فوضى المواسم
وقصائد أخرى

 

مكسيم نوفل

 

فوضى المواسم

أريد اللقاء كثيفًا كثيفًا بحجم الوداعِ
أريد الرُّجوع،
كثيفًا كثيفًا بحجم الغياب
أريدُ العذاب،
سخيًّا سخيًّا كَمِلحِ الفراق،
أريدُ الوصول،
قريبًا قريبًا كهذي الضلوع
وهذا الشَّغف.

أريدُ من العُمر فوضى المواسم،
لُبَّ التَّطَرُّفِ،
صِرْفَ الكثافة في كل شيءٍ،

كنبعٍ تفجَّر ثُمَّ انصرف.

خذيني قتيل احتدام الفصول
وسمِّي المواقيت باسمي ولكن،
دعيني أنامُ
على هامش الكون بين المواسم
حتَّى يؤذِّن أوجُ الفصول
ليُطعِمَ جوعي
ولا توقظي القلب
في المنتصف.

***

واكتُب

- واكتُب قليلاً للفرح!..

- ربَّما.. أو لا أعرفُ كيف...

- كما تكتب..!

- أكذب..؟

- ليس تمامًا.. لكن إن لزم الأمر...

- فتاة خجولة.. قصيدة الفرح... فتاة خجولة..

- كيف؟

- في زمن فجٍّ... عارية... ليس لها من ثوب الحقيقة ما يكفي لستر لحمها.

- خذها من يدها بلطف.. إنْ كُنتَ لطيفًا تذهبُ معك... لم يُخلق وقتٌ اسمه الوقتُ المناسبُ للحزن.. وكُلُّ وقتٍ قد يُناسبُ الفرح.

- ربَّما.. لكن لماذا قد أعرضها بخجلها وعريها على العابرين؟

- اعرضها في زقاق ضيِّق إن لزم الأمر... حيث لا يمرُّ إلا البؤساء.

- والشوارع الواسعة؟

- حيثُ الأجسادُ الخواء..؟ لا روحَ. هنالك.. كيف تعرضُ روحًا على أجساد بلا روح... يأكلونها! كقطعة لحم نيئة.

- قُلتِ اكتبْ غير الحُزن!

- قلتُ اكذب...

***

أحمق

لنُبقِ الوردَ مُعاقبًا في الرُّكن المُظلم من الغرفة..
إن كان ولا بدَّ، باقةُ فُلٍّ؟ بنفسجة.. ياسمينة.. نرجسة..
تفرَّستِ يومًا في بتلاتِ قُرُنفلٍ أبيض؟ رأيتِ كم تكادُ تكونُ يديك؟
لا شيء كيديك...
ياسمينة؟ بنفسجة؟ هي جميعًا أبسط، أصدق، أقرب للأرض منها للبشر...
أكثر ترفُّعًا... أكثر انشغالاً بذاتها... بأمِّها الأرض،
بمهمَّاتها البسيطة بين انتظار الفراشات وترتيب ضفَّة النّبع..
أكثر انشغالاً بذلك عن غوغاء القلوب..
أمثالنا لا يميلون للورد.

ليس للأحمر منه على الأقلِّ
يُربِكُهم الورد.. يحتارون فيه..

صادق؟ مُبتذل؟..
يزجُّ الأحمقُ نفسَهُ في كل شيء، كخلطةٍ شعبيَّةٍ تُداوي سبعَ عِلل...

أبِنا عِلل؟
يتسلَّقُ كلَّ الجدران.. كل القلوب، حيَّةً وميِّتة.. صادقةً وكاذبة..
كنبتةٍ طُفيليَّةٍ.. كنجمة سينما حسناء غبيَّة..
تُريدُ أن تظهر في كلِّ المشاهد بأيِّ ثمن..
بلا أيِّ سبب...
لِمَ قد يحتاجُها البطلُ معهُ في طريقه إلى مسألة وُجود؟
واجلس يا وردُ في الرُّكن هنالك هادئًا...

حيثُ لا تُزعِجُ أحدًا.. لا تُقيِّدُ الليلَ بلونك الفجِّ...
حيثُ لا تفرضُ أشياءكَ على هذا الحوار!

- وأنا!!

- أنتِ؟

- لا رأيَ لي؟

- ليسَ حين أُعدُّ أنا الليل..
تعرفين ما ينبُتُ للروحِ في الليل؟
أصابعُ تتحسس ضربات فرشاة الرسم في لوحة زيتية مغرية...
تبحث عن صفة الروح..
هنا اشتاقت، هنا غضِبَت، هنا حَنَّت، هنا انفعلت، هنا يئست، هنا عشقت، هنا انكسرت...
وكان الجسد كاملاً كاملاً

لا غَضِبَ ولا حَنَّ ولا انفعَلَ ولا انكسر

- والحُبُّ؟

- ....

- الآن أعجزك الكلام!

- لا ينبُش شيئًا في عظامي السيِّدُ (حُبّ).. يقفُ أمامي يتمرَّغُ في أرضٍ موحلةٍ كقطٍّ مشرَّد... يصيحُ هيتَ لك!
كبائِعٍ مُتجوِّلٍ غناؤهُ أثمنُ ما عنده!

- الحُبُّ!

- لم أجد أحمقًا على وجه هذه الأرض لم يمدَّ يدهُ في فم الحبِّ! لم أجد شيئًا مُبتذلاً في الدُّنيا قدره! هذا الاختراعُ الأنثويُّ لحظةَ الولادة، المتربِّي في حماقة الرجلِ بامتياز، بكلِّ تُراثه وتفاصيله أبد الدَّهر...

- كُفَّ!

- أنت سألتِ!

- أيُّ شيءٍ هو الذي لي عندك إذن؟

- روح.. شؤون روح.. هذه أعلى من مناكفات القلب في اختلاط الشهوات والحاجات!

- وكيف تقولُ "أُحبُّك"؟

- آمنتُ بك!

- أحمق... آمنتُ بك.

***

يخاف الليل

التي تأخُذُ الليلَ في يديها،
تلمُّهُ في ذراعيها، تطويهِ على صدرها، مثلما تطوي الشراشف الحريرية عن حبل الغسيل:
"
تعالَ يا ليل..
تعال أخبِّئك معي، تحت غطاء السرير، من البرد
تعال أحكُّ أنفك بجديلةٍ من لونك!
تعال أنثُرُ لك قصص العاشقين..
من ذا نَذَركَ لقصص الخوف!
من ذا أخافك..
تعال أخبِّئك معي، أحكي لك عن ستِّ الحُسن..
ذهب الشَّاطر حسن، ليربط الخوف في تلَّةٍ بعيدة...".
..
تعلمين ما يُخيفُ الليل؟
أن تنتهي حكايا ستّ الحُسن، فيعود لمنفاهُ في قصص الخوف.. في الليل.

***

أوغست

واهرب، أوغست
..
أرأيت ما أريناك؟
أنصتَّ لما تلَيناه؟
كان عذبًا مُغرقًا في الحقِّ؟
ذاك زورُنا الموشَّى كجلد الأفاعي، أوغست.
قُلنا: نُحبُّك، فاتَّبِعنا،
وابقَ على العهد.
العهدُ قيدُنا، أوغست!
إنَّهُ أسوارُ الحصنٍ، حصن القبيلة..
لكيلا تُغادر وهمنا الحقيقيَّ
فتضرب لنا مَثَلاً لا نجده في التعاليم!
بخسةٌ بضاعتنا،
ولا نملكُ إلّاها، أوغست!
غاليةٌ إذن!
ثمينة...
ما حاجتنا إلى أن نرى فيكَ سماءً
أعلى من سقوف قلاعنا المسكونة بالأساطير.
واركض..
قبل أن يُدركنا الموتُ،
ربَّما،
ربَّما على يديك يُدركنا نبيٌّ
فنرى أباطيلنا أباطيلاً،
ونؤمن بشيءٍ آخر!
اركض الآن، أوغست!
إنَّ القومَ قد ائتمروا بك ليقتلوك!
وسيبكونك!
سيبكونك كثيرًا وسيحضنون صليبك!
ماذا ينفعك حُبُّنا لصليبك حين تموت!
سيقولون لم يمُت!
أيدفعُ ذلك الدمُّ في عروق جثَّتك!
اركُض أوغست اركض
أُركُض، أوغَسْت، أُركُض!
أُركُض كأنَّك ملجأُ الخيبات،
قالَ القلبُ: قد امتلأت!
قُل: لا مزيدَ،
أُركُض!
كأنَّك عُمرُنا المذهولُ عُمرًا،
حتَّى يُنبِّههُ لعُمرِهِ، الموت!
اهرب!
ساقاك للريح،
ونارٌ مسعورةٌ جوعى،
تلاحق لحمك الفاني،
تزمجرُ: هيتَ لك!
هيتَ لي!
واهرب،
من كلِّ شيءٍ لا يُخلَّد.

***

"لحم أصيل"

..
حصاني الأصيلُ الجريح،

الذي أطلقوه على بابِ غابة،
مخافة أن تجرحَ القلب، قلبي،
رصاصة موتٍ رحيم،
يُراوحُ ما بين قتلٍ وقتل...
فهل للخيول حرارة روح؟
وليس هناك حصانٌ بأنياب ذئبٍ..
ولا في الذِّئاب خَلوقٌ
يُكنُّ احترامًا لعرقِ الخيول..
حصاني الأصيل الذي أطلقوه
مجرَّدُ لحمٍ أصيل..
فما طعمُ لحمٍ أصيل؟
... وفي غابة الذِّئب
لا يعقدُ البومُ جلسةَ حُكمٍ...
ولا يحضرون الشهود...
فما من شُهودٍ
ولكن شهودٌ..
ولا ما يُلحُّ على قولِ شيءٍ!
فقُلْ أيَّ شيءٍ...
تناول ذئبٌ طعامَ الغداءِ
على وقعِ أنَّة...!
حصاني الذي قد نفوه
مُجرَّدُ حادثةٍ عابرة.
قتيلٌ وعابر...
أصيلٌ وعابر..!
كمصرعِ طفل..
كطفلٍّ تُجنِّدُهُ شهوة الموت للحرب..
ديوانِ شِعرٍ عن الجائعين..
كعشقٍ مُملٍّ..
ومثلي ومثلكِ..
في كُلِّ غابة..
هناك اختلقنا
ككلِّ الأساطير:
"
موتٌ كريم"
أَمَوتٌ كريم!

***

عشَرَةُ مجانين

1
قالت: أنا لا أحتار فيك، وتأكلُكَ حيرتك فيَّ.
لأجلك وقعتُ في عشقِ أنني أنثى، كأنْ لم أكن كذلك من قبل
كأنَّ أنوثتي ثوبُ سهرةٍ يرتديني دافئًا شهيًّا معك، وأحبُّه!
وهذا ما عندي،
فإن لم يكن يكفيك هذا، إذن فاذهب،
فأنا لا أعرف كيف أحبك.
قال:.. قتلتني.
...
أسأل: أيُّ شيء يمكن أن يُقال بعد ذلك، ليكسرُ الصمت الذي فاض عليهما.. على ليلهما.. على حبٍّ كاملٍ يرزحُ تحت ثقل الحيرة.

2
أهكذا يقترب حبك وكرهك؟ أهكذا يختلط الموت والحياة في ذات جسد؟
أهكذا أنا قربك... هل هنا الآن هو ما وراء الطبيعة".

3
"
ماذا تقولُ زجاجة المرآةِ للأُنثى الرقيقةِ،
حين يُدركها ربيع العمر والقلب الظميُّ بلا حبيبٍ
يمدحُ التفاح في صدرٍ يبابٍ لم يُمسَّ:
"كفاكِ تحديقًا فسرب الحاصدين مضى وفاتكِ
والكرومُ كثيرةٌ
ماذا يُضيرُ إذا ذوتْ تُفّاحتان؟".

4
والغيابُ كالضباع.. لا يعضُّ قلبًا ليس به ثقوب.

5
"أَتَرى حين يتمزّقُ الليل بيني وبينك؟ تسمعُ ذلك الصوت القبيح؟ حين أُرتِّبُ وسادة الليل الناعمة لأجلِك؟ وتسألني لمن تُعدُّها؟ أُجيبُكَ لكْ!... تسألني: وأَنت؟... أنا سأكتفي بابتسامتي إلى جوار عطرك الذي يتسرَّبُ فيَّ كَدَمي...
تجذبُ الوسادة بعيدًا من يديِّ قبل أن أنتهي... أتسمعُهُ حين يتمزَّقُ الليل بيني وبينك؟"

6
"تتهامسان،
عينا حبيبي حين يسرقني الشرود...
تتجادلان...
ويعيدني من رحلتي لَحْظٌ عنيد".

7
"لَكِ في تفاصيلي أنا، لَمَساتُ عاشقةٍ تُزيِّنُ بيتها..
ليَ في كَيانكِ كلِّهِ،
روحٌ تُحاورُ روحها..."

8
"حين يفيض الشوق عن الخوف، تتفتح كل أبواب قلعتها العالية، ويغدو التحليق في فضاآتها المستحيلة ممكنًا ممكنًا"

9
"قلمي والدفتر والموسيقى،
خبزٌ للروح
وجوعُ الروحِ سماءٌ تمتدُّ وتمتدُّ،
ولا أجد لعينيكِ طريقًا..."

10
"أَنا ما رَجوتُكَ ما رَجوتُكَ ما رَجوتُكَ،
هاتِ قلبي،
رُدَّ لي تلك الرواية عن صروف العشقِ
ذوبني الحنين المرُّ فيكَ وليس يعذرني الحنين".

***

وعد

خمسون قاطرةً جَرَتْ
غربَ المحطةِ
حين كانت عشبةٌ
قُربَ الرَّصيف
تُغازل الدنيا بطيئًا،
أزهَرَتْ،
لم تنتبه للوقتِ... لم تُسرع،
على مهلٍ نَمَتْ من دون خوف...
والقطارات التي مرت سريعًا
كان يأكلها ببطء الواثقين
فمُ الصدأْ
القطارات التي مرَّت سريعًا
كان يملؤها التراب.
مرت سريعًا ثم عادت..
ثمَّ مرَّت..
ثمَّ عادت واختفت...
ما فاتني شيءٌ
وقلبي مُثقلٌ بالبرد
لكنَّ القطارات التي مرت سريعًا
لم تَعِدْ روحي بشيء...
عشبةٌ قُرب الرَّصيف استأثرت
بي،
والوعود.

***

الرسائل: 101

وأسأل..
هل تحققت رؤاي كلَّها؟
لكن، هذا الجوع؟
هذا الوحش المتعطش لكل شيء..
ولا يكتفي بشيء
يأكلُ قطعةً مني إن أنا تأخرتُ في اطعامه.. أيَّ شيء..
كأنَّما هذا النَّهَمُ طريقتهُ الوحيدة في اثبات وجوده
صوته، يده، رجله، صورته... هذا النَّهَمُ هو كل شيءٍ فيه
ولأي شيء مفجوعٌ هذا الوحشُ هكذا!..
ربما هو أنا..
ربما..
ربما أتحسس جسدي.. روحي... أشيائي كلها،
فلا أجد إلا الهواء..
هواء..
خفيفٌ بلا أيِّ لون
بلا ثقلٍ
بلا رائحة..
وبي هَوَسٌ لأن أملأه..
أملأه بكل كثافة الأشياء التي عليَّ أن أنهبها من الدنيا
لأملأه..
أحتاجُ أن أملأه!
ما شأني أنا بعبثيَّة الطبيعة!
أحتاجُ أن يصبح لي وزنٌ أُحسُّه..
وزنٌ، يُكذِّبُ كُلَّ هذا الفراغ الذي يحتلُّ الجسد - قشرة الوجود..
ليصبح لشبح الرُّوحِ لحمٌ ودم..
كي لا تعود يدي تنفذ في لا شيء حين أمدها فيَّ!
كم أمقتُ حين أمدُّها فيَّ ولا ترتطمُ بأيِّ شيء..
أيُّ شيء!
أقبلُ بحجرٍ في جوفي، ولا أقبلُ بلا شيء!
ولا وقتَ عندي!
لا وقت يفيضُ عن حاجتي لأنفقه على الهباء..
ربما..
ربما.. ربما لا أراني..
صورتي في المرآة، مرآتي،
باهتة.. ينفذُ منها الضَّوء..!
عليَّ أن أصبغني من عمقي..
أصبغني من داخل لحمي ودمي بأي شيء...
بكل شيء..
لأتَّخذ شكلاً...
لأعرفني!
ربما.. لا أعرفني..
وأُلقي بي من ذروة الأشياء، في ذروة الأشياء..
لأرى إن كنتُ منها
لأرى من أي الأشياء أنا
لأرى
أيَّ شيءٍ أنا.. أنا..
..
كأنِّي..
لستُ أعرفني، كأنِّي..
حين يوجعني اختلاط الوقت
باللهفات والحاجاتِ
يخبو
بريقٌ كان في عيني يُغنِّي
بريقٌ كان من أجلي يُغنِّي..
فأغدو تائهًا لما ينامُ
ولستُ بعد الآن مني
كأني
لست أعرفني
كأني...
...

كنتُ كُلَّ العُمر أتمنَّى لو أعثرُ على الإجابات كلِّها
أن أعرف
أن أحسَّ بذلك الوحش الجائع يهدأ ولو قليلاً... ولو مؤقتًا..
حين ألقي في فمه إجابةً عن أيِّ شيء.
لكنني لا أعرف
وصرتُ أؤمنُ أنني لن أعرف
وأنَّ كلَّ ما ينبغي لي،
هو أن أقنع الوحش بالكفِّ عن اشتهاء لحم الإجابات.. أن يكتفي بالخُبز!
لأنَّ الإجابات ليست عُرضةً للصيد... أبدًا ليست عرضة للصيد!
الإجاباتُ، كما القمح،
مخبَّأةٌ في السنابل في انتظار أن تُحرثُ الأرضُ لها وتُزرع
وتلك غايةُ الوجود..
وأمَّا الشَّغَف.. النَّهَم.. الاستعجال.. وضيق الصَّدر بالأسئلة،
فمن عمل الشياطين... ولي دائمًا أن أعيد النَّظر.

***

للريح

كانت امرأةً يأكلُها الانتظار
يكبُر داخلها كغُصَّةٍ،
كوحشٍ أخرسَ بطيءٍ يزحف ثقيلاً
كأفعى متخمةٍ تتلوى
ثقيلة لم تعد تبالي بالهرب من أي حتفٍ يُحدِقُ بها
تتلوَّى في القلب وتكبُر
تكبرُ تكبرُ، وتذوي ورودها قليلاً قليلاً
في أرضٍ نَذَرّتها بُورًا حتَّى يعود
كان ليلُها الأخرسُ داخلها، لا ينتهي
لا يقتلُهُ أيُّ فجر
لكن ابتسامةً مُتعبةً لا تزال تجد الطريق إلى ثغرها رغم كلِّ شيء
"قادمٌ هوَ... قادمٌ على مراكب الريح
أنا المرفأ والميناء... وأنا وطنُه
وكلُّ مسافرٍ في الأرض لا بد أن تضيق به الأرض، فيعود
لا بد أن يستيقظ فيه الحنين الذي كانَ غفى ليُتِمَّ السَّفَر
الحنين إليَّ أنا... وكلُّ ما أريده هو رمقٌ آخرٌ كي أُصلِّي
لتكون رحلته سريعةً كشوقي إليه".
هيَ امرأة.

وكانَ رجُلاً،
نصفهُ غيابٌ،
والنصف الآخرُ حنين..
كم هيَ توليفةٌ للموتِ تلك... لحمٌ من غياب.. عظامُهُ حنين!
ولا صوت للأموات
لا يصعد من فم تلك الهاوية على حافة الغياب أي شيء،
حتى الصوت.
بين صلاتها لعودته،
وموته،
كانت الرِّيحُ تضحك
تعوي، تعدو..
تعوي وتضحك.

***

طقسُ الدَّفن

فلنحتفل!
قليلاً فقط، بأنَّا لسنا من جرحى المعركة!
نحن، أنت وروحك،
قتيلان جِدًّا
وليس من واجبنا انتظارُ أن نشفى،
ولا أن نموت!
ليس بعد الآن..
فنجان قهوة؟
فليكن..
لكن انتظر قليلاً، لا يزالُ الدَّمُ أحمر
سيسودُّ عمَّا قريب
ولا يعودُ المشهدُ إباحيًا هكذا!
هذا أفضل..
أَأَلَذُّ من انتصاف السواد هذه الليلة مرَّتين!
ثلاث!
ثلاثُ مرَّات!
القتل والليل وفنجان قهوة!
فليكن..
تتحسس فنجانك كأنما تبحثُ عن لذة المعصية
خصرُها أم فنجان قهوة؟
الآن؟ فنجان قهوة..
طالما كرِهَتني حين أكون ميِّتًا! لن يعجبها هذا الحال!
"أنا، وليليَ لي.. قهوتي لذَّتي، ولا شأن لي بسواي.."
نَكتُب؟
لا ليس اليوم... لا يروق لي الليلة نزفُ أيِّ شيء على الورق غير السُّعالِ ضحكًا!
من أيِّ شيء سنضحك!
أيُّ شيء... منها! لن يُعجبها هذا الحال!
بم كُنت تُفكِّر قبل أن يُصبح الفنجان الأخيرُ، أخيرًا؟
... بأشياء كثيرة..
لكنك لم تُفكِّر أبدًا بقاتلك."
"قاتلي؟"
لكن لا يزالُ الليلُ غضًّا.

*** *** ***

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني