|
في الإيمان*
من إنجيل الإيمان سرعان ما يصل المرء من دون إيمان إلى العدم. والإيمان الحق هو اعتناق التجربة الصائبة لأناس نعتقد أنهم عاشوا حياةً حررتها الصلاة والتوبة. وهذا يعني أن الإيمان بالأنبياء والوحي، المستمر منذ زمنٍ بعيد ليس مجرَّد وهم، وإنما تلبيةُ حاجةٍ روحية داخلية. (الهند الفتاة، 14-4-1927، ص120) *** العقلانيون مخلوقات رائعة، أما العقلانية فوحشٌ كريه حين تدعي كلية قدرتها. فإعطاء صفة القدرة الكلية لمنطق سيئ كضرب من الإعجاب الأعمى بمقام جذع شجرة مقطوع، أو بحجرٍ، معتقدين أنه إله. (الهند الفتاة، 14-10-1927، ص359) *** دعوني أشرح لكم ما أعنيه بالدين: إنه قطعًا ليس الديانة الهندوسية التي أقدِّرها حتمًا أكثر من باقي الديانات، بل الدين هو ما يسمو فوق الهندوسية، فيغير طبيعة كل شخص، ويربط الشخص بشكل لا ينفصم بالحقيقة التي يُطَّهر المرء من خلالها. إنه العنصر الراسخ في الطبيعة البشرية التي لا تبخل بأي ثمن لكي تبلغ كامل تحققها، ولا تدع للنفس مجالاً للراحة حتى تتعرَّف إلى نفسها، فتعرف خالقها، وتقدِّر حقيقة التطابق بين الخالق وبين الذات. (الهند الفتاة، 12-5-1920، ص2) *** هو نفس الشيء؛ فحين أقول إني أضع خلاصي أعلى من أي شيء آخر، أعلى من خلاص الهند، فهذا لا يعني أنَّ خلاصي الخاص يتطلب التضحية بخلاص الهند السياسي، أو بخلاص أي شخصٍ آخر، بل يعني بالضروة أنَّ كلاهما مترافقان. (الهند الفتاة، 23-2-1922، ص123) *** هذا هو الدين (بمعنى الدهارما) الموافق للكتب المقدسة، والمتَّبع من قبل الحكماء، والمفسَّر من قبل المعلِّمين، والذي يدعو إليه القلب. لأن الشروط الثلاثة الأولى يجب أن تتحقق قبل أن يتجاوب الشرط الرابع. لذا فهو ليس في متناول أحد من أتباع وصايا رجل جاهل أو وضيع، وإن كان يعود للشيء ذاته، لأن اتِّباع نظام "عدم الأذى" الصارم، وعدم النزاع ونكران الذات، يعدُّ من أول المتطلبات التي تؤهل الشخص أن يبشِّر بالشرع (بمعنى الدهارما). (هاريجان، 17-11-1946، ص397) *** لدي قناعة مطلقة بأنَّ أي دين ليس بوسعه الاستمرار عن طريق القوة الغاشمة. بل بالعكس، من يرفع السيف بالسيف يُقتل. (هاريجان، 9-3-1934، ص29) *** الروحي يتضمن الأخلاقي. [...] عبر مسيرتي كمصلح، نظرت إلى كل الأشياء من منظور أخلاقي. فسواء كنت منهمكًا في معالجة قضية سياسية أم اقتصادية كان الجانب الأخلاقي يقحم، ويفرض، نفسه على موقفي بمجمله. (هاريجان، 9-3-1935، ص51) *** عدد الأديان على أرض الواقع كعدد البشر. (القواعد الهندية، ص39) *** معنى الألوهة الله ذاته هو الشرع وواهب الشرع، والتساؤل حول من خلقه لا يجوز أن يطرح، على الأقل، من قبل مخلوق تافه كالإنسان. فالإنسان بوسعه صنع كرسي، لكن ليس في مقدوره صنع الخشب. لكن بوسعه، رغم هذا، تصوير الله في خياله بعدة طرق. لذلك كيف بوسع الإنسان غير القادر على خلق النهر أو الخشب، أن يخلق الله؟ ما يعني أن خلق الله للإنسان حقيقة لا تقبل النقاش، وكل ما سوى ذلك مجرد وهم. يبقى أن بوسع أيٍّ كان – إن أراد – أن يقول إنَّ الله ليس الصانع، وليس السبب، وإنه قادر على التنبؤ بالاثنين. (هاريجان، 14-4-1946، ص80) *** ليكن ذلك واضحًا. إنَّ الكليَّ القدرة ليس شخصًا مثلنا، لأنه أكبر قوة حية أو قانون في العالم، ما يعني أن أفعاله ليست مزاجية، وأن قانونه لا يقبل أي تحسين أو إضافة. وأن إرادته ثابتة لا تتغير، أما كل ما تبقى فيتغير بلمح البصر. (هاريجان، 28-7-1946، ص233) *** الله كلِّي الطيبة، لذا فهو لا يتضمن أيَّ شر. لقد خلق الله الإنسان على صورته. لكن لسوء حظنا، تصوَّره الإنسان على شاكلته أيضًا. وهذا الانتحال هو الذي أوقع الإنسان في خضم بحر من المشاكل. الله هو الخيميائي الأكبر. ومن خلال وجوده يتحول كل حديد وخبث إلى ذهب صاف، ويتحول كل شرٍّ إلى خير. من غير الممكن تحقيق الله عن طريق الفكر؛ فالفكر بوسعه أن يقود الإنسان إلى حدٍّ لا يمكن تجاوزه. القضية قضية خبرة، والخبرة تنبع من الإيمان. والإنسان بوسعه، من أجل ذلك، أن يستند إلى تجربة شخص أفضل، أو إلى تجربته الخاصة. لكن الإيمان الكلِّي لا يحتاج إلى التجربة. (هاريجان، 4-8-1946، ص249) *** اليوم، في الغرب، ترى الناس يتحدثون عن المسيح، لكن الحقيقة هي أن المهيمن الذي يتحكم بحياتهم هو نقيض المسيح. والأمر نفسه في الإسلام، فهناك أناس يتحدثون عن الإسلام، لكنهم في الحقيقة يتَّبعون طريق الشيطان. [...] لو اتَّبع الناس طريق الله، لما كان هناك في هذا العالم أي فساد، ولا أي استغلال، حيث يزداد الأغنياء غنىً والفقراء فقرًا، وحيث الجوع والعري والموت يصفع المرء على وجهه. لا يوجد، ههنا، ما يشير إلى مملكة الله، وإنما إلى مملكة إبليس، مملكة رافانا أو نقيض المسيح. لا يمكننا تحقيق ملكوت الله في عالمنا بمجرد النطق باسم الله، برؤوس شفاهنا، لأن سلوكنا يجب أن يتوافق مع طرائقه، وليس مع طرائق الشيطان. (هاريجان، 23-6-1946، ص ص186 و187) *** يقال في الڤيدانتا[1] إنَّ العالم مايا (أي: وهم، وفق الفلسفة الهندية)، لكن حتى هذا التفكير إنما يدل على نقص في الإنسانية. لذا، لن أشغل رأسي بالأمر. وحتى لو مكَّنني الأمر من الولوج إلى غرفة الله فلن آبه له، إذ لا يجب أن أعرف ما الذي عليَّ فعله هناك، حيث يكفي لنمونا الوحي أن نعرف أنَّ الله مع فاعل الخير دائمًا. هذا التفسير أيضًا تفسير ريفي. (هاريجان، 7-9-1935، ص233) *** أنا أؤمن (ولا أؤمن في الوقت نفسه) بالمعجزات، لأنَّ الله لا يعمل عن طريق العجائب، بل العقل الإلهي يعلن عن ذاته عبر ومضةٍ تبدو للإنسان كمعجزة. إننا لا نعرف الله، بل نعرفه فقط من خلال عمل شريعته، لأن الله وشريعته واحد، وما من شيء خارج هذه الشريعة. فلا الهزات الأرضية ولا العواصف بوسعها أن تحدث، ولا حتى عشبة بوسعها أن تنمو من دون مشيئته. والشيطان موجود فقط من أجل شقائه، وهو ليس مستقلاً عن الله. (هاريجان، 7-4-1946، ص75 و76) *** [...] هذا يعني أنَّ الإيمان بالأنبياء وبالذين عاشوا في الأزمنة الغابرة ليس مجرد وهم، إنما هو حاجة روحية عميقة. (الهند الفتاة، 14-4-1927، ص120) *** هو وشريعته واحد، لأن الشريعة هي الله. ما يعني أن كل ما يعزى إليه ليس مجرد صفة؛ فهو الحقيقة والحب والشريعة وملايين الأشياء الأخرى التي بوسع الإبداع الإنساني تسميتها. (هاريجان، 16-2-1934، ص4) *** معرفتي بغايته محدودة. ومصائب كهذه ليست مجرد نزوة من نزوات الألوهة أو الطبيعة؛ فهي خاضعة لقوانين كالنجوم التي تتحرك وفق قوانين تحدد مسيرتها. ونحن لا نعرف قط القوانين الناظمة لتلك الحوادث التي ندعوها مصائب أو اضطرابات. (هاريجان، 2-2-1934، ص1) *** من وجهة نظري، ما راما أو الرحمن أو أهورَمَزدا أو الله أو كريشنا سوى محاولات من قبل الإنسان لتسمية تلك القوة غير المرئية والتي تفوق كل القوى. وهي متأصلة في الإنسان الساعي، دونما كلل، إلى الكمال، مهما كانت محدودية فكره. فكما يحاول الطفل الوقوف فيقع ثم يقع لكي يتعلم المشي، كذلك الإنسان، رغم كل ما يمتلكه من ذكاء، تراه كالطفل الصغير مقارنة بلامحدودية الله الذي لا يحده الزمان. ما أقوله قد يبدو مبالغًا فيه، لكن ما يستطيعه الإنسان هو فقط وصف الله بلغته الفقيرة. (هاريجان، 18-8-1946، ص267) *** يا إلهي عندما كنت طفلاً، علمتني مربيتي أن أردد اسم راماناما[2] (بمعنى: يا الله! – اسم رام يعني "الأول") حينما أشعر بالخوف أو التعاسة. لكن، مع تطور معرفتي وبتقدم السنين، أصبح طبيعة ثانية لي إلى حدٍّ يمكنني فيه القول إنَّ هذه الكلمة أصبحت في قلبي، إن لم تكن على شفاهي طوال أربع وعشرين ساعة. لقد كان مخلِّصي، وأنا متمسك بهذا دائمًا. في الأدب الروحاني للعالم، احتلّت رامايانا (من أسماء الله بالهندوسية) كما عبَّر عنها تولسيداس (شاعر هندي من القرن السادس عشر) مكانة خاصة؛ فقد كانت تتمتع بجمالٍ لم أجده في ماهابهاراتا، ولا حتى في فالميكي رامايانا (أهم شاعر سنسكريتي وصاحب ملحمة رامانايا). (هاريحان، 17-8-1934، ص213) *** أضحك في أعماقي حين أسمع بعضهم يعترض على أنّ الراما أو تلاوة راماناما هي للهنود فقط، فكيف يمكن للمستمع أن يشارك فيها؟ وأتساءل هل من إله للمسلمين وآخر للهنود أو للمسيحيين؟ كلا! لا يوجد سوى إله واحد كلي القدرة والوجود. فقط تسمياته تختلف، ونحن نذكره من خلال الاسم الأقرب إلينا. *** في الحقيقة، يمكنني القول إن امتلاك قلب صاف يفعل فعله الحسن من دون ترداد راماناما. ولا أعرف طريقاً أخرى لبلوغ الطهارة، لأنها الطريق التي بشّر بها الحكماء في كل أنحاء العالم، وعلى مر العصور، لأنهم كانوا ينطقون باسم الله، ولم يكونوا واهمين أو دجالين. (هاريجان، 9-6-1946، ص171) *** صلاة لتغذية روحي لا أفعل شيئًا دون صلاة؛ فالإنسان كائن غير معصوم، وليس بوسعه أبدًا أن يتأكد من خطاه. وما يمكن أن يتخيله، كاستجابةٍ لصلواته، قد يكون مجرَّد صدى كبريائه. لكي لا يضلَّ الإنسان طريقه عليه أن يمتلك قلبًا ناصعًا، غير قادر على عمل الشرِّ، وليس بوسعي أن أدعي هذا؛ فروحي ناقصة وشاردة ومجاهدة وتشق طريقها بصعوبة. (الهند الفتاة، 25-9-1924، ص313) *** بوسعي أن أخبركم، الآن، أن الصلاة لم تكن جزءًا من حياتي كما كانت الحقيقة، بل كانت وليدة الحاجة المحض، حين أخذت عهدًا على نفسي أنه لم يعد بمستطاعي أن أكون سعيدًا من دونها. وبمقدار ما كان إيماني بالله يزداد، بمقدار ما كانت تزداد حاجتي إلى الصلاة؛ فالحياة من دونها تبدو غبية وفارغة. *** على الرغم من اليأس الذي يتملكني حين أرنو إلى الأفق السياسي، لم أفقد يومًا سَكينتي. في الواقع، وجدت أناسًا يحسدونني على هذه السكينة. وهذه السكينة – أقول لكم – جاءت من الصلاة. فأنا لست رجل علم لكن بوسعي أن أدَّعي، بكل تواضع، أني رجل صلاة. لا يهمني الشكل؛ فلكل شخص قانونه الداخلي الخاص، لكن هناك طرائق واضحة وجلية المعالم، وبالإمكان السير على الدروب المطروقة التي سار عليها المعلمون القدماء. *** إن طلبت العون منه، فستتوجَّه إليه وأنت عارٍ بالكامل، وتقاربه دونما تحفُّظٍ أو خوفٍ أو شكٍّ، بحيث يكون بوسعه مساعدة كائن ساقط مثلك. هل سيساعدك هذا الذي ساعد الملايين ممَّن تضرَّعوا إليه؟ إنه لا يمايز بين الناس، وستكتشف بنفسك أن إحدى صلواتك سوف تُستجاب. أقول لكم هذا من منطلق تجربتي الذاتية؛ فقد عبرت المَطْهَر. اطلب ملكوت السماء أولاً، وستحصل من ثم على كل شيء. (الهند الفتاة، 4-4-1929، ص111) *** الأفضل، حين تصلي، أن يكون لديك قلب بلا كلمات من أن تكون لديك كلمات بلا قلب. (الهند الفتاة، 23-1-1930، ص25) *** الصلاة هي الدرس الأول والأخير لتعلُّم فنِّ التضحية بالذات، النبيل والشجاع، في كل دروب الحياة، تلك الدروب التي تبلغ ذروتها حين تدافع عن حرية وطنك وشرفه. والصلاة بلا شك تفترض إيمانًا حيًا بالله. (هاريجان، 14-4-1946، ص80) *** هناك الكثيرون ممن، سواء بسبب كسل ذهني أو لأنهم اكتسبوا عادة سيئة، يعتقدون أن الله موجود، وأنه سيساعدنا دون أن نطلب منه ذلك؛ فلماذا يتوجب علينا إذًا أن نردد اسمه؟ صحيح أنَّ الله إن كان موجودًا فهو موجود بصرف النظر عما نعتقد، لكن تحقق الله أكبر بما لا يقاس من مجرد الإيمان، لأنه ثمرة تدريب مستمر. هذا يصحُّ على كل العلوم فما بالكم بما له علاقة بعلم العلوم. (هاريجان، 28-4-1946، ص109) *** الصلاة... ليست حصرية؛ فهي لا تقتصر على طائفتنا أو مجموعتنا، بل تشمل الجميع، بل تشمل الإنسانية جمعاء، أي أنَّ تحقيقها يعني تحقيق مملكة السماء على هذه الأرض. (هاريجان، 28-4-1946، ص111) *** يصلِّي بصدق من يعتقد أن الله كامنٌ في قلبه، ومن لا يعتقد بهذا لا يحتاج إلى الصلاة. الله لن يستاء لهذا السبب، لكن ما بوسعي أن أقوله، من منطلق تجربتي الذاتية: من لا يصلي خاسر بالتأكيد. *** علمتني التجربة أن الصمت جزء من المنظومة الروحية لمن نذر نفسه للحقيقة؛ فالميل إلى المبالغة وإلغاء الحقيقة أو تحويرها، سواء عن معرفة أو من دون معرفة، نقطة ضعف طبيعية لدى الإنسان، والصمت ضروري لتجاوزها. لذا، يندر أن يكون الإنسان القليل الكلام قاسيًا في كلامه، لأنه سيَزِنُ كل كلمة يقول. (سيرة ذاتية أو قصة تجاربي مع الحقيقة، ص45) *** يستجيب الله للصلاة على طريقته، لا على طريقتنا. وطرائقه تختلف عن طرائق الفانين، كما أنها غامضة. الصلاة تتطلب الإيمان، وما من صلاةٍ لا جدوى لها لأنها، كغيرها من الأعمال، تعطي ثمارها سواء رأينا ذلك أم لم نره، وثمرة الصلاة التي من القلب أكثر فعالية بكثير من ذاك الذي ندعوه: عملاً! (هاريجان، 29-6-1946، ص215) *** هندوسيتي ليست حصرية ما من شيء في العالم يمنعني عن التبشير بالمسيحية أو بأي دين آخر في اللحظة التي أشعر فيها بالحقيقة، وبالحاجة إليها. لا وجود للدين حيث يوجد خوف... وإذا كان بوسعي تسمية نفسي – لنَقُلْ – مسيحيًا أو مسلمًا وفق تفسيري الخاص للكتاب المقدس أو للقرآن، لما ترددتُ في تسمية نفسي على هذا النحو. لأنه عندئذ تكون الهندوسية والمسيحية والإسلام تعابير متماثلة لها نفس المعنى. وأعتقد أنْ لا وجود لهندوس أو مسيحيين أو مسلمين في العالم الآخر، حيث ستتمُّ محاسبة الجميع، ليس من منطلق مسمياتهم أو حِرَفهم بل على أساس أعمالهم التي لا علاقة لها بما يعتقدون. خلال وجودنا الأرضي ستظلُّ مثل هذه التسميات قائمة، لذا تراني، من جهتي، أُفضِّل الإبقاء على التسمية التي ورثتها من أجدادي، طالما أنها لا تعيق نموي، ولا تمنعني عن استيعاب ما هو جيد في أي مكان آخر. (الهند الفتاة، 2-7-1926، ص308) *** لعل أبرز مساهمة للهندوسية في الثقافة الهندية وأكثرها تميزًا، هي عقيدة الأهيمسا؛ فقد أعطت خصوصيةً لتاريخ هذا البلد لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، وما زالت إلى الآن قوة حية تؤثِّر في حياة ملايين الهنود. فهي عقيدة تتطور، ومازال على رسالتها أن تنشر. لقد استوعى شعبنا تعاليمها إلى حدِّ أنَّ الثورة المسلحة باتت شبه مستحيلة في الهند اليوم، والسبب في هذا ليس لأننا، كما قد يقول البعض، شعب من الضعفاء، فالضغط على الزناد وإطلاق النار على شخص لا يتطلب قوة جسدية كبيرة، وإنما يتطلب إرادة شيطانية فحسب، بل السبب هو أنَّ مأثور الآهيمسا ضرب جذورًا عميقة بين الناس. (هاريجان، 24-3-1924، ص95) *** رغم إعجابي بالمسيحية، لا يمكنني التماهي مع أورثوذكسيتها... في حين أنَّ الهندوسية التي أعرفها تتجاوب مع روحي تمامًا، حيث أجد في البهاغافادغيتا والأوبانيشاد عزاءً لا أجده حتى في خطبة الجبل. وهذا ليس لأني لا أُقدِّر المثال المقدَّم هناك، وليس لأن التعاليم الثمينة المتضمنة في خطبة الجبل لم تترك أثرًا عميقًا في نفسي، لكن علي أن أعترف أنه حين تؤرقني الشكوك، وحين تُحدِّق الخيبة في وجهي، وحين لا أرى في الأفق ولو بارقة أمل واحدة، أستدير نحو البهاغافادغيتا، فأجد فقرة تواسيني؛ وحتى إن كنت في حزن ساحق فإني سرعان ما أعاود الابتسام. لقد كانت حياتي مليئة بالأحزان، لكنها إذ لم تترك أثرًا ظاهرًا وعميقًا في نفسي، فالفضل في ذلك يعود إلى تعاليم البهاغافادغيتا. (الهند الفتاة، 6-8-1925، ص274) *** هي وجهة نظري المعتادة أنَّ الجزء الأساس من تعاليم البوذا بات الآن جزءًا لا يتجزأ من الهندوسية. لأنه يستحيل على الهندوسية الهندية اليوم العودة إلى الخلف وعدم الأخذ بعين الاعتبار الإصلاح الكبير الذي أدخله غوتاما على الهندوسية. فمن خلال تضحيته العظيمة، ونكرانه الكبير لذاته، والطهارة الناصعة لحياته، ترك أثرًا لا ينكر على الهندوسية التي تدين بدَيْنٍ عظيم لهذا المعلم الكبير... وما لم تستوعبه الهندوسية فيما يعرف اليوم بالبوذية لم يكن جزءًا أساسًا من حياة البوذا وتعاليمه. (الهند الفتاة، 24-11-1927، ص ص392 و393) *** لا يمكن فصل الشرائع الإلهية الأزلية وغير القابلة للتغيير عن الله بحدِّ ذاته. ورغم ذلك فإنه، بسبب لغط كبير ناجم عن الاعتقاد بأن البوذا قد كفر بالله ولم يؤمن إلا بالقانون الأخلاقي، حدث ارتباك حول الفهم الصحيح للكلمة العظيمة نيرڤانا. النيرڤانا لا تعني البتة الفناء التام، لأنها، وبمقدار ما أتيح لي أن أفهم الواقع الأساس لحياة البوذا، هي الانقراض التام لكل ما هو وضيع فينا، لكل ما هو فاسد ومفسد فينا. النيرڤانا ليست كموت القبر الأسود، بل هي حياة سلام وحياة سعادة لروح واعية لذاتها، ومدركة أنها قد وجدت مقامها في قلب الخالد الذي لا يموت... وكان هذا عظيمًا مثل المساهمة الكبرى التي قدمها البوذا لإنسانيتنا حين أعاد الألوهة إلى مكانها الخالد. ومن منظوري المتواضع، كانت مساهمته الأكبر من هذه أيضًا هي صرامة نظرته لكل أشكال الحياة، مهما كانت متدنية. (المرجع نفسه، ص393) *** إني على قناعة تامة بأنَّ أوروبا لا تعكس اليوم روح الله ولا روح المسيحية، بل تعكس روح إبليس. وأن انتصارات الشيطان تكون أكبر حين يظهر وهو ينطق باسم الله من بين شفتيه. فأوروبا اليوم مسيحية بالاسم فقط، وهي في الحقيقة تعبد مامون. لـ"أنه أسهل أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة من أن يدخل غني ملكوت السموات." (متى:19-24). لأنه هكذا تكلم حقًا يسوع المسيح. أمَّا من يدَّعون أنهم أتباعه فيقيسون تقدمهم الأخلاقي بحسب ممتلكاتهم المادية. (الهند الفتاة، 8-9-1920، ص ص2 و3) *** ليس بوسعي أن أحصر صفة الألوهية بيسوع؛ فألوهيته كألوهية كريشنا أو راما أو محمد أو زارادشت. وأيضًا، في المقابل، لا أعتقد أن كل كلمة من الكتاب المقدس موحاة من الله، كما لا أنظر كذلك إلى كل كلمة من الفيدا أو القرآن. فهذه الكتب وحيٌّ ككل حتمًا، لكني لا أتلمَّس وحي الأشياء حين آخذها مجزأة. والكتاب المقدس، بالنسبة لي، كتاب دين كالغيتا والقرآن. (هاريجان، 6-3-1937، ص25) *** هناك الكثير من الجهالات والخرافات في الهند، لكن في الأعماق هناك ذلك الإيمان بالله الذي هو أساس الدين. (هاريجان، 17-11-1946، ص405) *** أنظر إلى الإسلام كدين سلام تمامًا كالمسيحية والبوذية والهندوسية. لا شك في أنه توجد خلافات من حيث الدرجة، لكن غاية هذه الديانات هي السلام. (الهند الفتاة، 20-11-1946، ص405) *** ما من شيء في القرآن يبرِّر استخدام القوة من أجل الهداية. هذا ما يقوله الكتاب المقدس بأوضح ما يمكن: "لا إكراه في الدين". وتشهد حياة الرسول بمجملها على رفضه الإكراه في الدين. وعلى حد علمي، لا يوجد مسلم أيَّد الإكراه يومًا؛ فالإسلام لن يبقى دينًا عالميًا إذا اعتمد القوة لانتشاره. (الهند الفتاة، 29-9-1921، ص307) *** لقد قرأت القرآن أكثر من مرة، فديني يسمح لي، ويلزمني باستيعاب كل ما هو خير لدى كافة ديانات الأرض. (هاريجان، 28-10-1939، ص317) *** في الدين والسياسة أقول إنَّ العقل الإنساني، أو المجتمع الإنساني، ليس مقسَّمًا إلى حجيرات منعزلة تدعى اجتماعية وسياسية ودينية؛ فكلها تفعل وتتفاعل مع بعضها بعضًا. (الهند الفتاة، 2-3-1922، ص131) *** شعرت بأني مجبر على ولوج الحقل السياسي لأني وجدت أنْ ليس بوسعي القيام بأي عمل اجتماعي دون التعرُّض للسياسة. وأشعر أنه يجب النظر إلى العمل السياسي من منطلق التقدم الاجتماعي والأخلاقي. لا يوجد في الديمقراطية حقل من حقول الحياة لا تلامسه السياسة. (هاريجان، 6-10-1946، ص341) *** ليس بوسعي عزل السياسة عن أعمق الأشياء في حياتي، وذلك لسبب بسيط هو أن سياساتي ليست فاسدة، فهي مرتبطة بشكل وثيق باللاعنف وبالحقيقة. (الهند الفتاة، 1-10-1931، ص281) *** ليس الدين مقياسًا للقومية، بل هو مسألة خاصة بين الإنسان وربه. فمن مفهوم القومية الهنود هنود أولاً وأخيرًا، بغض النظر عن أديانهم. (هاريجان، 29-6-1947، ص215) *** في المعابد وعبادة الأصنام أنا لا أرفض التعبد لصنم؛ فالصنم لا يحرك في نفسي أي شعور بالمهابة، لكني أعتقد أن عبادة الأصنام جزء من الطبيعة البشرية. لماذا يتوجب أن يكون المرء أكثر هدوءًا في الكنيسة منه في أي مكان آخر؟ لأنَّ الصور تساعد على العبادة. ما من هنديٍّ يعتقد أن الصورة إله، لذا لا أعتبر التعبد لصنم خطيئة. (الهند الفتاة، 6-10-1921، ص318) *** أنا مؤيد ومعارض معًا للتعبد للصور؛ فحين يتحول التعبُّد أمام الصور إلى وثنية، ويصبح مغلفًا بمعتقدات وعقائد خاطئة، ويصبح من الضروري محاربته كشرٍّ اجتماعي كبير أعارضه. لكن من جانب آخر، فإن التعبُّد أمام الصور من منظور إعطاء المثال الأعلى شكلاً ملموسًا هو شيء متأصل في الطبيعة الإنسانية، وهو حتى مساعد فعَّال لفعل التقوى. ونحن نتعبد أمام صورة حين نقدِّم الاحترام لكتاب نعتبره مقدسًا. ونتعبد أمام صورة حين نزور معبدًا أو جامعًا ويملأنا شعور بالورع والتبجيل. ولستُ أرى ضررًا في كل هذا بل، بالعكس، كإنسان محدود الفهم، ليس بوسعي القيام بشيء آخر. وأيضًا، لستُ أرى أيَّ شرٍّ أو ضرر في التعبد لشجرة، وأراه شيئًا غريزيًا عميق التعاطف وذا شاعرية جميلة، حيث يرمز إلى إجلال حقيقي لمملكة النبات برمَّتها، تلك التي من خلال ما تقدِّمه من مشهد لامتناه وجميل في أشكاله وتكويناته، يعلن أمامنا، بملايين الألسن، عظمة ومجد الإله... (الهند الفتاة، 26-9-1929، ص320) *** أنا لا أنظر إلى وجود المعابد على أنه خطيئة أو خرافة؛ فبعض الأشكال والأمكنة العامة للتعبد تبدو ضرورة إنسانية. وسواء احتوت المعابد أم لم تحتوِ على صور فهذه قضية ذوق ومزاج. فأنا لا أنظر إلى أماكن التعبد الهندوسية أو الكاثوليكية التي تحتوي صورًا بأنها سيئة أو تخريفية وللجوامع وأماكن التعبد البروتيستانتية على أنها جيدة وغير تخريفية لمجرد أنها لا تحتوي صورًا. فبوسع رمز كالصليب أو الكتاب أن يتحول بسهولة إلى وثنية، وبالتالي أن يصبح تخريفيًا. كما أن التعبُّد أمام صورة الطفل كريشنا أو العذراء مريم يمكن أن يكون يسمو بالعواطف النبيلة ويحرر من كل خرافة؛ فكل شيء يعتمد على موقف قلب المتعبد. (الهند الفتاة، 5-11-1925، ص378) *** معابد أم جوامع أم كنائس... لا فرق عندي بين هذه الأماكن المختلفة لعبادة الله. إنها نتيجة ما صنعه الإيمان، واستجابة لحنين الإنسان للوصول بطريقة ما إلى من لا يرى. (هاريجان، 18-3-1933، ص6) *** أجسادنا هي المعابد، وليس الأبنية الجحرية. وأفضل مكان للعبادة الجماعية يكون في الفلاء مع السماء من فوقنا كمظلة وأمنا الأرض من تحتنا كمرتكز. (هاريجان، 4-1-1948، ص498) *** لعنة المنبوذين لقد تجذَّرت الفروقات الطبقية بيننا إلى حدِّ أنها أصابت بعدواها المسلمين والمسيحيين وأتباع ديانات الهند الأخرى. الحواجز الطبقية يمكن أن توجد بهذا الشكل أو ذاك في أماكن أخرى من العالم، ما يعني أنها مصدر إزعاج مشترك للجنس البشري كله. وإلغاؤها ممكن فقط عن طريق غرس الدين الحق. لأني لم أجد قوانين تشرِّع لمثل تلك الحواجز والفوارق في كتب أي دين. فمن منظور الدين كل البشر متساوين، والتعلم والذكاء والغنى لا تعطي المرء حق إعلان تفوقه على أولئك الذين يفتقدون لما يملك من هذه المزايا. فإذا جُبِل أيُّ شخص وكُرِّس من خلال الجوهر المُطهِّر ومنظومة الدين الحق، فإنه سيرى أنَّ من واجبه أن يتشارك في امتيازاته مع أولئك الذين يملكون أقلَّ منه. وهكذا، في ظروفنا الحالية، يتطلب الدين الحق منا أن نتحول إلى منبوذين (أتيشودراس) طوعًا. علينا النظر إلى أنفسنا ليس كمُلاَّك بل كمؤتمنين على ثروتنا، وأن نستعمالها لصالح المجتمع، فلا نأخذ منها ما هو أكثر من أجر عادل للخدمة التي نؤديها. في نظام كهذا لن يبقى هناك فقير وغني، وستكون كل الديانات متساوية، وستكفُّ كل النزاعات الناجمة عن الدين والطبقة والفارق الاقتصادي عن تهديد السلم في العالم. (الهندي، 19-9-1945) *** تزوَّجتُ العمل على إلغاء "وضع المنبوذين" قبل وقت طويل من أن أكلَّل بزوجتي. وقد كانت هناك مناسبتان في حياتنا المشتركة كان علي فيها الخيار بين العمل من أجل المنبوذين والبقاء مع زوجتي وكنت ربما سأفضل الخيار الأول، لكن بفضل زوجتي الجيدة تم تلافي المشكلة. في الأشرام (مستعمرة سكنية جماعية) الذي هو عائلتي هناك العديد من المنبوذين، وهناك فتاة جميلة ومشاكسة تعيش معنا وكأنها ابنتي. (الهند الفتاة، 5-11-1931، ص341) *** جلب حبُّ الناس مشكلة المنبوذين مبكِّرًا إلى حياتي. مرَّةً قالت لي أمي: "عليك أن لا تلمس هذا الصبي لأنه منبوذ." فسألتها: "لم لا؟" وكان هذا هو اليوم الذي بدأت فيه ثورتي. (هاريجان، 25-12-1938، ص393) ترجمة: أكرم أنطاكي *** *** *** |
|
|