بقَدْر ما يزدَادُ الدَّمارُ في العَالَم يجفُّ باطنُ الفَرد
فرويد هو الأفقُ الذي لا يتجاوزه علمٌ والتحليلُ النفسيُّ لا يتماشى إلاَّ مع العَلمانية
السعادةُ وهمٌ وما البحثُ عن الحرية سوى معنًى من معاني الحكمة التي علينا اكتسابها لنكون سعداء

 

لقاء مع إليزابيت رودينِسكو

 

لم يغفل التاريخُ أفعالَ أولئك المميَّزين الذين كرَّسوا فكرَهم وعلمَهم لخدمة الإنسان وتقويم هواجسه وأمراضه النفسية. فمن زيغموند فرويد، "الأرخيولوجي" في طبِّ النفس الذي ابتكر منهجًا فريدًا للتنقيب في تربة الإنسان الأعمق ومتاهات لاوعيه، إلى يومنا هذا، تعدَّدت المدارسُ المتخصصةُ في تحليل النفس وطبابتها وتقدَّمت، وبقي المرجع واحدًا: فرويد، الذي لم يتخطَّ آفاقَه تيارٌ أو اجتهاد، بل مافتئ النبع الذي ينهل منه الاختصاصيون تحليلاتِهم ومؤلَّفاتِهم.

إليزابيت رودينسكو في بيروت.

من أتباعه المتشدِّدين إليزابيت رودينسكو Élisabeth Roudinesco التي شاركت في مؤتمر جمع طوال أيام ثلاثة، في "مستشفى رزق" ببيروت، علاَّمات في طبِّ النفس والتحليل النفسي، تحت عنوان يستدعي أكثر من سؤال: "الطب النفسي والتحليل النفسي لأخلاقية عامة".

للمرة الأولى في لبنان يُعقَد مؤتمرٌ بمثل هذه الأهمية، التقى حول عنوانه أطباءُ نفس ومحلِّلون أوروبيون، أمثال جويس ماك دوغال، إليزابيت رودينسكو، دانييل ودلوشر، باتريك غيومار، ألدو ناوري، طبيب الأطفال المتخصص في التحليل النفسي، وشوقي عازوري، مُعِدُّ هذا المؤتمر وهمزة الوصل بين هؤلاء وبين "الجمعية اللبنانية للتحليل النفسي"، التي وحدها في العالم العربي قادرة على تأهيل محلِّلين نفسيين وتأمين المنفعة للجمهور.

حين تتعدَّد الاختصاصات، بالتزاماتها وطموحاتها، يغدو صعبًا سبرُ جانب واحد من جوانب امرأة متفوقة اعتبرتْ أن اختصاصًا واحدًا يحدُّ صاحبَه ولا يُغنيه، فأقبلت على العلم في نهم وأضحت محلِّلةً نفسانيةً وباحثةً ومؤرِّخةً وأديبةً مرموقة، شملتْ كتاباتُها تاريخ التحليل النفسي في فرنسا، قاموس التحليل النفسي، ما وراء الوعي، نبذة عن حياة جاك لاكان وفكره، علم الأنساب، ولماذا التحليل النفسي؟ – في انتظار ولادة حوارها مع الفيلسوف جاك درِّيدا، إلى أفلام وثائقية حول فرويد وابتكار التحليل النفسي.

غلاف كتاب رودينسكو لماذا التحليل النفسي؟

إليزابيت رودينسكو، العضو السابق في "مدرسة باريس الفرويدية" (1969-1981) والعضو حاليًّا في جمعية "تطوير التحليل النفسي"، صاحبة المنبر في صحيفة le Monde والمقعد في فرع التاريخ في جامعة باريس والمحاضرات في "المعهد العالي للعلوم الاجتماعية"، تنتمي إلى هذا الزمن الفائر على نار من التغيرات وإعادة النظر في موروثات الماضي كلِّها. كلمة "حرية" تبدو في مجرى حديثنا لازمة، من دونها تفسد الحياةُ بأهلها.

كنت مهيأةً لحصر أسئلتي في الموضوع المحوري للمؤتمر: "أخلاقية الطب النفسي وآدابه"، وخاصة فيما يخص الأولاد والعوارض النفسية الناجمة عن المعاملة السيئة أو عن عوامل وراثية عميقة. بيد أن حضورها الآسر سرعان ما فرض نوع الحديث والأسئلة، مما شجَّعني على ولوج موضوعات متشعبة، تصبها رودينسكو في فطنة ومعرفة في إسمنت اختصاصها الأهم: التحليل النفسي.

مـي منسَّـى

* * *

 

لفتُّ انتباهَها إلى العنوان الكبير الذي تصدَّر مجلة le Nouvel Observateur في أحد أعدادها الأخيرة: "حين تقول النساء كلَّ شيء عن الجنس"، وفي أعلى غلاف المجلة عنوان لا يقل عنه إثارة: "لماذا أصبحت فرنسا مجنونة؟"، وسألتُها:

مي منسى: كيف تتفاعلين، كباحثة ومفكرة وامرأة، مع هذه الحرية المطلقة في الكتابة البورنوغرافية والكلمات البذيئة التي فجَّرت بها أولئك النساءُ ثورتهنَّ الجنسية؟

إليزابيت رودينسكو: ليس ثمة إفراط في الحرية! أنا مع حرية الجنس كاملة، بلا موانع، شرط أن تبقى الأمور ضمن قانونيَّتها. فممارسة الجنس بين الراشدين يجب أن تكون حرة، لا مرغَمة أو مغتصَبة أو مستغَلة، كما يجب أن تكون هنالك حماية واعية للصغار.

م.م.: هل موضوعك – "الأخلاقية الجماعية" – يشمل هذا البند من الحياة؟

إ.ر.: الأخلاقية في الطب ومناقبيَّته مختلفة عن أخلاقية المرء في مجتمعه. فحين نتكلَّم على المناقبية في التحليل النفسي نعني أخلاقية الرغبة. أما نشر الجنس حتى اللانهاية فليس في اعتقادي رغبة. لكني لا أقف ضدَّ بلد لم يضع رقابة على الجنس. أما الكتب البورنوغرافية فهي إما جيدة، أسلوبًا وطرحًا، فيكون كاتبُها عبقريًّا، وإما سيئة مبتذلة، فتضيع فورًا في غياهب النسيان.

م.م.: كيف عبَّر فرويد عن المتعة الجنسية؟

إ.ر.: بيَّن أنها لامتناهية لدى تحرُّر الجنس من الرقابة والممنوعات، وأنها، في جوٍّ من الكبت، تولِّد نقائض وضغوطًا قاهرة.

م.م.: هل لهذه الحرية الكلِّية للجنس، كما تُرينا إياها السينما والتلفزيون والإنترنت والكتب والمجلات، مدلولُها في تطور إنسان هذا الزمن العلمي والتكنولوجي؟

إ.ر.: الإيروسية érotisme – هذا الفن في ممارسة الجنس – قائمة منذ القدم. والمعلومات لا تنكر تعبيريتها الحرة، سواء جاءت ضمن جمالية الشيء أو قبحه – علمًا أنه ليس ثمة قاعدة أو قانون يحرِّم أمرًا لـ"بشاعته"! دورنا هو أن نقاوم الإفراط في التلوث والعمران البربري واستغلال الصغار، لا أن نمنع الجنس. فلو أُعطِيَ لنا أن نحرِّم كلَّ ما هو قبيح وضار لوقفنا في وجه تسعين في المائة من المنتجات الصناعية! الأداة الوحيدة التي تعبِّر ولا تمنع هي حرية النقد.

م.م.: قبل خمسة وثلاثين عامًا، مُنِعَتْ مؤلَّفاتُ المركيز دُه ساد والمؤلَّفات الإيروسية. وفي العام 1949، قامت ثورةٌ أخلاقيةٌ ضد سيمون دُه بوڤوار لأنها استعملت كلمة "بظر" clitoris في كتابها الجنس الثاني. واليوم نرى أن لكتابة الجنس حرية أكبر، بل حرية مطلقة.

إ.ر.: ما يهمني كإنسان من هذا العالم المثقف، الفاعل، هو المقارنة بين أدب جيد وأدب سيئ. الإيروسية ليست قراءتي، ولم تشدني إليها يومًا. حتى الكتابة الإباحية التي اشتُهر بها مؤلِّفون في القرن الثامن عشر تُضجِرني!

م.م.: من أية فئة من النساء أنت؟

إ.ر.: أنا من وسط نسويٍّ féministe ومناصر له. خالتي كانت من المناديات بمنح المرأة حقَّ الاقتراع؛ وقد ترعرعتُ في أجواء تحرير المرأة، وأشعر بتحرري الكامل من رواسب الماضي.

م.م.: هل كان لسيمون دُه بوڤوار تأثيرٌ على تربيتك الفكرية؟

جان پول سارتر (1905-1980) مع رفيقة دربه سيمون دُه بوڤوار (1908-1986)

إ.ر.: أقدِّر اجتهادات سيمون دُه بوڤوار في مجال تحرير المرأة والمجتمع؛ لكنها ليست المثال الذي انتسبت إليه. فمطالعاتي تمحورت حول المؤلَّفات الحديثة. أحببت جان پول سارتر، لكني أنتمي أكثر إلى جيل البنيويين، كميشيل فوكو وجاك درِّيدا – وقريبًا يصدر عن دار Fayard حوارٌ لي مع درِّيدا حول العالم الحديث، ومضمونه الاقتصاد وحكم الإعدام والأصولية، لا البورنوغرافية. إنِّي ضد تحويل الجسم إلى سلعة – تلك الأشكال الجديدة من الدعارة. أحسب للمنطق حسابًا وحقوقًا. فلقد بلغنا درجاتٍ من الحرية الواعية لصدِّ المجتمعات الاستبدادية، لكن للحرية أشراكُها.

غلاف طبعة الجيب من كتاب درِّيدا ورودينسكو الحواري ممَّ يكون الغد...

م.م.: هل وصلنا فعلاً إلى التحرر الكامل؟ وما معنى الحرية المطلقة مادام للمنطق ألفُ حساب وحقوق؟

إ.ر.: أقصد الحرية بمعنى أن لنا الحقَّ في ممارسة امتيازات فردية لم تتمتع بها المجتمعات التي تفتقر إلى الحرية، تلك المجتمعات القابعة تحت سلطة الدولة والمجتمع والعائلة.

م.م.: لنعدْ إلى موضوع المؤتمر: ماذا قدَّم التحليل النفسي من فضائل للمجتمعات الديموقراطية؟

إ.ر.: ساعد بلا ريب على هدم الأسرة الكلاسيكية، القائمة على النظام الأبدي الفاعل في العالم العربي، ونسفَها؛ كما ساعد على إطلاق رغبات الإنسان وفرديته وتحرير جسم المرأة من الممنوعات الكابحة لغرائزها، وأعتق النساء من القمع وحرَّرهن من الضغوط وسلطان الأبوية patriarcat.

م.م.: وهل وجدت المرأةُ سعادتها بعد هذا الانعتاق كلِّه؟

إ.ر.: بل نواجه اليوم مُعضلةً شائكةً هي العزلة والعائلة المفكَّكة. يسعى المحلِّلون في إيجاد ضوابط جديدة من شأنها أن ترضي مجتمعًا تواقًا إلى السعادة المفقودة. وهذا التوق إلى الحرية والسعادة أعزوه إلى فرويد وأتباعه الذين نقَّبوا في اللاوعي وجعلوا الإنسان على بيِّنة منه. لقد تطور الإنسان داخل رغباته وتخلَّص من عبء موروثاته، بيد أنه وجد نفسه يغالب قيودًا أخرى جديدة.

م.م.: كأنك تعترفين بأن للتحليل النفسي فضائله كما له عواقبه...

إ.ر.: التحليل النفسي يستعيد سِمَتَه من حيث يفقدها. كان دومًا عرضة للتأويلات – مشكورًا ومذمومًا. في عالمنا الغربي، تصدَّى للهجمات بفضل مناقبيَّته ومعانيه الأخلاقية...

م.م.: على الرغم من رسالته التحريرية؟

إ.ر.: تعرَّض التحليلُ النفسي في الفترة ما بين الحربين العالميتين لهجوم من نوع آخر، بوصفه معتديًا على الأخلاق المسيحية. الكنيسة والمراقبون تكاتفوا على اضطهاده، واتُّهم فرويد بأنه مهووس جنسي!

م.م.: واليوم، من خلال هذا المؤتمر، يبدو التحليل النفسي خطابًا جديدًا للمناقبية...

إ.ر.: ... ذلك لأنه يدَّعي إنقاذ الرغبة المؤسَّسية، لا الحياة الجنسية المجنَّحة. فلا ننسينَّ أن التحليل النفسي ولد في مجتمعات قهرية، كان من الأمور الأساسية فيها أن تُقدِمَ الفتاةُ على الزواج "عذراء"، وكانت مرحلة الخطوبة تدوم سنوات، والآباء يقرِّرون عن البنين. اليوم نواجه في البلدان الديموقراطية نتائج التحرر في تحويل الإنسان إلى سلعة تُباع وتُشرى! هذا ما علينا مقاومته وانتقاده. فالحرية لن تكون يومًا مطلقة. ثمة موانع تقف في المواجهة وتعمل على الحيلولة دون الرأسمالية والتفوق على الإنسانية.

م.م.: قلتِ إن جميع المدارس تابعة لفرويد. ألا يجوز لمحلِّل نفسي، بعد اختباراته الطويلة، أن يصير أرخيولوجيَّ مرضاه، فينقِّب في لاوعيهم بأداته ووعيه هو، من غير الاستناد إلى مرجعية المعلِّمين؟

إ.ر.: أقولها بلا تردد: فرويد هو الأفق الذي لا يتجاوزه علم[1]! فعلم التحليل النفسي أنتج على مرِّ الزمن بعض المدارس ذات العقائد المتحجِّرة. أتباع ماركس هدروا وقتهم في إعلان موت فرويد، ولم يمت! فرويد مفكِّر عظيم، قدَّم خدماتٍ مدهشةً للحضارة حين برهن أن الإنسان يتعيَّن بلاوعيه، برغباته الباطنية، فعبَّر عن رغباته وقال إن مستوى الهمجية فيه وغريزة الموت لا حدود لهما.

زيغموند فرويد (1856-1939)

م.م.: ألا تعتقدين أن ثمة مَن أضاف إلى فكر فرويد قراءاتٍ جديدةً أكثر تلاؤمًا مع العصر الحديث؟

إ.ر.: فرويد ظلَّ وفيًّا لفكرة الأوديپ والعائلة الكلاسيكية. وجاءت ميلاني كلاين، البريطانية من أصل نمساوي، لتحوِّل التنقيب في التحليل النفسي إلى عالم الأطفال، ولاسيما الرضَّع. فهي التي أسَّست مدرسة التحليل النفسي البريطانية، وأظهرت احتمال ظهور عوارض عصبية–نفسية لدى الطفل منذ مرحلة التكوين الجنينية في بطن أمِّه. ومن علمها انتشر الطب النفسي في عالم الأطفال. ثم هنالك جاك لاكان، المترجم الأكبر للفكر الفرويدي. وعلى الرغم من أن جميع المحلِّلين من أتباع فرويد، إلا أنهم في نزاع دائم فيما بينهم، تمامًا كالأحزاب السياسية! وتبقى القاعدة الواحدة المشتركة هي الجانب العيادي الذي يتيح للمريض أن يعرف مرضه أكثر.

ميلاني كلاين (1882-1960)

م.م.: والعقاقير التي دخلتْ حياةَ الإنسان لتحوِّله إلى مدمن، عاجز عن مواجهة مصيره بإرادته؟

إ.ر.: المطَمْئِن من هذه الناحية أن دراسة العقاقير باتت أكثر وعيًا وتدقيقًا. والغرض من هذا المؤتمر هو كشف الذنوب التي تقترفها الصناعة الدولية لعقاقير الأمراض النفسية وإطلاق نداء لإيجاد مناقبية تحمي المريض من أوهامها وتجارتها المسرفة.

م.م.: قاموس التحليل النفسي مؤلَّف ضخم – كيف قمتِ بترتيب مواده؟

غلاف كتاب رودينسكو قاموس التحليل النفسي (الطبعة المنقحة بالاشتراك مع ميشيل پلون).

إ.ر.: من اختصاصي في التاريخ واختصاصي الآخر في علم النفس، وجدتُني أحصي البلدان التي فتحت عياداتٍ ومدارسَ واختصاصاتٍ للطب والتحليل النفسي، فأدخلتُ في القاموس اثنين وأربعين بلدًا من بلدان العالم. وكانت حصة لبنان منه خمسة عشر عالِمًا في التحليل النفسي، والنسبة ذاتها في المغرب، وبعض المحلِّلين في مصر، ولا شيء في سائر البلدان العربية، القائمة على المجتمعات القهرية والسلطة الأبوية، حيث الأمور النفسية المستعصية تُحَل ضمن الأسرة...

م.م.: وهذا يتنافى مع جوهر علم النفس...

إ.ر.: بالطبع، لأن التحليل النفسي يفترض تحرير المريض من مكبوتاته عبر سلخه عن جذوره والتنقيب في لاوعيه. والتحليل النفسي في المجتمعات السلطوية لا يمكن له إلا أن يكون مدمِّرًا؛ فالعلاج القائم على تداعي الأفكار والأحاسيس والصور وحرية القول لا ينجح إلا في البلدان التي ينعم مجتمعُها بحقوق الإنسان.

م.م.: وكيف السبيل إلى فكِّ عقدة اللسان لدى الصغار في عيادة الطبيب النفسي؟

إ.ر.: ثمة تقنيات أخرى تنوب مناب الكلام: الرسم، العجينة التي تصنع منها أشكالاً، ومشاركة الوالدين. وللمحلِّل أساليبُه في تحليل تصرفات رضيع أو طفل عاجزين عن الكلام. والدتي كانت رائدة كبيرة في علم النفس لدى الأطفال، ودخل اسمُها القاموس منذ العام 1988.

م.م.: وهل تقدَّم فعلاً علمُ النفس والتحليل؟

إ.ر.: فيما يخص العلاقة بين الأم وطفلها، أقول: نعم، وبكلِّ تأكيد. ابتداءً من الإيضاح الذي تمَّ على قوة اللاوعي الآلية، أصبح ولوجُ عالَمِ طفلٍ مُبعَد عن حبِّ أهله أو مرفوض لسبب ما سهلاً. بتنا ندرك فورًا النتائج الخطيرة على جهازه النفسي–العصبي. ولا ننكر أن تسعة أشخاص من عشرة ممَّن يؤمُّون عياداتنا هم ضحايا الأهل والعائلة.

م.م.: ما هي البلدان الأكثر تطورًا في علم النفس؟

إ.ر.: أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، واليوم اليابان.

م.م.: لعلم النفس جذوره – أين تحدِّدينها؟

إ.ر.: أظهرت الدراساتُ التاريخية أن منبع علم النفس من الحضارة اليهودية–المسيحية. فرويد كان يهوديًّا، لكنه لم يكن متدينًا – فالتحليل النفسي لا يتماشى إلا مع العَلمانية. تكمن الخطوةُ الأولى في استقطاب أماكن المرض في تفكيك هواجس الدين والعائلة والسلطات. الرواد الأوائل في الطب والتحليل النفسي كانوا جميعًا يهودًا متأثرين بـ"أنوار" الهسكلة أو التيار العقلاني في اليهودية[2]. هكذا دخل هذا العلمُ في نزاع مميت ودائم مع الدين.

م.م.: هل يأتي المؤتمر بنتائج إيجابية وهو يحمل عنوانًا "المناقبيَّة العامة" على حساب المصلحة الفردية؟

إ.ر.: المحلِّل النفسي اللبناني شوقي عازوري هو مَن أعطى هذه الديناميَّة الجديدة لـ"الجمعية اللبنانية للتحليل النفسي" – فلولاه لما كنت هنا في بيروت. والهدف من هذا المؤتمر يقوم على مبدأ حماية الفرد خاصةً والإنسانية عامة؛ أي تبيان أن المريض ليس سلعة، ويجب حمايته، كما وحماية الأطباء، من الأطباء الذين يمارسون أعمالاً مشابهة، وكذلك حماية العلم من هيمنة العقاقير الخاصة بهذا الحقل.

م.م.: في "المجتمعات القهرية"، كما تسمِّينها، هل لهذه العقاقير وجود؟

إ.ر.: درجت العادة في بلدان العالم الثالث على أن تُداوى الأمراضُ النفسية بالسحر والتمائم والنذور، كما في بعض البلدان الأفريقية، أو بما يُعرَف بـ"العلموية" scientisme، أي المذهب الذي يكتفي بالعلم من حيث قدرتُه على الذهاب بالمسائل القصوى الدائرة على المعرفة البشرية، وفي حالات أكثر تقدمًا، بمعالجة الآلية العصبية–الجسمية بعقاقير كالـProzac الرائج اليوم. وهنا تتدخل المناقبيَّة لتمنح المريض فرصة العمل ضمن المسؤولية مع طبيبه، فلا يكون غرضًا ناقصًا.

م.م.: من فرويد إلى يومنا هذا، نلحظ أن للمحلِّل النفسي عالمَه الكتابيَّ أيضًا، فيخدم بأداته العلمية قلمه...

إ.ر.: ... أو ثمة كتَّاب يصبحون محلِّلين نفسيين. فيما يخصني، درست الأدب الكلاسيكي أولاً، ووجدتُني أفتقر إلى ما يكمل وجودي عبر مسار أدبي أوسع. شُغفتُ بالتحليل النفسي شغفًا فكريًّا وفلسفيًّا، وأدركت أن هذا الاختصاص لا بدَّ من أن يتغذى من المؤلَّفات الأدبية.

م.م.: وهل ظلَّ التحليل النفسي في برجه العالي؟

إ.ر.: بل تعمَّم على الأوساط الشعبية منذ بدأ الاهتمام بالأطفال في المدارس والضواحي ووُضِعَتْ مناهج علاجية للتلامذة. المحلِّلون النفسيون اليوم من طبقات شعبية، درسوا علم النفس أولاً كتمهيد لبلوغ عالم التحليل الوعر بلوغًا أسهل. السبعينيات كانت فعلاً أرضًا تنقيبية حصل فيها تغييرٌ جذري في مجال طب النفس والتحليل النفسي الذي نحا منحًى ديموقراطيًّا في فرنسا، خلافًا للخمسينيات، أيام كان حقل التحاليل النفسية وطبابتها وقفًا على البرجوازيين والمرضى من طبقة الأثرياء.

م.م.: هل من تطور في جلسة التحليل، كالتمدد على الديوان مثلاً؟

"ديوان" التحليل الشهير الذي كان يتمدد عليه مرضى فرويد.

إ.ر.: بالطبع، أُلغِيَ الديوان ليكون "المريض" في مواجهة مع المحلِّل، وليكون للجلسة طابع العيادات العادية.

م.م.: عودًا على سؤال وَرَدَ في الموضوعات المطروحة في المؤتمر: "لِمَ التحليل النفسي؟" وهل من المجدي تحريك اللاوعي والتنقيب في مجاهله؟

إ.ر.: إنه اليوم السؤال الأكبر. قد أقول في عفوية إنه من الأفضل أن ندع اللاوعي ساكنًا في عالمه العميق. لكن مَن منَّا يخلو منه؟! للناس كلهم عوالم باطنية تطفو على صفحة الوعي أحيانًا، مسبِّبةً اضطراباتٍ من الأنسب معالجتها.

م.م.: الحرية التي يناضل المرءُ في سبيلها، أليست خشبة الخلاص التي تريح المجتمعات الحرة من اضطراباتها النفسية؟ – وما أكثرها تفشيًا في البلدان الغربية!

إ.ر.: بقدر ما يناضل الإنسان في سبيل حريته يتعثر بمعضلات جديدة لم تكن في دائرة وجوده. مثلاً، هذا الإنسان تعيس ومضطرب منذ الخلق. فالسعادة وهم، وما البحث عن الحرية سوى معنى من معاني الحكمة التي علينا اكتسابها لنكون سعداء. لو تصفَّحنا التاريخ لوجدنا أنه ليس من عالم أو مجتمع نجا من الموت والمرض والشك وإرادة تدمير الواحد للآخر والغزو. هذا ما بيَّنه فرويد، فسعى إلى وضع حدود للبربرية.

م.م.: من فرويد إلى هذا المؤتمر، المسار طويل... فهل بلغ التحليل النفسي ذروة نتائجه؟ أم أنه لا يزال في طور من التنقيب والاكتشافات؟

إ.ر.: سؤال من الصعب الإجابة عنه بنعم أو لا. فما توصَّل إليه التحليل النفسي من تطور هو، أولاً، تخلِّيه عن جانبه المدمِّر، القائم على قلب الأنظمة الثابتة. أما فيما يخصني، فأتمنَّى أن يستعيد ما كان عليه من قبل: أداة احتجاج، لا أداة تسوية. أنا يسارية ثائرة ضد المجتمعات والأعراف الموضوعة؛ وبالتالي، ينبغي أن يكون اختصاصي أداة تفكيك ونقد ليكون فاعلاً.

م.م.: هل من أجل رفضك تلك الأعراف والتقاليد اعتنقتِ مذهب فرويد؟

إ.ر.: كان عليَّ أن أختار بين الأدب وعلم النفس. أنا ابنة محلِّلة نفسانية شهيرة اهتمت بقضايا الطفولة. لكنِّي، منذ صغري، أحببت الكتابة وتمنيت أن أصبح كاتبة. بدأت في النقد الأدبي في العشرين من عمري، ثم اختبرت ميدان الرواية، وفي العشرين فشلت. حتى ذلك اليوم، لم يعنِ لي التحليلُ النفسي شيئًا، ربما لأني عشت في كنف والدة محلِّلة. لكن صداقة جاك لاكان، المحلِّل والطبيب النفساني، لوالدتي وزياراته المتكررة لنا قد تكون "كلمة المرور" التي فتحت أمامي الدرب. هذا الرجل المتفوق، الذي سعى إلى اللاوعي يستنبش فيه هيكلية اللغة، ترك أثرًا بالغًا من حديثه في فكري.

جاك لاكان (1901-1981)

م.م.: لكن الاتجاه العام كان الأدب، كما فهمتُ منك...

إ.ر.: في منتصف الستينيات – وكنت في السوربون أكمل اختصاصي في الأدب – كان باريس يعيش حالةً من الغليان الفكري، وأنا في هذه الأجواء أرشف قدر المستطاع أفكار الفلاسفة، أمثال ميشيل فوكو، الذي لم تكن فلسفتُه بعيدة عن عالم النفس، ولاسيما في مؤلِّفاته تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي وولادة العيادة وحفريات المعرفة، وجاك درِّيدا الذي قطع كلَّ صلة مع المقامات الكلاسيكية، ومن مؤلَّفاته بطاقة بريدية من سقراط إلى فرويد، كما اتُّهِمَ بتعطيل العقل، وجيل دولوز الذي انتقد هوية خطاب المعرفة انطلاقًا من نصوص لنيتشه وكانط وسپينوزا...

ميشيل فوكو (1926-1984)

جيل دولوز (1925-1995)

م.م.: كأنكِ في هذه المرحلة عثرتِ على المادة التي تبحثين عنها؟

إ.ر.: السبعينيات! يا لها من فترة مثيرة، تألَّق فيها الفكر البنيوي اللاحق للفكر السارتري. خطاب البوڤوارية أضحى في خبر كان، حيث الإنسان لم يبقَ شفافًا في نظر ذاته. إنها مرحلة الريبات والشكوك. ننتقل من نيتشه إلى ماركس، ومعيارنا أن الإنسان محدَّد بهيكلية من اللغات والعبارات والمنظومات. في تلك الآونة، نشر لاكان كتاباته، في العام 1966 تحديدًا، ولم أكن اكتشفت بعدُ مجالاته الفكرية؛ ثم في العام نفسه صدر لفوكو كتابُه عن الكلمات والأشياء، أتبعه درِّيدا بكتاب عنوانه ممَّ سيكون قوام الغد؟ وانغمست في ذلك كلِّه، في كلِّ كتاب وفكر، وفي قرارة نفسي أني أديبة وعليَّ ممارسة هذا العلم دون سواه.

جاك درِّيدا (1930-2004) مع إليزابيت رودينسكو (1944- ) بمناسبة صدور كتابهما الحواري المشترك.

م.م.: ماذا وجدتِ في كتابات جاك لاكان؟

إ.ر.: قلت لوالدتي: "هذا اللاكان نابغة!" أجابتني: "منذ زمن وأنا أردِّد ذلك كلَّه." الآن فهمت. لاكان منح التحليل النفسي دفعًا أدبيًّا في فرنسا (فلولاه لقبع التحليل النفسي في مجالات الطب)؛ منحه المدى الذي أراده فرويد: أي أن يكون التحليل، في آنٍ واحد، سلوكًا يتأمل في أمور الإنسانية شاملةً ويعيد بهجة الحياة إلى الشباب.

م.م.: لم لو تلتقِ لاكان وفكره أين كنتِ اليوم؟

لاكان يدخن سيجاره الشهير!

إ.ر.: لولاه لما اهتممتُ بالتحليل النفسي ولا بفرويد ومؤلَّفاته؛ كنت تبعت حلمي الأول: الكتابة والفلسفة والنقد الأدبي – خاصة أن المرحلة من الستينيات إلى أوائل السبعينيات كانت تفور برجال الفكر وتدعونا إلى التكامل مع فوكو وليڤي شتراوس وجيل دولوز. وقد دفع طاقتي الأدبية إلى الأمام انتسابي إلى الحزب الشيوعي واندماجي في أجوائه ومشاركتي في حلقة رولان بارت.

رولان بارت (1915-1980)

م.م.: وهل كنتِ في قلب أحداث أيار 1968 أم بعيدة عنها؟

إ.ر.: بل وسط اللهب. تلك المرحلة مهمة جدًّا، لكني لم أتسيَّس، ولاسيما أني كنت اختبرت الجزائر بعد تحريرها كأستاذة أدب، وكنت في أثناء ذلك متزوجة من سينمائي كان عليه إنهاء تعاونيته في الجزائر.

م.م.: هل لمستِ آثار الاستعمار وأنت على أرض الجزائر؟

إ.ر.: كان الفكر لا يزال ملبدًا، وأنا في تلك الحمم أتعاطى في أبو مرداس مع جيل ما بعد الاستعمار. وفي تلك الأجواء، تعرفت إلى لوي ألتوسِّير، الملتزم القضيةَ الجزائرية، فحذوت حذوه، خاصة بعد أن قرأت ليڤي شتراوس.

لوي ألتوسر (1918-1990)

م.م.: وهل جميع الأساتذة الذين كانوا يدرِّسون في السوربون في أثناء دراستك الأدب لبوا ما كنتِ تطمحين إليه؟

إ.ر.: إثر تعمقي في الفلاسفة المعاصرين، دخلت فرع اللغات لأجد أساتذة في عالم قديم، محدودين، ينفذون برامج بالية ويرفضون رفضًا باتًّا تقليم الأدب المعاصر، ويحذِّروننا من مطالعة الرواية الحديثة ومطالعة فوكو وسواه. شعرت بعقم ما ندرس حتى أيار 1968، حيث نعمنا على مدى عشر سنين بمناهج على قدر أمنياتنا وجامعات تنسجم مع ذوقنا الأدبي – وهل كان أجمل من الاستماع إلى ليڤي شتراوس وبارت؟! وبعد عشر سنين عادت الجامعة إلى تحجُّرها. إنه منطق التاريخ!

كلود ليڤي شتراوس (1908- )

م.م.: ومتى ناداكِ فرويد إلى عالَم التحليل النفسي؟

إ.ر.: تفرغتُ على مدى سنين للدرس والكتابة. كان همِّي كمفكرة العالم المعاصر ومشكلاته. ثم قرعت باب التحليل، إنما ليس من باب والدتي التي كانت عيادية أكثر منها باحثة. الفكر التحليلي كان دافعي. شاركت في ندوات وتعمَّقت في موضوعي، حتى صرت واحدة من أولئك المحلِّلين في فرنسا، ولا أزال منذ عشر سنين أحضِّر حلقات لطلابي. هذا العام، مثلاً، أدخلت جاك لاكان إلى منهجي.

م.م.: كيف تمَّ دخولُكِ الجذري إلى هذه المهنة؟

إ.ر.: درستُ أولاً تاريخ مذاهب علم النفس، وتاريخ النساء في التحليل النفسي، والجغرافيا الشاملة لهذا العلم في جميع بلدان العالم، وتاريخ نظريات التنويم المغناطيسي. وفي الحلقات التي أحضِّرها أستقبل اختصاصيين من جميع بلدان العالم يقصدونني لكتابة أطروحاتهم.

م.م.: ما هي البلدان التي مابرحت مقفلةً على عالم التحليل النفسي وطبِّه؟

إ.ر.: البلدان الإقطاعية والتوتاليتارية والنامية. اليابان، مثلاً، منذ سقوط النظام الإقطاعي، انفتحت على الإنسان وحاجاته؛ وعيادات التحليل النفسي فيها تبنَّت برنامج ميلاني كلاين البريطانية المُعَد لصحة الأطفال، مما يبرهن على اهتمام اليابان بالطفولة. ومن ناحية ثانية، أضحى العالمُ أجمع معتمدًا نظريات كلاين، محلِّلة الطفولة، والإجراءات الوقائية لمشكلاتها. وسعى اليابانيون في مدارسهم العديدة إلى تطبيق مبدأ الأوديپ في ثقافتهم اليابانية؛ إذ أدركوا أن اليابان القديمة أفرزت حكاياتٍ كثيرةً كحكاية أوديپ العالمية.

م.م.: والصين... ألم تعتنق مذهب فرويد؟

إ.ر.: مادامت الديموقراطية لم تطأ أرض الصين لن تكون فيها مدارس وعيادات نفسية!

م.م.: وماذا استنتجتِ على هذا النحو من إقامتك في الجزائر؟

إ.ر.: في الجزائر برز في الخمسينيات، إبان الاستعمار، اسم فرانتز فانون، الطبيب المسئول عن مستشفى بليدة للأمراض النفسية. درس فانون لدى الأهالي الأصليين ظواهر ضياع الشخصية وإزالة الذات التي سببتْها عهودٌ من الاستعمار. من دراساته تلك كان نداؤه للثورة الجزائرية. لقد هزت تحليلاتُه الاجتماعية والسياسية للأخطار الناجمة عن الاستعمار المجتمعاتِ الأفريقية، فكان النضال المستمر لتحرير الأراضي الأفريقية كلِّها والعالم الثالث.

فرانتز فانون (1925-1961)

م.م.: هل ترك فرانتز فانون مؤلَّفات؟

إ.ر.: بكلِّ تأكيد، ومنها: ملعونو الأرض [بتقديم سارتر] وفي سبيل الثورة الأفريقية وبشرة سوداء، أقنعة بيضاء...

م.م.: متى يصبح لكلِّ فرد في هذا العالم حق التنقيب في أوجاعه النفسية؟

إ.ر.: حين تعمُّ الديموقراطية العالم، فيغدو كلُّ امرئ حرًّا في إطلاق صوته الباطني والعلني من دون أن يُساق إلى مخفر الشرطة أو يُتهم بالجنون!

م.م.: وهل التيارات الهامشية في المجتمعات، كالـPunks وجيل الـBeat وسواهما، خرجت من أمراضها في هذا التحرر الماجن؟

إ.ر.: بالطبع لا، الهامشيون لم يبحثوا عن الدواء الناجع. إنهم جانحون، أفرز جنوحُهم أحيانًا موسيقى وترويحًا عن النفس اختلطت فيه المواهبُ الباكرة بالمخدرات والجنس. ولكلِّ أزمة نفسية نهايتُها.

م.م.: محلِّلة نفسية وكاتبة وصحافية في صحيفة le Monde حول علم النفس، كيف تنظرين إلى العالم الصحيح اليوم من منظار المحلِّلة والإنسان؟

غلاف آخر كتب رودينسكو الجانب المظلم من أنفسنا: تاريخ المنحرفين.

إ.ر.: درستُ العالم عن كثب لأجد أنه في فترات الاضطرابات العالمية والحروب والأحداث التاريخية الكبرى تكون الإصابات النفسية لدى الأفراد شبه معدومة. فبقدر ما يزداد الدمار في العالم يجف باطن الفرد. أظهرتِ الإحصاءاتُ لنا أن العوارض النفسية في أثناء الحروب تفور داخل الإنسان ولا تطفو إلا بعد هدوء العاصفة!

*** *** ***

عن النهار، الأربعاء 13 حزيران 2001
التقت بها: مي منسى


 

horizontal rule

[1] سؤال السيدة مي منسى سؤال مشروع وفي محلِّه تمامًا، ونستغرب قبولَها إجابة رودينسكو من غير نقاش، لا بل تبنِّيها هذه الإجابة في مستهل تقديمها، متأثرةً، ربما، بشخصية محدِّثتها الآسرة. فهذه الإجابة، إلى تجاهُلها لاجتهادات محلِّلين كثيرين تجاوزوا "أفق" فرويد فعلاً وبرهنوا عياديًّا على هذا التجاوز، تنطوي على تناقُض إپستمولوجي وعلمي واضح، كثيرًا ما يقع فيه جمهور الفرويديين المتشددين، فيحولون التحليل النفسي إلى إيديولوجيا جديدة تجتمع فيها عناصرُ الدين كافة، بما فيها الأساطير والسرديات الكبرى (الأوديپ) والعقائد (اللاوعي بوصفه "سلة مهملات") والطقوس (جلسة التحليل بكلِّ شعائرها). إن خاصية العلم أن يظل منظومةً مفتوحةً على المعرفة؛ وكل علم يجمد في عقيدة (= يتحدد بـ"أفق") يدخل في باب الإيديولوجيا العلموية التي تدَّعي القدرة على فهم كلِّ شيء وتفسيره، فتنتفي عنه تلقائيًّا صفةُ "علم". (المحرِّر)

[2] يدل مصطلح "هسكلة" Haskalah (المشتق من كلمة سخل sekhel العبرية التي تعني "العقل") على حركة اجتماعية وثقافية نشأت بين يهود أوروبا الوسطى والشرقية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مستلهمةً فلسفة الأنوار، وراميةً إلى إخراج اليهود من تقوقعهم ودمجهم اجتماعيًّا في المجتمعات الأوروبية، من غير أن يتخلوا عن تراثهم التاريخي والثقافي. وقد أثرت هذه الحركة في مؤسِّسي التحليل النفسي، مثلما أثرت قطعًا في الحركة الصهيونية الناشئة. (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود