كنت قد انطلقت في المحاضرة الأخيرة من المعاناة كحدث تكتمل فيه عزلة الموجود،
أي، كامل حدَّة علاقته مع ذاته وكامل قطعية هويته. أيضًا، انطلقت من المعاناة
كحدثٍ يجد الموجود نفسه في علاقة مع ما لا يمكنه الاضطلاع به، ويكون إزاءه مجرد
سلبية مغايرة تمامًا لا يمكنه إزاءها الإمكان. إنَّ مستقبل الموت هذا يحدد
بالنسبة لنا الآتي؛ الآتي على اعتبار أنه ليس حاضرًا. إنه يحدد ما يتباين في
الآتي عن كل استباق أو استشراف أو وثبة. إنَّ الانطلاق من فكرة كهذه عن الآتي
لفهم الزمان يعني عدم فهمه أبدًا كـ "صورة متحركة لأبدية ثابتة".
عندما ننزع عن الحاضر كل استباق يفقد الآتي كل طبيعة مشتركة مع الحاضر. فهو ليس
مدفونًا في قلب أبدية موجودة مسبقًا لنتناولها نحن فيما بعد. الآتي آخرٌ وجديدٌ
بشكل كلي. وبهذه الطريقة نستطيع فهم الحقيقة الواقعية للزمان، أي، الاستحالة
المطلقة لأن نجد في الحاضر معادِلاً للآتي. لا قدرة للحاضر على الآتي.