|
تحرير الجنسيَّة الاجتماعيَّة
يُعتبَر مصطلحُ "الجنسية الاجتماعية"، ترجمةً للفظة gender الإنكليزية، من المصطلحات التي دخلت قيد الاستعمال في علم الاجتماع منذ مدة. وعلى الرغم من استعماله في الغرب منذ السبعينيات، إلا أن استعماله في مجتمعاتنا مازال نادرًا لأنه غريب عن المجتمع الشرقي. هناك بالطبع فارق كبير بين الجنس sex وبين الجنسية الاجتماعية: فكلمة "جنس" تشير إلى الفارق البيولوجي بين الأنثى والذكر؛ أما الجنسية الاجتماعية (أو "النوع الاجتماعي") فهي الفارق الذي يضعه المجتمع أو يشكِّله، إذ يقوم بإضفاء أدوار اجتماعية مختلفة على كلٍّ من الجنسين تتوقف، في مجتمعنا مثلاً، على الثقافة المتخلِّفة التي تجعل الرجلَ جنسًا مسيطرًا والمرأةَ جنسًا تابعًا وناقصًا. والفوارق بين معاني المصطلحين ملموسة جدًّا: - ففي حين أن الجنس يعبِّر عن حالة طبيعية، فطرية، فإن الجنسية الاجتماعية من إيجاد الإنسان؛ - الجنس يعبِّر عن اختلاف تشريحي وفسيولوجي، بينما الجنسية الاجتماعية تعبِّر عن الأدوار والسلوكيات التي يُكسِبُها المجتمعُ لكلٍّ من الأنثى والذكر وعن المسؤوليات التي ينيطها بكلٍّ منهما؛ - الفارق الجنسي لا يمكن له أن يتغير إلا بعمليات جراحية، في حين يمكن تغيير الجنسية الاجتماعية مع الزمان والمكان والتحول الثقافي. القيام بترسيخ هذا التمييز بين المفهومين مهم جدًّا لعلم الاجتماع والحركات النسوية feminist لأن فيه تقويضًا للكثير من النظريات والإيديولوجيات والأفكار المسبقة التي مافتئت تصر على أن اللاَّمساواة بين الرجل والمرأة تعود إلى "نقص" أصلي في جسم المرأة، ووضعًا لإشارة استفهام جذرية على الأطروحات الكلاسيكية السابقة برمتها. لذا يمكن لنا القول بأنه يُعتبَر نظرة جديدة إلى القضايا الاجتماعية. إن المفهوم الأساسي الذي تعتمد عليه الجنسية الاجتماعية هو أن التقسيمات والتصنيفات الاجتماعية كلها تعود إلى ما تعرَّضت له المرأة من اضطهاد ومن إجحاف بها على مرِّ التاريخ، وأن اللاَّعدالة السائدة في معاملة الجنسين هي من إيجاد البشر والمجتمع، وليست من خلق الطبيعة؛ فهي كلها من افتعال النظام الاستبدادي وهي، بالتالي، قابلة للتغيير، بحيث يمكن للمرأة أن تلعب أدوارًا تُخرِجُها من النطاق الذي رَسَمَه لها المجتمع التقليدي، بما يغيِّر فكرة المرأة عن نفسها وعن الرجل ويغيِّر فكرة الرجل عن نفسه وعن المرأة. إذ إن فكرة النقص أو السيطرة والتحكم يتم تلقينها للطفل منذ الصغر؛ فإذا ما تمَّ إيجاد ذهنية متحررة من آثار النظرة الدونية إلى المرأة، يمكن لتأسيس مجتمع متحرِّر من ذهنية الجنسية الاجتماعية السائدة أن يتم. في الحقيقة يمكن رؤية آثار ذهنية المجتمع الجنسوي sexist في كلِّ ما يدور في محيطنا، حتى إن كلَّ شيء بات يسبح في مستنقع الأفكار البالية. فالطفل، منذ الصغر، يكون مطوقًا بهذه الذهنية من الجوانب كلِّها، بدءًا من فكره وعواطفه حتى أي شيء في محيطه. وإذا ما عقدنا مقارنةً بين نماذج مقترَبات الأسرة في مجتمعنا من الأطفال، سنتعرف تعرفًا أوضح إلى الواقع القائم وإلى كيفية نفوذ هذه الذهنية إليه. فمنذ سنِّ الثانية، يتم ضخ العادات والتقاليد في شخصية كلٍّ من الجنسين، حيث يقال للطفلة "تستَّري!" كي لا يظهر عضوُها الجنسي لأنها "حرمة"، في حين يتم التعامل مع العضو الذكري للطفل كلعبة أو كشيء مفرح؛ وفي حين يتم تخصيص ألبسة معينة للطفلة (كالحجاب أو منع لبس البنطلون في بعض الأوساط الاجتماعية إلخ)، نرى الطفل الذكر يجوز له أن يلبس ما يشاء من الملابس؛ وفي حين تُستقبَل ولادةُ الطفلة بالحزن والتشاؤم، تُستقبَل ولادةُ الطفل الذكر بالفرح والتفاؤل. في اختصار، كل ما هو جميل وإيجابي يكون لائقًا بالذكر، وكل أمر بسيط وتافه يكون لائقًا بالأنثى! ولا شك أن هذا الوضع لا يقتصر على المنزل والأسرة فحسب، بل تجد الجنسية الاجتماعية هذه مسيطرةً على جوانب الحياة كلِّها: فهناك أماكن ممنوع على النساء دخولُها، كالمقاهي وغيرها، وهناك أشياء يجوز للرجل وحده أن يستعملها في البيت (كالكأس الكبير، الغرفة الكبيرة، الكرسي الكبير، إلخ)؛ وحتى الكلمات الشائعة تنطوي على الجنسية الاجتماعية: فهناك صفات تُطلَق عادة على الرجل (أسد، فهد، نبي، إلخ) دون المرأة. ما توقفنا عنده أعلاه لا يتشكل تلقائيًّا بالطبع، بل هو نتيجة نظام اجتماعي متكامل يعتمد على الذهنية الاستبدادية. فإذا ما بحثنا في التاريخ، يتبين لنا أن جميع الإيديولوجيات حرصت على ترسيخ مفهوم اللاَّمساواة بين الجنسين، بدءًا من بعض الميثولوجيات (الأساطير) والأديان التوحيدية والفلسفات حتى الإيديولوجيات القومية والاشتراكية واللبرالية الجديدة: فهذه كلها تعمِّق من النظرة الدونية إلى المرأة، وتعمل على ترسيخ الذهنية الطبقية والعرقية بين البشر، وتعمل جميعًا على إضفاء الشرعية على أساليب السيطرة التي يفرضها الرجل على المرأة. قد تكون هناك تباينات من حيث زمن ظهور تلك الأفكار ومكانه، وقد يكون هناك اختلاف في بعض الجوانب التفصيلية، لكن النقطة المشتركة بينها جميعًا هي عدم وجود مقاربة إستراتيجية من قضية تحرُّر الجنسين، بحيث يكاد يتم استبقاؤها دومًا في ظل القضايا الأخرى. كذلك فإن افتقار الأفكار إلى العدالة جعلت القوانين جائرة على مرِّ التاريخ: فبدءًا من قوانين الدولة السومرية حتى الوقت الراهن، مازالت المرأة محرومة من حقوقها الكاملة كإنسان وكمواطنة، بحيث نرى دولاً مازالت تحرم نساءها من أبسط حقوقهن، كحق الانتخاب والترشيح، ويتم إنزال أفظع أنواع العنف بهن على أيدي الرجال، وذلك بالاستفادة من القوانين التي يمنحها حق "الولاية" على المرأة. وما "جرائم الشرف" وظاهرة الانتحار التي تقع المرأة ضحيتها يوميًّا في مجتمعنا إلا نتيجة من نتائج انعدام الحقوق والعدالة الاجتماعية في حقِّ النساء. من الناحية الاقتصادية، هناك أيضًا تفاوت فظيع في المجتمع. فبحسب الإحصائيات، يقال إن النساء يشكِّلن 70% من نسبة الفقراء في العالم. وهذا أمر صحيح، لأن النساء هن أكثر الفئات معاناةً من الاضطهاد الاقتصادي، حيث تعملن ليل نهار في البيت دون أيِّ مقابل لما تبذلنه من جهد؛ وليس هذا فحسب، بل لا يُمنَح عملُ المرأة قيمة معنوية حتى، فيُنظَر إلى الأعمال التي تقوم بها على أنها بسيطة وتافهة لا تستحق التقدير، مهما عانت من صعوبات كأمٍّ وكزوجة وكمواطنة. وفي حين يعمل الرجال دوامًا واحدًا أو بضع ساعات محددة في اليوم، تعمل المرأة من الصباح حتى وقت النوم! ولا يقتصر جهدها على صرف الطاقة المادية فقط، بل إنها مجبرة على بذل طاقة معنوية أيضًا حين تشمل أولادها وزوجها بالحب والعطف والحنان. هذا في خصوص المرأة التي تعمل في المنزل. لكن هناك عددًا كبيرًا من النساء اللواتي يعملن في البيت وخارجه معًا، مما يؤدي إلى معاناتهن من إرهاق بدني ونفسي فظيع؛ وما يحصلن عليه من أجر يعطينه لأزواجهن أو آبائهن دون أن يملكن حرية التصرف فيه؛ هذا بالإضافة إلى أن حق المرأة في الميراث في مجتمعاتنا، نتيجة العمل بأحكام الشريعة، مازال غير مساوٍ لحقِّ الرجل. ونتيجة لهذه السياسة الاقتصادية الجائرة، نرى عدد نساء الأعمال في العالم، مقارنة بعدد رجال الأعمال، قليلاً جدًّا لأن مجال التجارة والمال يحتكره الرجل تمامًا. من أجل أن تستمر هذه الذهنية، نرى أن كلاًّ من الإعلام والنظام التعليمي يلعبان دورًا رئيسيًّا في ذلك، بدءًا من المدارس حتى الجامعات، التي تعتمد كلها منهاجًا تأهيليًّا يقوم على ترسيخ النظرة الدونية إلى المرأة، كأنْ يرى التلامذة في الكتب المدرسية، منذ التعليم الابتدائي، الطبيب رجلاً والمزارع رجلاً والبطل رجلاً، فترسخ هذه الصور في أذهانهم عن غير وعي منهم. وبهذا يتم تهميش دور المرأة في القطاع العام للمجتمع، ويتم حصر دورها فقط في نطاق المنزل. هذا بالإضافة إلى التربية الدينية السائدة في مجتمعاتنا التي تؤكد على أن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد وتبيح الضرب وتفرض الحجاب إلخ، بحيث إنها تكرس كلَّ ما من شأنه أن يجعل الفتاة تنظر إلى نفسها على أنها "ناقصة" ويجعل الرجل ينظر إليها على أنها كذلك، فتنتقل هذه الرؤية التقليدية من جيل إلى آخر. هذا ويعمل الإعلام على إتمام ما بدأه النظام التربوي: إذ إن استخدام المرأة في الأفلام والدعايات والمسلسلات والأغاني كسلعة تجارية بعرض كلِّ جزء من جسمها في السوق أمسى في نظر الناس أمرًا طبيعيًّا. من هنا ليس من المبالغة القول إن الإعلام بات يكرس انحطاط المجتمع وسقوطه إلى هذا الدرك، بحيث تُستخدَم المرأة لتحويل الإنسان إلى كائن يعمل بدافع من غرائزه فقط، فيتم تفريغ كلِّ شيء من جوهره، ليتحول الحب إلى غريزة حيوانية، ويتجرد جسم الإنسان من قيمته المعنوية ليتحول إلى متاع، فيُختزَل الإنسانُ إلى مجرد "حيوان ناطق" يصير كلامُه مصيدة تصيده. بذا يحل التشاؤم محلَّ التفاؤل، والعنف محلَّ السلام، والانحراف الخلقي محلَّ الأخلاق، والشتائم محلَّ القصائد، والقبح محلَّ الجمال، والكذب محلَّ الصدق. وبالطبع فإن استعمال العلم والتكنولوجيا استعمالاً مجردًا من الأخلاق يجعلهما أشرس الوحوش. هذا ما تروج له وتسوِّقه أجهزة الإعلام المبتذلة. عندما تنظِّم هذه الذهنية نفسها في المجتمع إلى هذه الدرجة، لا يمكن لنا بالطبع الحديث عن سياسة "ديموقراطية"، لأن الدولة تؤسِّس نفسها أصلاً وفق هذه الجدلية، – جدلية ضعيف/قوي، فقير/غني، جنس أدنى/جنس أرقى. لذا نرى أنه حتى في البلاد التي تكون فيها القوانين ميسرةً دخولَ المرأة في الانتخابات لا تتمكن النساء من الفوز. لماذا؟ لأن الدخول في سباق دون أن يتم التحضير له ماديًّا ومعنويًّا يعني الإخفاق منذ البداية. تهميش المرأة في المنزل، في الاقتصاد، في الإعلام، في الأحزاب، في الدعاية، إلخ – ألا يعني سَوْق المرأة إلى سباق خاسر سلفًا؟! هذه هي لعبة "النظام الرجولي الجديد" ومؤامرته. فكأنه يريد أن يقول للمرأة: "المشكلة مشكلتك... فها أنا ذا أمنحك الفرصة تلو الفرصة، لكنك تخسرين!" أي أنه بهذا الشكل أيضًا يريد أن يشرِّع نظامه غير العادل (كما حصل في الكويت مثلاً)؛ ما ينجم عنه أن عدم تكافؤ الفرص في نواحي الحياة الأخرى، كانعدام الديموقراطية في المنزل والشارع والأحزاب، لا يمكن له أن يؤدي إلى تحقيق الديموقراطية في السياسة. واستمرار هذا الواقع يعني استمرار سيطرة الرجال على آليات صنع القرار كلِّها. ليس صحيحًا القول إن تأثير نتائج هذا النظام الجنسوي يطال المرأة فقط. فما تعانيه المرأة من استهتار بحقِّها ينفذ في الواقع إلى سائر العلاقات الاجتماعية والسياسية. فالرجل القوي ينظر نظرة دونية إلى الرجل الضعيف، وشعوب الشمال تنظر إلى شعوب الجنوب نظرة على غرار نظرة الرجل إلى المرأة، والقوميات الحاكمة تنظر إلى الأقوام الواقعة تحت سيطرتها على أنها شعوب جاهلة وناقصة. كما أن رغبة الإنسان في السيطرة على الطبيعة هي الأخرى انعكاس للعلاقة غير المتوازنة بين المرأة والرجل. وتشبيه الأرض والطبيعة بالأم، ألا يمكن له أن يكون نابعًا من التشابه الفظيع بين العلاقتين؟ – العلاقة بين الرجل والمرأة والعلاقة بين الإنسان والطبيعة. على الأغلب، نعم. فالعلاقات الاستعبادية في عصرنا الراهن ربما تضرب بجذورها في أول صراع بين المرأة والرجل. وهذا يعني أن الجنسية الاجتماعية تحكم جميع العلاقات الموجودة في العالم، بغضِّ النظر عن نوعيتها. فكيف يمكن لتحرير الجنسية الاجتماعية أن يتم إذن؟ وكيف يمكن لنا أن نعرِّف بالفوارق بين المرأة والرجل؟ هناك في الحقيقة حاجة، قبل كلِّ شيء، إلى وجهة نظر فلسفية جديدة، وجهة نظر متحررة من جميع آثار النظرة الدونية إلى المرأة. ليس من المبالغة القول إنه ينبغي التشكيك في قيم الحضارة كلِّها، أو ما يُسمَّى بـ"الحضارة الإنسانية"، بدءًا من فجر التاريخ حتى الوقت الراهن. فكما أن تاريخ المظلومين يحرِّفه المستبدون دائمًا، كذلك فإن التاريخ الذي كتبه الرجال في حاجة إلى إعادة نظر جذرية فيه لناحية دور المرأة. وليس من الخطأ أن تتم كتابة تاريخ جديد للبشرية، لأن التأريخ المعاصر يتم فيه تهميش فئات بعينها من الناس. إذا ما تم اتخاذ المفهوم السابق أساسًا في تحليل كلِّ ما يحيط بنا، سيتم التوصل إلى مفتاح الفرج من كلِّ ما تعانيه الإنسانية من قضايا. وهذا يعني أن هناك حاجة إلى عملية تغيير جذري للأسُس الفكرية التي تقوم عليها مؤسسات المجتمع، بدءًا من الأسرة حتى الدولة، وإلى العمل على حصر كلِّ ما يدعو إلى التحكم في إرادة الفرد والمجتمع بهدف إزالته والعمل على ترسيخ أفكار ديموقراطية جذرية. من أجل التمكن من تحقيق نظرة جديدة عادلة، هناك حاجة ماسة إلى رؤية إيكولوجية للفوارق الموجودة. ففي النظام الإيكولوجي، كل شيء في توازن مع الطبيعة، ولكلِّ شيء في الطبيعة دور خاص به، وجميع الأدوار في الطبيعة هامة، ولا يوجد أي كائن ليس له أو لها دور يختص به. لكننا، لأننا نقيِّم الطبيعة بحسب نظرتنا الضيقة، نمنح بعض الكائنات اعتباطًا أدوارًا مركزية محورية، فيما نقيِّم بعضها الآخر على أنه ثانوي. وهذا عائد إلى النظرة المركزية البشرية anthropocentrism، ومُفادها تسخير كلِّ شيء في خدمة الإنسان، دون أن يخطر بالبال أن الإنسان جزء من الطبيعة، مما يؤدي إلى مقاربة كلِّ شيء من المنظور البشري البحت. في قول آخر، هناك علاقة طردية بين مقترَب الإنسان من الإنسان وبين مقترَبه من الطبيعة، كما نوهت إليه سابقًا. إن تحكُّم الرجل في المرأة أدى إلى تكريس مفهوم السيطرة على الطبيعة، حتى اغترب الإنسانُ عنها لدرجة أنه نسي أنه جزء منها! ومن هذا القبيل، فإن النظرة الإيكولوجية إلى الفارق الموجود بين الرجل والمرأة نظرة بالغة الأهمية. خلاصة هذه النظرة أن هناك فارقًا بيولوجيًّا طبيعيًّا بين بدنَي الجنسين؛ ولكن هذا لا يعني أن يكون لأحدهما فضل على الآخر. فبدلاً من تقييم هذا الاختلاف على أنه ضعف ونقص، ينبغي، على العكس تمامًا، تقييمه على أنه غنى، بحيث إن كلاًّ من الجنسين يتصف بما يتمِّم به الآخر. وكل رؤية تقوم على ترسيخ سيطرة جنس على الآخر يُعتبَر أمرًا متناقضًا مع الطبيعة. هناك نقاط قوة في بدن المرأة ونفسانيتها ونقاط قوة في بدن الرجل ونفسانيته. فلدى المرأة، كما أثبت العلم، قابلية أكبر لسبر شخصية الإنسان وعواطفه ولديها المهارة في إتقان اللغات إلخ، في حين أن لدى الرجل قابلية للتعرف إلى الخرائط والأفكار المجردة تعرفًا أدق؛ الذكاء العاطفي لدى المرأة قوي جدًّا لأنها تعتمد على الحدس وقوة الحسِّ لديها، في حين يتحلِّى الرجل بذكاء تحليلي أقوى لأنه يعتمد على قوة المنطق. وعلى الرغم من أن العلم برهن أن المرأة تستطيع أن تنجب أنثى دون أي تدخل من الرجل، وفي عبارة أخرى، أنها لم تولد "من ضلع آدم"، كما يقال لنا، وأن حواء تستطيع أن تنجب أنثى دون قيام علاقة جنسية مع آدم، لكن إنجاب الإناث فقط سيؤدي إلى انعدام التوازن في المجتمع البشري. فالإعلاء هنا من منزلة المرأة لا يعني تكريس سلوك على غرار السلوك الذي سلكه الرجل حيالها، أي استصغار الرجل؛ إذ إن حماية التوازن الطبيعي مهمة للغاية للجنسين معًا. إذا ما كانت هذه الاكتشافات تؤكد على شيء فعلى أن لكلٍّ من المرأة والرجل دورًا يختص به، وعلى أنه لا يجوز لجنس، اعتمادًا على الاختلاف البيولوجي، أن يسيطر على الآخر. فكما أن لكلِّ حيوان، صغيرًا كان أم كبيرًا، لكلِّ شوكة ولكلِّ وردة، لكلِّ كوكب ولكلِّ نيزك، دورًا في هذا الكون الفسيح، كذلك يختص كلٌّ من الرجل والمرأة بأدوار في الحفاظ على التوازن الطبيعي. من هذا المنطلق، نرى بأن الأسُس الإيديولوجية والفلسفية التي كانت تعتمد عليها الجنسية الاجتماعية القديمة تفقد مصداقيتها، فتؤول إلى الانهيار. الوهم الجنسوي الذي انخدع به الرجالُ والنساءُ يتبدد. وها صروح إمبراطورية الرجل التي غررت بنا آلاف السنين تغرق في مستنقع كذبها وريائها. كل ما علينا هو العمل على التحرر من آثارها والعودة إلى المنبع، إلى ثنايا المجتمع الطبيعي، حيث كان كل شيء في سلام ووئام: الإنسان مع الإنسان، والإنسان مع الطبيعة. أليست هذه هي الحياة التي تليق بنا كبشر؟! 24/01/2007 *** *** ***
|
|
|