نـبـضُ الـكَـوْن

 

فوزية السندي[*]

 

أيُّها الموت،

آنَ لك أن تصغي:

أهدر جفوني لأراني،

قبل أن تراني لك.

*

مثقل بمكين الحجر،

ومع ذلك يدير حُجَّة الهواء!

*

ملكوت يتَنادَه بشريعة الغياب –

من شدة صَمَمٍ يجتبينا

لا نجفل لمشتكاه.

*

أيُّها الضرير، قل لي:

كيف نستبرئ من طعون لا تستضير.

*

تراتيل وتهاليل تثيرها الفراغات،

مسالك وتدابير صرفة

لا شأن لها بحلولك، يا أيها المستنير.

*

قدومك يتلوك،

خطوك يقتفيك،

حيث لا ظل إلا ظنك.

*

ثياب النور تُضني مَن يغشاها.

*

قمم تسوِّر صخرًا سحيقًا،

و

نسور لا تقاوم المستحيل.

*

كلُّ معنًى لا يستكين نشور.

*

نتناوب على ترتيب جسدٍ يتهايل

لترهيب نَفْسٍ تتهاول.

*

عندما التاجَ بنفيس السهو

تناهى عن الأجل المقدس.

*

حينما استبرقَ الحكيم

انهارت على راحتيه خدائعُ المكان

لينساح

كشريان دم تعاقد مع القلب بقيامة عهد فريد.

*

سمِّه السرَّ،

لأسميك السراج الحافل بمسراه.

*

القمر لا يقوى على القهر

دون تأنيب قدير يفشي الوميض.

*

لأوازيك بعصاي الضريرة،

قُدْني، أيُّها الأعمى، لينابيع فيوضي.

*

قنديلٌ خالٍ من الليل

أسجيه على أصابعي

فيفور الظعن.

*

أهيلوني!

ها قد...

زُوِّدتُ به.

*

رتِّقْ حروفي،

زاوِلْ مبتغى نفاذك –

كلِّي إصغاءٌ لحدوثي.

*

أعنِّي، يا خفاء التجنِّي،

على مراودة محنة التجلِّي.

*

كلُّ الملائك تستنير،

كلُّ الكواكب تستضيء –

عدانا:

بظلامة النظر نبدأ منتهانا.

*

للفراغ حيِّزٌ حكيم

تجيِّره حروفٌ تجور،

حيث المعنى لا يُستدَلُّ عليه.

*

عناية الحياة عناء

لِمَنْ لا يشقى لمعرفته.

*

معضلة المعرفة

تَعاظُم الدليل دون يقين.

*

لتصلوا... تفارَروا

بلا مبتغى يدين غبن المنحنى،

بلا غبار يهدي الهوالك.

*

الغاية لا توصِل، بل تؤصِّل.

*

حنكة الوردة عطرها الغرير.

مَن غيرها يصف مدى حكمته؟

*

مسيرة الحياة لا تعتد بالتيه المجرَّب،

بل تعدوه بمسرَّاتها الجائرة.

*

شظف الظمأ لا يبرِّر عُتْهَ الطواف

حول سرايا السَّراب.

*

الهواء مُريد فريد

لنهج لا يتأوَّل.

*

أقِلْني

تجريحَ أذى الناي.

*

حينما أجثو،

أجزع من تعطُّفي.

*

لو الغابة استقرت في سؤال:

كيف لهم غايات كلِّ هذا العذاب؟!

*

اللوتس، وهو يتنهد،

يتشابه وأريجَ مطر يرتهي.

*

عندما يصادق الهنودُ الحمر الأيِّل والغيم والنهر

يوقنون أنهم يتعرون من نصل بارودنا

بجرأة نِسْغ ضال.

*

ضد الفأس،

تفتِّق الجذورُ مساراتِ الجذوع نحو أعالي المفر.

*

كلُّ المراعي

تحفل بخراف تُجازي مهارةَ العشب

بصمتٍ يتفهَّم مغزى الينبوع.

*

أول الجسد حدوثٌ تتوالى؛

آخر الجسد حدوسٌ لا تتدارى.

*

مغتشةً بماضٍ مات،

مختضَّةً بحاضر يُحتَضَر،

مرسَلةً لمستقبل يرتعد،

أجدُّ الخطو نحوي.

*

يفور...

ليفوز بي.

*

ما إن أغادر عيني

حتى تفيض الظلمةُ ضدي،

لأجابهني وحدي.

*

خسارتك الوحيدة

أنك لا تتأسَّى لك.

*

أصابع البيانو تتفاوت في رنينها

و

أصابعكم تتناوب دومًا على ذات الرنين.

*

للضحكة هوجة البحر،

للدمعة هجرة الموج.

*

لا أندم،

لئلا أستذكي منتدى الألم.

*

أطفو حالما أستتب.

*

لهب يخون الهواء...

ليحتمي به.

*

قداسة النبيذ تتحقق في دَهْسِ عنب حر.

*

كلما واريتُ مغتواي

تماهى بمبتغاي.

*

للطفلة أشرعةٌ عسيرةٌ لا تأتمر لغير غيِّها.

ليتني

لم أخاصم عنف مراميها.

*

لي قلب شغوف بهدر الجبال:

كلما رآها تبتعد عنه،

راح يتسق بظلالها المديدة.

*

أحببت روحًا طليقة بما يكفي

لتتنمَّر ضد مأواي.

ومع ذلك،

أسهمت بانسراح عراها

لئلا تستبد بحرية عراي.

*

كلُّ قبلة تشيع

لا سيد لها.

*

ليس لنا...

كلُّ إثم لا يستغفر ضحاياه،

لا يهتم بتناول قداس نواياه،

لا يُديم رَدْمَ خطاياه،

لا يرانا في مستقر المذبح نراه.

*

لا شأن لنا بمرمى خطًى لا ترانا.

*

احتملت طويلاً عبءَ الضجيج،

عربدةَ حديد العربات،

حتى كاد صدري يتهتك بمنتهاه،

وما احتملت أبدًا

هولَ صهوك الثاقبِ طاقةَ قلبي

آنَ يرسي لك هديرَ ثناياه.

*

إياك أن تباعد فتونَ أصابعك

عن فراغات تنتشي بمجونها الراحل

بين غوادر أصابعي.

*

تتضرع الشهوات كلُّها

حتى تقترب لتستعلم لَسْعَ منتواها.

*

كيفما كنت أحبك!

لا تستثرْني بتفاسيرك ولا بِلَغْوِك الفريد،

بل استنزلْ... لعناقِ أقدارٍ تفريك.

*

تكدرتُ

حينما تذكرت كم هو مهذار ومحتال هذا الشعر!

*

وأنا أنهل من جفاء احتمالك

لا أعرف لماذا تنتابني

عذريةٌ لا تقاوم!

*

لئلا أنهي هذا النص

بدا المطر الكسير

يكسو صمت الكون.

*

قليل من التفاسير لن تضير سدنتكم.

هكذا،

أخرج للشرفة وأدع المطر يكسوني،

لكونه رسول السماء الوحيد الذي يحدوني

بحريره وملاسته وكفايته ليباسي.

لذا أدعوه دومًا

لمراوغة موهبة تستدعي الظن به.

*

لا أتحدى الليل –

رأفةً بي على الأقل.

أدعوه لمجايلتي،

محاكمتي إن شاء،

منابذتي إن لم يشأ.

لكوني أخافه،

أهادن آهاتِه،

أعصاه،

أستبقُ معصيتَه،

لأبدو له.

*

ما يغريني فيك

قدرةُ عطرك على التغاوي بما يغريك.

*

اعتدت أن أحتضن الأشجار منذ وقت قديم بالفعل:

كنت أضمها بكلتا يدي، أتنسَّم نِسغَها حتى الموت...

لأورق مثلها، لا أدعها تبتعد عني،

بل أبالغ في ضمِّها،

كأني،

في سكرة الخلق،

أنتشي بخضرة قلب لا يدركني.

*

طفلي يوسف باح لي بخوفه من الله،

فبحت له بخوفي منه،

دون أن أستدرجه لمعناي.

*

القش لا يعلم الحقل،

إنما بقدرة القمح يتعلم منه.

*

أقسى الكلام

قتلُ الآخر بتحريمٍ ينتهك حريته؛

وأقسى الفعل

تجريمُه بإلغاء كلامه.

*

أحب الخريف،

لا لكونه يعرِّي الطبيعة،

بل لكونه يكتشف مذاقًا آخر لها.

*

كلَّ صباح أنهض من سرير الحلم

لأشتعل بسريرة الوهم.

*

للرملة قدرةٌ على تفسير البحر كلِّه

لو تحصَّلتْ على حرية بوح الموج.

*

بجَلَد عميق كأنها الكهنوت

تتوتر العنكبوت وهي تقيس الفراغات

بوكر الضحية؛

لا تكترث بعالمنا الضحل،

بل تواكب مهنتها على مَهَلِ مُكْرٍ يرتويها.

*

عبَّاد الشمس لا يستدير نحو الشمس

كما نتوهم،

لكنه يستنير به،

ليوحي لنا وللشمس بكونه يوافي الأمر.

*

أوان الحب:

قابلية القلب، غامضةً، كأنها بلا مسعى

غير كسره.

*

أجَلُّ ما أجني من صمتي

صدى هذا الكوكب الصارخ

ضدي.

*

وحيٌ بخيل يتنزَّه بما يكفي

لأجيِّر حدوثي بصريح حبري الأكيد.

*

وجعٌ كفيلٌ برنين كبدي

كلما رأيت طفلاً يبكي.

*

قتيل يراهم يجفلون لمرآه!

ليغادر عنفهم الجلف،

يظل يرتاد هواءً آخر لم يعتادوه.

*

مشكل الشعر:

قدرته على التلاشي قبل أن تراه عينُ المعنى الذي تخافه.

*

الملح تعبير المادة عن مدى صبرها على البحر.

*

غاندي العاري من وقته

لا يقل عن كلِّ ذبيح اكتشف مدى حرية شعب يتسع لقتله.

*

العشب طريح الريح –

كلنا يعرف ذلك؛

لكن ما لا نعرف عنه

أنه مَن يستنهض كلَّ هذا الفعل.

*

للشكِّ قميص داثر:

أول الخطو يتقمَّصه،

وآخرُه يستبيه.

*

أفيق كلَّ ليلة لأرى الليل.

*

لامني الموتُ عندما استهمتُ به،

لازَمني وأغمدني في عطيرِ كفن،

راح يستبسل بي كلما رامني

أفيض بي.

*

مذ استكفيتُ بمهارة الفيوض

واستنرت بموازين القوى

لم أعد أصغي لأحد.

لست شاردةً ولا حصيفةً بسراياكم

لأقدَّ من لوازمي غية النزوع.

يكفيني ما يستأمر بي!

*

تُنبِتُ الأرضُ سلاحَها العاري،

ونصوغ سلاحَنا الضاري؛

هي تواكب نبضَ الكون،

ونحن نتكاسر بما تبقى منَّا.

*

للعنكبوت قدرةٌ تستهوي الزوايا،

أقلها تشكيل البيت بحرير ساهٍ

عن هندسةٍ لا تساوم تشريف الزوايا.

*

الشرنقة، قبل أن تهشِّم مأوى الحب،

تسأل أجنحةً عمياء تلتذُّ بجثمان ضارٍ

إلى "كيف؟"

*

الثعالب ذوات الفراء

تخفي الثلجَ عنَّا والجوعَ عنها

لئلا نهتم بمصيرنا الجائر

ولئلا نلج خفاءَ عداها.

*

أحب فيك جُرْمَك وقتلاك وسكينةَ هولك –

كأنك حليف موتي الصعب!

بلا محلَّفين ولا قضاة ولا منصة،

وحدك المتهم البريء الطليق الفريد،

ولا غيرك أحد متهم إلاي!

*

تنظيم طاغٍ

يقسرنا على السكون

والالتجاء إلى مكاسر النفس –

لماذا؟!

*

البئر لا يتجمَّل بعذب الماء وقعر الطين.

تراب لا يهتم بصيرورة هبوط الدلاء.

البئر يدرِّسنا معنى الحفر لمغتوى تدريسنا.

*

آه، العاشق رحيق المحبة وعطر القُبَل.

*

للروح إشراقةٌ يتقنها القلب،

تشريفٌ يتقد ويعلو بنا،

لنعدو كلِّية هذا الأفق.

*** *** ***


 

[*] شاعرة وكاتبة من البحرين. والنص من كتاب لها بعنوان أسمى الأحوال.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود