نصوص وقصائد

 

عبد الرحمن نجمة

 

(1)

"جورجيت"- امرأةٌ بعباءةٍ سوداء، تقيمُ في شقَّةٍ تطلُّ على الكنيسة في الشَّارع الممتدِّ على يمينِ الخيالِ بينَ الخطيئةِ الأولى ولعنةِ الموتِ المباركةِ.

لـِ "جورجيت" صليبٌ لا يهدأُ بينَ يديها. تدقُّهُ كلَّ يوم بحرفِ الطَّاولة وتهزُّهُ في الهواء وهي تتمتمُ: هيَّا اقرأ.. هيَّا اكتبْ.. هيَّا اعزفْ.. هيَّا افعل أيَّ شيء!!

"جورجيت" هذهِ، تنامُ كلَّ ليلة أميَّة الوجود على ضجيجِ هلوسةِ السُّكون!

*

"عائشة" - امرأةٌ بعباءةٍ بيضاء، تقيمُ في شقَّةٍ تطلُّ على المسجدِ في الشَّارع الممتدِّ على يسارِ الخيالِ بينَ الخطيئةِ الأولى ولعنةِ الموتِ المباركةِ.

لـِ "عائشة" مسبحةٌ زرقاء لا تهدأُ بينَ يديها. تدوُّرها بينَ أصابعها وهي تتمتم: هيَّا اقرأي.. هيَّا اكتبي.. هيَّا اعزفي.. هيَّا افعلي أيَّ شيء!!

"عائشة" هذهِ، تنامُ كلَّ ليلة أميَّة الوجود على ضجيجِ هلوسةِ السُّكون!

*

"هي" - فتاةٌ لا أعرفُ اسمَها... كانت قد أعطتني تفَّاحةً عوضًا عنه عندما مرَّت على الشَّارعِ المعترضِ بوجهِ الخيال وهي تقضمُ تفاحتها.

لــِ "هي": سلَّةٌ من التُّفاحِ الملوَّن، تقرأ بها ما تشاء، وتكتبُ بها ما تشاء، وتعزفُ بها ما تشاء، وتفعلُ بها ما تشاء!

"هي" هذهِ، تنامُ كلَّ ليلة على موسيقى الوجود، تعزف للأرواح – مثلي - لحنَ الخلود.

منذ ذلك الوقت، وأنا صاحبُ الخيال المعترض، أقرأ على صفحة الغيوم الرَّماديَّة: تفَّاح تفَّاح تفَّاح.

*

(2)

ثمَّ قالت لي: وما سرُّك مع لفظة "ملائكة" هذه؟!
هل جرَّبت يومًا أن ترى هذا الوجود بشكلٍ مختلف..؟؟
التزمت الصَّمت وأنا أحدقُ بها من وراء نظارتي المعتمة.
مدَّت أصابعها نحوي ثمَّ مسحت عنِّي غبشَ بصرِ ضعيف وقالت: انظرْ... هذه الجبال التي تراها مثلَّثة، ما هي إلا مخاريط ضاربة في عمق الأرض. اسمع هسيس الشياطين أسفلها تحاول تحريكها. يومًا ما ستقوم القيامة كما يقول كتابك المقدَّس. لكن بعكس ما تعتقد، ستدور هذه الجبال رأسًا على عقب لتصبح خوازيق تسقط عليها كلُّ تلك الملائكة السابحة في بحر الإله... ليبدأ الجحيم!

منذ ذلك الوقت وأنا أفاوض الشيطان في سرِّي.

*

(3)

أذكرُ يومها
همستِ لي
كي لا تسمعنا الشياطين
الدَّاخلة والخارجة
من ثقوب الضحايا والقاتلين
انسحب إلى الوراء معي
هنا فوقنا
تنحسرُ الملائكة
ولا تعبرُ عتبةَ السَّماء
إلى مداخل الأرض
أمَّا هناك
حرثتُ لكَ الحقل
وزرعته قلبًا
لا يدجِّجه السِّلاح
فانسحبْ
إلى حقلي
المسيَّج بالشُّموع
ننتظر هطلَ الملائكة والدموع.

*

(4)

ثمَّة عنكبوت أسود ينسجُ شباكَه على وجه القمر. وثمَّة ألف عنكبوت أسود يصعدون من مخدعهم في الأرض صوبَ السماء.
صوتُ القمر الخائف من هذه الهجرة... يخيفني. وأنثى الضِّعاف التي كانت تلفُّني كلَّما لفَّني الخوف - تلكَ هي، تدقُّ المدى بكعب الغياب تحت قهقهة العناكب السود المرعبة.
لو يعبرني سهمُ النَّوم قبلَ أن تمسكه الشِّباك الكثيفة... لو يؤثرني الموت قبل ذلك.
لو..

لو..

*

(5)

كلَّما مشيتُ وحدي
أريدُ أن ألملمَ أفكاري
بعثرتها أكثر
كورق الخريف على إثر
بحَّة الرِّيح
كيفَ لا والغديرُ فيَّ
ما عاد يجري.
ثقيلٌ هذا الجسد
وهذه الرُّوح أثقل
ودمي يريدُ النفورَ منِّي
يريدُ النزفَ عنِّي
كغدير الغابات خارجَ الجسد.
هل قرأتي تعويذة الصَّباح لي؟!
إذن لماذا يلفُّني ألفُ شيطانٍ،
ورقبتي التي كانت تدورُ في أيِّ تجاه
تسمَّرت صوب الأرض
والثقوب والشقوق.
يدي التي كانت تمتدُّ إلى السماء
تبعثرُ الغيوم
وتجمع النجوم
تشعلُ الشموع
وتجمعُ الثُّلوج؛
لماذا اندَّست في جيبي
وأبت الخروج.
يحكُّني جسدي!
يدان في جيبين تدقَّان خاصرتي
كلَّما دقَّت الحياةُ
أنَّة الرِّيح على كمنجة الجبل البعيد
ساقان ملتصقتان
تدُقَّان خاصرةَ الرّصيف
كلَّما دقَّت مطرقةُ السَّماء رأسي.
هل سمعتِ صوتَ دمي؟!
أو فلنأمل بالضَّربةِ الأخرى.
ألم أقل لكِ
اصلبيني على الشُّموع
احترق عطرًا وخمرًا
فآثرتِ الرَّحيل على البواخر
وصُلبتُ أنا على الشِّراع.
صدقت نبوءةُ دمي
نافرًا منِّي
نازفًا عني
واندثرتُ بعدك على الموانئ
وبعثتُ هنا
كما ترين
جسدًا على أشباحه...

*

(6)

تلكَ القبل التي زرعتها على خدِّ غيري
مكدَّسة لديَّ في صناديقِ الأرض
أنتظر أن تكتمل لأحرقها جميعًا...

وتلكَ الأصابع في أكياسِ النَّايلون السَّوداء
لأولئك الذين التفَّت أيديهم حولَ خصرك
مررت عليهم واحدًا تلو الآخر عُقبَ نومهم وقطعتها... لأحرقها هي الأخرى.

لي في الحبِّ محرقةٌ لأولئك الحمقى،
ولكِ أنت... المذنبةُ الأولى بأنوثتكِ هذه!

*

(7)

ما أجملَ
حبَّاتِ المطرِ تلك
كنتُ أسمعُ ضجيجَها
تحتفي بكِ
في جسد الغيمة
قبلَ الهطل
تتقاسمُ ملامحك
ورائحةَ جسدك
فرفعتُ قلبي ورأسي للسَّماء
انتظرُ هطلك الهادر
على جسدي.

*

(8)

هذا الحبُّ
يجعلني أكثرَ سمعًا.
هذا الحبُّ
يبعثني خلف الليل
سأجمع في سلَّتي
تفَّاحتين ورغيف خبز
وسأخبِّئ في جيبي اليمين
مفتاح الصّولِ وريشة العود
وفي جيبي الأيسر سأخبئ
قلمًا وورقة كي أوثِّق وحدتي
أمَّا قلبك الخافق كقلب طفلٍ صغير
يخافُّ رحلتي هذه
فسوف أحمله بين يدي
وأمضي بكما إلى ليلٍ آخر.

*

(9)

يدي التي نقشت بها القصيدة
على كفِّ الزمان
سرقها الليل وهرب
وأخيرًا وجدته هناك
على ضفَّة النهر
جامعًا كلَّ الأصدقاء
الرِّيح
والشَّجر
والسِّنجاب
وزهرة عبَّاد الشَّمس
والقمر
والجرذ الذي يخاف القمر
يختلسُ النَّظر من خلف الجذع
جميعهم كانوا هناك
يقرؤون قصيدتي
بصوتٍ واحد
ويعيدون تشكيلك منها
أنت المتدفقة بينهم وبيني
كنهر دافئ
يميلون على ضفافه
وأنا الجاثم في مكاني
أحاول تذكُّر تلك القصيدة...

*** *** ***

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني