خرائب
ملحمية
2
فيصل زواوي
شبح
سيزيف
السَّموم مسلولة هذا اليوم
والصَّخرة ترتجف على بقايا كتف تمثال هرم
من تسوَّل تسوَّل الآكام السَّابلة
بلا كفٍّ
بلا فاه
أحدهم في شارع القارعة
يلعن فتنة البقاء
لم يقوى صريخه على
إسكات موته
مذ تلكم اللَّحظة
وهو يطارد ظلَّه الفارَّ
في ارتياع الفلوات
من أوان فواته
صعبٌ أن تقول ما تريده حقّا
أو أن تشي بشيءٍ
عن حياة مكسوَّةٍ بالعراء
بل ميسورة الضرَّاء
لحدِّ التَّبلُّه بالأضغاث
يا للمأثرة!
قد بزغت لفافة الشَّفق أخيرًا
محفوفة بالحمَّى والسُّهد والصَّقيع
ووهنُ أثير اللَّيل المسجور
قد تمدَّد بصدر الملأ الأعلى
وحشة في جهم الأسئلة
أيُّها الشَّبح الملبَّد بذهني
هل هناك خرشوف بأورشليم؟
سأكتم وجوم العالم
من على ظهرك يا سيزيف!
*
شاعر
ذكراك لم تزل منزوية بجوف الظَّلماء، هناك...
أين خمد الكون أخيرا بخَلدي
قبضتُ أصابعي
قرعت صدري المهجور:
أبقي بك دقَّات كافية لتعُدني إلى الوراء؟
منتصف طريقي لأرض الأحلام قد مضى
وتركني هنا الممدَّد سدى
كنت بحاجة للحظة من نفَس الإله
لأهجر الزَّمن والمدى
لأكون أوحدًا، ساكنًا، لأرى،
لأصغي عبر أيان سرِّك
خافت، خافت
وأشباح الميِّت يرتِّلون بجنون
ترنيمة الترنيمات
بجنازة كل الجنائز
كم غربتك أليمة
أيُّها الفؤاد
المؤبَّن.
*
هاجرة اللَّيل
يا عين الأنس
يا فاتنة الكرى
أرَقي بك شقَّ أقدح الدُّجى
واستمع لغزَل همسك
وتنفُّس أثيرك الهوى
شيء ما يتوارى أمامي
قد صحا الفجر ورائي
آه كم فسحته رهيبة
من دونك
من دونك
من تحت الثرى
يا عين الأنس
يا فاتنة الكرى.
*
غيبوبة
عصيٌّ عليَّ أن أستأثر
بالعواء الآسي من على تلٍّ
مرصَّع بالعيون المهيجة
المشحوذة المخالب والأنياب
لكن رغم غشية الرأس
من هرج المخالة في السُّكون
لا بدَّ أن تتوجَّس كل غفوة
من على دهاء الآلة[1]
فالموت يسأل كما يشاء
ودومًا هناك من يجيب
رغم الوعد
رغم الوعيد
الجسد لا زال مجعَّدًا بالكسل
ومغص الوقت لا زال يمزِّق أحشاءه
غريب وجهك المنسيُّ
الذي أحاول تذكُّره
في تعرِّي الحقيقة مني
ربما كنت مستعارًا
لحدٍّ الميؤوس منه
وحيدًا سأمضي
كما أتى زرادشت[2]
يومًا
ويا لجحيم الصُّدف!
حين أُساق متأرجحًا
على ظهره المحدودب
بدل التَّبهرج بالتَّابوت
سوف يتقاعس في حملي
ورجلاه تركله
وأُصبحُ السَّوط
من فرط الخلخلة
حتَّى يدحرجني ويمضي
خائرًا، محطَّمًا على نفسه
بنبرة المُنهك:
"من سيقوى على دفنك
يا صدفة الصُّدف
من سيصمد على لقيآك
أيها المنتظر"
أعرف أنني في حِداد الواقع
في غير أوانه
مذ أمسكت عن رمي أول حجر في الأفق
لمَّا وجدت تحته الخنفساء المعتم
مستغرقًا بطيِّ الكتمان
عن كل نظر
وأشعر بصدأي اللئيم
يقتات بنهم عليَّ
والخريف ينثر أرذل أيامي
وهذا الشِّعر الزَّمهرير
يحنُّ لحضن أريكة وثيرة
تترنح أمام موقد أثري
بغليون عتيق
والدخان الطَّريد ما أتعسه
حين تنسفه بيوت السُّعداء
كم من نهار سيفترسه الليل
وكم من قمر سيقرضه
فاكها
من على هذا التلِّ الحزين
وأستغيث بالعواء
من جهم الخواء
أيَّتها النجوم المتهافتة
بإيماءاتها الذَّليلة
أُغربي عن تخوم رجائي
لا وجه للهالك أنظره
ليشفي غليل أتراحي
لا ملجأ أنشده
إلا احتجاب الخنفساء
بدوار مرئاي
هل عليَّ العودة منِّي
خالص النيَّة
وكفى
عندما تخلص الحياة
ربما.
27/11/2007 –
الساعة الصفر
*** *** ***