رمزية الأرقام والأشكال الهندسية
قيصر زحكا
من
خلال جزء من كينونته، يرتبط الإنسان بكل الكون، فهو يعيش ويتنفس من
خلال الروح الكونية، وتأتيه تلك المعلومات من المستويات الأخرى الروحية
والعقلية والعاطفية من خلال التجارب والأحلام والتأملات والصلوات
والناس حوله.
إذا تأمل الإنسان بحقائق عليا موجودة في المستوى الروحي، فهذا يحدث
طاقة وحركة معينة في أعماق نفسه، وعادة ما يكون الجواب من خلال رموز
معينة تأتي من خلال الأحلام والتأملات وغيرها، ومن هنا نجد أهمية
الأرقام والأشكال الهندسية والرموز بشكل عام، فهي الوسيط الذي تخبرنا
عن طريقه المستويات العليا عن حقائق معينة، وعن أجوبة لأسئلتنا
المتعددة، فالصور التي تأتينا عن طريق الأحلام هي لغة رمزية ولكنها غير
مطلقة، فهي ترتدي ملابس معينة، أما الصور المطلقة فهي الأشكال الهندسية
تمامًا مثل جسد الإنسان، فهناك الهيكل العظمي وعليه جاء اللحم والأعصاب
والشرايين والشحم والجلد والعينان وغيرها، وعندما يموت لا يبقى إلا
الأساس وهو الهيكل العظمي، هو الرمز المطلق الذي اختفى تحت ما تراكب
عليه من أشياء أخرى.
تعود الصور للمستوى العاطفي بالدرجة الأولى، أما الأشكال الهندسية
فتعود للمستوى العقلي والروحي الأعلى منه، وهذا ما يجعل للبلورات
الكريستالية أهمية خاصة، فهي تعبير عن الهندسة الصافية وليس من معالم
أخرى تراكبت عليها. قد يسأل البعض: ولكن البلورات عناصر كيماوية
وبالتالي العناصر الكيماوية أكثر بدئية وأصالة منها، ولكنها على
مستويات أخفض من البلورات وأكثر مادية، وبنفس الوقت تقول إنها آتية من
المستويات الروحية الأعلى وهذا تناقض. بالحقيقة لا تناقض هنا،
فالبلورات والمعادن والحجارة رغم كونها ماديًا أخفض مستوى من التطور من
النباتات والحيوانات والإنسان، ولكنها تمثل روحيًا المستويات الأعلى
لسبب بسيط جدًا وهو أن ما في الأسفل يعبر عن ما في الأعلى ولكن بشكل
مقلوب، تمامًا مثل الظل في الماء، فكلما كان الشيء أكثر ارتفاعًا في
الهواء، كلما كان ظله أكثر انخفاضًا في الماء.
كان فيثاغورث يضع التلاميذ في غرفة لفترات طويلة مع بعض الماء والخبز
ويعطيهم شكلاً هندسيًا كالمثلث أو الدائرة ويطلب منهم كشف معانيه،
والذين يكتشفون المعنى يصبحون فعلاً تلاميذه الفعليين. الشجرة كلها
موجودة بالبذرة، فمن خلال البذرة، نستطيع رؤية كامل الشجرة. الطبيعة
كلها تعمل على مبدأ اليانغ والين، التكثيف والتمديد، فالبذرة تتحلل
وتعطي الشجرة والشجرة تتكثف بمبدأ البذرة. الإنسان كله يتكثف من خلال
النطفة والبويضة ليعطي الجنين، والجنين يكبر ويكبر ليعطي إنسانًا
بالغًا من جديد. هذان المبدئان هو ما عُبِّر عنهما باللاتينية بـ
solve, coagula
أو التمدُّد والتكثُّف، فإذا أردنا الأشياء بكامل عظمتها، نمدِّدها
ونمدِّدها للانهاية حتى نصبح غير قادرين على رؤيتها، وهذا هو
solve،
وإذا أردنا معرفة التركيب الأساسي لها ورؤيتها من جديد نكثِّفها وهذا
هو
coagula.
هذا ما يحدث تمامًا بالأشكال الهندسية، فهي تعبير عن مبادئ أكبر في
المستويات الأعلى، فنمددها للانهاية أو نكثِّف اللانهاية في هذه
الأشكال المحدودة. تقوم كثير من مدارس التأمل واليوغا والاستنارة على
التركيز على حاسة معينة كالنظر لشيء معين أو سماع أو شم أو تذوق شيء
معين لنصل للذبذبات الأعلى والألطف من النظر والسمع والشم والذوق
واللمس، حتى نصل للانهاية، كذلك يمكن فعل الشيء نفسه من خلال الأشكال
الهندسية.
النماذج الأصلية أو الأنماط البدئية
Archetypes:
هي فكرة مستعملة في علم السلوك ونظريات علم النفس الحديثة، فهي قد تعني
سلوكًا معينًا أو نمطًا تبنى عليه أنماط أخرى من السلوك والتصرفات، وقد
تعني رمزًا معينًا ورد كثيرًا في الأدب والأساطير والرسوم، أما هنا
فأعني بها الفكرة الأفلاطونية بوجود مفاهيم معينة نقية من العوالم
الأعلى والتي تتظاهر بأشكال معينة على المستوى المادي والفكري
والعاطفي، أو الفكرة اليونغية (نسبة لكارل يونغ) بوجود فكرة أو نمط أو
صورة في اللاوعي الجمعي، موجودة بشكل كوني، وتعطي تظاهرات مختلفة
متكررة في عالمنا المادي.
الثنائية مثلاً نموذج أصلي، النور نموذج أصلي، الحركة نموذج أصلي...
لماذا؟ لأنه حتى على مستوى الأفكار يوجد حركة، حتى على مستوى الزمن،
يوجد حركة، حتى على مستوى العواطف يوجد حركة، والحركة يقابلها سكون
وهذه ثنائية. عواطفنا وأفكارنا أحيانًا تكون قاتمة وحزينة وأحيانًا
نيرة وفرحة وهذه ثنائية. الحياة والموت ثنائية ولكن الأسمى منهما هو
الواحد الأحد الذي لا يعرف الثنائية، ولكن سنرى لاحقًا كيف أتت هذه
الثنائية. لم تأتي الأرقام إلى المستوى المادي بشكل عشوائي، بل عبرت عن
مفاهيم أعلى في العوالم الأعلى، وبرزت الأشكال الهندسية كتعبير عن
الأرقام والمفاهيم الأخرى في العوالم الأدنى.
مفهوم اليانغ والين في الأدب والطب والفلسفة الصينية (الصورة أعلاه) هو
التعبير الأوضح عن هذه الثنائية، فكل ما هو ساكن هادئ بارد قاتم هو ين،
وكل ما هو حركي انفعالي حارٌّ مليء بالنور هو يانغ، والحياة والموت هي
تفاعل أبدي بين اليانغ والين اللذان يتداخلان باستمرار ولا يتواجد
الواحد دون الآخر، ويوجد دائمًا توازن بينهما، فكلما ازداد أحدهما عن
حد معين، بدأ يظهر الآخر، كما أن في داخل كل واحد منهما إمكانية التحول
للآخر، كما توضحه الدائرة الصغيرة في كل منهما. على المستوى الفيزيائي
نرى اليانغ والين في الذكر والأنثى، الشهيق والزفير، الحرِّ والبرد،
الصيف والشتاء، النهار والليل، اليقظة والنوم... الخ.
على المستوى العقلي، نرى اليانغ والين في الرغبة في معرفة العالم
الواسع حولنا، والامتداد للخارج، نحو الأجرام والكواكب والفضاء، وبنفس
الوقت العودة للداخل ومعرفة تفاصيل الذرة والنواة والخلايا، الرغبة
بالاستكشاف والرغبة بالهدوء والراحة والاستكانة، الرغبة بالرياضة
والسفر والنشاط والرغبة بالراحة والهدوء والقراءة وسماع الموسيقا. على
المستوى العاطفي، الرغبة بالتلاقي ومشاهدة الآخرين والكلام والضحك
والتواصل الاجتماعي، وبنفس الوقت، الرغبة بالوحدة والهدوء والعودة
للمنزل والنوم. على المستوى الروحي، نجدها في الرغبة بالامتداد والتوسع
والانطلاق، والرغبة بتجميع الشتات والتركيز والتقليص.
النموذج الأصلي للحركة، نجده روحيًا بالرغبة بالانتشار والانطلاق،
وعقليًا بانتقال أفكارنا للماضي والمستقبل والفضاء والعوالم الأخرى،
وعاطفيًا بالحركة المستمرة لعواطفنا بين فرح وبهجة وسعادة وخوف وحزن
وشعور بالقبض وشعور بالتوسع، وعلى المستوى الفيزيائي الجسدي، بالشهيق
والزفير، حركة القلب والتنفس والدم، الرياضة والرقص، حركة الدولاب
والسيارة والطائرة والصاروخ... الخ.
النموذج الأصلي للمحبة، نجدها روحيًا بمحبة الله والكون والطبيعة،
وعقليًا عاطفيًا بمحبة الآخرين والحيوانات والنباتات والطبيعة والألوان
والموسيقا والسفر، وجسديًا فيزيائيًا بمحبة الأشكال والألوان والجنس...
الخ.
كل هذا يعبر أن هناك نماذج أصلية ومبادئ أساسية أتت من عوالم أعلى
وعبرت عن نفسها في العوالم الأدنى بتعبيرات متعددة جدًا وأشكال مختلفة،
لكن من خلال الصلاة والتأمل والأحلام والطرق الروحية المختلفة نستطيع
لمس هذه النماذج الأصلية وإدراكها. سنرى أن الأرقام أيضًا أتت من هذه
المبادئ الأصلية.
رمزية الأرقام:
نستطيع من خلال الرمز النقطي للصفر بالأرقام الهندية، أو الدائري
البيضوي في الأرقام العربية، أو كما سنرى لاحقًا برمز الدائرة، وفكرة
الدوران حول نفسه والعودة إلى نقطة البداية، أن نرى أن فكرة الصفر أتت
من الكل المستتر الذي لم يعبر عن نفسه بعد، أي قبل خلق العالم، بينما
فكرة الواحد هي الكل الذي عبر عن نفسه. هذا يفسر أيضًا لماذا حرف الـ
O
يرسم مثل الصفر، لأن لفظه يعطي حركة إغلاق دائرية للشفاه، ويقال إن
الله عز جلاله لفظ
OOOOOOOm
عندما خلق العالم (ومنها ربما أتت كلمة
Aum
ومن ثم آمين). بينما نجد حرف واو بالعربية دائري حول نفسه ومن ثم بعده
امتداد نحو الخارج. حرف ألف بالعربية مشابه للرقم واحد، لأنه به بدأت
الأبجدية وبدأ التعبير عن الكون، وبالأحرف اللاتينية المشتقة عن
اليونانية، كان حرف
A
يكتب بشكل جانبي وبدون الخط الواصل بين الفرعين، دليل على الإطلاق من
الفم باتجاه الخارج كما نلفظه. في الكمبيوتر، نرى أن الدارة إما مغلقة
ويرمز لها بصفر، أم مفتوحة ويرمز لها بواحد، فمن الصفر والواحد، من
الاستتار والكشف ينشأ كل شيء.
نشأ رقم 2 من فكرة وجود احتمالين، إما الصفر وإما الواحد، إما المستتر
وإما المعبر. اليانغ هو عملية الانتقال من الصفر للواحد، والين هو
عملية الانتقال من الواحد للصفر، فالمبدأ اليانغي الذكري هو مبدأ
التعبير، واليني الأنثوي هو مبدأ الاستتار والانكماش وتكوين البذرة أو
الجنين والانتقال من التعبير للاستكانة.
ينشأ مفهوم الثلاثة من وجود مبدأ مستتر، مبدأ معبِّر، وعملية انتقال
بينهما وبالذات من اللا تعبير للتعبير، من اللاخلق للخلق، وهذا أحد
المبادئ الأساسية للأيورفيدا الهندية من خلال الفاتا والبيتا والكافا:
الفاتا مبدأ الحركة والتحول، البيتا مبدأ الطاقة والكافا مبدأ الكتلة.
ينشأ مبدأ الأربعة 4، من وجود مبدأ مستتر، مبدأ معبِّر، ومبدأ متوسِّع
من المستتر للمعبِّر، ومبدأ منكمش من المعبِّر للمستتر، أو بطريقة
ثانية من وجود بداية ونهاية أو صعود وهبوط أو توسع وتراجع لأي من
ثنائية اليانغ والين، أو النور والظلام، أو الحرِّ والبرد. وهذا ما
نرى تظاهراته من خلال الفصول الأربعة: الصيف هو المبدأ المعبِّر،
الشتاء المستتر، الخريف المنكمش، والربيع المتوسِّع. كذلك من خلال
العناصر الأربعة: النار هي المبدأ المعبِّر، الماء هو المبدأ المستتر،
الهواء هو المبدأ المتوسع، والتراب هو المبدأ المنكمش، لذلك كان رقم
الأربعة هو الرقم الأرضي والوجود الأرضي ورقم البناء الأساسي ورقم
المربع والمستطيل وشبه المنحرف وغيره.
رقم الخمسة هو لضرورة وجود توازن بين الأربعة (الصورة أعلاه) بعدما
ابتعدت عن المركز وعن الواحد، فلا بد من شيء يجمعها، وهذا ما عبر عنه
الصينيون بالعنصر الخامس للأرض، وهو يختلف عن مفهوم التراب والذي عبروا
عنه بالمعدن، فمبدأ الأرض هو الذي يحدث التوازن بين الروح والمادة، بين
العناصر الذكرية من نار وهواء والعناصر الأنثوية من تراب وماء.
الصفر هو البداية والنهاية، الألفا والأوميغا، حيث لا يوجد بداية ولا
نهاية والكل لا نهائي. قال الأقدمون بأن القدرة الإلهية هي دائرة حيث
مركزها في كل مكان ومحيطها ليس في أي مكان. يعبِّر الصفر عن الوجود قبل
عملية الخلق، هو رقم القدرة الإلهية والطاقات الكونية الكامنة. يقوِّي
الصفر كل الأرقام التي تظهر معه، وهو يشمل كل الأرقام الأخرى ويقرِّب
الإنسان إلى القدرة الإلهية والجوهر. يتناغم الصفر مع اهتزازات الأزلية
والأبدية والواحد والكل. يعطي معنى الخيار والإمكانيات والرحلة الروحية
التي على الإنسان خوضها في الحياة، وعندما يظهر الرقم صفر، فهو يعني أن
يسمع الإنسان لحدسه وذاته العليا وهناك يجد كل الأجوبة.
الواحد هو رقم البداية والخلق والتفرُّد والاستقلال والطموح وقوة
الإرادة، ويتناغم الرقم واحد مع طاقات النشاط والقوة والقيادة
والمبادرة والحدس والبصيرة والنجاح والاعتماد على الذات والتنظيم.
يرتبط بالشمس، اللون الأحمر ويوم الأحد. يجبرنا الرقم واحد على الخروج
من أماكننا المريحة والروتينية باتجاه المغامرة وإثبات النفس
والمعتقدات والأفكار والأحاسيس.
اثنان يعبِّر عن القطبية بين نور وظلام، ذكر وأنثى، جيد وسيء، محبة
وكره، سعادة وحزن... الخ. يعبِّر عن التوازن، القدرة على استعمال
المشاعر، الفن، الحساسية، السلام، الدبلوماسية والاهتمام بالتفاصيل،
وله علاقة بهدف الحياة الروحي مع تحقيق الحياة المادية، يرتبط بالقمر،
يوم الاثنين واللون البرتقالي.
ثلاثة يعبِّر عن التفاؤل والإبداع والتواصل والكلام والصداقة وحسن
السلوك والتعاطف، وهو يعطي كما رأينا معنى التكوين من خلال مكوٍّن،
عملية التكوين، والشيء المكوٍّن، والتوسع والنمو والتفكير والعفوية من
خلال الثلاثية: خالق ومخلوق وعملية الخلق، والتي تنطبق على كل فعل نقوم
به، مفكِّر، المفكٍّر به، وعملية التفكير، ثلاثي الماضي والحاضر
والمستقبل، ثلاثي الفكرة والكلمة والعمل، أو الفكر والإحساس والإرادة.
يرتبط بالمريخ ويوم الثلاثاء واللون الأصفر وهو لون الفكر.
أربعة هو رقم الواقع والوجود الأرضي كما سبق وذكرت، إنه رقم العناصر
الأربعة من ماء ونار وتراب وهواء، الاتجاهات الأربعة من شرق وغرب وشمال
وجنوب، الفصول الأربعة. هو رقم العائلة من أب وأم وولد وبنت. يتناغم
هذا الرقم مع الفكر العملي والتنظيم والصبر والإخلاص والشرف والتحمُّل
وضبط النفس والعدالة والجديَّة والالتزام. إنه رقم الأساسات مثل المربع
والمستطيل. يرتبط بكوكب عطارد بالدرجة الأولى ويوم الأربعاء واللون
الأخضر، لون الطبيعة.
خمسة: بعدما عبَّر الأربعة عن الوجود المادي وابتعد عن المركز إلى حدٍّ
ما، لا بد من قوة تسمح بإعادة التوازن، فالخمسة يحمل بعض بذور الواحد
مع الأربعة، فهو يعطي للأربعة مجالاً جديدًا للتكوين والإبداع والبداية
الجديدة. يجمل الرقم خمسة فكرة التحرر من الواقع المادي والقيود التي
يفرضها من خلال وجود الرقم واحد داخله والذي يعطي فكرة التفرد
والاستقلال، فالرقم خمسة يحمل معاني التغيُّر والسفر والمغادرة وعدم
التعلق، والتنوُّع والتأقلم مع الواقع الجديد والتطوُّر، يرتبط بعنصر
الأثير حسب الحضارات الإغريقية والعربية والغربية، وبعنصر الأرض حسب
الصينيين (والذي كما أسلفت لا يعني الأرض بمعناها الصلب والتي يعبَّر
عنها عندهم المعدن، بل يعني الأرض النابضة بالنفس، والتي تجمع عالم
الروح مع عالم المادة). له علاقة بأخذ القرارات الحياتية وتعلم دروس
الحياة من خلال التجربة. يرتبط الخمسة بكوكب المشتري ويوم الخميس
واللون الأزرق. عند السلتيين أو الكلتيين في غرب أوروبا والمملكة
المتحدة، كانوا يتحدثون دائمًا عن العنصر الخامس.
ستة: مثلما عبَّر الخمسة عن دخول رقم الواحد من خلال الأربعة، فالستة
هو دخول الاثنين من خلال الأربعة، فهو يعطي للعالم الواقعي معنى
القطبية والثنائية، فيسعى للتوحيد والجمع والمحبَّة وربط ما هو أعلى
بما هو أسفل، ربط الخيال مع الفكر، القدرة على تحمل مسؤولية القرارات
المتخذة. يعطي الرقم ستة معنى الرعاية والإحسان والحماية والشفاء
والاقتصاد ومحبة المنزل والعائلة، التضحية، التوازن... يرتبط بكوكب
الزهرة بالدرجة الأولى وأورانوس ويوم الجمعة واللون النيلي وأيضًا
الأخضر.
سبعة: بما أن الرقم أربعة هو رقم العالم المادي، والثلاثة هو رقم
التكوين والإنشاء والخلق من خالق ومخلوق وعملية الخلق، فالسبعة يربط
العالم المادي بالروحي، ويتناغم مع ذبذبات وطاقات الوعي الكوني
والاستنارة الروحية والتطور الروحي ومعرفة الذات والحكمة والحدس
والأساطير وعلم الفلسفة والخيمياء والمعرفة، يرتبط بكوكب زحل ويوم
السبت واللون البنفسجي والرمادي.
ثمانية: يدخل الواقع المادي للأربعة بواقع جديد من خلال الثمانية، فهنا
تدخل عوامل واهتزازات السلطة والقوة الشخصية والقدرات التنفيذية
والمهنية والمال، لذلك كان رقم الحظ المالي عند الصينيين. تأتي هنا
الرتبة الاجتماعية والتقاليد والأعراف والمظهر العام وحسن اختيار
القرارات لتلعب دورًا أساسيًا في تكوين السبب والنتيجة أو مبدأ
الكارما. يرتبط بيوم الأحد ولكن هنا باللون الفضي.
إذا نرى بشكل عام أن هناك دورة أساسية من الأرقام 1، 2، 3، 4 والواحد
يعطي فكرة التفرد والاستقلال، اثنان القطبية والتوازن، الثلاثة عملية
التكوين والخلق من المستوى الروحي للمادي، والأربعة فكرة الوجود
المادي، وهذه الأرقام تشكل دورة أو حلقة، لتبدأ بعدها حلقة جديدة على
مستوى أكبر من خلال الخمسة والستة والسبعة والثمانية، ومن بعدها دورة
جديدة تبدأ بالتسعة... الخ، ولكن بنفس الوقت هناك دورة ثانية من خلال
وجود الصفر، الذي كما سنرى، يقوِّي من تأثير الأرقام التي يتواجد معها،
فتبدأ دورة من الرقم 10، وحتى 19، لتبدأ دورة جديدة من 20 وحتى 29...
الخ.
تسعة: يعود الرقم 1 ليؤثر من جديد من خلال الرقم 9، فيعطي معاني التفرد
والإبداع والعبقرية والذكاء العالي والقيادة وربط العوالم الثلاثة من
فيزيائي وعقلي وروحي وهو الرقم الأخير قبل العودة من جديد للوحدة من
خلال الرقم 10 ويرتبط بيوم الاثنين واللون الذهبي.
عشرة: يقلِّص الرقم 10 إلى الرقم 1، ولكن وجود الصفر معه يضخِّم
ويقوِّي من اهتزازاته وطاقاته. يحمل الرقم 10 كل التغيرات الجديدة
للحياة مع عامل الحظ، لذلك ارتبط في علم التبصير
Tarot
مع ورقة عجلة الحظ. مثل الرقم 1، يحمل معه طاقات القيادة والتفاؤل
والثقة والاستقلال والنجاح. الرقم 10 هو رمز الحب والحياة، ايزيس
وأوزيريس.
11: بوجود واحد مضاعف، يعطي هذا قوة أكبر لذبذبات الرقم 1 ويحمل معه
بدايات جديدة، وبنفس الوقت كون مجموعه رقم 2، يحمل التوازن بين الشمس
والقمر، العمل والراحة، المشاعر والأفكار، الذكر والأنثى، وكذلك الكمال
والصقل.
12: يتمم الرقم 12 الدورة الثالثة، وكونه يحمل الرقم 4 مضروبًا بثلاثة،
فهو يعطي فكرة البداية والطريق والنهاية لكل عنصر من العناصر الأربعة،
ولهذا جاءت فكرة الأبراج، بداية واستمرار ونهاية للنار والهواء والماء
والتراب، والشهر الاثني عشر من بداية للفصل وذروة ونهاية.
رمزية الأشكال الهندسية:
الدائرة: نرمي حصاة في الماء، فنجد أمواجًا دائرية تتكون وتتوسع بدئًا
من نقطة مركزية. إن الدائرة والنقطة المركزية هي رمز العالم بأكمله
(الصورة أعلاه)، فالدائرة هي رمز الكون، والنقطة هي رمز الكائن الأعلى
الذي يحمي ويغذي تلك الدائرة. تبتعد النقطة المركزية بنفس المسافة عن
كل نقاط الدائرة، وبهذا تحافظ على توازنها. تحدث كل عمليات التكوين
والحياة في المسافة ما بين المركز ومحيط الدائرة. في واقعنا الحاضر،
ننظر بكل بساطة للدولاب، ولكن ألم يكن الدولاب يومًا ما هو واحد من أهم
اختراعات البشرية؟ أليس الدولاب هو الذي جعل كل شيء يتحرك في عالمنا
المادي؟ لقد تكلمت كثير من الحضارات القديمة وبعض الكتب المقدسة عن
الآلهة والملائكة التي تدير الدولاب السماوي، ومن ثم كائنات أخرى تدير
الدولاب الأرضي، دولاب القدر لكل كائن على الأرض؟ إذا رأينا أوراق
البصَّارين
Tarot،
سنجد أن الورقة العاشرة هي رمز الدولاب، وحسب الأرقام العربية أو
الهندية، الصفر هو رمز الدائرة والواحد هو المبدأ الذكري المتوسع
المتجه للخارج، والصفر هو الرمز الأنثوي المحتوي للطاقة، وباتحاد
الواحد مع الصفر، تحصل الوفرة والكثرة. بدون الواحد، فإن المبدأ
الأنثوي 0 غنيٌّ ووفير ولكنه غير منظم وليس له اتجاه، فالـ 0 يمثل
الماء، الكون المادي الذي يكون بدون الواحد عديم الحياة، راكدًا،
قاتمًا، والواحد بدون صفر، طاقة متوسعة متجهة ولكن تأكل نفسها بدون
وجود الكتلة والموارد الداعمة لها.
يتحرك الواحد أو النقطة المركزية بشكل خطي مثل الكهرباء والمبدأ الذكري
والعقل والروح، بينما تتحرك الدائرة بشكل دائري مثل المغناطيس والمبدأ
الأنثوي والقلب والنفس؛ ومن أجل الحفاظ على التوازن فيجب تواجد الاثنين
معًا، فالنفس والقلب يعبر عنهما من خلال الدائرة، أما الروح والعقل فمن
خلال الإشعاع الصادر من النقطة المركزية أو المحور، وهما أيضًا المحبة
والحكمة، فالحكيم فقط دون محبَّة، هو نقطة بدون دائرة حماية حوله، هو
قائد بدون جنود، والمحبُّ فقط دون حكمة يتعثَّر في كل مكان لعدم وجود
توجُّه وتنظيم. نجد هذه الفكرة في كل مكان، فالخلية ذات نواة مركزية
تحتوي الشفرة الكونية، فهي الروح، والسيتوبلازما حولها هي الكون، هي
الفضاء، هي الطاقات وهي النفس، والغشاء الخلوي هو الجسم. نرى نفس
النموذج في العين من خلال البؤبؤ وكرة العين، في الفواكه من خلال
البذرة والثمرة، في الذرة من خلال النواة والالكترونات. ماذا كان مصير
الأرض والمجموعة الشمسية لولا وجود النقطة المركزية وهي الشمس، ماذا
كان مصير كل ما هو على الأرض لولا وجود النقطة المركزية والجاذبية؟ لكي
يحصل التوازن والتناغم، لا بد من وجود مركز، رأس، شيء تدور حوله
الأشياء الأخرى. مركز الكون بأكمله هو الله عز جلاله. يرسل المركز
النور والحكمة باتجاه المحيط ويرسل المحيط المحبة باتجاه المركز. لماذا
يدور الدراويش وهم ينظرون لنقطة مركزية، ولماذا يلجأ الناس للصلاة
والتأمل وغيرها من الأفعال الروحية؛ أليس للبحث عن المركز، للبحث عن
النقطة التي يحكم فيها السلام. وبالحقيقة، فإن مركز الدائرة هو إسقاط
لقمة المخروط (الصورة أدناه)، والقمة تعني الأعلى، التسامي والتصاعد.
تعبِّر قمة المخروط والتي تمثِّل مركز الدائرة عن الاهتزازات والأمواج
القصيرة، وبالتالي الأكثر تواترًا. هي النقطة التي يتواجد فيها السلام
الروحي، وهو ليس بسلام راكد غير متحرك، بل بالعكس، هو حالة من
الاهتزازات الأعلى، التي يظهر من خلالها الفعاليات الأكثر تصاعدًا
ورقَّة؛ فمن قمة الجبل، نستطيع رؤية الكلِّ بدون أي عائق، يجد الإنسان
نفسه جبَّارًا وهو يقف على قمة الجبل، ومن يحاول السعي للوصول للنقطة
المركزية، يملك الوضوح والسلام والحرية. من أجل الاقتراب من المركز، لا
بدَّ من زيادة اهتزازات أفكارنا وأحاسيسنا، وعادة ما نجد هؤلاء الناس
شفافين رقيقين مترفعين، أما من يظل في المحيط، نجده ثقيلاً ماديًا
قاسيًا. عندما نهتم بالمركز فقط، سنعرف ما يدور في المحيط، ولسنا
مضطرين لمعرفة كل دقائق العلم والفلسفة والأدب، ومن قال هذا ومن اكتشف
ذاك، بل نجد نفسنا قد حصلنا على معرفة كليَّة من خلال البصيرة والحدس
والإلهام. نسمع ونقرأ أنه في التاريخ، حصل الكثير من المؤمنين الأوائل
على التنوُّر والإلهام من خلال ممارساتهم البسيطة، لكن المستمرة في
ظروف بدائية جدًا، وكانوا يحملون كتبهم الرثَّة المغبرَّة من أجل نسخها
وكتابتها بكل إيمان وتواضع. بالمقابل ، نرى أنفسنا الآن، وقد احتوت
مكتباتنا المذهَّبة على كل ما هبَّ ودبَّ من المعارف والعلوم والفلسفات
بأجمل حلَّة من الكتب، ومع هذا نضيع في التفاصيل والسطحيات دون الوصول
للعمق.
هذا المركز هو ما جعل الصينيين يتحدثون عن التاو، وفي جسم الإنسان عن
الـ
Dan Tien
(باليابانية
Hara)،
وهو المركز الموجود أسفل السرَّة بالبطن، ويتكلمون عن المحارق الثلاثة
San
في الصدر والبطن والحوض، وعن العين الثالثة في مركز الرأس. إن فكرة
الدائرة والمركز هي أساس فكرة المتاهة في الأساطير القديمة، وأساس
الماندالا في التيبيت (الصورة أدناه). تظل النقطة المركزية بعيدة
المنال ما دام الإنسان لا يهتزُّ على نفس طول الموجة التي بداخله.
المثلث: ينشأ المثلث من التحام المبدأ الذكري أو الروح أو اليانغ، مع
المبدأ الأنثوي أو المادة أو الين، وإعطائهما مبدئا ثالثًا وهو النفس،
أو من عملية التعبير من كون أو صفر، لتعبير أو واحد، وعملية التعبير
نفسها، أو من خالق ومخلوق وعملية الخلق، أو مفكٍّر ومفكِّر به وعملية
التفكير... في الكيمياء، نجد الحمض والأساس والملح. في الإنسان، نجد
العقل والقلب والإرادة، أو بطريقة أخرى الفكر والإحساس والعمل، وفي
الفضائل: الحكمة والمحبَّة والحقيقة. مثلما يولد الطفل من الأب والأم،
يولد الملح، يولد الملح من الحمض والقلوي، ويولد العمل من الفكر
والإحساس، والحقيقة من المحبَّة والحكمة، وفي الايورفيدا الهندية
الفاتا والكافا والبيتا، أو الحركة والكتلة والطاقة.
رغم تعدد المثلثات (الصور أعلاه)، إلا أن المثلث المتساوي الأضلاع هو
الذي يعطي الانسجام الأكبر والتناغم الكامل، لأنه يظهر اتفاقًا كاملاً
بين المبادئ الثلاثة وعدم سيطرة أحدها على الأخرى. يتظاهر الإنسان
ككائن يفكِّر ويشعر ويعمل، يفكِّر من خلال عقله، يشعر من خلال قلبه
ويفعل من خلال إرادته. قمة الفكر هي الحكمة، وقمة الشعور هي المحبَّة
وقمة الإرادة هي القوة والقدرة. كما أننا نرمز للشمس بالدائرة، كذلك
يمكن ترميزها بالمثلث من خلال المبادئ الثلاثة التي تعطيها: الحياة
والدفء والضوء، وهذا ما جعل الكثير من الحضارات القديمة تعتبر الشمس
تعبيرًا عن الألوهة من خلال الدفء المعبَّر عن المحبَّة، النور الذي
يعبِّر عن الحكمة، والطاقة المعبِّرة عن الحياة.
رمز المثلثين المتداخلين رمز قديم جدًا سبق اليهودية بآلاف السنين، لكن
اليهودية استعملته كرمز مميَّز لها. في الحقيقة، فإن المثلث ذو الذروة
نحو الأسفل يعبِّر عن المبدأ الذكري، والذروة نحو الأعلى عن المبدأ
الأنثوي... لماذا؟ لأنه بكل بساطة، تنظر المادة أو المبدأ الأنثوي أو
الماء باتجاه الأعلى نحو الروح، منتظرة إياه أن يلقحها وأن يعطيها
الحياة والشعور، بينما المبدأ الذكري أو الروح أو النار ينظر نحو
الأسفل، من أجل أن يعبِّر عن نفسه، ومن أجل أن يكون له كينونة،
واتحادهما هو ما يعبَّر عنه بالمثلثين. طبعًا على مستوى فيزيائي، فإن
كل من الذكر والأنثى يحملان المبدئين معًا في داخلهما، لكن المظهر
الخارجي يكون ذكريًا أو أنثويًا أو مختلطًا في حالات نادرة.
على المستوى الكيماوي، نجد داخل الذكر والأنثى الهرمونات الذكرية
والأنثوية بنسب مختلفة. في الجنين، ينشأ العضو الذكري من بداية أنثوية.
على المستوى العاطفي، نجد في كليهما الهدوء والعنف، المحبة والنزاع،
اللطف والقسوة، وعلى المستوى العقلي، يحمل كلاهما الرغبة بالمعرفة
للعالم الخارجي وللمعرفة الداخلية وسبر النفس.
مثل اليانغ والين، هذان المبدئان دائمًا الارتباط والدعم لبعضهما
البعض، فالرجل يضيع بدون المرأة والمرأة تضيع بدون الرجل. هذان
المثلثان موجودان في كل شيء؛ ففي الدماغ والضفيرة الشمسية مثلاً، نجد
المادة الرمادية والبيضاء بشكل مقلوب، ففي المخ والمخيخ، نرى المادة
الرمادية أو السنجابية في الخارج والبيضاء بالداخل (والمخ بشكل عام هو
العضو الحاكم، المعبِّر، الذي يفرض شروطه على كل الجسم)، بينما نرى جذع
الدماغ والضفيرة الشمسية ذات مادة بيضاء بالخارج، ورمادية بالداخل، لأن
عملها صامت تلقائي، لا نشعر به، ولكنه مسؤول عن البقاء والاستمرار من
خلال الجملة العصبية الذاتية. حتى الجملة العصبية الذاتية التي لا نشعر
بها، هي أيضا جزء ودِّي مسؤول عن تسرع القلب والتنفس وكل ما هو ضروري
للهرب والدفاع والمواجهة، وجزء نظير ودِّي، مسؤول عن تباطؤ القلب وحركة
المعدة والأمعاء، وكل ما هو ضروري للاسترخاء والراحة. المخ بدوره له
قسمان: الأيسر منطقي عملي تنفيذي، والأيمن حدسي فنِّي إحساسي، فسنجد
المثلثين في كل جزء أصغر وأصغر حتى نصل للخلية. المخُّ يعبِّر عن
المثلث الصاعد والضفيرة الشمسية وجذع الدماغ عن المثلث النازل. الإنسان
نفسه إذا عاش حياة مادية فقط راكضًا وراء الغرائز الجنسية والجوع
والامتلاك، أصبح كالبهائم وأكل في النهاية بعضه البعض، وإن عاش فقط
حياة روحية، تشرَّد وعاش بلا مأوى وطعام ومات، فلا بدَّ من إدراك ضرورة
المبدئين وتوازنهما وجمعهما من خلال المبدأ الثالث وهو النفس الذي يربط
المادة بالروح، كما يربط الأبناء الأم بالأب.
المربع والمستطيل وشبح المنحرف: لن أطيل الكلام عنها، لأني كما ذكرت أن
الرقم 4 هو رمز الحياة المادية بعناصرها الأربعة من ماء ونار وهواء
وتراب، فصولها الأربعة، اتجاهاتها الأربعة، رقم العائلة والسلطة
المادية... الخ. أساس البناء والركائز دائمًا مربع أو مستطيل، فالأشكال
الرباعية هي أساسات وركائز الحياة الواقعية. يكون التجانس طبعًا على
أعظمه في المربَّع، وبشكل أقل في المستطيل وبشكل أقل في شبه المنحرف.
تعبِّر الأشكال الرباعية عن الحدود والقيود، أساس الحياة الواقعية.
نظريًّا يماثل المكعَّب المربَّع، فهو أيضًا رقم 4، فالمكعَّب يمثِّل
كل ما هو ثابت ومستقر بالمادَّة، لذلك نرى الفراعنة يجلسون على حجر
مكعَّب، وهو رمز استقرار مملكتهم، أما بالحقيقة، فإن المكعَّب ليس
تمامًا كالمربَّع، إذ إننا لو فتحناه ومثلناه على مستويين، نجده صار
كالمصلَّب، وهذا أحد الأسباب الذي جعل الكنيسة في القرون الوسطى تستعمل
المكعَّب للتعبير عن ديمومة حكمها واستقرارها.
كون المكعَّب مغلق، فإنه يمثِّل التحدُّد والسجن، لذلك كان الصليب
المكوِّن للمكعَّب يمثِّل أيضًا التحدُّد والقيود والمعاناة.
تربيع الدائرة: بما أن المربَّع يمثل الحياة المادية، والدائرة عالم
اللانهاية وعالم الروح؛ فقد كان هوس كثير من علماء الرياضيات عبر
التاريخ، تربيع الدائرة، أي إيجاد مربَّع يطابق تمامًا مساحة الدائرة،
وهو بالنهاية محاولة فهم كيف نصل عالم الروح بعالم المادَّة. كيف نصل
عالم اللانهاية والدوران المستمر حول نفسه والطاقة بعالم التحدُّد
والحصر والقيود. من خلال الدائرة، يمكن للمربَّع أن يزدهر ويعطي ثماره؛
فمن خلال دورة الطبيعة الأبدية والفصول المتعاقبة، تجد الأشجار لنفسها
الأزهار والثمار. الشخص الذي يضع دائرته (أي خياله وأحلامه وروحه) ضمن
مربَّع واقعه، يمشي بقسوة على كعبيه، معكِّرًا صفو الأرض تحته، أما
الذي يضع دائرته أكبر من مربَّعه، لا يمشي بل يطير، وحتى أن الأرض لا
تضع العقبات أمامه، لأنها تحب أن تشعر بنبضاته فوقها، فالأرض ذات
حساسية عالية وواعية.
إذا لم يدرك الإنسان أن المربع يقع داخل الدائرة وليس خارجها، يكون
بذلك غير مدرك للفلسفة الحقيقية للحياة. عندما نحطِّم منزل شخص ما، هل
نمنعه من الوجود؟ فالشخص بآماله وأحلامه، يمتدُّ خارج حدود منزله،
وعندما يموت جسد الإنسان، هل تنعدم روحه أم تمتد لآفاق وآفاق بعيدة؟
المخمَّس أو البنتاغرام: كثيرًا ما ارتبطت الأحداث التاريخية المهمَّة
بظهور نجم معيَّن في السماء، أو بداية ظهور القمر أو اكتماله بدرًا.
كثيرًا ما عبَّر الأقدمون عن النجم بالمخمَّس. بالحقيقة رمز المخمَّس
هو رمز الإنسان الكامل (الصور أدناه).
في علوم الكابالا، يتكون اسم الله عزَّ جلاله من أربعة أحرف وهي:
Iod, Hé, Vau, Hé
لتشكِّل
Yehovah.
اليود بشكل الحرف المرتفع تعبِّر عن الروح، الهي الأولى تعبِّر عن
النفس، الفاو تعبِّر عن العقل، والهي الثانية تعبِّر عن القلب. هذه
المبادئ العليا عظيمة جدًا، ولكن ليكن لها وجود واقعي، لا بدَّ من
الإرادة، وهي العنصر الخامس، ولهذا وضع حرف الشين في المنتصف ليصبح
Yeshouah،
والذي عنى عندها اتحاد المادة والروح، وهنا يصبح معنى الإنسان هو
الألوهة المتظاهرة على الأرض، ومن هنا كان دور الإنسان الأساسي وما
يميِّزه عن كل الكائنات الأخرى هو إعطاء معنى وقدسية للحياة ورفع مستوى
المادة.
إذا نظرنا للحواس، نجدها خمسة: البصر، السمع، الشمّ، الذوق واللمس.
اللمس هو أكثر الحواس قربًا وتلامسًا مع المادة، وأكثر أعضائنا
المستعملة للمس هي طبعًا اليدين والقدمين، وكل واحدة لها 5 أصابع،
فهناك مفهوم أصلي أو
Archetype
من خلال الرقم خمسة، يعبِّر بتظاهرات متعددة من خلال الحواس أو
الأصابع. الأصابع هي الهوائيات أو الأنتينات اللاقطة، فالإبهام مرتبط
بكوكب الزهرة والسبابة بالمشتري والوسطى بزحل والبنصر بالشمس والخنصر
بعطارد حسب الأقدمين. النجمة الخماسية هي نجمة الإنسان بامتياز، أما
السداسية فهي ربط العالم المادي بالروحي.
الإنسان مخمَّس حيٌّ، فعلى المستوى الروحي والأخلاقي لديه خمس فضائل هي
المحبَّة، الحكمة، الحقيقة، العدالة والطيبة. إذا ربطنا هذه الفضائل
بالعناصر الأساسية المذكورة سابقًا، سنجد أن الحقيقة مرتبطة بالروح،
المحبَّة بالنفس، الحكمة بالعقل، الطيبة بالقلب والعدالة بالإرادة،
وإذا ربطناها بالحواس، نجد أن الحقيقة والروح مرتبطين بالبصر، المحبة
والنفس بالفم، الحكمة والعقل بالسمع، الطيبة والقلب بالشم، والعدالة
والإرادة باليدين والقدمين واللمس. إذا استطردنا أكثر لربطها مع
العناصر الخمسة، وهي عناصر الطبيعة من هواء ونار وماء وتراب، مضافًا
لها العنصر الخامس وهو المستخلص الأنقى منها ويدعى بالأثير، وأحيانًا
بالجوهر الخامس
Quinta Essentia،
وهو الذي يجمع العناصر الأربعة الأخرى، كما نلاحظها بوضوح في الفلسفة
والطب الصيني، أو عند السلتيين في غرب أوروبا. الإرادة ترتبط بالتراب،
القلب بالماء، العقل بالهواء، النفس بالنار، والروح مع الأثير.
من هنا جاءت فكرة المخمَّسين، فالمخمَّس الصغير الإنساني أو
المايكروكوزم يعيش ويعمل ضمن المخمَّس الأكبر وهو الماكروكوزم أو الكون
الفسيح، ومن هنا جاءت فكرة المعبد الداخلي والهيكل الإلهي الموجود داخل
الإنسان؛ فالإنسان الذي يقوِّي إرادته ويطهِّر قلبه وينير عقله ويرتفع
بنفسه ويضحِّي بروحه، يصبح فعلاً معبدًا وهيكلاً حقيقيًا بدل آلاف
المعابد والهياكل ودور العبادة الخارجية، التي تتنافى مع بعضها وتتصارع
طوال الوقت، غير مدركة أن الهيكل الحقيقي موجود داخل الإنسان وليس
خارجه.
يعتبر المخمَّس والنجمة الخماسية من أكثر الرموز استعمالاً، على
الأعلام وخلال الاستعراضات العسكرية، وفي المقاهي الليلية ودور الرقص،
من قبل الجمعيات السريَّة، كما ترتديه كثير من النساء كنوع من الحليِّ
غير مدركة لأبعاده وماذا يمثِّل. أهم شيء يجب الانتباه له أن تكون ذروة
المخمَّس للأعلى وليس للأسفل، فالذروة العلوية تعني الإنسان الناظر
للأعلى باتجاه الله عزَّ جلاله، الإنسان الذي يعمل من أجل إظهار مجد
الله؛ أما الذروة السفلى فتعني الإنسان الذي خرج عن نظام الله، واتَّجه
ربَّما باتجاه الشيطان... لماذا إذا أعطي للشيطان رمز الجدي؟ لأنه مع
وجود اللحية والقرنين والأذنين الحادتين، يكون الشكل مثل المخمَّس
المقلوب.
الهرم: يتظاهر الإنسان من خلال الروح والنفس والجسد، وبالتالي يعيش ضمن
المستوى الروحي والنفسي والجسدي، أو بطريقة أخرى عالم المبادئ، عالم
القوانين وعالم الأفعال. يجب الارتفاع لمستوى إدراك أكبر لنجد القوانين
المتحكمة بالأشياء، وإلى مستوى أعلى وأعلى لنعرف المبادئ التي تسيطر
على تلك القوانين، وإلى مستوى أعلى وأعلى وأعلى حتى نصل للحقيقة
الكليَّة الأبدية.
يتكوَّن الهرم من مكعَّب في الأسفل، يحمل فوقه أربعة مثلثات. المكعَّب
في الأسفل هو رمز المادَّة، بينما المثلَّث هو رمز الروح والمبادئ
الإلهية: النور، الحرارة والحياة. الثلاثة تتطاير دائمًا نحو الأعلى
باتجاه الروح، والأربعة ينغرس دائمًا نحو الأسفل باتجاه المادَّة،
وباجتماعهما ينشأ السبعة، رقم التوازن بين المادَّة والروح، وهذا ما
يعبِّر عنه الهرم، فهو يربط السماء بالأرض، وهو بنفس الوقت رمز الإنسان
المتكامل (الصورة أدناه)، لذلك تبنَّت الحضارات القديمة والديانات فكرة
أن الإنسان هو مفتاح الكون، فمثلما المفتاح هو صليب فوقه مثلَّث (خاصة
بداية المفاتيح)، فهو نفس رمز الهرم والإنسان: الأربعة يتراكب عليها
الثلاثة، أو المادة يتحكَّم بها الروح.
التصالب أو الصليب: لقد رُبِط طبعًا رمز الصليب بوفاة السيد المسيح،
ولكن هذا الرمز تواجد قبل المسيحية بقرون وقرون. لقد عُرِف هذا الرمز
في بلاد الهلال الخصيب ومصر والصين والهند وغيرها، ومن اخترعه تمامًا
لا ندري. ربما الطبيعة نفسها. إذا تأمَّلنا حركة الماء والنار، نجد أن
الماء يسيل وينزلق، فهو يتبع خطًا أفقيًا، بينما النار تتبع خطًا
شاقوليا، فهما متشابهان من حيث المبدأ ولكن ليس الاتجاه، وهما يشابهان
الطبيعة الأنثوية والذكرية. إذا وضعنا الماء ضمن النار أطفأتها، وإذا
وضعنا النار على الماء بخَّرتها، بينما إذا تصرَّفنا بحكمة ووضعنا
الماء في وعاء معيَّن، وأشعلنا النار تحتها، سنحصل على طاقة كبيرة جدًا
نستطيع استعمالها لتحريك الآلات وربَّما العالم بأكمله.
يعبِّر الصليب عن المبدئين الأنثوي والذكري، واللذين يلتقيان من أجل
عمل العالم بأكمله من خلال مركز تلاقيهما؛ فممركز التلاقي هذا يوحِّد
بين القوى، وبالمقابل يظل هناك مسافة بين الخط الشاقولي والأفقي ولا
يلغي أحدهما الاخر، وهذا ما على الرجل والمرأة أن يفعلا، فعليهما
الالتقاء دون إلغاء الواحد للآخر، وهنا تظهر قوتهما في استمرار الحياة
والحفاظ عليها، أما إذا تحوَّلت الحياة لصراع مستمر بينهما من أجل
السيطرة، لبخَّرت النار الماء أو أطفأت الماء النار. خلال التاريخ،
أضيف للصليب رموز أخرى، فمنهم من أضاف المثلَّث فوق الصليب، وهو رمز
المفتاح أو العالم الروحي فوق المادِّي، ومنهم من وضع الدائرة فوق
الصليب، واستعمله أيضًا كرمز للمفتاح أو لكمال العالم المادِّي، ومنهم
من أضاف شكلاً معقوفًا لكل خطٍّ من خطوط الصليب. قديمًا، وضعت الخطوط
المعقوفة في أيسر كل خط، وهنا يدور الصليب عكس عقارب الساعة ويعطي فكرة
الشدِّ أو الحصر (مثل صنبور الماء نديره عكس عقارب الساعة لإغلاقه)، أو
فكرة منع الطاقات من الانفجار، وهو يعني سيطرة الروح على المادَّة،
واستعمِل هذا الرمز من قبل اليوغيين، أما الصليب المعقوف عند الأيمن
والدوران مع عقارب الساعة المعروف بال
Swastika
فهو يعني فتح الطاقات بأكملها وجعلها تنفرغ بعشوائية، ويعطي فكرة القوى
الجسدية والنزوات، وهذا ما استعمل من قبل النازية كدليل على القوَّة
والتسلُّط. دوران الصليب يعطي طبعًا شكلاً دائريًا، وكلَّما كانت
الحركة قويَّة ومتناسقة، كلَّما كان ضوء الشمس أقوى.
الصليب المعقوف
عندما نفتح المكعَّب، نحصل على صليب (الصورة أدناه)، وعندما نفتح
المربَّع، نحصل على تصالب. لا ننسى أيضًا أن الجهات الأربعة من شرق
وغرب وشمال وجنوب هي تصالب بحدِّ ذاتها، ويمكن أن يضاف لها بالفراغ
الخطُّ بين الذروة والقاع. الأبراج الفلكية عبارة عن ثلاثة تصالبات،
الأول هو حمل ميزان وسرطان جدي، التصالب الثاني أسد دلو وعقرب ثور،
الثالث قوس جوزاء وحوت عذراء، وفي كل تصالب، نجد المبدأ الذكري
والأنثوي، فالتصالب الأول يحوي على محور ذكري هو حمل ميزان، ناري
هوائي، ومحور أنثوي هو سرطان جدي، مائي أرضي.
إذا أخذنا الصليب الفراغي (الصورة أدناه)، نجد أن لكل رقم معنى مميَّز:
الرقم 1 هو الصليب بأكمله أو مبدأ الكلِّ.
2 هما المحوران الشاقولي والأفقي،
3 الطول والعرض والعمق أو الأبعاد الثلاثة،
4 الاتجاهات الأربعة للفروع،
5 المكعَّبات الخمسة التي يتشكل منها الصليب الفراغي أو مبدأ المخمَّس،
وهنام مخمَّس منير من الأمام، ومخمَّس مظلم من الخلف،
6 المربَّعات التي تشكِّل السطوح العلوية والسفلية لهذا التصالب،
7 المربَّعات التي تشكِّل سطوح كل فرع من الفرعين الجانبيين،
8 المربَّعات التي تشكِّل الفرع الأفقي،
9 المكعَّبات الخمسة + الاتجاهات الأربعة،
10 مجموع المربَّعات الأمامية والخلفية،
11 مجموع المربَّعات الأفقية الستَّة للأمام أو الخلف + المربَّعات
الخمسة للأسفل،
12 مجموع مربَّعات الفرع الأفقي والعمودي.
من هنا نرى، أن الأرقام ليست مفصولة عن بعضها، بل بالنهاية هي جزء من
الواحد.
نفس الشيء ينطبق على الإنسان، فالإنسان الكائن الحيُّ واحد، يصبح اثنين
عندما نتكلم عن جسده وروحه، ثلاثة عندما نتكلم عن الجسد والنفس والروح،
أو عن الفكر والإحساس والإرادة، أربعة عندما نتكلم عن عناصره الأربعة
من ماء ونار وتراب وهواء، خمسة عندما يفتح ذراعيه وفخذيه فيصبح
كالمخمَّس، أو حواسه الخمسة أو أصابعه الخمسة... الخ، أو عن الفضائل
الخمسة من طيبة، عدالة، محبَّة، حكمة وحقيقة أو صدق. نضيف العمود
الفقري فيصبح ستَّة، نتكلم عن الأجسام السبعة من فيزيائي، أثيري،
كوكبي، عقلي، سببي، بوذي أو سماوي، أتمي أو روحي، أو عن مراكز الطاقة
السبعة المدعوة بالتشاكرا. نتكلَّم عن الأقنية الثمانية العليا في الطب
الصيني، وعن الطاقات التسعة في الفونغ شوي
Feng Shui،
وعن المبادئ العشرة في الكابالا
Kabbala،
وعن الأبراج الاثني عشر والأقنية الاثني عشرية الأساسية في الطب
الصيني.
اعتُبِر الصليب الخطي كتعبير عن تصالب المادة والروح، أو المبدأ الذكري
والأنثوي على المستوى الفكري، والصليب المسطَّح كتعبير عنه على المستوى
الروحي، والصليب الفراغي على مستوى التظاهرات حسب الكابالا. أصبح الحجر
المكعَّب (والذي يصبح صليبًا عندما يفتح) هو حجر الأساس في بناء كل شيء
فيزيائي وروحي ودور أساسي في الاستنارة. يرمز أبو الهول عند المصريين –
والذي يحمل رأس إنسان وجسم ثور وأجنحة نسر ومخالب أسد إلى التصالب
المكوَّن بين محور أسد–دلو وعقرب-ثور في الأبراج، وهنا النسر يشغل برج
العقرب، فيمثِّل أبو الهول العناصر الأربعة، وهذه الحيوانات الأربعة
مذكورة في رؤيا يوحنَّا. من خلال تمثيل الصليب للمادَّة والعناصر
الأربعة، ارتبط مع الزمن، وخاصَّة عند الديانة المسيحية، بالمعاناة
والألم؛ لكن هل يأتي الخلاص من دون ألم ومعاناة، لذلك سمِّي الخلاص
بالروسيَّة éVoskréssèni
وبالبلغاريّة
veuzkréssènié
أي الخروج من الصليب.
في علم الخيمياء، يقال للوعاء المستعمل للصهر بوتقة، وبالفرنسية
creuset،
وبالانكليزية
Crucible،
وهي آتية من كلمة صليب، لماذا؟ لأنه باعتقادهم أن المادة الأساسية
المرموز لها باللون الأسود تتحلَّل وتتنقَّى، وتصبح لونًا أبيض،
وتتقطَّر وتلتحم وهنا يصبح اللون الأحمر، ثم تتسامى وتتصاعد، وهنا
اللون الذهبي، وهذا ما جعل الخيميائيين يسعون لتحويل كل معدن للذهب،
وهذا ينطبق على الحياة الداخليَّة من خلال النور والفرح والجمال
والمحبَّة والإرادة تتنقَّى نفوسنا وترتقي.
*** *** ***
المراجع:
-
The complete Book of Chinese Health and Healing: Daniel Reid
-
A complete Guide to Chi Gung: Daniel Reid.
-
Le Langage des figures Geometriques: Omraam Aivanhov.
-
Le Symbolisme du corps Humain: Annick de Souzenelle.
-
Spiritual Alchemy: Dr. Christine Page