|
فصول عن المرأة
في كتابه القيِّم فصول عن المرأة يستعرض هادي العلوي حال المرأة في الجاهلية والإسلام وفي الصين ويقول في حديثه عن العصر العباسي: وساهم بعضهن في التعليم في المسجد وغيره وقد وصلتنا لوحة للرسام يحيى الواسطي من القرن السابع تصوِّر المرأة تلقي دروسًا على الرجال وهي مكشوفة الوجه محجوبة الشعر، لكن رجال الدين تشدَّدوا في المنع ووضعوا أحاديث على لسان محمد والصحابة وأئمة أهل البيت بإلزام المرأة بيتها، وهو حكم مخصوص بنساء النبي فقط ولا يعمُّ غيرهنَّ، ويتَّصل هذا الاتجاه بتعقد المجتمع الإسلامي مع العصر العباسي واتساع دائرة العلاقة الجنسية بين الذكوري والأنثوي لدى عموم الرجال، وقد تحكَّمت فيه عقدة الخوف من العلاقة المحرَّمة، وقد أظهر المسلمون في العصر العباسي تحفُّظًا شديدًا ضدَّ الاختلاط، مفترضين حضور العلاقة الجنسية في أيِّ اتصال بين الجنسين، وبالغوا في تقديرهم لعنف الغريزة الجنسية وإمكان انفلاتها، إذا أطلق العنان للعلاقة بين الرجل والمرأة، ولم يعولوا على الانضباط الذاتي، إذ افترضوا أولوية الغريزة على العقل. وبخصوص سفر المرأة يقول العلوي: يتفق الفقهاء على عدم جواز سفر المرأة ثلاثة أيام إلا ومعها أحد محارمها، والثلاثة أيام هي مدة الطريق وليس مدَّة الإقامة، وتعادل حوالي مائة ميل، فالمقصود هو السفر خارج مدينتها ولا سبيل للجزم إذا كان هذا الحكم من الإسلام أم من إضافات الفقهاء في العصر العباسي. ويقول بخصوص آية "الرجال قوامون على النساء": المتَّفق عليه عندهم أنها نزلت لتقرير حكم في حادثة أو عدَّة حوادث شكت فيها النساء أو أهلهن من ضرب الرجال لهن وأن محمدًا حكم أول الأمر بالقصاص ثم تراجع فتلا آية القوامة التي أباحت ضمن حقوق الرجل ضرب المرأة ومنعت العكس. ومظاهر القوامة تشمل التصرفات العادية للمرأة. وقد اختلفوا في التفاصيل لعدم ورود نص قاطع يقننها، واتجه الذكوريون المتعصبون من الفقهاء إلى تقييد جميع تصرفاتنا بإذن الزوج حتى الذهاب إلى المسجد، واعتبروا طاعة الزوج حكمًا سابقًا على طاعة الله، وتنتقص طاعة الرجل فقط إذا تضمن أمره معصية كأن يأمرها بترك الصلاة أو يعملها على الزنا أو البغاء. ويضعنا الغزالي في هذه الصيغة المغلقة "النكاح نوع رق فهي رقيقة له فعليها طاعة الزوج مطلقًا في كل ما يطلب منها في نفسها مما لا معصية فيه". [ويضيف العلوي] وتسربت دونية المرأة عند الذكوريين المسلمين إلى اللغة، ففي تاج العروس يكتب الزبيدي: "الحذاء": الزوجة لأنها موطوءة كالنعل. نقله أبو عمرو المطرز. وقد يسر اللغويون القدماء اللغة العربية في مجرى ذكوري مخالف لتكوينها الأصلي فعبَّروا عن الإنسان بالرجل، على طريقة الذكوريين الغربيين، وتعزَّزت هذه النزعة في العربية الحديثة بتأثير اللغات الأوروبية فهي لغات ذكورية خالصة لنشوئها في مجتمع أبوي مكتمل. وفي حديثه عن قضية الخلع يقول العلوي – هذا طبعًا قبل زوبعة قانون الخلع في مصر بكثير –: الطلاق من حق الرجل، لكن المرأة تملك هي الأخرى حق الطلاق في صيغة المخالفة. والفرق بين الطلاق والخلع هو في المهر. فإذا رغبت في الطلاق تتنازل عن مهرها ويسمَّى خلعًا. وفي قضية زوجة ثابت أيام محمد كان سبب التفريق فيها هو دمامة الزوج مع استقامته دينًا وخلقًا وحسن مداراته لها. وقد استخلصوا منها بقول التفريق بالخلع لوجود سبب مثل الدمامة في هذه القضية أو كراهيَّتها لأخلاقه أو لوجود ما ينفرها منه. هذه أسباب تخصُّها شخصيًا إذ يمكنها أن تتحمَّلها وتواصل عيشها معه ويمكنها أن تطلب المخالعة وعندئذ تتنازل عن مهرها. وقد رفض عمر بن الخطاب طلب الطلاق من رجل لأنه لا يحب زوجته، والموقف يستند إلى افتراض إمكان بقاء العائلة والرابطة الزوجية مع انعدام الحبِّ الزوجي. وبعض الفقهاء علقوا إيقاع المخالعة بموافقة الزوج خلافًا للمدلول الصريح في قضية زوجة ثابت. ويرجع ذلك إلى زيادة تعقيد المجتمع الإسلامي في الأطوار المتأخرة عن القرون الأولى ووضوحه أكثر نحو جنسوية متطرفة كما رأينا في تغيير وإلغاء أحكام أصلية تحت تأثير هذا التطوُّر. وفي مدحه لابن رشد لموقفه من المرأة يقول: وهو في حديثه عن المرأة يخالف أساتذته اليونان والمسلمين معًا فينكر الفرق الطبيعي بين الرجل والمرأة ويساويها مع الرجل في الكفاءات الذهنية والعملية، ويرى أنَّ وصول المرأة إلى رئاسة الدولة هو من الأمور الطبيعية الممكنة... ولا تقلُّ كفاءة المرأة عن الرجل حتَّى في الحروب. وأيضًا يقول العلوي: نجد المسلمين يجعلون حاجة الرجل إلى الجنس أكثر من حاجة المرأة. وعن قضية الضرائرية يضيف العلوي: تقليص الغرائزية على أيِّ حال إلى أربع زوجات، خطوة تأتي في مجرى الإصلاح الذي تقوم به الثورات للمجتمعات القديمة، وقد استعجل أبو ذر وصاحبه روزبه فالتزما بالعائلة الوحدانية الصرفة مع الامتناع عن التسري، لكن خطوة كهذه كانت بانتظار ثورة أخرى يتمخَّض عنها التطوُّر اللاحق للمجتمع الإسلامي، وكانت هذه الثورة الإسماعيلية وبنتها القرمطية التي ألغت الزواج الضرائري ولو أنها لم تستمر شأنها شأن التحوُّلات الثورية المجهضة دومًا في عموم آسيا. وفي دائرة الفكر كان المعري هو المروِّج الأكبر للعائلة الوحدانية، لكن ثورته هي الأخرى بقيت في بطون الكتب. وقام الدروز فيما بعد بإبطال الضرائرية، وهي فرع من الفاطميين يشير من بعيد إلى بقايا الثورة المجهضة. وأخيرًا يقول العلوي عن الميراث: وكان من المنتظر مع تطوُّر المجتمع الإسلامي أن يعاد النظر في الحصص لتكون متساوية للجنسين، وهذا ما قام به الدروز – الإسماعيليون في الأصل – والشريعة الدرزية تساوي بين الابن والابنة في الميراث. *** *** *** الأوان، الجمعة 8 شباط (فبراير) 2013 |
|
|