et al.

·         Neural systems shared by visual imagery and visual Perception: A Positron Emission Tomography study; Elsevier Nov 1997, Stephen Kesslyn et al.

 

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود