|
من
التَّنوير إلى الظَّلاميَّة؟! في
روايته الأخيرة المدينة الملونة، أشار
الكاتبُ د. حليم بركات إلى نقاش جرى بينه وبين
د. شارل مالك حول مستقبل البلاد. كان ذلك في
أوائل الستينيات، وقد وصف بركات ما جرى في
روايته المذكورة كما يأتي: هنا
أوقفني مالك عن متابعة كلامي قائلاً: "ماذا
تعرف أنت عن تاريخ الكنيسة؟" فأجبته: "أعرف
أن القديس بولس قال جازمًا منذ البدء: لتخضع
كل نفس للسلاطين الفائقة." هنا عمَّ صمتٌ
قطعَه مالك أيضًا بكلام جازم حاسم أنهاه
بقوله: "لا خلاص للبنان سوى بالمسيحية."
صعقني كلامُه، فلم أصدق ما سمعت، فقلت له
منفعلاً: "غدًا أتوجَّه للمسلمين: يا إخوان،
لا خلاص لكم سوى بالمسيحية! أسألك، يا معالي
الوزير شارل مالك، ماذا تتوقع أن يكون الجواب؟"
لا أذكر أنه أجابني على تساؤلي؛ فقد كان ذلك
كافيًا لانفضاض الجلسة خوفًا من تدهور النقاش. تذكرت هذا المقطع في أثناء
قراءتي صحيفة النهار، تاريخ 09/10/2006، حين
لفت نظري فيها خبران اثنان: الأول يتعلق بـ"حزب
التحرير" ("ولاية لبنان") وانعقاد
مؤتمره السنوي الأول في مدينة طرابلس تحت
شعار "عودة الخلافة الإسلامية"، وبما
تناولَه خطابُ رئيس المكتب الإعلامي في الحزب،
الأستاذ أيمن القادري، من دعوة إلى إعادة
لبنان إلى ما كان عليه قبل العام 1920 جزءًا لا
يتجزأ من بلاد المسلمين، أي خضوعه للخلافة
الإسلامية. وهذا يعني، في ترجمته العملية،
إخضاع البلاد إلى أحكام الإسلام. والخبر الثاني هو الصِّدام
الذي جرى بين أنصار آية الله بوروجردي في جنوب
طهران وبين رجال الشرطة، حيث استخدم هؤلاء
قنابل الغاز المسيل للدموع وقاموا باعتقال
بوروجردي الذي يطالب بفصل الدين عن السياسة،
خصوصًا بعدما سبق له التصريح بأن موقفه في
جوهره هو الدفاع عن الدين التقليدي، لأن
الشعب تعب من الدين المسيَّس، وهو الموقف
الذي يُعتبَر رفضًا لما يُعرَف بـ"ولاية
الفقيه"[2]،
إبقاءً للدين الإسلامي في موقعه الصحيح في
إطار العلاقة بين المسلم وربِّه فقط. جدير بالذكر أن البيان
التأسيسي لـ"حزب الله" في العام 1985
تضمَّن صراحةً هدف الحزب تطبيق الشريعة
الإسلامية في لبنان عن طريق بناء الدولة
الإسلامية[3].
إن تأييد الحزب ولاية الفقيه يعني، في منطق
الأمور، موافقته على كلِّ ما يصدر عنه، ومنها
قوله إن ولاية الفقيه لا تشمل الشؤون الدينية
فقط، بل إدارة الدولة وأصول الحكم، مما يعني
القول ببناء الدولة الإسلامية في لبنان
وتطبيق الشريعة الإسلامية على اللبنانيين. كذلك فيما يتعلق بـ"حزب
التحرير"، فإن القائمين على هذا الحزب دعوا
صراحةً إلى وضع دستور في لبنان يرتكز على
أحكام الشريعة الإسلامية. وتاليًا، فإن هؤلاء
جميعًا يهدفون، في المآل، إلى إخضاع غير
المسلمين في لبنان، أي المسيحيين فيه، لأحكام
الدين الإسلامي؛ أي أنهم يدعوننا إلى أن نطلب
من المسيحيين القبول بتطبيق أحكام الإسلام
عليهم ماداموا لبنانيين. إن هذا التيار هو الوجه
المقابل لأصحاب الرأي الداعي إلى عدم الخلاص
في لبنان إلا بالمسيحية، الذي عبَّر عنه
المرحوم د. شارل مالك والذي يتشابه مع
المحاولات الجارية في غرب أوروبا وشرقها
لتنصير هذه المجتمعات في مواجهة قيم المجتمع
العَلماني فيها، الأمر الذي يعني، في النتيجة،
إخضاع المسلمين المقيمين في الغرب لقواعد
المجتمع المسيحي الذي يهدف هؤلاء إلى إقامته
تحت طائلة إخراج المسلمين من البلاد في حال
رفضهم ذلك[4]. وليسمح لي أنصار هذا التيار
أن أضيف أنهم صورة مقابلة أخرى لأصحاب التيار
الديني المتشدد لدى اليهود في إسرائيل الذين
يدعون إلى إعادة تهويد إسرائيل في مواجهة
النظام القومي الصهيوني اللاديني، كذلك من
طريق إعطاء طابع توراتي لأرض إسرائيل بديلاً
من المفهوم القانوني للدولة، وما ينتج عن ذلك
من إخضاع المسلمين والمسيحيين فيها لأحكام
الدين اليهودي، علمًا بأن طرح مفهوم تهويد
إسرائيل يقف في مواجهة المجتمع العَلماني فيه. فهل يوافق أصحاب التيار
القائل بتطبيق الشريعة الإسلامية في لبنان
على إخضاع المسلمين في إسرائيل لأحكام الدين
اليهودي وإخضاع المسلمين في أوروبا لأحكام
الدين المسيحي؟! إن هذه التيارات الإسلامية
والمسيحية واليهودية المتشددة يتفق بعضها مع
بعض على المناداة بوجوب العودة إلى التقيد
الكامل بالشريعة (الإسلامية أو المسيحية أو
اليهودية) ورفض إقامة أي اتصال مع المجتمع
العَلماني المدني ورفض كل ما أنتجته البشرية
من أفكار ومفاهيم وعقائد لا تمت بصلة إلى
المفاهيم القرآنية والإنجيلية والتوراتية. من البرنامج المهم الذي
قدمتْه الصديقة سنا أياس خاجريان على شاشة
"المؤسسة اللبنانية للإرسال" منذ بضعة
أشهر تحت عنوان "شوف الفرق وما تفرِّق"
والذي جمعتْ فيه مجموعةً من الشبان والشابات
من مختلف الطوائف اللبنانية، قبل تعارُفهم
بعضهم على بعض، ثم بعد تعارُفهم وإقامة
علاقات بينهم خلال سنة، ظهر أن الشيء الأساسي
الذي ينفر منه المسيحيون ويمنعهم من التعايش
مع المسلمين هو مفهوم "الجهاد" لدى
المسلمين، أي استمرار الدعوة في لبنان لأسلمة
غير المسلمين. فهؤلاء الشباب المسيحيون يرون
في هذا الدعوة سلبًا لمقومات حياتهم
الاجتماعية والروحية ووسيلة لإكراههم على
سلوك اجتماعي يتناقض مع ما تسمح به قيمُ الدين
المسيحي ولحضِّهم على الانتماء للإسلام،
وإلا القبول بالبقاء كمواطنين من الدرجة
الثانية كـ"أهل ذمة". وهكذا فإن القول في مجتمع
تعددي مثل المجتمع اللبناني بإقامة نظام دولة
إسلامي يعادل الدعوة إلى إبقاء عناصر التناحر
في هذا المجتمع بين مختلف طوائفه، مما يؤدي
إما إلى حروب أهلية متكررة، وإما إلى رحيل
إحدى الطوائف وترك البلاد للطائفة الأكثر
عددًا، كما حصل في فلسطين، حيث لا يتجاوز عددُ
المسيحيين في بلد المسيح 1,5% من السكان فقط[5]! إن القول بوجوب وضع دستور
يرتكز على أحكام الإسلام في لبنان ينطلق من
اعتبار أن في إمكان الإسلام الذي وُضِعَتْ
قواعدُه في القرن السابع الميلادي حلَّ جميع
معضلات الفرد والمجتمع في القرن الحادي
والعشرين، بكلِّ تعقيدات هذه المرحلة، وذلك
دون الاستعانة بأية أفكار أنتجتْها حضاراتٌ
وثقافاتٌ وعقائدُ أخرى. وهذا يعني أن الإسلام
هو "نهاية التاريخ"، وهو البديل لجميع
الديانات والحضارات، السابقة له واللاحقة! من جهة أخرى، فإن القول
بإحياء الخلافة الإسلامية يأتي ليتناقض مع
النظام الديموقراطي الذي لا يقبل به
الإسلاميون لأن لا أساس قرآنيًّا له. فنظام
الخلافة ينطلق من مفهوم أن السلطة الشرعية
الوحيدة هي سلطة الله – عز وجل – المطلقة
التي يمارسها عبر الخليفة الذي ينحصر دورُه
في تطبيق ما شرَّعه الله وما حرَّمه في القرآن.
وهذا إنْ كان يعني شيئًا فهو أن ما يقوله
الخليفة مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية وأن
كل مَن يعارضه يُعتبَر وكأنه يعارضها. يتحدث المرحوم د. علي عبد
الرازق عن موقع الخليفة ودوره في نظام
الخلافة، فيقول في مؤلَّفه الإسلام وأصول
الحكم الصادر في العام 1925: فالخليفة
عندهم ينزل من أمَّته بمنزلة الرسول صلى الله
عليه وسلم من المؤمنين، له عليهم الولاية
العامة والطاعة التامة والسلطان الشامل، وله
حق القيام على دينهم، فيقيم فيهم حدوده وينفذ
شرائعه، وله بالأولى حق القيام على شؤون
دنياهم أيضًا. وعليهم أن يحبوه بالكرامة
كلِّها لأنه نائب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وليس عند المسلمين أشرف من مقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم. فمن سما إلى مقامه
فقد بلغ الغاية التي لا مجال فوقها لمخلوق من
البشر. عليهم أن يحترموه لإضافته إلى رسول
الله، ولأنه القائم على دين الله والمهيمن
عليه والأمين على حفظه. والدين عند المسلمين
هو أعز ما يعرفون في هذا الكون: فمن ولي أمره
فقد ولي أعزَّ شيء في الحياة وأشرفه. عليهم أن
يسمعوا له ويطيعوه، ظاهرًا وباطنًا، لأن طاعة
الأئمة من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله. وهكذا فإن خيار نظام
الخلافة بديلاً من النظام الديموقراطي يترك
المجال، في تقديري، لإساءة تطبيق مفاهيم
الشريعة نفسها من جانب الخليفة تحت ستار
التفسير (وهذا ما جرى فعلاً في التاريخ
الإسلامي) دون أن يستطيع أحدٌ الاعتراض، لأن
كلَّ اعتراض على ممارسة الخليفة دوره وتفسيره
لشرع الله يُعتبَر كأنه اعتراض على هذه
الشريعة. من جهة أخرى، وعلى افتراض
القول بوجوب تطبيق الشريعة الإسلامية وإحياء
الخلافة، فأية خلافة يجب الأخذ بها؟ هل هي
تعيين الخليفة من طريق الشورى، كما يقول
المسلمون السنَّة؟ أم يجب العمل بنظرية ولاية
الفقيه وتحديد سلطانه في شؤون الدين والدنيا،
بانتظار عودة "المهدي"؟! ونشير إلى أنه على الصعيد
التطبيقي يجب، بحسب الداعين إلى إحياء
الخلافة، الأخذ بأحكام الإسلام في شؤون
الحياة من حيث تطبيق ما ورد في الشريعة
الإسلامية من إقامة الحد الشرعي: قطع يد
السارق وجلد الزاني ومنع شرب الخمر ورفض
التعامل بالفائدة وإكراه النساء على لبس
الحجاب والنظر إلى المسيحيين كأهل ذمة، وليس
كمواطنين متساوين مع المسلمين، إلخ. إن هذا المفهوم للإسلام يضع
حدودًا على كلِّ ما أنتجتْه البشريةُ في
مختلف العصور من أفكار وعقائد وفلسفات ومناهج
علمية وتقديس للعقل لأنها جميعًا، في مفهوم
أصحاب هذا الفكر، تتعارض مع الإسلام.
فالإسلام، في نظرهم، هو ما نصَّ عليه القرآنُ
الكريم وقسمٌ من أحاديث الرسول – صلى الله
عليه وسلم – التي يوجد إجماعٌ عليها؛ وكل ما
يتجاوز ذلك يُعتبَر متعارضًا مع أحكام
الشريعة الإسلامية مادامت لم تتناوله. إن هذا التوجه الإسلامي
الأصولي يجد مرجعيته الفكرية في كتابات
المرحوم سيد قطب، وخصوصًا في كتابيه الشهيرين:
في ظلال القرآن ومعالم على الطريق،
حيث يقسم المجتمعات المدنية إلى نوعين: مجتمع
إسلامي ومجتمع جاهلي. وهو يعتبر أنه لم يعد من
وجود لمجتمع إسلامي لأن المجتمعات المعاصرة
سحقتْه وأضحت هذه المجتمعات "جاهلية".
لذلك يدعو سيد قطب إلى مقاطعة المجتمعات
المعاصرة لأنها، في نظره، مجتمعات جاهلية،
ويدعو إلى الخروج منها، ثم إلى العمل من
خارجها على تدميرها وإقامة النظام الإسلامي
بديلاً منها[6]. إن هذه المواقف الأصولية
تتباين مع أفكار النهضويين الإسلاميين، من
أمثال القاضي الشيخ علي عبد الرازق والمصلح
الديني جمال الدين الأفغاني والإمام محمد
عبده، الذين عاشوا أواخر القرن التاسع عشر
وأوائل القرن العشرين، وكانوا يدعون إلى
تفسير الإسلام بما يتوافق مع تغير المجتمعات
الحديثة واحتياجاتها، بهدف جعل الإسلام
يتوافق مع ما في الحضارات الأخرى ومظاهر
التقدم العلمي من اكتشافات واختراعات، ليبقى
الإسلام خالدًا على مرِّ السنين، غير متقوقع
على ما أنتجه هو فقط. حتى إن الشيخ علي عبد
الرازق أباح للمسلمين اختيار نظام الحكم بقدر
ما يكون ملائمًا للعصر، حين قال في مؤلَّفه
المشار إليه أعلاه: والحق
أن الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة التي
يتعارفها المسلمون، وبريء من كل ما هيأوا
حولها من رغبة ورهبة ومن عزٍّ وقوة. والخلافة
ليست في شيء من الخطط الدينية، كلا ولا القضاء
ولا غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة.
وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة، لا شأن للدين
بها؛ فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمَرَ بها
ولا نَهى عنها، وإنما تركها لنا، لنرجع فيها
إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة.
[...] لا
شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم
الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن
يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له
واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام
حكومتهم على أحدث ما أنتجته العقولُ البشريةُ
وأمتن ما دلَّت تجاربُ الأمم على أنه خير أصول
الحكم. وهكذا نجد أنه منذ أكثر من
ثمانين سنة كان هناك اتجاه عقلاني إشراقي
نوراني في رؤيته للإسلام، ينطلق من جوهره
وليس من مظاهره؛ اتجاه يأخذ تطبيقُه في
الاعتبار تغيُّر الظروف والأحوال ليجعل
الإسلام متضمنًا كلَّ ما أنتجتْه البشرية من
أفكار ومكتسبات وقواعد وعقائد تنحو إلى خير
البشرية وتقدمها. في حين أننا اليوم، وبعد
مرور هذه السنين كلها، نجد أن الاتجاه السائد
الآن في نظرته إلى الإسلام هو اتجاه ظلامي،
مغلق على شكليات النصوص وليس روحها، ينظر إلى
النصوص الشرعية نظرةً متحجرةً لا تأخذ في
الاعتبار تغير الظروف والأزمان، ليفرض قوالب
جاهزة تجعلها بعيدة عن الغاية التي جاء
الإسلام لأجلها، الأمر الذي من شأنه، عند
تطبيق تلك القوالب الجاهزة، أن يؤدي إلى عسف
وإكراه ليسا من جوهر الدين الإسلامي في شيء. من ذلك كلِّه، أجد أن طرح
فكرة إعادة إحياء الخلافة الإسلامية والعمل
على إقامة دستور يستند إلى أحكام الشريعة
الإسلامية، فضلاً عن أنه لا يجد أساسًا
دينيًّا عقلانيًّا له، فإنه يُعتبَر ظاهرةً
خطيرةً في مجتمعنا اللبناني التعددي. فهذا
الاتجاه، في حال نجاحه، "قنبلة موقوتة"
ستؤدي إلى تدمير بنيان المجتمع اللبناني الذي
يجب المحافظة عليه في جوهره التعددي
والديموقراطي القائم على الحرية. من هنا فإن
جميع اللبنانيين، مهما اختلفت اتجاهاتهم،
مدعوون إلى مواجهة هذا الاتجاه الخطير الذي
يعيدنا إلى عصور الجاهلية – نعم الجاهلية! –
لأنه تحويل للدين الإسلامي من نظرة شفافة إلى
الكون ومن دليل إلى الهداية إلى "صنم"
تجب عبادته! ***
*** *** عن
النهار، الأحد 12 تشرين الثاني 2006 [1]
محام وكاتب. [2]
الرأي القائل بـ"ولاية الفقيه" التي
نادى بها الإمام الخميني والتي تعطي الفقيه
المذكور الولايةَ المطلقةَ في الحكم
وإدارة الدولة، إضافة إلى ولايته في الشؤون
الدينية، هو التيار السائد حاليًّا في
إيران ولدى القوى التي تتأثر به، وعلى
الأخص "حزب الله" في لبنان. [3]
علمًا بأن أحد الأصدقاء في "حزب الله"
أسرَّ لي بعدم صحة ما نُسِبَ في البيان
المذكور إلى هذه الجهة، الأمر الذي يجب
التأكد منه. [4]
هذا يذكِّر، إلى حدٍّ كبير، بدور محاكم
التفتيش الكنسية في إسبانيا بعد سقوط
الأندلس، التي خيَّرت المسلمين بين الموت
أو الرحيل أو التنصُّر. [5]
المعروف أن رحيل المسيحيين الفلسطينيين عن
بلادهم لم يتم فقط لأسباب تتعلق بسياسة
إسرائيل تجاه العرب، ولا لأسباب اقتصادية
فقط، بل لأسباب تتعلق بتصرف الإسلام
الأصولي حيالهم أيضًا. وكلنا يذكر كيف حاول
الأصوليون الإسلاميون في فلسطين بناء جامع
ملاصق لإحدى الكنائس في الناصرة دونما مبرر،
مما أدى إلى تشاحُن طائفي انتهى بتدخل
العقلاء من الجانبين الإسلامي والمسيحي
لوقف عملية البناء الاستفزازية. [6]
هذا ما يفسر وجود الأصوليين الإسلاميين أو
بعضهم في جرود الضنية وفي مخيم عين الحلوة،
ممن يعتبرون أنفسهم خارج المجتمع المدني
اللبناني لأنه يعتبرونه "جاهليًّا".
فهم يحاولون إقامة النظام الإسلامي فيه بعد
تدمير مجتمعه "الجاهلي"! |
|
|