نـيـكـوتـيـن
عمر حكمت الخولي
اِرحلْ
وخُذْ ما تشتهي مِنْ ذكرياتِ الَّليْلِ أوْ كُتُبِ الغبارْ
واصفعْ فؤادي مرَّةً أخرى
أنا أدمنتُ حِقْدَكَ سيِّدي
كالخَمْرِ، كالتَّدخينِ في جَسَدي المُثارْ!
اِرحلْ، ودعني أحرسِ الأشعارَ في غُرَفي الكئيبةِ
أحرسِ النِّسيانَ في ظِلِّ الجدارْ
ما كُنْتَ يومًا عاشقي
فلِمَ البكاءُ؟ وَلِمْ تزيدُ الشَّجْوَ في قَلْبي
وترنو نَحْوَ إعدامِ النَّهارْ؟
أنا ظلُّكَ المقهورُ، فارحلْ مِنْ هُنا
وخُذِ القصائدَ كلَّها
وخُذِ القلائدَ كلَّها
وخُذِ السِّوارْ
ما كانَ يومًا للودادِ هديَّةً
بلْ كانَ حَوْلَ يَدِي – حبيبي – حَبْلَ نارْ!
مَهْلاً
فخارطةُ الرَّحيلِ نَسَيْتَها في مخدعي
فهُنا مذابحُ سُكْرِكَ الأشهى
هُنا مُدُنٌ لسِحْرِكَ سيِّدي
وهناكَ بَيْتُ عشيقةٍ ما زُرْتَها منذُ التقينا قَبْلَ عامْ!
مَهْلاً حبيبي
ها كتابُ قصائدِ الأوهامِ
ها قَلَمٌ لترسمَ فَوْقَ جَهْلِ السيِّداتِ ملامحَ الأيَّامِ
ها حُزْني، فذرْني لحظةً
أكتبْ لكَ العنوانَ فَوْقَ أصابعِ الكفِّ الحرامْ!
مَهْلاً حبيبي
فالشِّتاءُ قدِ اقتربْ
خُذْ معطفي
أخشى عليكَ تودُّدَ الأمطارِ في لَيْلِ الظَّلامْ!
للمرَّةِ المليونِ يا ذا الذِّكرياتِ جميعِها
سأقولُ حُزْنًا إنَّني
أدمنتُ عِشْقَكَ كالحشيشِ، وحُبُّكَ الشَّرقيُّ عشَّشَ في دَمِي
كالنِّيكُوتِينْ!
ما غِبْتَ عنِّي لحظةً إلاَّ وقدْ جُمِعَتْ إليَّ مدائنُ الدُّنيا هَوَىً
فغمرتَني بَعْدَ اللِّقاءِ برقصةٍ سحريَّةٍ
(تانغو، فلامينغو)، فاختفتْ كلُّ الشُّكوكِ كما اليقينْ!
والآنَ يا ذا الحُزْنِ كلِّهِ والجَوَى
لنْ يرقصَ الخَصْرُ النَّحيلُ لبرهةٍ
إلاَّ إذا أرغمْتَني برحيلِكَ الملعونِ
أوْ بسياطِ دينْ!
ورَحَلْتَ وحدَكَ، لَمْ تَقُلْ لي كلْمةً
ونَفَضْتَ عنْ بابي قصائدَكَ الَّتي غنَّيتُها
وحفظتُها
وكتبتُها في مهجتي كيلا تُهاجِمَها السُّنونْ
أوراقُ شِعْرِكَ أينَ كانتْ قَبْلَ عَطْفي؟
والَّتي قدْ خُنْتَها، وجلالِ قَدْرِ العِشْقِ في تكوينِها
كانتْ ستُحرَقُ أو تهونْ
واليَوْمَ أعلمُ سيِّدي
أنَّ القصائدَ لَمْ تَكُنْ إلاَّ لتخديرِ الظُّنونْ!
ستزورُ هاتفَكَ الَّذي أهديتَني إيَّاهُ أَلْفُ
عشيقةٍ في اليَوْمِ أوْ أكثَرْ!
وسأرفعُ السَّمَّاعةَ الحبلى، أجيبُ عنِ السُّؤالِ بجملةٍ كالصَّفْعِ لي:
"ما عادَ يسكنُ منزلي ذاكَ الَّذي مِنْ كِذْبهِ نسكَرْ"!
أتظنُّني بلهاءَ؟ إنِّي مذْ عَرَفْتُكَ أُدركُ الكَذِبَ الَّذي أشربْتَني
لكنَّني يا سيِّدي قدْ كُنْتُ أرجو أنْ أُديرَ فؤادَكَ السَّكرانَ نَحْوي
أنْ أكونَ لكَ الَّتي في حُضْنِها تسهَرْ
وأردتُ أنْ أَدَعَ الوفاءَ لأهلِهِ
لَسْتَ الوفيَّ، فقبِّلِ الشَّفتينِ في صَخَبِ الوجودِ للحظةٍ
قبِّلْ، فلنْ تخسَرْ!
لكنَّني ما كُنْتُ يومًا غَيْرَ أغنيةِ الوداعِ
وأنتَ مِنْ ألحانِها تضجَرْ!
وطَرَقْتَ بابي!
"مرحباً"؟ لا.. لا
أَأنسى كلَّ ليلاتِ السَّعيرْ؟
هلْ أفتحُ الأبوابَ للرَّجلِ الَّذي قدْ باعَني
وأهانَني، وأذلَّني
ذاكَ الَّذي قَتَلَ البراءةَ قَبْلَ معرفةِ المصيرْ؟
هلْ أفتحُ البركانَ في جَسَدي؟
وهلْ أرضى بهِ عِشْقًا مريرًا؟
هلْ أداري الخَوْفَ مِنْ عَتَبِ الضَّميرْ؟
وطَرَقْتَ بابي مرَّةً أخرى
سأفتحُهُ
أنا ما زِلْتُ أهواهُ
أنا لو غابَ عَنْ نَظَري
بذاكَ الحُلْمِ ألقاهُ
أَأحيا دُوْنَ قُبلتِهِ؟ أَأُرعى دُوْنَ بسمتِهِ؟
سأفتحُ بابيَ المرصودَ في وَجْهِ السَّميرْ
وطَرَقْتَ بابي مرَّةً أخرى
فَتَحْتُ ببسمةٍ، فوأدتَها:
"عَفْوًا... نَسَيْتُ سجائري قُرْبَ السَّريرْ!".
24 تشرين
الثاني 2008 م
***
*** ***