قصائدُ الموت والصَّمت

 

علي جازو

 

1

إلى الجنود مكرهين مخدوعين

بلا رأفةٍ، سُحِبْنا في الظلام.
أشباحٌ هزيلةٌ، مدت مرافقَها إلى أكتافنا.
ضفادعُ لا مرئيةٌ، بهتاف السخرية المنتظم
نادتْ نجومَ الليل الباردة.
فُصلت أرواحنا عن أقدامنا،
كما تُنزَعُ الخواتمُ من أصابع القتلى.
فقراءٌ مثلنا جبناءُ صفعوا أفواهنا وخدودنا،
وإلى ساحات العذاب جُرَّتْ أطرافُنا الميتة.

أغلَقْنا عيونًا لا تشبه نظراتنا.
واهٍ... نظراتٌ؛
كم غائرة في البهجة كانت،
مَنحْناها إلى أوراق الورود!

2

خلف وجهِ صبيَّةٍ بلهاء،
نورٌ أخذتْهُ السّكينةُ،
إلى ترابٍ طيب، برفْقٍ أخذتْه.
وجهٌ يعكسُ كلَّ شيءٍ سواه.
ليلٌ أبيضُ قديم،
سرَّبَ بسماتِ حيرةٍ،
لفحةً أبردَ من الصَّفاء.

3

ها نحنُ – أسفل أضواء العوالم كلِّها –
نكبر نتدافع،
كدوائر مياه مقذوفة نرتعش؛
كلما اتسّعَ مركزُها الجريح،
صارت أقرب إلى التلاشي،
بطيئة واهنة،
طفولتُنا اللامرئية،
كنسغٍ داخل لحاء،
بصمتٍ متَّقدٍ تصاعدُ.
تُرَى من يجرؤ - يمدُّ يدًا،
فليشعلِ الزهورَ، فوق ليل المياه،
ليشعلْها الآن.

4

اكتملتِ الساعاتُ، الساعاتُ كلُّها.
إلى البئر قفِلَ صدى المعاولِ،
على الحجارة نمتِ الطحالبُ،
والمساءُ المتوج أحرق كلمات الصباح.
اكتملتِ الساعاتُ كما بالنعاس تُطوَى الرموش.
الساعات انتهت. نفدت أقمشة الدُّمى،
كثمار الصيف نضجت المراثي،
وبين صرخات الألم قضَى وجْدُ الليالي.

5

أوه يا آدمُ، يا فحمَ الضوء المرعب،
يا خيانةً هي كل ثروتنا!
يا فقيرُ، كفاك صفعًا لنا.
لم نجد قبرًا لندفن عارك سوى أجسادنا،
وما نعرفه لا يتجاوز أسيجة هرمة.
إذا كنت مثلنا خائبَ الرجاء،
لا تبدلْ شيئًا بشيء.
لم تلْغُ سماءٌ إلينا مثل سمائك،
ولا الأرض منحتنا ثمرًا
بمذاق متاهاتك تحت الشمس!

6

كلُّنا أطفال.
حمقى يكذبون على الأقل حمقًا،
وخائفون كظلال ثقيلة تتقدم أيامُهم،
وما لم نعرفه نضرم النارَ في عينه.
كلنا عميان. من يرشدْ آخرَ يحبسْهُ،
ومتفرجون أكثر سطوة من آمال مخزية،
وما ننساه يعود ليجثم على صدورنا،
مثل كل ليلةٍ تختمُ بها ألعابُنا ضآلةَ مسعاها.

7

إلى نوح ابراهيم

في كلِّ حُبٍّ رغبةٌ بالانفصال عن العالم.
ترضع الأمُّ طفلَها،
تمنح الثمرةُ بذرةَ فؤادها،
وتظل مختبئة، وحيدة ومكتملة،
بعيدة عن الفم الذي أطلقها أول مرة.

8

انفصلْنا إلى الأبد،
وصارتِ العزلةُ خبزَ حياتنا.
لكنه الموتُ، فاتنًا ومدوخًا،
يجذبُ واحدَنا إلى الآخر.
هي الأرواحُ رسمَ كهوفٍ تكرِّرُ؛
والأسى نارٌ تطبعُ الأقدام.

9

حتى إذا كنتُ شجرةً؛ كالمثال كاملة،
فجذوري ليست كلماتي أبدًا.
ما أراه يحيرني، وما ينتهي لا يتركني،
مثلما يغدو الطفل وحيدَ بكائه،
وبالآلام يموجُ قلبُه الصغير.
ليس هذا فقط ما يمكن لأوراق الأشجار نقله؛
فعبر احتراقات الضوء على وجوه غافلة،
ثمة كلمات أخرى عن فوات الوقت والفرص،
عن مداخل الطرقات القاتلة،
وعن كل ما يحرق الجذوع أمام العيون.

10

إلى أصدقاء سنة 2011

المائدةُ رُتِّبَتْ، والنارُ السنوية لم تخب ظنَّ أحد.
نحن هنا لنكمل القُبَلَ ومصافحاتِ الوداع،
كما بضوء الربيع يطفو خيال الزهور.

***

يردُّ الظلامُ ثيابَنا التي استعرناها من حيوانات الرب،
وبردُ الإهانة الملتصق برموشنا يابسًا يلمعُ،
العضلات الملونة تغلي كالشتائم،
فيما هالات الوعود كالحقائق تتخبر فوق الرؤوس.

***

نتهامس، نصرخُ، نبتسمُ نتراقص ونأمل،
ليلة إثر أخرى،
مثلما هي الإرادة الخادعة تترنح كورقة ضعيفة،
لا شيءَ ينقذها من ارتعاشات نضجها المتردد،
والمضي وحيدة منكمشة تحت أجنحة متعبة.

***

ياه! تعلمنا الحجارةُ القسوة، الصبر الذي لا يطاق،
والغبار الذي ينادي أرواحنا عبر النوافذ،
تئن الحكمة تحت لسانه.
يسلخ الذلُّ الغضبَ عن عيوننا،
والخمورُ خفية سرَّبَتْ وهجَها إلى جباهنا،
سرعان ما ذبلت في العطلات المضجرة.

***

يتعرف إلينا الضوء الذي حطمنا قرْبَه الملائكيّ،
معيدًا كأغنية مخمورة ألقَ انتشاره.
الضوء والثلج اللذان يخفقان مرة بعد مرة
في طمأنتنا، ويتعثران بالمخاوف التي تلوي أعمارنا،
وتحت أذرعنا في قلب ساعات الخوف والفقر
تشع مياهٌ قاسيةٌ كالفجر
فيما أصابع لطيفة تتلامس،
لكن عيوننا غرقت في النوم فجأة،
كما لو أنها لم تر شيئًا!

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود