الوطنُ شبحٌ
يبدِّل وجهَه...
عن رجالٍ لا يفعلون ذلك...
مروة ملحم
حينَ
التقيتُه لم يكنْ يبدو أبدًا كرجلٍ سيحدِّثني يومًا عن الوطنْ، كانَ
منهكًا ويسمِّي اﻷشياءَ بغيرِ أسمائها
-
هل أنتَ شبحٌ أيُّها الغريب؟
-
نعم وقد سئمتُ اﻷبديَّة، فنجانُ قهوةٍ معكِ اﻵنَ سيكفيني.
اﻷبد... أخٌ توأمٌ لاحتمالِ الموتِ كلَّ يوم.. لا عمرَ لي.. أحيا بلا
أيَّام.. قال.
وقلتُ عن عينيهِ الغائرَتينَ إنهما حمص،ُ وإنَّ كفَّه تبتسمُ مثلَ حلب،
وصدرهُ ساحاتُ حمامٍ كأنهُ دمشق...
لكنَّ الخرائطَ كانت تذوبُ في فمهِ وكنتُ أتساءلُ في أيِّ مدينةٍ
سيرميني اﻵنَ حينَ ينطق..
الرجلُ الذي يُنزِلُ الحربَ عن أكتافِهِ ليرفعَ قدمًا علِقت على
الحدودِ بينَ مدينتين، يكذبُ حينَ تسأله من مزَّقَ ثيابك، لن يقولَ
يومًا إنها اﻷسلاكُ الشائكةُ بينَه وبينَ جيرانه، يبكي إن عرفتَ أنهُ
يملكُ سلاحًا ويقولُ إنهُ تركهُ تحتَ تلَّة الكتب...ِ وأخفى الرصاصاتِ
في درجِ الرسائل... والخوذةَ في سَقيفةٍ رطبة، حيث لا يطالُها أحد..
كلُّ شيءٍ يُصابُ بعدوى الحب.. قال
كيفَ أخذتكَ الحربُ إليها؟.. قلتْ
-
تخيَّلي لو أنَّ هذا الوطنَ امرأة ، كيفَ كانت ستبدو؟ وما شكلُ
الفساتينِ التي كانت سترتديها .. أتساءلُ عن ذوقِ امرأةٍ متقلِّبةِ
المزاجِ مثلَه
-
هل قتلتَ أحدًا؟ أخبرني
-
هل تعلمين كم أحبُّ أمي؟ أحبُّ كل ما يُشبهها.. هذا الحيُّ يحملُ
رائحتَها، وكأنّها اﻵن تلاحقني بـ"سندويشةِ الزعتر"، تغلقُ كاملَ
أزرارَ معطَفي وتلفُّني بلفحةِ الصوف..
-
قل لي كيف يبدو المشهدُ من خلفِ البندقيَّة؟
-
أحيانًا حينَ أغضبُ أتذكَّر معلِّمةَ الصف اللئيمة، تحملُ عصا خشبيَّةٍ
و تعاقبُ دونَ سبب، تخلعُ خلفَ البابِ قناعَ اللطافةِ لتشتمَنا مثلَ
عاهرة ، وهكذا يبدو الوطنُ حينَها...
-
أنا حتى اﻵن لا أعرفُ دينَك...
-
انظري ما أوسعَ ابتسامةَ الله حينَ يضيءُ شمعةَ ميلاد النبيِّين...
-
عِدني فقط أنَّكَ لن تموت...
-
لن أموت .. أعِدك...
"يومًا ما سأجرحُ يدكِ وأدعكِ تنزفينَ قليلاً ﻷشاهدَ دمكِ، وستشرحينَ
لي كيفَ خلقَ اللهُ حاسَّةَ اللمس.."
يومًا ما سأتركك تحكي ما تشاء.. وسأقرأُ طالعكَ من جبينكَ لا من يديك..
ستحدِّثني عن أمِّكَ والوطن.. وسأعرفُ دائمًا أنك ملاكٌ وأنَّ قدومكَ
إليَّ كانَ نزولاً من سماءٍ ثامنة.
*** *** ***