لماذا يحمل ترافق
اسمي رزان وسميرة رمزية قوية؟
ناهد بدوية
شكَّل
ترافق اسمي رزان وسميرة في حملات المطالبة بهما حدثًا هامًا ذا رمزية
قوية يحيل إلى الأهداف الأساسية التي طرحتها الثورة السورية منذ
البداية. تلك الأهداف والمطالب التي ينبغي أن تكون اليوم حاضرة دائمًا،
سواء في جينيف الثاني أم في أية عملية سياسية تعنى بالمسألة السورية.
فقد شكل اختطافهما مع وائل وناظم من الغوطة الشرقية في كانون الأول
الماضي صدمة قوية للجميع. وقد كان ذلك الحدث الأبرز الذي أعطى مؤشرًا
واضحًا إلى المآلات الكارثية التي تعاني منها الثورة السورية. وبدأ اسم
رزان يترافق مع اسم سميرة في حملات المطالبة بحريتهما. والسؤال هنا هو
لماذا يحمل ترافق اسمي رزان وسميرة رمزية قوية؟ وما أهمية هذين
الاسمين؟
الاسم الأول، رزان زيتونة، يحمل رمزية قوية ينبغي أن تكون حاضرة في
المؤتمر ليس لأنها أهم مناضلة في الثورة السورية، فالثورة السورية قدمت
من الأبطال الشباب والشابات الذين قدموا للثورة ربما ما يفوق ما قدمته
رزان. وكذلك ليس لأنها فقط محامية حقيقية وصحفية حقيقية ومناضلة حقيقية
على الأرض، وهي صفات يندر أن تجتمع في شخصية واحدة، ولكنها موجودة
واجتمعت في أكثر من حالة من السوريات والسوريين. جاءت رمزيتها، إضافة
إلى كل ما سبق، من استمراريتها، فقد بدأ ظهور رزان منذ ما قبل الثورة
السورية، فهي ابنة الحركة الديمقراطية التي انطلقت في ربيع دمشق،
ولكنها لم تتوقف منذ عام 2000 عن العمل ثقافيًا وحقوقيًا وسياسيًا من
أجل الحرية لكل السوريين. وعلى الأرض لم تتوقف عن الاهتمام بكل
المعتقلين السوريين، وكانت تهتم بحريتهم فقط بغض النظر عن توجهاتهم
الفكرية. كان أهالي المعتقلين الإسلاميين واليساريين والديمقراطيين
يلجؤون إلى رزان زيتونة. كانوا جميعهم يلجؤون لها في زمن الرعب والقهر
والصمت، وقد شكلت ملجأ لكل من لا ملجأ له في زمن الرعب والقهر والصمت.
بالتأكيد لم تكن وحدها فقد كان مثلها مجموعة من المحامين الرائعين
الذين عملوا في هذا المجال. ولكن رزان كانت مركزًا ومرجعًا لجميع هؤلاء
الأهالي المتنوعين والملونين والمختلفين. وحتى أنها كانت مرجعًا
للمعلومات للكثير من المحامين والمناضلين من أجل حقوق الانسان على مدى
ثلاثة عشر سنة.
اكتسبت استمرارية رزان في النضال من أجل الديمقراطية أثناء سني الثورة
أهمية نوعية. فقد نجحت بأن تكون في قلب مؤسستين اكتسبتا مصداقية كبيرة
كمرجعية، في الوقت الذي كان النظام وحلفائه الاقليميون والدوليون
يحاولون خلط الحقائق على نحو مريع. فهي في قلب لجان التنسيق المحلية
التي نجحت بأن تكون لنا مصدرًا إعلاميًا موثوقًا محليًا وعالميًا،
وكذلك تابعت العمل في مركز توثيق الانتهاكات بعد اعتقال مازن درويش.
وفي هذا المركز كانت كعادتها تعنى بحقوق كل السوريين ورمزًا لجمهوريتنا
الديمقراطية المشتهاة، فقد كانت من أوائل الجهات التي وثقت انتهاكات
كافة الأطراف لحقوق الإنسان، وهذا ما جعلها هدفًا لأطراف متصارعة فيما
بينها. لأن رزان تؤمن بأن إمكانية انتهاك حقوق الإنسان ليس لها مكانًا
إيدلوجيًا محددًا فهي موجودة عندنا كلنا، ونحتاج لرقابة دائمة وصارمة
كي لا نتواطأ مع أهدافنا وهوانا لنبرر وسائلنا.
الاسم الثاني، سميرة خليل وهي ابنة الحركة السياسية السورية منذ أيام
الأسد الأب، انخرطت بالسياسة في الثمانينات في الوقت الذي كان النظام
يعلن انتصاره ونجاحه في كتم آخر نفس للمجتمع السوري. في ذلك الوقت الذي
كان الشجر والحجر يسجد للسيد الرئيس ويرقص وزراءه كالقرود في احتفالات
الحركة التصحيحية. لم يشفع لها أن تنحدر من الطائفة العلوية ولا أنها
امرأة ولا أنها شابة. عندما نقلوها من سجن حمص إلى فرع فلسطين كانت
علائم التعذيب الوحشي تملأ جسدها وقدميها، ولكنهم لم يوفروا حصتها من
فرع فلسطين أيضًا. الشيء الجميل عند سميرة أنها كانت تواجه معاناتها
بالمزاح والسخرية، فكانت مصدرًا للفرح والضحك للمحيطين بها حتى في أحلك
اللحظات. وبعد خروجنا الجماعي من المعتقل، ظلت سميرة من أنشط الصديقات
المصرات على الاحتفال بذكرى حريتنا في أوائل التسعينات. وكل من خبر زمن
الصمت الرهيب الذي كان مطبقًا على صدر سورية آنذاك يعرف أن مجرد تنظيم
احتفال بذكرى الحرية كان يعبر عن الرغبة باستمرار المعارضة، ويحمل
مخاطر ممكنة، وقد تجنبها البعض ممن خرجوا من السجون.
شاركت سميرة فيما بعد بحركة ربيع دمشق، وعملت مع نساء دعم قضايا المرأة
ولجان المجتمع المدني، وعندما انطلقت الثورة كانت ترى أن حلمها يتحقق،
فهاهم الشباب اليوم يعبرون عن أحلامنا في الحرية، ويهتفون باسمها بصوت
عال شعاراتهم التي ملأت شوارع سورية. فانخرطت فيها منذ البداية بهدوء
وشاركت بها إلى أن وصلت الى منطقة الغوطة، عندما التحقت بزوجها الكاتب
ياسين الحاج صالح وببقية أصدقائها الذين كانوا يعملون هناك لتنخرط معهم
في العمل الميداني المباشر.
إذن تكمن الرمزية القوية لترافق اسمي رزان وسميرة في هذه الأيام، في
أنهما اسمان أولاً يعبران عن استمرارية النضال المعارض ضد هذا النظام
منذ عقود ويؤكدان على أن الثورة السورية جاءت تتويجًا لهذا النضال
الطويل. وثانيًا تكمن أهمية هذا الترافق لأنهما ناشطتان في الثورة من
منابع طائفية مختلفة تعبران عن تعدد سورية وتلونها. وثالثًا تتعلق هذه
الرمزية بالمستقبل لأنهما ناشطات نساء من أجل الديموقراطية، الأمر الذي
يداعب حلمنا الحالي في بناء جمهوريتنا الثالثة التعددية الديموقراطية
والتي نحلم بأن يكون رمزها تمثال امرأة يتوسط ساحة الجمهورية الثالثة،
تلك الساحة التي نحلم أن تكون ساحة رئيسية في كل المحافظات السورية،
يتوسطها تمثال امرأة جميلة تشبههما.
من أجل كل ذلك، ننتظر رزان زيتونة وسميرة لأنهما تحملان رمزية قوية لنا
نحتاجها في هذه الأيام المفصلية في تاريخ سورية وفي وسط هذا الضياع
وهذا اليباب. ننتظرهما لأنهما ترمزان إلى سوريا المستقبل، واختطافهما
هو اختطاف لمستقبل أطفالنا، وهو اختطاف لحلمنا بالديمقراطية العادلة
والملونة.
ننتظر رزان وسميرة ووائل وناظم لأن عملية اختطافهم تحمل رمزية كبيرة لا
تستطيع أي جهة أن تتحمل عبء مسؤوليتها التاريخية.
*** *** ***
كلنا شركاء