يوميات آنسة روضة 1

 

أميرة سلامة

 

1
صنادل

دخل طفل الثلاث سنوات متأخِّرًا على الصف، فتأمَّله الأطفال من رأسه حتى أخمص قدميه وهم جالسون خلف طاولاتهم وإذ بصبي يقول له مكشِّرًا: "ما حلو صندلك بالمرَّة!". فقلتُ: "إي بس أنا حبَّيت الصندل باللونين الكحلي والأحمر".

وإذا بعشرات الأحذية ترتفع في وجهي، فوق الطاولة وأنا أسمع: آنسة أنا بوطي مو حلو؟ تاسومتي حلوة؟ كندرتي حلوة؟ صندلي حلو؟

2
أزرار وحشمة!

نهضت طفلة من مكانها وأتت صوبي تدخل الزِّر في عروة "جاكيتتي"، وأنا أقرأ القصة، فسكتتُ، وتأمَّلتها حائرة أتساءل: "هل أقول لها دعيه، أنا أدخله، أم ماذا؟". صبرتُ قليلاً وجمدتُ في مكاني، ولم تقدر على إدخاله في المحاولة الأولى والثانية، صبرتُ أكثر، وبعد المحاولة الثالثة نجحتْ في إدخاله. تنفَّستُ الصعداء وشكرتُها وإذ بها تريد أن تكمل إغلاق الأزرار كلها، فقلتُ لها: "لا عليكِ حبيبتي، سأغلقها بنفسي، شكرًا جزيلاً". وهكذا عادت إلى مقعدها غاية في السعادة.

3
الحرب وافتقاد الحليب

كنتُ أقرأ قصة للأطفال ومرَّت عبارة "حليب" فيها وإذا بطفل عمره ثلاث سنوات يترك مكانه ويقترب صوبي قلقًا يقول من دون أن يأخذ نفسًا، وبجمل متلاحقة ويضرب كفًا بكف: "آنسة أميرة أنا كنت اشرب حليب، اليوم ما شربت حليب، لأنو خلص الحليب من البيت، والمول ما فيو حليب". فقفز طفل بثقة متناهية قائلاً: "لا نحنا عنا حليب!".

4
حرية

ليس هناك أجمل من التغيير حتى ولو كان مخالفًا تمامًا لما اعتدْتَ عليه، فما إن دخلت اليوم إلى الصف حتى طارت القُبل من أكفِّ الصغار صوبي، وإذا بطفل صغير عيناه كبيرتان سوداوان يقف قائلاً بأعلى صوته: "آنسة أميرة أنا ما بحبّك!".

5
عيون في الظهر؟

تخرج آنسة الصف الدائمة حين أدخل إلى حصتي وهي "التمثيل وقراءة القصص" وإذا بـ "مارك" يركض صوبي ويتساءل بقلق: "آنسة أميرة... آنسة أميرة شايفة شي عيون بـ ضهري؟" واستدار مشيرًا إلى ظهره. اقتربت ولمست ظهره قائلة: "لأ مافي عيون لا بضهرك ولا بضهري ولا بضهر حدا"، فردَّ قائلاً: "لَكان كيف الآنسة لما تدير ضهرها ع اللوح بتقول: شايفتكون؟".

6
غيرة

وصل الطفل متأخرًا قليلاً فرأى صديقته تجلس قرب طفل آخر فوضع يده على خصره وصرخ بها قائلاً: "ع بالي حطّك بالشّنتة وسكّر الشّنتة وإشلحك لبرّه!".

7
شاعرية

قال "زهير" ذو الخمس سنوات لآنسة صفه: "بحبّك قد الأعداد وحتى تنتهي الأعداد والأعداد ما بتنتهي وحبّك ما بينتهي وقلبي بيدق كل دقّة بتقول بحبك بحبك بحبك".

8
أحزان

نحضِّر مسرحية لآخر السنة لصف الخمس سنوات وإذا بطفلة ترفض التمثيل، تأتي توشوشني وفي عينيها دموع وأنا أعرف أن أمها ماتت منذ شهر: "آنسة أميرة كيف الماما بدها تحضر المسرحية؟". قلتُ لها: "حين يتزوج بابا ماما بيصيروا كأنون واحد وإذا بابا بيحضر المسرحية يعني الماما بتكون عم تحضرها، وإذا بابا وماما ما قدروا يحضروا المسرحية فهنن بيشوفوها هون"، ووضعت يدي على قلبها فابتسمت وضحكت وصارت تمثِّل دورها بكل قوة.

9
سوء فهم

فاجأتني ابنتي التي لم تتجاوز الخمس سنوات وهي تغني لفيروز: "وطني... أنا حشرة... أنا سوسنة يا وطني!". قلتُ لها: "لا تقول فيروز أنا حشرة بل أنا حجرة"، فلم تصدِّقني وأصرَّت أن تغني: أنا حشرة... يا وطني!

10
جَدِّي

يهجم الأطفال دومًا على حقيبة القصص التي أحملها ما إن أفتح السحاب لكن يدها انقطعت وأنا انتزعتها من بين أيديهم فقال لي "غابي": "آنسة أميرة عطيني الشنتة مشان يصلحلك ياها جدّي، جدي بيصلح كل شي!".

11
هدايا

تلقَّيتُ الهدايا اليوم من الأطفال وحرصًا على مشاعر الآخرين كنتُ أقول: "شكرًا للّي عطاني وشكرًا للّي ما عطاني لأني بحبكون حتى ولو لم تعطوني شيئًا"، فقفز طفل قائلاً: "آنسة أميرة أنا كل الوقت عم قول لماما بدي هدية إلك وهيّي تقلي لأ وقالت ما بدها تهديكي شي!".

12
من غامض علمو

الجميل في عيد المعلم وهداياه هو المفاجأة، فقد عثرت - أثناء نزع الأوراق الثمينة الملونة والمذهبة والفضية - على "بارفان رجَّالي" فقدَّمتُها هدية لزوجي الذي ضحك من قلبه قائلاً: "والله إجاني هدية من غامض علمو!".

13
كوابيس

حين كانت ترى ابنتي التي لم تتجاوز من العمر الثلاث سنوات، كوابيسًا عن حشرات تصعد على الحائط الملاصق لسريرها أو تزحف على فراشها، فكرتُ أن أعمل أمامها تمثيلية وجلبتُ كيسًا وهي في السرير وقلتُ لها: "ميريام رح آخود بهالكيس كل مناماتك البشعة ورح حطّلك بدالا أحلام حلوة"، ثم انحنيت تحت سريرها أفتعل حركة جمع المنامات وهي تنظر إليَّ بدقة، ثم نهضتُ قائلة: "خلاص يا ميريام كل شي صار بهالكيس وتصبحي على خير!". المشكلة أن ابنتي لم تعد ترى أي حلم منذ تلك اللحظة وحتى الثامنة عشرة من عمرها!

14

في عيد الأم سألتُ "نيقولا": "بتشتغل ماما شي برّات البيت؟" فأجابني بحماس: "إي بتشتغل برات البيت بتنشر الغسيل!".

15
صراحة

لم أتوقَّع أني حين سأرتدي قميصًا أهدتني إياه طفلة في عيد المعلم، أنها ستلاحقني طوال الوقت وتقول بأعلى صوتها: "آنسة أميرة هادا القميص أنا هديتك ياه... أنا هديتك ياه... أنا هديتك ياه!".

16
صلة وصل

أقترب مني بحماسة طفل لم يتجاوز الأربع سنوات وقال: "آنسة أميرة أخي "عُمَر" بيسلّم عليكي!". ابتسمت وسألته: "يعني أخوك كان عنّا بالرّوضة؟". قال لي: "لأ... هوّي كبير كتير هيك..." ورفع يده فوق رأسه إلى أقصاها. فسألته: "لكان كيف بيعرفني "عمر"؟". أجابني مبتسمًا: "أنا بحكيلو كل القصص اللي إنتي بتحكيلنا ياها كل يوم!".

17
نص كم

إنها المرَّة الأولى التي أدخل فيها على صف الأربع سنوات بقميص نصف كم، فنهض طفل يقول: "شو صيّفتي آنسة أميرة؟". وأتت صوبي الطفلة التي أهدتني القميص إياه الذي كلمتكم عنه قائلة: "آنسة ليش ما لبستي قميصي اللي هديتك ياه القميص اللي كم طويل؟".

18
خاتم

تأمَّلت يديَّ طفلة الأربع سنين ونهضت من مكانها "تبحبش بشنتايتا وتبحبش حتى طلّعت خاتم من قلب الشنتة لونو سيكلاما مصنوع من العظم وحطّتو بإيدها وإجت قالتلي بدلع شديد وتحدّي وهيّي عم تمد إيدا: "شوفي آنسة وأنا كمان عندي متلك خاتم". ومدري شو خطرلا ترجع تقيمو من إصبعا فوقع وتدحرج تحت الكراسي وإذا بالصف كلو يستعدّ للانقضاض على الخاتم المتدحرج، والطفل الأقرب استولى ع الخاتم من تحت المقعد وفورًا إجاه الكف من البنت"، فوقفتُ حائلاً بينهما، وقلتُ لها: "الآنسة أنا... وأنا أقول له وهو يعطيني الخاتم". وقلتُ: "جورج عطيني الخاتم"، فأعطاني إياه فورًا، وأعدته إلى صاحبته فنهض طفل آخر وقال لها بأعلى صوته: "إي شو مفكرة حالك متجوزة؟".

19
حركشة ودِرْبَكّة

ركضت طفلة في عمر الثلاث سنوات إلي قائلة: "آنسة أميرة قولي لأحمد عم يتحركش فيي!". فسألتها: "كيف يعني عم يتحركش؟ شو ساوالك؟". فقالت: "عامِلْني دِرْبَكّة هيك" وصارت تقلد ضرب الدربكة بكفّيها!

20
سوبرمان والساحرة (حفل البربارة اليوم)

دخلتُ إلى الحفلة متنكِّرة بساحرة (طيبة) تحمل نجمة وتعتمر قبعة خمرية اللون عليها زهرة كبيرة زهرية اللون، ولكني لم أتوقع أن "زين" - الطفل ذو الأربع سنوات - سيتنكر بسوبرمان منفوخ العضلات ويتقمَّص الشخصية على أصولها فيبحث عن الساحرات دون تمييز، ليقضي عليهن. هاجم عليَّ، بكل قوته، وقد تهيَّأ لي أنه يريد أن يسلم فقط فضحكتُ له وإذا بالمعركة قد بدأت، وقرر السوبرمان الدوران حول الساحرة بسرعة غريبة ووشاحه يطير معه، حتى شعرتُ بدوخة، وفي كل دورة يلكمني لكمة، ولما شعرتُ بجدِّية الأمر، استدرتُ علي عقبيَّ وأمسكتُ قبضتيه، لكن سوبرمان كان أذكى منِّي ومتحسِّبًا لكل شيء، فركلني على رجلي اليمين وهو يضحك ويضحك، وفكرت هل يُعقَل أن أطلب المساندة من أحد ضد هذا السوبرمان الصغير؟ فخطر ببالي الحل، وخلعتُ فورًا القبّعة عن رأسي وقلتُ له: "زين... زين... أنا آنسة أميرة وماني الساحرة الشريرة، وإذا ما بتعتذر لأنك ضربتني، لن أدق كفِّي بكفِّك حين أدخل إلى صفِّك في المرة القادمة"، وبالفعل حسم "ضرب الكف" المعركة وعدت إلى المنزل كساحرة تعرج!

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني