حيث يكون الحبُّ سيكون الربّ
إلى
الأحبة والأعزاء ونحن على أعتاب السنة الجديدة
أحمد حميدة
لو أن لنا إيمانًا
لو أن لنا قلبًا يصلي
كنا ربما تجنبنا الغواية
وتوصلنا إلى الله
في تواضع.
(طاغور)
*
ألا شرِّفني يا إلهي،
وجرِّد حياتي من تلك المساوئ المعيبة
التي تسود دائمًا ابن الطين
وخبِّئها بين ظلال الموت والنور
أو في مكمن الليل بين نجومك
ثمَّ أطلقها في الصباح بين الزهور
لتشدو كالبلابل بتسابيحك
وترانيمك.
(طاغور)
ما
أحوجنا ونحن على أعتاب سنة جديدة أخرى إلى تذوُّق مثل هذه الثمار
الطيِّبة المتساقطة من شجرة البلاغة الطاغورية عن حقيقة الإيمان. كم
نحتاج إلى مثل هذه النفحات الشفيفة كي نبقى على قيد المحبَّة في محيط
عربيٍّ متشنِّج... بات منتهبًا بداء تعصُّب ديني وطائفي يمتهن كرامة
الإنسان. كم نحتاج إلى مثل هذا الإكسير المطهِّر نحفظ به جوهر كينونتنا
وصفاء إنسانيَّتنا. فهذه سنة 2014 تستدرجنا قبل إطلالتها إلى لفتة إلى
الوراء. نلتفت، فإذا بنا أمام مشهد يتعاظم فيه البلاء. تتحوَّل فيه قيم
الدين السَّمحة إلى عصاب مدمِّر لقيم البراءة والصفاء على أيدي أولئك
الذين يعتقدون بأنَّهم عبروا في إدراكهم للحقيقة جميع البحار وهم
يتخبَّطون في بركة ماء. أولئك الذين جعلوا من الشريعة صنمًا وراحوا
يعبدونه من دون الله بقلوب مغلقة، صمَّاء. أولئك الذين انطفأت بداخلهم
شعلة الروح فراحوا يستبيحون دماء عباد الله التي هي أشرف من الكعبة عند
رسولنا الأكرم – صلَّى الله عليه وسلَّم – الموحى إليه من السماء.
أصولية مقيتة، بغيضة، تفرِّخ بذور الشرِّ أينما حلَّت وتنفث سمَّ
التعصُّب أنَّى توجَّهت لتطفئ جذوة المحبة - قدس أقداس الحياة، وأسُّ
شريعة السَّماء. وكلُّ الأصوليات في ذلك سواء بسواء، إسلامية كانت أو
يهودية، مسيحية أو بوذية. فجميعها يدفع بنضارة الحياة إلى مهاوي العدم
والرَّدى. وما أبلغ طاغور في فضحه لهذا الإيمان الزائف الذي لم يظفر من
حقيقة التنزيل بغير صورة مشوَّهة، باهتة، كالحة، عرجاء.
أولئك الذين يعانقون الوهم باسم الدين
فيقـتـُلون ويـُقـتـَلون
حتى الملحد يحصل على بركة الله فلا تفخر
بدينك
إنه يوقد في خشوع مصباح العقل ويقدم
تمجيده
لا إلى الكتب ولكن لكل شيء طيب في
الإنسان
إن الطائفي يلعن دينه
حين يقتل إنسانًا من غير دينه
وهو لا يقوم السلوك على ضوء العقل
ويرفع في المعبد العلم الملطخ بالدماء
ويعبد الشيطان في صورة الإله
كل هذا الذي تم عبر الأحقاب والعصور
مخجل ووحشي قد وجد ملاذه في معابدكم
كل ما يحرر الإنسان يحولونه إلى قيود
وكل ما يوحده يحولونه إلى سيوف
وكل ما يحمل الحب من النبع الخالد
يحولونه إلى سجون
يحاولون اجتياز النهر في سفينة مثقوبة
يا إلهي دمر الدين الزائف
وانقذ الأعمى
ولتهشم المعبد الملطخ بالدماء
ودع هزيم الرعد ينفذ إلى سجن الدين
الزائف
واحمل إلى هذه الأرض التعسة نور
المعرفة.
يتعامى أولئك المهوسون بإقامة الحدود بالأحزمة الناسفة أنَّ الدين على
تنوُّع رسالات السماء جاء ليكون دعوة ربانية للمحبَّة والإخاء والرحمة
والمودة والوفاء. إذ الإنسانيّة على تعدُّد أعراقها وأجناسها أسرة
واحدة تتحدَّر من أصل واحد وتدين كلُّها إلى ربٍّ واحد. ثمَّ أيَّة
نصوص مقدَّسة قد تسمو فوق قيم المحبة والجمال والخير، وهي التي لم
تتنزَّل إلا لكي تكون طهارة للأفئدة وإضاءة الحقيقة السارية في أغوار
الوجود، المنسابة نسغًا خفيًا، منعشًا، في شجرة الحياة... المحبة
الخالدة، الجامعة.
فلتكن دعواتنا ونحن على أعتاب هذه السنة الجديدة ابتهالاً إلى ربِّ
السَّموات العلا كي يجعل لؤلؤة المحبَّة التي أودعها في سرِّنا تشعُّ
ألقًا وضياء. أن يثبِّتنا على تلك المحبَّة مهما استشرى القبح واشتدَّ
البلاء. وأن يجعلنا عناوين خير وسلام أنَّى توجهت ركائبنا. ويلهمنا
الرشد والسداد كي نكون ممَّن يسعون إلى ما ينفع النَّاس ويمكث في
الأرض. ولنمعن مع جلال الدين الرومي في النداء. نداء التسامح هذا الذي
بدونه قد تصبح قيم الحياة الأصيلة محض هباء:
تعال... تعال
لا يهم من أنت، ولا إلى أي طريق تنتمي
تعال لا يهم من تكون
عابر سبيل... ناسك... أو عاشق للحياة
تعال فلا مكان لليأس هنا
تعال حتى إن كنت أخللت بالتزامك وعهدك
ألف مرة
فقط تعال لنتكلم عن الله
تعال... تعال.
وكلُّ عام وأنتم إلى
قيم المحبَّة والتسامح أقرب...
*** *** ***