هلوسات في زمن
رخو
ندرة
ع. اليازجي
هلوسات في زمن رخو
في آخر شهر
من سنةٍ تزحفُ نحو حدود الموت
أشاهدُ في ليلي قمرًا مشطورًا نصفين
نصفٌ يتمشّى في حقلٍ مزروعٍ بالألغام
والنصف الآخر مُعْتقلٌ في جيبِ (اْمبرطورٍ) مهزوم
ماذا جنينا؟!
في عُمْرٍ عمّدناه بماءِ الحبّ
وأرسلناه يبشِّرُ أنْ: صار الربّ
أذكى.. أفهمَ.. أعدلَ.. أطيبَ قلب
ماذا جنينا؟!
حتى نتساوى معْ سِربِ حمام
حاصره قومٌ صيّادون
سَقاهمْ ابليسُ الماءَ المسموم
فاقتنعوا أنهمُ (الرسلُ المبعوثون)
(كان حُطَيئَةُ[1]
في الزمنِ الغابر
يهجو كلَّ الأمراءِ وكلَّ الناس..
حتى زوجَته (لكاعِ) وحتى وجهَه..)
أمّا اليوم..
فالديكُ (حُطيئة) لا يعرفُ أن يهجوَ إلاّ أمريكا
ماذا جنينا؟!
حتى صِرنا
كلُّ سرابٍ ترسله الصحراءُ إلينا،
يتجلّى لبصائرنا
ماءً عذبًا.. حُلُمًا..
يُشبِعُ فينا الإحساس
بأنّا لا زلنا نحيا في هذا الكون.
* * *
أصوات
في اليوم السادس من العدوان على غزّة
إلى الصديق الدكتور إياد قحوش ولكلّ من له أذنان للسمع
صوت 1:
-
في هذا اليومِ السادس ِمن أيام التكوين
نستأنفُ نحن (الآلهةَ الرُحماءْ)
خَلْقَ الإنسان
وتسخيرَ الكونِ له وحدَهْ،
للبسمةِ فوق شفاه الطفل الطالعِ منه لتعميرِ الكون،
وللضِحكهْ
ها إنّا قد علمّناهْ
بأنّا إليهْ
ومِنْهُ
أقربُ ممّا يتصورْ
نحضرُ في أشواقِهِ
في أفراحهِ
في أحزانِهْ
وأنّا نحنُ هنا في (الوادي طوى) مجتمعونْ
للسَهرِ عليهِ
وعلى مستقبلِ أطفالهْ
كذلكَ علمناهْ
(أن الأطفالَ لهمْ ملكوتُ السمواتْ)
أمّا ما نطلبُ منه الآن،
وفي كلّ الأيام
لاشيءَ
سوى بعض الصلواتْ
صوت 2:
-
في هذا اليوم!!
الأطفالُ الغزّاويون
جيران (الوادي طوى)
أيةَ لعبةْ
سوف يقدّمُها لهمُ (البابا نويلْ)
وأيةَ قصةْ
تُزمِعُ أن ترويها لهمُ الجَّدةُ (ساره)
قبل النومْ !!
صوت 3:
-
نحنُ الناسَ (البسطاء)
المَرميّين على قارعة الطرقاتْ
وتشربُ من دمنا (الإِف ستاعشْ)
ما كان القتلُ شريعتنا
وبقينا - رغم الموتِ العابرِ -
أحياءَ
ونؤمنُ أنَّ الإنسانْ
أثمنُ شيءٍ في هذا الكونْ
وسنخلقه خَلْقًا آخرَ
أفضلَ ممّا كانْ
* * *
الأولمبياد الدموّي
كم أصبحَ سعرُ البرميلِ من الدمّ الخام اليوم
في "الوولْ ستريت"
من بعد الليل الثالث عشرَ "للأوولمبياد الدمويّ"؟
والكرةُ الأرضيةُ..
هذي المرميّةُ بين الأقدام
وبين سيوف اللعيّبين المَهَرةْ
الْ كانت يومًا ما زرقاء
وحالمةًً
كعيونِ العاشقِ روميو وحبيبتَه جولييت
هل أصبحَ يكفيها ما قدّمه الأطفالُ الغزّاويّون
وغيرُ الغزاويين
كي تصبحَ حمراء
ويرضى عنها عشّاقُ مصارعة الثيران؟
أمْ ما زالت بين البينين
وتحتاج دماءً أخرى..!!
من نسألُ
من يملِكُ أن يعطينا بعض جواب
هلْ قَدَرٌ حلَّ علينا في كلّ صباحْ
أنْ نتجرّعَ علقمَ قهوتنا
ممزوجًا بالدمّ الباردِ في شاشاتِ التلفزيون!!
من ركبَّها هذي الكرة الأرضيّةُ بالمقلوب؟!
قد نسألُ
قد نتسلى
قد نكتبُ
قد "نتمنطقُ"
قد تختلطُ الألوان
"وإذا بالنصرِ القادمِ يأتينا من عند الله"
أو من عند الشيطان
لكن الأسفَ الأكبرَ منْ أنْ تحمله الكلماتْ:
هؤلاء الأطفال الفقراء
منْ وقعوا في شبكاتَ الصيّادين "الزعماء"
ما أمهلهمْ هذا القدرُ الغاشم
هذا الزمن الظالمُ
ما ظلّوا أحياء
كي "يتمنطق" واحدهم
ويغامِرَ مثلي في بعضِ الأسئلةِ الرعناءْ.
* * *
صلاة للحلم
يا هذا الحلم الواقف خلف الباب
ولا يرضى أن يدخلَ أو يرحل
نرجوك الصفحَ لأنّا أتعبناك
وأضجرناك
وحملّناكَ جميع خطايانا (الطوعية والكرهية)
في كّل الأوقات
سامحنا يا هذا الحلم الطيّبُ
وامنحنا الغفران
لعّلَ تعود لنا القوّة
فنُحطّمَ أقفالَ الأقفاص
ونطيرُ إليك
ونمضي خلفك نحو الحريّة
يا هذا الحلم الواقف خلف الباب
نعترف ُالآن
وقبل فوات الوقت
أنّا نحن الجانون على أنفسنا
.. لا نتّهمُ الغيرَ بمحنتنا
لا الشيطان
ولا الملعونين من الجنّ
ولا حتى الأشباحَ المفتونين بهم
والمفتونين بنا
نعترفُ الآن
أمام الطهرِ البادي في عينيك
وفي قدميك
أنّا (قايضناكَ) بِفِلسِ الأرملةِ المسكينة
بعناكَ بخبز الأيتام
وبالصبّارِ الضارب حول حديقتنا سورًا للشرّ
سامِحْنا يا هذا الحلم
على ما قدّمناه من الآثام
وساعِدْنا
كي تنتفضَ الذاكرةُ المصلوبةُ فوق ضمائرنا
ويعودَ إليها النبض
فتخلعَ عنها (الأكفان السوداء)
وتحيا طاهرةً بيضاءْ
ونعود نسبّحُ باسمك
نتركُ كلَّ صغائرنا
ونجيء إليك
ونمضي خلفك في درب الملكوت
الذاهب نحو الحريّة
*** *** ***